العلمانية العوراء

العلمانية تعني اصطلاحاً فصل المؤسسات الدينية عن السلطة السياسية، مؤكدة حق كل مواطن في ممارسة شعائره الدينية بالطريقة التي يؤمن بها، بعيدا عن شؤون الدولة وشجونها. وللمرة المليون، العلمانية ليست بديلا عن الدين، لكنها الأسلوب الوحيد لتمكين أصحاب كل الديانات والمذاهب من التعايش معا دون تهديد أو إجبار أو منع.

لكن للأسف، وكما نمتلك خاصية تشويه أي شيء، شوهنا العلمانية. ففي بلادنا، يتبنى البعض العلمانية مؤمنا بمبادئها، ممارسا لأساليبها، لكن باتجاه واحد فقط. وهو اتجاههم! فنجدهم من ناحية يؤمنون بحق السيخي والبوذي وغيرهما بممارسة عقائدهم، ويدافعون عن حق المسيحي والهندوسي، لكن عندما يصلون إلى المسلم يستنكرون عليه شعائره. ينادون بحرية الإنسان فيما يعتقد وما يفكر وما يلبس، يبررون للراهبة تغطية شعرها، لكن عندما نصل الى حجاب المسلمة، نراهم يعترضون. يباركون أعياد كل الملل والأديان بل ويضعون شجرة الكريسماس في بيوتهم، ويتبادلون الهدايا والتبريكات، وفي أعياد المسلمين يغضون الطرف. بل وصل الأمر إلى أن نرى البعض يصطادون اخطاء ما لأتباع ديانة بذاتها، فيما تنغلق عينهم الثانية من رؤية أخطاء لأتباع ديانة أخرى..

إنها العلمانية العوراء يا سادة كما كانت تمارس في الدول العربية العلمانية كسوريا وتونس. فحين تبنى بورقيبة العلمانية ونشر مبادئها، وأفلح في الكثير من الأمور، لكنه أخفق حين منع الحجاب، وهذا تعد صارخ على أهم أسس العلمانية وهي حرية العقيدة وممارستها. أما نظام الأسد فقد تبجح بالعلمانية طولا وعرضا، بينما كان يحارب القوى الإسلامية أينما وجدت ويقمع خطابها ويسجن قادتها مما ساعد على تجمعهم وعملهم تحت الأرض إلى ان قويت شوكتهم وهاهم الآن يحاربونه بكل ما أخفوا من قوة.

وكما حركات الإسلام السياسي، الذين يرحبون بالديموقراطية وصناديق الاقتراع إلى أن توصلهم إلى السلطة، نجد بعض العلمانيين ينتهجون الأسلوب نفسه ويستخدمون العلمانية لمصلحتهم حينما يحتاجونها، وينسونها عندما تتعارض مع مصالحهم أو توجهاتهم.

العلمانية طريق «رايح جاي»، كما يقول مأمون فندي عن الليبرالية. فنحن لا نستطيع الذهاب بها في اتجاه واحد، لا بد لنا ان نعود في الاتجاه المعاكس، ونقبل بما نادينا به وإن لم يكن يعجبنا. فإما تؤمن بحق كل البشر، وأشدد كل البشر، بمختلف خلفياتهم، قومياتهم، أديانهم ومذاهبهم، أو أنك لا تدعي أمرا أنت لا تملكه.

في ألمانيا منذ أيام، دعت جماعة «الوطنيين الأوروبيين ضد أسلمة اوروبا»، التي تعرف اختصارا باسم «بيغيدا»، الألمان إلى تظاهرات حاشدة، وفي اليوم نفسه، خرجت تظاهرات مناوئة لها ومن ألمان، وأطفأت أكبر كاتدرائية ألمانية أضواءها احتجاجا على التظاهرات ضد الإسلام. هل هناك أجمل وأسمى من هكذا علمانية؟

عندما تدافع عن حق المسلم وأنت مسيحي، أنت علماني. عندما تدافع عن حق المسيحي في ممارسة دينه وأنت مسلم، انت علماني. عندما تدافع عن حق غير المؤمن وأنت مؤمن فأنت علماني، عندما تدافع عن حقوق الأقليات كلها وانت من الأكثرية فأنت علماني وإنسان.

دلع المفتي
نشر في 07/01/2015
http://www.alqabas.com.kw/node/926033
1 like ·   •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on January 07, 2015 12:17
No comments have been added yet.


لكلٍ هويته

دلع المفتي
مجموعة من المقالات التحقيقات واللقاءات التي نشرت لي في القبس الكويتية.
Follow دلع المفتي's blog with rss.