محمد ولد إمام's Blog
November 5, 2025
ماذا يعني فوز زهران ممداني لنا مسلمين وعربا؟
فيمساء غير ملامح السياسة في نيويورك، خرج زهران ممداني من حدود التوقع إلى فضاءالإمكان، لا بوصفه سياسياً جديداً فحسب، بل كرمز لتحول عميق في الوعي الجمعيلمدينة كانت تُعرف بصلابة منظومتها ونفوذ لوبياتها.
فوزههذا لم يكن مجرداً من الدلالات لكنه كان لحظة تنطق بأن التنوع يمكن أن يتحول منشعار إلى واقع ملموس، وأن المدينة التي كانت تُدار من علٍ بدأت تُصغي أخيراً إلىنبض شوارعها.
فيلحظة تاريخية غير مسبوقة فاز زهران ممداني، ذو الأربعة والثلاثين ربيعاً، مرشحالحزب الديمقراطي بمنصب عمدة مدينة نيويورك، مسجلاً سابقة أخرى كأصغر من يتولى هذاالمنصب منذ أكثر من قرن، وأول عمدة مسلم لأكبر مدينة أمريكية.
وُلدممداني في أوغندا لأب أكاديمي من أصول هندية وأم من جنوب آسيا، قبل أن ينتقلصغيراً إلى نيويورك، المدينة التي ستصبح لاحقاً ميدان تجربته السياسية والإنسانية.في حملته الانتخابية لم يسعَ إلى التجمل بالعبارات التقليدية ولا إلى مسايرةالخطاب السائد، بل قدم نفسه كما هو: مسلماً، مهاجراً، تقدمياً، ومؤمناً بأن العدالةالاجتماعية لا تتجزأ.
ومنبين أقواله التي وجدت صدى واسعاً قوله: «أنا أترشح لعمدة نيويورك، لا سفيراًلإسرائيل». كانت تلك الجملة كافية لتفتح عليه أبواب الهجوم من دوائر النفوذ، لكنهافي الوقت نفسه جعلته رمزاً لشجاعة الموقف، وصوتاً جديداً داخل المدينة التي تُعدالمعقل الأكبر للوبي الصهيوني خارج إسرائيل.
يرىممداني أن السياسة الحقيقية لا تنفصل عن الأخلاق، وأن العدالة في غزة مثلها مثلالعدالة في برونكس أو كوينز، كلاهما امتحان لضمير العالم.
رفضالاعتراف بإسرائيل دولةً «يهوديةً» خالصة، مؤكداً أن الشرعية لا تُبنى على الإبادةوالتمييز، بل على المساواة.
لميكن يخشى تسمية الأشياء بأسمائها، فوصف ما يحدث في غزة بأنه «إبادة جماعية تُنفذبأموال دافعي الضرائب الأمريكيين»، وكشف أن صناديق تقاعد المدينة تستثمر ملياراتالدولارات في سندات إسرائيل وشركات السلاح، معتبراً ذلك تمويلاً للقتل على حسابفقراء نيويورك.
بهذهالصراحة الصادمة قلب موازين الخطاب السياسي في عاصمة المال والإعلام، ليعلن أنمناهضة الاحتلال ليست شأناً خارجياً بل مسألة داخلية تمس روح العدالة الأمريكيةنفسها.
إن فوز زهران في قلب نيويورك يحمل كثيراً من الرمزية لمن كان له وعي، فقد أحدث تصدعاًفي قداسة الولاء لإسرائيل داخل الوعي الأمريكي، وفيه إشارة إلى أن ميزان الأخلاقبدأ يميل حيث يجب أن يميل.
يمثلزهران ممداني جيلاً جديداً من الساسة الذين يرون في المنصب وسيلة لا غاية، وفيالسياسة ضميراً لا مهنة. إنه ابن مدينة تتغذى على التنوع، ويبدو أنه أدرك أنالقيادة ليست في الصوت العالي لكنها في القدرة على الإصغاء للناس.
إن فوزهيذكر بأن التحول يبدأ حين يؤمن المواطن بأن صوته يساوي شيئاً، وأن المدينة، مهمابلغت صلابتها، لا يمكن أن تظل محصنة أمام الحقيقة إلى الأبد.
لقدجاء هذا الفوز ليقول للعالم إن العدالة لا جنسية لها، وإن الضمير يمكن أن ينتصرحتى في قلب العاصمة غير الرسمية للوبي الصهيوني.
إنهحدث يتجاوز السياسة إلى ما يشبه الإلهام الإنساني، وكأن نيويورك — المدينة التي لاتنام — قد استيقظت أخيراً على حقيقة جديدة: أن فلسطين لم تعد تهمة الخيانة، بل هي مقياسالعدالة.
محمد ولد إمام
November 4, 2025
قيمة الوقت.. حين ندرك أننا نعيش على رصيد ينفد!
قيمة الوقت.الزمنليس ما يقوله التقويم، بل ما يتسرب من بين أيدينا ونحن نظن أننا نملكه.
لوتأملت يومك حق التأمل، لاكتشفت أنك لم تعش منه إلا لحظات قليلة.
النوميأخذ ثلثه، والانتظار يأكل ثلثه الآخر، والباقي تلتهمه الشاشات والمجاملات والمهامالصغيرة التي لا تترك فينا أثرا.
الحياةالحقيقية، إذن، ليست في عدد الساعات، بل في الوعي الذي نحياه في تلك الساعات.
كللحظة نعيشها هي استثمار في أنفسنا، إما يضاعف قيمتنا أو يستهلكها.
هناكأعمال تتراكم، وأخرى تتبدد.
القراءة،التأمل، العمل الصادق، هذه كلها تثمر مع الأيام.
أماالفراغ أو والانشغال الدائم بالتوافه دون معنى، فهو كما قال أحد الحكماء: «كمنيحرث البحر».
وقدأقسم الله تعالى بالزمن فقال: «والعصر، إن الإنسان لفي خسر»، لأن الخسارة الكبرىليست في المال ولا في الصحة، بل في الوقت الذي يضيع دون أن نصنع به حياة.
قالالحسن البصري: «يا ابن آدم، إنما أنت أيام، فإذا ذهب يومك ذهب بعضك».
وكليوم يذهب دون أن يثمر خيراً أو معرفة أو أثرا، إنما هو قطعة من وجودنا تتساقط بصمتفي بئر النسيان.
فيهذا العصر المتسارع، أصبحنا نحسن إدارة أجهزتنا أكثر من إدارة أعمارنا.
نضبطالمنبهات والمواعيد، نتابع المهام والرسائل، ونغفل عن حقيقة بسيطة: أن الساعة التيتمضي لا تعود، وأن أخطر أنواع الغياب هو الغياب عن لحظتك.
قالأبو الطيب المتنبي: "وذي الدار أخون من مومس
وأخدع من كفة الحابل
تفانىالرجال على حبها
ومايحصلون على طائل"
فالزمن لا ينتظر من أضاعه، ولا يرحم من سوف به.
نحسبالربح والخسارة في المال، وننسى أن رأس مالنا الحقيقي هو الدقائق التي نحياهابصدق.
قالالنبي ﷺ: «نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ».
فماأكثر من يبدد وقته في طلب ما لا يزيده إلا فراغاً أكبر مما بدأ به.
كانالمفكر الأمريكي إرنست بيكر يعيش تجربة مختلفة مع الزمن.
فيسنواته الأخيرة، أصيب بمرض عضال، وبينما كان الجسد يضعف، اشتعلت فيه الرغبة فيالفهم.
كتبوهو على فراش المرض كتابه الشهير «إنكار الموت»، ليقول فيه إن الإنسان لا يهرب منالفناء بالإنكار، بل بالمعنى.
رأىبيكر أن الإنسان، في وعيه أو لا وعيه، يسعى إلى ما سماه «مشروعات الخلود» — تلكالأعمال التي تجعل للحياة ظلا بعد الرحيل: كتاب يخلد، علم ينتفع به، ابن صالح،فكرة تورث، أو حب يترك أثره في الناس.
وكانيقول: «كل شيء في حياتنا تتحدد قيمته بمدى قدرته على البقاء بعد موتنا».
تأملْهذا المعنى، وستدرك أنه ليس بعيدا عن جوهر الإسلام نفسه، إذ يقول الله تعالى:
«إنانحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا وآثارهم».
إنهاالآثار إذن... ما تبقى منك حين لا يبقى منك شيء.
يقولالفيلسوف الآخر: «المشكلة ليست في أن وقتك قليل، بل في أنك لا تعرف كيف تنفقه»، لميكتشف جديداً بقدر ما أعاد إلينا ما نسي من الحكمة القديمة:
أنالوقت ليس وعاءً نملؤه، بل هو حياة تزهر كلما سقيت بالنية والمعنى.
قالابن القيم رحمه الله: «الوقت هو حياتك، وهو ظلك الراحل عنك».
وكللحظة تمر هي خطوة نحو الغياب، فإما أن تترك وراءك صدى، أو فراغا.
فينهاية المطاف، لا أحد ينجي نفسه من الموت، لكن بعض الناس ينجون من النسيان.
يموتالمرء مرتين: حين يُوارى في التراب، وحين يُمحى أثره من الذاكرة.
حينأنظر إلى الوراء، أرى أن أجمل أوقاتي لم تكن تلك التي ضحكت فيها كثيرا، بل تلكالتي فهمت فيها شيئا عن نفسي أو عن العالم.
تلكاللحظات التي فهمت فيها معنى غير نظرتي، أو قرأت فيها كتاباً أنار بصيرتي.
تلكاللحظات كانت زمناً خالصا للروح، لا يقاس بالساعات بل بالأثر.
يقولون:«الوقت سيف، إن لم تقطعه قطعك».
لكنالسيف ليس قاتلا بالضرورة، فقد يكون نحاتا يصوغك مع الأيام.
وكلما عليك أن تفعل هو أن تمسكه بوعي، وأن تعرف فيم تستهلك عمرك.
الحياةلا تقاس بطولها، بل بكثافتها.
لسنابحاجة إلى مزيد من الوقت، بل إلى مزيد من المعنى فيما نفعل بالوقت الذي بينأيدينا.
فالذينعرفوا قيمة الزمن لم يعيشوا أعماراً أطول، لكنهم عاشوها بشكل أعرض، كأنهم استخرجوامن كل لحظة لبها الصافي وتركوا القشرة للآخرين.
فياأصدقاء، لنجعل من وقتنا وقفا لمعنانا، ومن أعمارنا مشروعات خلود.
ولنتذكرأننا لن نحاسب على كم عشنا من الزمن بل على كيف عشنا ذلك الزمن.
فمنأحسن استثمار وقته فقد كتب فصولا من الخلود في هامش الفناء.
محمد ولد إمام
November 3, 2025
October 27, 2025
ذكريات من معارض الكتب!
خلال حفل توقيع "كشكول الحياة" بعرض الدوحة للكتاب 2020
لمتكن معارض الكتاب بالنسبة إلي مجرد أسواق لبيع الورق، لكنها كانت عوالم صغيرة تفيضبالحلم والدهشة واللقاءات التي لا تنسى، أشبه بمواسم صيد الغزلان، حيث تنبت الكتبعلى الرفوف كما تنبت الأزهار في الحدائق، ويصبح الهواء أثقل بالمعرفة وأخف بالفرح.
أولالمعارض التي علقت في ذاكرتي كانت معارض القاهرة الدولية أيام دراستي بالقاهرة. كانتتلك السنوات محطات مهمة وشائقة من العمر، حملت منها رائحة الورق وأصوات الباعةوضحكات الأصدقاء، ورغبة عارمة في أن أمتلك الدنيا كلها بين دفتين.
كنتأتجول بين الأجنحة كما يتجول طفل في متجر حلوى، أضع ميزانيتي الصغيرة في جيبي،وأحاول أن أشتري بها ما لا يشترى. كانت المنحة تتأخر، والأسعار ترتفع، ورفوف الكتبتغويني كأنها كنوز من زمن غابر.أتذكر أول نسخة من ديوان أبي الطيب، ومن حديث الأربعاء لطه حسين، ومن القاموسالعملاق Longman Language Activator.
أتذكرتلك اللحظات كأنها عيد صغير، فقد كنت أراها بوابة إلى عالم جديد ومثير، أقلبصفحاتها كمن يتعرف على القارة الأولى في حياته.
وأتذكركيف أغرمت بدواوين نزار قباني، وخصوصاً الأعمال السياسية، تلك التي كانت تتنفسبمرارة زمنها وتمرد شاعرها. كانت قصائده تربكني وتحرضني وتشعل شيئاً في داخلي لمأكن أعرف له اسماً بعد.
ومنأجنحة دار الهلال خرجت محملاً بترجمات لأسماء كنت أتهجاها ببطء: دوستويفسكي،تولستوي، نوبوكوف... كنت أفتح كتبهم كما يفتح باب على قارة بعيدة، وأغلقها وقد تغيرشيء في نظرتي إلى الإنسان والعالم والمصير.
ثمهناك مرتعي ومجر عوالي، أي سور الأزبكية حيث الكتب المستعملة الرحيمة بجيوبنا نحنالطلبة، وفيها يجد الباحث مبتغاه وربما عدت بكتاب عليه إهداء أو عبارات حب ولعل شخصاباع كتبه لدواعٍ قاهرة كما عدت الضرورة الأديب الفالي إلىبيع كتاب الجمهرة فكتب أبياته الشهيرة:
أنست بها عشرينحولا وبعتهاوقد طال وجدي بعدها وحنيني
وما كان ظني أنني سأبيعها
ولوخلدتني في السجون ديوني
ولكن لعجز وافتقار وصبية
صغارعليهم تستهل شؤوني
وقدتخرج الحاجات يا أم مالك
كرائممن رب بهن ضنين..ويقال إن تلك النسخة وقعت في يد الشريف المرتضى فأعادها إليه مع ثمنها.وفي سور الأزبكية ربما صادف المرء أشياء من هذا النوع.
وعندشراء الكتب المستعملة أشعر دائماً أن بين دفّات تلك الكتب أنين من مروا قبلي،وبصماتهم الخفية على الورق.
معرض الدوحة الدولي للكتاب 2020فكنتأعود من المعرض مثقلاً بالكتب وخفيفاً من الهم، كأنني اشتريت خلاصاً مؤقتاً من ثقلالعالم. أحياناً كنت أشتري الكتاب نفسه مرتين، وأقول في نفسي: “لا بأس، ستكونواحدة للقراءة، وأخرى للهدايا.”
معمرور السنوات صرت أضع خطة لكل معرض أزوره: يوم أول للاستطلاع، ويوم ثان للاقتناء،ويوم أخير للمساومات والصفقات الرخيصة، حين تحاول دور النشر التخلص من أثقالها قبلالرحيل. كانت تلك اللحظات في آخر يوم من المعرض تشبه وداع صديق قديم لا تعرف متىتلقاه من جديد.
زرتبعد تلك السنوات معارض شتى وأقمت حفلات توقيع لبعض دواويني ولكتاب كشكول الحياة، ولكلمعرض نكهته وسحره. غير أن القاهرة كانت شيئاً آخر، كانت كتاباً مفتوحاً علىالذاكرة، يختلط فيه عبق التاريخ بصوت الباعة ودفء الوجوه. هناك تعلمت أن الكتابليس سلعة تشترى، بل حياة تعاش.
فالكتبيا أصدقاء، ليست أوراقاً تقلب، لكنها مرايا تريك نفسك التي ضاعت منك، وتعيد إليكدهشة الأيام التي كانت تلمع مثل الحبر الطري على الورق.
محمد ولد إمام.
October 13, 2025
شهادة تدريب المدربين TOT
October 2, 2025
عن فضيلة الشيخ ولد الددو
الشيخ الددو يسلم محمد ولد إمام درع تكريم الحالية الموريتانية في قطرعن العلامة الشيخ محمد الحسن الددو،كان أول لقاء لي معه نهاية سبتمبر 2016، بفندق ريلز كارلتون الدوحة، رفقة الأستاذ عبد الرحمن الكرار، وقد جلسنا قليلا واستذكرنا وتحدثنا عن بعض المسائل التي للشيخ فيها فتاوى حديثة مؤصلة وأذكر أنه سألني عن كل الأهل تقريباً فذكرني بالشيخ عدود وسعة علمه بالأنساب وسألني عن بعض المخطوطات التي نُشرت في المكتبة الألمانية آنئذ.ثم أنشدتُه الأبيات التالية:حَيِّ الإمام المُسْتَقيمَ الأبَرْمُحَمَّدَ الحَسَنَ فينا الأثَرْنَــــماهُ للْمَجْدِ جُـــدودٌ لهفالمجْدُ فيه كائنٌ واسْتَقَرْمن آلِ عَدودٍ وآلِ الدَّدَوْوآلِ يَعْقوبَ الدَّراري الدُّرَرْأئــــمـــةٌ غُــــرٌّ فلا غــروَ إنْخَـــلَــــفَهمْ منه إمـــامٌ أغرْيدعو إلى الحقِّ يُنادي به"ودامَ هكذا النِّدا واسْتَمَرْ"شُهودُه في العلمِ إنْ رُمْتَهمْألْفِيةُ ابْنِ مالـِ والمُخْـتَصَرْللعِلْمِ يدْعو الجَفَلى والنَّدافـــلا تــراهُ آدبـــاً يَـنْـــتَـــقِــرْفطالبُ العُلومِ يَحْظى بهاوطالبُ الوَطَرِ يَقْـضي الوَطَرْوبُغْيَتي مـــنكــمْ دُعـــاءٌ لـــناوحِفْظُ عَهْدِ السلفِ المُشْتَهَرْفذلك العهْدُ هنا ما انْمَحىوذلكَ الودُّ هــنا ما انْــــدَثَرْ.
محمد ولد إمام_ 24 سبتمبر 2016- الدوحة - قطر
September 29, 2025
مداخلة الشاعر والكاتب الفائز بجائزة شنقيط للآداب المختار السالم أحمد سالم
September 23, 2025
تيك توك.. من أين تأتي أموال الداعمين الفلكية؟
هل تساءلتم يوماً عن الأموال التي تنهمر على التيكتوكرز في بثوثهم المباشرة؟ عن تلك “الهدايا الافتراضية” التي تتطاير كالألعاب النارية على الشاشة، وتتحول بعد دقائق إلى أرصدة مالية في حسابات صانعي المحتوى؟ على السطح يبدو الأمر مجرد دعم من جمهور متحمس، لكن خلف الكواليس تدور أرقام هائلة، ونسب اقتطاع معقدة، وشبهات تمويل غير مشروع تصل أحياناً إلى القضاء. الآلية بسيطة في الظاهر: مستخدم يشتري عملة المنصة “Coins” ببطاقته الائتمانية أو عبر متجر التطبيقات، ثم يهدي بها صانع محتوى فيتحول الدعم إلى “Diamonds” يمكن سحبها نقداً. لكنّ تقارير صحفية وتحقيقات رسمية تشير إلى أن هذا النظام نفسه قد يصبح منفذاً لغسل الأموال وتمويل أنشطة غير قانونية إذا لم يخضع لرقابة دقيقة.
في يناير 2025 رفعت ولاية يوتاه الأميركية دعوى قضائية ضد تيك توك متهمة المنصة بالتغاضي عن استغلال ميزة الهدايا في البث المباشر لأغراض غسل الأموال، وتمويل أنشطة مشبوهة، بل وتسهيل استغلال القاصرين. وثائق المحكمة التي كُشف عنها لاحقاً تشير إلى مشروع داخلي سري لدى الشركة باسم “Project Jupiter” خُصص للتحقيق في هذه المزاعم. وفي تركيا فتحت هيئة مكافحة الجرائم المالية MASAK تحقيقاً موسعاً بعد أن كشفت عن تحويل ما يقرب من 82 مليون دولار منذ عام 2021 إلى مستخدمي تيك توك عبر التبرعات والهدايا الرقمية، في عمليات اتُّهم بعضها بكونه واجهة لغسل الأموال أو تحايلاً ضريبياً.
الأمثلة الفردية لا تقل درامية. ففي ولاية ألاباما الأميركية اتُّهمت موظفة كنيسة باختلاس نحو 300 ألف دولار من أموال الكنيسة وإنفاق جزء منها على شراء Coins لدعم صانعي محتوى على تيك توك، في واقعة تم توجيه تهم احتيال إلكتروني فيها. هذه الحادثة ليست استثناءً، بل نموذج على هشاشة الرقابة في هذا الاقتصاد الافتراضي الجديد.
آلية المنصة ذاتها تفتح المجال للاستغلال. فالعملات الافتراضية والهدايا الصغيرة يصعب تتبعها، وتتيح للمستخدمين تفتيت مبالغ كبيرة إلى تحويلات تبدو غير لافتة. كذلك تسمح الحسابات الوهمية أو الوسطاء “الوكالات” التي تدير مذيعين كثر بتمرير أموال بين أطراف متعددة قبل تحويلها إلى نقد حقيقي. ومع أن تيك توك يفرض على المبدعين في دول عدة التحقق من الهوية قبل السحب، إلا أن تفاوت القوانين وضعف التعاون عبر الحدود يجعل من الصعب ضبط كل العمليات.
في الوقت نفسه هناك جمهور حقيقي يموّل هذه الظاهرة، فبعض “الحيتان” ينفقون آلاف الدولارات بحثاً عن الاعتراف أو الترفيه أو المشاركة في معارك البث المباشر. لكن تقارير صحفية عديدة حذرت من أن هذه البيئة ذاتها قد تشجع على سلوكيات إنفاق غير رشيد، وأن تضخيم أرقام الدعم يغري آخرين بالمشاركة دون وعي بأن المنصة تقتطع ما بين 50 و70 في المئة من كل هدية قبل أن تصل إلى صانع المحتوى.
ما يحدث على تيك توك اليوم يشبه إلى حد بعيد ما شهدناه سابقاً في ألعاب الهواتف أو مواقع البث المباشر الأخرى، لكنه في حالة الهدايا الافتراضية أكثر خطورة بسبب حجم السوق العالمي وسهولة الاستخدام وانتشار الوكلاء غير الخاضعين للرقابة. ومع أن الشركة أعلنت في بيانات متفرقة أنها تحارب غسل الأموال وتراجع أنظمة الدفع، إلا أن التحقيقات المستقلة تكشف عن فجوة واسعة بين التصريحات والممارسة، وعن اقتصاد ظلّ يزدهر خلف واجهة الدعم الطوعي للمحتوى.
المشهد إذن ليس بريئاً بالكامل. ملايين الدولارات قد تكون دعماً حقيقياً من متابعين متحمسين، لكنها أيضاً قد تكون أداة مثالية لتمرير أموال غير مشروعة عبر طبقات من العملات الافتراضية والتحويلات العابرة للحدود. ومع تزايد نفوذ هذه المنصات، يصبح من الضروري أن يطالب الجمهور والسلطات بقدر أكبر من الشفافية والرقابة على هذا النوع من التمويل الرقمي، حتى لا تتحول الهدايا الافتراضية إلى غطاء لغسل الأموال أو إلى سوق سوداء تعمل تحت ستار المحتوى الترفيهي.
المصادر:
TikTok Live Unsealed Redaction Highlights – ولاية يوتاهOregon Capital Chronicle – تقرير عن دعوى ولاية يوتاهDaily Sabah – تحقيق MASAK تركياThe Guardian – موظفة كنيسة ألاباما وإنفاقها على TikTokAML Watcher – Utah Lawsuit Alleges TikTok Livestreams Facilitated Money Laundering Activitiesالكتاب وطن متنقّل: لماذا نحتاج وطناً يُحمل في الحقيبة؟
الكتاب وطن يُحمل في الحقيبة الكتاب وطنٌ حين تضيق بك الأوطان. وطنٌ يُطوى في حقيبة، ويُفتح على اتساع القلب.
هذه التدوينة مرافِقةٌ لمقالي المنشور اليوم في الجزيرة نت عن فكرة الكتاب وطن متنقّل: كيف تخفّف القراءة وطأة الغربة، وتمنحنا جغرافيا من المعنى أينما حللنا.
لماذا كتبت هذا المقال؟الواحد منّا قد يسافر ببدنه، وتبقى روحه تبحث عن "بيت". الكتاب يمنحك هذا البيت: لغة تألفها، وأصوات تحرس وحدتك، وذكريات تتّسع في هوامش الصفحات.
ثلاثة وجوه لوطنٍ من ورق وطنٌ يحفظ الاسم: حين تتكسّر الألقاب على الحدود، يبقى اسمك في سطر مقتبس. وطنٌ يخفّف الغربة: القراءة ليست هروبًا، بل عودة مؤقتة إلى نفسك. وطنٌ يُشارك: الكتاب الجيد لا يُقرأ مرّة؛ بل يُسكن.🔗 اقرأ المقال الأصلي على الجزيرة نت هنا
شاركني سطرك الأثيرما الكتاب الذي كان وطنك المتنقّل؟ اكتب العنوان في التعليقات أو أرسل صورة لرفّك الصغير في السفر. سأنتقي مشاركاتٍ وأنشرها في تدوينة متابعة.
انضمّ للنشرة البريديةتلخيصات كتب، خواطر قصيرة، ونسخ قابلة للطباعة من قصائد جديدة.
أريد بيتًا من كلماتملاحظة محبّة: إن أعجبك المقال، انقله لمن تحب. فالوطن حين يُشارك يكبر.


