قيمة الوقت.. حين ندرك أننا نعيش على رصيد ينفد!

  قيمة الوقت.  قيمة الوقت.
الزمنليس ما يقوله التقويم، بل ما يتسرب من بين أيدينا ونحن نظن أننا نملكه.

لوتأملت يومك حق التأمل، لاكتشفت أنك لم تعش منه إلا لحظات قليلة.

النوميأخذ ثلثه، والانتظار يأكل ثلثه الآخر، والباقي تلتهمه الشاشات والمجاملات والمهامالصغيرة التي لا تترك فينا أثرا.

الحياةالحقيقية، إذن، ليست في عدد الساعات، بل في الوعي الذي نحياه في تلك الساعات.

كللحظة نعيشها هي استثمار في أنفسنا، إما يضاعف قيمتنا أو يستهلكها.

هناكأعمال تتراكم، وأخرى تتبدد.

القراءة،التأمل، العمل الصادق، هذه كلها تثمر مع الأيام.

أماالفراغ أو والانشغال الدائم بالتوافه دون معنى، فهو كما قال أحد الحكماء: «كمنيحرث البحر».

وقدأقسم الله تعالى بالزمن فقال: «والعصر، إن الإنسان لفي خسر»، لأن الخسارة الكبرىليست في المال ولا في الصحة، بل في الوقت الذي يضيع دون أن نصنع به حياة.

قالالحسن البصري: «يا ابن آدم، إنما أنت أيام، فإذا ذهب يومك ذهب بعضك».

وكليوم يذهب دون أن يثمر خيراً أو معرفة أو أثرا، إنما هو قطعة من وجودنا تتساقط بصمتفي بئر النسيان.

 

فيهذا العصر المتسارع، أصبحنا نحسن إدارة أجهزتنا أكثر من إدارة أعمارنا.

نضبطالمنبهات والمواعيد، نتابع المهام والرسائل، ونغفل عن حقيقة بسيطة: أن الساعة التيتمضي لا تعود، وأن أخطر أنواع الغياب هو الغياب عن لحظتك.

قالأبو الطيب المتنبي: "وذي الدار أخون من مومس
وأخدع من كفة الحابل

تفانىالرجال على حبها

ومايحصلون على طائل"

 فالزمن لا ينتظر من أضاعه، ولا يرحم من سوف به.

 

نحسبالربح والخسارة في المال، وننسى أن رأس مالنا الحقيقي هو الدقائق التي نحياهابصدق.

قالالنبي ﷺ: «نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ».

فماأكثر من يبدد وقته في طلب ما لا يزيده إلا فراغاً أكبر مما بدأ به.

 

كانالمفكر الأمريكي إرنست بيكر يعيش تجربة مختلفة مع الزمن.

فيسنواته الأخيرة، أصيب بمرض عضال، وبينما كان الجسد يضعف، اشتعلت فيه الرغبة فيالفهم.

كتبوهو على فراش المرض كتابه الشهير «إنكار الموت»، ليقول فيه إن الإنسان لا يهرب منالفناء بالإنكار، بل بالمعنى.

رأىبيكر أن الإنسان، في وعيه أو لا وعيه، يسعى إلى ما سماه «مشروعات الخلود» — تلكالأعمال التي تجعل للحياة ظلا بعد الرحيل: كتاب يخلد، علم ينتفع به، ابن صالح،فكرة تورث، أو حب يترك أثره في الناس.

وكانيقول: «كل شيء في حياتنا تتحدد قيمته بمدى قدرته على البقاء بعد موتنا».

 

تأملْهذا المعنى، وستدرك أنه ليس بعيدا عن جوهر الإسلام نفسه، إذ يقول الله تعالى:

«إنانحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا وآثارهم».

إنهاالآثار إذن... ما تبقى منك حين لا يبقى منك شيء.

 

يقولالفيلسوف الآخر: «المشكلة ليست في أن وقتك قليل، بل في أنك لا تعرف كيف تنفقه»، لميكتشف جديداً بقدر ما أعاد إلينا ما نسي من الحكمة القديمة:

أنالوقت ليس وعاءً نملؤه، بل هو حياة تزهر كلما سقيت بالنية والمعنى.

قالابن القيم رحمه الله: «الوقت هو حياتك، وهو ظلك الراحل عنك».

وكللحظة تمر هي خطوة نحو الغياب، فإما أن تترك وراءك صدى، أو فراغا.

فينهاية المطاف، لا أحد ينجي نفسه من الموت، لكن بعض الناس ينجون من النسيان.

يموتالمرء مرتين: حين يُوارى في التراب، وحين يُمحى أثره من الذاكرة.

 

حينأنظر إلى الوراء، أرى أن أجمل أوقاتي لم تكن تلك التي ضحكت فيها كثيرا، بل تلكالتي فهمت فيها شيئا عن نفسي أو عن العالم.

تلكاللحظات التي فهمت فيها معنى غير نظرتي، أو قرأت فيها كتاباً أنار بصيرتي.

تلكاللحظات كانت زمناً خالصا للروح، لا يقاس بالساعات بل بالأثر.

 

يقولون:«الوقت سيف، إن لم تقطعه قطعك».

لكنالسيف ليس قاتلا بالضرورة، فقد يكون نحاتا يصوغك مع الأيام.

وكلما عليك أن تفعل هو أن تمسكه بوعي، وأن تعرف فيم تستهلك عمرك.

 

الحياةلا تقاس بطولها، بل بكثافتها.

لسنابحاجة إلى مزيد من الوقت، بل إلى مزيد من المعنى فيما نفعل بالوقت الذي بينأيدينا.

فالذينعرفوا قيمة الزمن لم يعيشوا أعماراً أطول، لكنهم عاشوها بشكل أعرض، كأنهم استخرجوامن كل لحظة لبها الصافي وتركوا القشرة للآخرين.

 

فياأصدقاء، لنجعل من وقتنا وقفا لمعنانا، ومن أعمارنا مشروعات خلود.

ولنتذكرأننا لن نحاسب على كم عشنا من الزمن بل على كيف عشنا ذلك الزمن.

فمنأحسن استثمار وقته فقد كتب فصولا من الخلود في هامش الفناء.

محمد ولد إمام 

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on November 04, 2025 04:01
No comments have been added yet.