حوار إيهاب عبد الحميد مع عناية جابر فى السفير اللبنانية

http://www.assafir.com/Article.aspx?E...

إيهاب عبد الحميد: انتصار القارئ على الكاتب فشل للعمل الروائي

إيهاب عبد الحميد روائي وقاصّ مصري شاب في بداية الثلاثينيات من عمره، يشتغل على نتاجاته بروية، غير مهووس بالألقاب والنجومية على حساب نضج العمل نفسه أو اكتماله على الشكل الذي يليق بكاتب جادّ. لإيهاب مجموعة قصصية سابقة عن شرقيات «بائعة الحزن»، ورواية عن ميريت «عشاق خائبون» فازت بجائزة ساويرس عام 2005. «قميص هاواي» موضوع حديثنا هنا مع الكاتب، صدر حديثاً عن ميريت (2010)، وفيه نرى في قصصه التسع، اللعب المفتوح، العالي للسرد الذي لا يتعثّر في إقامة علاقة فورية مع القارئ.

في مجموعتك القصصية ( تسع قصص) الصادرة حديثاً عن «ميريت» تحت عنوان «قميص هاواي» يلعب السرد في عالمين أحدهما واقعي والآخر فانتازي. ما الذي تريده فنياً وشخصياً من أخذ القارئ الى هذه الازدواجية المُربكة الى حدّ؟

} الموضوع متعلق بكيفية إدراك العالم، كيفية النظر إليه، من هذه الزاوية أعتبر أن كتابتي واقعية، فالخيال في حد ذاته واقع. الخيال خبرة من خبراتي، مثله مثل مشاهداتي الحياتية وخبراتي الشخصية. مثلما أن الشخصيات التي أقابلها تصلح مادة للكتابة، فالأحلام التي تراودني هي الأخرى تصلح مادة للكتابة. لكني أعتقد أن استخدامي للفانتازيا في هذه المجموعة كان مختلفا إلى حد ما. لم تكن هي مقصودة في حد ذاتها، بل معظم القصص شديدة الواقعية، فقط يدخلها خيط فانتازي، مثلا في قصة «مع كانغارو» يفتح الراوي الباب ليجد أمامه كانغارو. هذا هو الجزء الفانتازي، لكن كل ما يحدث بعد ذلك واقعي تماما. وفي قصة «العطش» تنقطع المياه عن البلاد لأيام، ويجف نهر النيل حتى تظهر الأسماك نافقة في قعره، المياه تختفي من حياة الناس، هذا هو الجزء الفانتازي، لكن يتبعه جزء واقعي تماما، فالناس يعيشون بشكل معتاد ويحاولون التأقلم على ذلك الوضع الغريب وشبه المستحيل. لا أرى في ذلك ازدواجية، بل مجرد محاولة لتغيير زاوية الرؤية. بل إني أنظر إلى نفسي ككاتب «كلاسيكي»، يؤمن بفن القصة كما كتبه الأقدمون، ويؤمن بفن الرواية كما وضع أسسه الرواد.

هل ترى معي أن الواقع نفسه، واقعنا العربي تحديداً، يتضمّن الكثير من المشاهد «الفانتازية» في المعاني كافة، أكثر من الفانتازيا نفسها؟

} واقعنا العربي مثل واقع العالم الغربي. الاثنان في نفس الورطة. وهي نفسها ورطة الإنسان من ألف سنة، ومن ألفي سنة، ومن خمسة أو عشرة آلاف سنة. أنا في آرائي السياسية يمكن أن أنتقد واقعنا العربي وأقارنه بالغرب وما إلى ذلك. أما أثناء الكتابة فأنا أنظر إلى العالم. متى كان العالم مكانا يخلو من السحر؟ وأين هو المكان الذي يخلو من الغرائب؟ أنا في واقع الأمر لا أنظر لواقعنا العربي حين الكتابة، بقدر ما أنظر إلى واقع الإنسان، موقعه من الوجود، تعامله مع الحياة وما يطرأ عليها من تغير جذري أو تافه.

تترّيث بين إصدار وآخر، أيّ إنك من الكتّاب المُقلين. لماذا؟ وما هي خطتّك للنشر؟ وكيف استقبل النقاد مجموعتك القصصية السابقة «بائعة الحزن» وروايتك «عشّاق خائبون»؟ هذا بعيداً عن فوزها بجائزة ساويرس؟

} نعم أتريث. التريث فضيلة، أليس كذلك؟ مع ذلك فلست من الكتاب «المقلين»، مجموعتان قصصيتان ورواية، الرواية تتجاوز أربعمئة صفحة، إلى جانب ترجمة لكتاب «قصة الجنس عبر التاريخ» تتجاوز خمسمئة صفحة من القطع الكبير. لماذا أعد مقلا إذاًً وأنا ما زلت في أوائل الثلاثينيات؟ أعتقد أن إنتاجي حتى الآن يتلاءم مع سني ومع خبراتي. لا أريد أن أحشو عقول الناس بأفكار مكررة، أو بتصورات ساذجة عن الحياة. ما أصل إليه وأرضى عنه وأظنه عميقا أكتبه، وما لم أصل إليه بعد أعمل على الوصول إليه. سوف يستغرق ذلك وقتا، كما يستغرق أي شيء وقتا. لكنني في النهاية أكون راضيا عن عملي. الآن أنا بصدد رواية كبيرة، تضم نحو خمسين شخصية أساسية بخلاف الشخصيات الفرعية العديدة، مثل هذه الرواية تستحق أن أخصص لها خمس سنوات على الأقل. لماذا أبخل عليها بهذا الوقت؟ أنا أؤمن بالفن الكبير، بمعنى أنه عندما يكون لديك رواية، فأنت تبذلين كل ما يلزم من وقت وجهد لإنجازها على الوجه الأكمل. وما دون ذلك ليس مقبولا. إنني لا أكتب لكي أصير ثريا، ولا لكي أصير نجما. أنا أكتب لأخرج للعالم عملا جيدا، سواء استغرق عاما أو عشرة أعوام.
من هذه الزاوية، لا أنتظر اهتماما نقديا عظيما، كل رأي يأتي يسعدني، وكل رأي يغيب أنتظره في المستقبل. كذلك ليس لدي خطة للنشر. لدي خطة للكتابة. طبعا أحيانا ما تصيبني الرغبة في التواجد مثل أقراني من الكتاب، ويدفعني ذلك لإنجاز مشروعات صغيرة أثناء عملي على مشروعات أكبر. لكن ذلك لا يتحول أبدا إلى تخاذل أو تسرع.

يُخيّل لي أنك تلعب مع القارئ اكثر ممّا تكتب له، من هنا اشتراطك عليه في كل قصة، فرضية ما تقلب الحقائق، ويكون فيها القارئ ضحية (إذا صحّ التعبير) لمزاجك وخيالك الجامح؟

} اللعب هو أساس الفن. الحضارة الإنسانية منشأها اللعب. الإنسان الأول كان يخرج ليصطاد، ثم يأكل ويشرب ويمارس الجنس، أما بقية الوقت فكان يقضيه في اللعب. يخبط على كفيه، يصفر بفمه، يصارع صاحبه، يعبث في الطين تحت قدميه، يرسم على جدران الكهف. اللعب هو الأساس في الفن. أما كون القارئ ضحية فهو أمر محتوم. العلاقة بين القارئ والكاتب لا يجب أبدا أن تقوم على التوقع أو التفاهم المسبق. على الكاتب أن يلاعب القارئ، أن ينزعه من مكانه ويلقيه في عالم آخر، أو يلقيه في نفس العالم ولكن من زاوية أخرى غير تلك التي اعتاد أن يعيشها. قد تطلقين على القارئ في تلك الحالة صفة «ضحية»، لكنه في الواقع يستمتع بدور الضحية. إن انتصار القارئ على الكاتب هو فشل للعمل الأدبي. والأمر نفسه في السينما وفي سائر الأعمال الفنية الأخرى. على الكاتب أن يلاعب القارئ دوما، وبمجرد أن يبدأ القارئ في الملل سيكون على الكاتب أن يقدم له لعبة أخرى. إن متلقي الفن الحقيقي يعشق دور الضحية. أنا عن نفسي أعشق دور الضحية عندما أقرأ عملا أدبيا.
أحد الأوجه السحرية للفن هو أنه يسيطر على المتلقي. الفنان يقول للمتلقي تعالى معي كي أريك شيئا لم تره من قبل. إذا نجحت في أن تجعلي متلقي الفن يسلم نفسه، متخليا عن كل تصوراته المسبقة، متخليا عن تحفزه للانتصار عليك، متخليا عن بروده ولا مبالاته تجاه كل ما سوف يقال له أو كل ما سيعرض عليه، هنا يكون النجاح الحقيقي والمبهر.


ماذا تقرأ؟ ولمن من كتّاب القصة أو الرواية؟ وهل في قراءاتك حيّز للشعر؟

} أقرأ كثيرا، ما يعنى أنني أقرأ للجميع. لا يمكن أن أقول أيهم أكثر تأثيرا في، وإن بحت لك بأكثر كاتب أحبه ـ على سبيل المثال ـ سيبدو ذلك وكأنه مقتطع من السياق، إذ سيكون علي ساعتها أن أفسر لماذا أحب هذا الكاتب تحديدا. بالطبع أقرأ شعرا، لكن ليس بالقدر الكافي الذي يجعلني أقول إنني من قراء الشعر الأشاوس، كما أشاهد السينما، لكن كغيري من المشاهدين. هناك مجالات عدة ما زلت أسعى أن أفتحها. مؤخرا اهتممت بالفن التشكيلي، ليس فقط بالقراءة عن الفنانين أو مشاهدة وتحليل أهم اللوحات في تاريخ الفن، وإنما بدأت أنا شخصيا في الرسم والتصوير. إنني ـ عموما ـ لا أعرف عن الشعر بالقدر الذي يرضيني، لا أعرف عن الموسيقى بالقدر الذي يرضيني، لا أكتب بالقدر الذي يرضيني، ولا أعيش بالقدر الذي يرضيني.

عوالم قصصك سينمائية بامتياز، وفيها تنّقل في الأزمنة والأمكنة ما يُثري السرد بالبصريات التي تحتاجها بعض السينما؟ هل تكتب وفي ذهنك سيناريوهات ما؟

} لا أوافق على وصف كتابة ما بأنها سينمائية، الكتابة سابقة عن السينما، والسينما مشتقة من الكتابة. الكتابة الوصفية أو المتنقلة بين المشاهد أو كتابة الصورة أو الكتابة البصرية كلها أنواع أصيلة في الكتابة من قبل أن تظهر الكاميرا إلى الوجود، من قبل أن يظهر تتابع المشاهد والكادراج والمونتاج، السينما برغم كل ما وصلت إليه من تقنيات تحاول جاهدة أن تحقق جزءا من الخيال الذي تحققه الكتابة وليس العكس.

كتبت القصة والرواية، أيها أقرب الى ذائقتك؟ ولماذا؟

} هما عالمان مختلفان. أنا أحب المانغو والمشمش، ولا أستطيع أن أقول أيهما أقرب إلى قلبي أو ألذ على لساني. عموما الرواية فن عظيم، عبقري في بنيته، وفي سنوات تطورها الأخيرة أصبحت أيضا فنا فضفاضا، يتسع للعديد من الفنون. أصبحت أشبه بحقل واسع يمكن فيه أن تبتنى دارا، وأن تربي ماشية، وأن تزرعي، وأن تلعبي وأن تتزوجي، وأن تمرحي مع أطفالك، وأن تقابلي جيرانك.. أو كما وصفتها في روايتي «عشاق خائبون» هي وجبة دسمة فيها من كل شيء. الرواية تتحمل أفكارا مجردة، وتتحمل قصصا وحكايات، وتتحمل تحليلا للشخصيات، وتتحمل نقدا تشكيليا وموسيقيا، بل أكاد أقول إنها تتحمل ما لا يتحمله فن آخر. أما القصة فمختلفة. القصة «سكيتش»، رسم سريع وتلقائي، له جماليات مختلفة تماما، ربما من أهم جمالياتها السرعة في الإبداع والسرعة في التلقي.
عموما، أنا اعتدت أن أقول عن نفسي إنني روائي بالسليقة، رغبتي دائما في مصارعة شخصيات وأحداث متشابكة ومعقدة وصولا إلى أعماق إنسانية. لكنني مع ذلك أعشق القصة القصيرة. كالفنان الذي قد يقضي سنوات في نحت تمثال هائل، لكنه في الأثناء ـ وفي لحظات الروقان ـ يستطيع أن يرسم «سكيتشات» بالقلم الرصاص لا تقل قيمة عن حفره في الصخر.

إصداراتك عن «شرقيات» و«ميريت» احتاجت جهود أصدقاء مصريين للحصول عليها. ألا يؤّثر التوزيع المحدود على قراءة الكاتب بشكل عادل، وهل فعلاً الإنترنت حلّ هذه المشكلة؟

} كما ذكرت لك من قبل أنا كاتب أقرب إلى الكلاسيكية، ما زلت لا أفهم فكرة «الكاتب النجم» الذي يذيع صيته بعد كتاب أو اثنين، لم أتخيل أبدا أن أصبح «بيست سيلر» من أول كتاب أو ثاني كتاب، ومن كتاب قضيت في كتابته بضعة أشهر. هذا ليس أنا. لا أقصد أنني أعارض ذلك، بل أكن للكتاب ذائعي الصيت كل احترام وتقدير، لكنني لست من هذا النوع ببساطة.
أنا أنظر لنفسي كالتالي: ما زلت في الثلاثينات، لي ثلاث كتب إبداعية، وكتابان مترجمان، أعمل على رواية ضخمة أنجزت منها جزءا كبيرا جدا. لدي مخططات لأعمال قصصية وروائية أخرى. أحتاج مزيدا من الوقت كي أصل إلى شرائح أكبر من القراء، كي أصل إليهم بشكل طبيعي، ليس بشكل عابر عن طريق وضع بعض الكتابات على الإنترنت، وليس بشكل شاذ عن طريق العمل على فكرة مثيرة تحقق لي طفرة في المبيعات. أحتاج إلى الوقت، إلى العمل، ومزيد من العمل، بعد عشر سنوات أو عشرة كتب من المؤكد أن الأحوال سوف تكون أفضل، ساعتها ستجدين كتبي في مكتبات بيروت، وستقرأين عنها في عروض أهم الصحف والمجلات. لست متعجلا، فأنا ممن يتحلون بفضيلة الصبر.

حاورته: عناية جابر
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on July 30, 2010 12:35
No comments have been added yet.