دلع المفتي: أكتب بدمعي.. لا بقلمي

«رائحة التانغو».. رسائل حملت همومها

حوار محمد حنفي

«في زمن الانترنت وعالم التواصل الاجتماعي لم يعد للرقيب جدوى». هكذا تقول الكاتبة والروائية دلع المفتي في حوارها مع القبس تعقيبا على منع روايتها «رائحة التانغو» من قبل الرقابة في الكويت، وحرمانها من ثم، من توقيعها في معرض الكتاب الذي أقيم نوفمبر الماضي. «رائحة التانغو» تجربة روائية جديدة تقول عنها المفتي إنها «ليست رواية اجتماعية فحسب، بل مجموعة رسائل تحمل همومي وشجوني». في حوارها تتحدث دلع المفتي عن تجربتها الروائية السابقة، ومشكلة الرقابة، وعلاقة الكتابة الابداعية بكتابة المقال.

● «هن لسن أنت».. كانت راويتك الاولى في 2003، لماذا التوقف كل هذه الفترة قبل إصدار رائحة التانغو؟

ــــ هذه كانت تجربتي الأولى في الكتابة، وأشدد في الكتابة بوجه عام. عندما كتبت «هن لسن انت» لم أكن حتى كاتبة. أعتقد أنها كانت تجربة ناقصة، ولعلها غير ناضجة بما فيه الكفاية. انها واية بسيطة، أو من الممكن أن تسميها قصة طويلة، كتبتها دون أي خبرة كافية أو تجهيز جاد أو دراسة معمقة. ربما كان حلمي أوسع من إمكاناتي، فكتبت الرواية ثم عدت لأتعلم الكتابة. يمكنك أن تقول بدأت بالمقلوب. لذا كان علي الانتظار طويلا حتى أتمكن من أدواتي، واكتسب خبرة لأعود لعالم الرواية من جديد بشكل يليق بسنوات الكتابة والخبرة التي اكتسبتها بالقراءة الحقيقية والمتابعة المستمرة لتطور الرواية الحديثة.

● هل تمثل «رائحة التانغو» نقلة في مسيرتك الروائية؟

ــ بالطبع، فرائحة التانغو ليست رواية اجتماعية فحسب، بل هي مجموعة رسائل تحمل همومي وشجوني وأستطيع القول انها هموم وشجون الكثير من الناس أيضا. فالرواية تطرقت لعدة مشاكل حياتية، اجتماعية، مذهبية، وحتى سياسية. لكن بطريقة مبسطة يمكن لأي قارئ ومن أي مستوى فهمها والتفاعل معها.


تجارب حياتية



● بطلة الرواية تنزعج امام الأحداث بسوريا وما تنقله نشرات الأخبار؟ الى اي مدى أفدت من التجربة الخاصة في الرواية؟

ـــ إن ما نكتبه عادة هو خليط من مشاعر شخصية، تجارب حياتية، وقصص سمعناها، فالرواية لا تخلق من العدم. لا أستطيع أن أنكر ان وجود سوريا في الرواية هو نتيجة ألم شخصي وتجربة حقيقية عايشتها أثناء زيارتي وتغطياتي الصحافية لمخيمات اللاجئين في الأردن ولبنان. نعم.. رأيت هؤلاء الأطفال الذين كتبت عنهم في الرواية، حاورتهم، جلست معهم، رأيت ابتساماتهم ودموع أمهاتهم على مستقبل لم يعد بالإمكان التنبؤ به. علي، الطفل في الرواية، هو عبارة عن مجموعة من الأطفال الذين التقيتهم، فشكلت منهم شخصية الصغير. مقاطع كثيرة في الرواية كتبتها بدموعي وليس بقلمي.

● رائحة التانغو تمزج بين مشكلة المرأة في مجتمع ذكوري وبين مشكلات الفساد على اكثر من مستوى كيف تجدين العلاقة بين الأمرين؟

ـــ إن المشاكل التي تمر علينا في الحياة كالظلم، الوفاء، الخيانة، الفساد، التعصب، الطائفية، العنف، الموت، كلها مواضيع نشترك بها جميعا، لكن بنسب مختلفة. لا أستطيع أن أفرق بين مشاكل المرأة ومشاكل المجتمع، فلابد أن تتقاطع الآلام والآمال والمشاكل بين الخاص والعام. فالمرأة هي جزء وجزء كبير من هذا المجتمع، بالرغم من المحاولات الحثيثة لتصغير شأنها وكبحها. فالفساد ليس الفساد المالي فقط، ففساد الأرواح أشد وأقسى. نحن حينما نكتب عما نعانيه كنساء، نزيح هماً صغيراً من مجموع الهموم التي على رماها المجتمع على أكتافنا.

● كيف تفسرين احتفاء معرض الشارقة بروايتك ومنعها في معرض الكويت؟

ـــ معظم معارض الكتاب في العالم العربي لا رقابة عليها، وإن كانت فتكون مخففة جدا. وللغرابة هناك كتب تمنع في الكويت، وتفسح في جميع دول الخليج، وحتى في السعودية، وقد كتب عن هذا الموضوع كثيرا، لكن يبدو أن لا «آذان» لمن تنادي. معرض الشارقة معرض كبير ومهم، ومن أوائل معارض الكتب في الخليج، ويؤمه الكثيرون من كل العالم العربي، كتابا وقراء وناشرين. وكان لرائحة التانغو صدى طيبا فيه، مما أسعدني وأثلج صدري.

● ألم تفكري في نشر روايتك على مواقع التواصل الاجتماعي او عبر الإنترنت؟

ـــ الرواية في يد الناشر، ولا أعتقد أنه سيهون عليه عرضها في الصحف أو على مواقع التواصل بالمجان، فكما نعلم دور النشر شركات تجارية في المقام الأول ويهمها الربح. لكني اعتقد أن حركة الكتاب الالكتروني في الانترنت نشطة منذ سنوات، ثم أن الناس يعرفون كيف يحصلون على الكتاب الذي يريدونه من دون منّة لا من رقيب ولا ناشر ولا حتى الكاتب نفسه. وقد حصل الكثيرون على كتابي رغم المنع، كل بطريقته.


حرب السرطان



● كتبت يوما عن السرطان الذي انتصرت عليه وقلت: «ستخسر حربك ضدي».. كيف يمكن للكاتب أن يهزم سرطان الرقابة؟

ـــ تغلبت على سرطاني الجسدي، وسأتغلب على سرطان الرقابة. السرطان المرضي أهون كثيرا من السرطانات التي تتمدد بيننا وعلينا من شتى الجوانب. فالسرطان الأسوأ هو سرطان الدكتاتورية والعنصرية والطائفية وكبت الحريات وتكميم الأفواه، واللعب على عقول الشعوب وإلهائها بمواضيع سخيفة عما هو مهم.


للحرية ثمن باهظ



● منع الرقابة لروايتك ألم يمنحك فكرة رواية جديدة عن الرقابة؟

ــــ لا... لدي مشاريع أهم وأجمل، وأكثر حيوية وحياة. الرقابة موت.. وأنا لا أحب الأموات.

● لو كنت في وظيفة الرقيب ماذا ستفعلين؟

ــــ بداية، لم أخلق لهذه المهمة، ربما أرى واجبي على العكس تماما.. ولو أتماشى مع الافتراض، فقبل أن أكون رقيباً يجب أن أكون مؤمنا بحرية الفكر والكلمة، وأؤمن بحرية الإنسان فيما يقوله ويفكر به ويؤمن ويعتقد به. فالحرية هي الأغلى وعلينا ان ندفع ثمنا باهظا لها. بينما الرقيب شبح، وشبح غير جميل وغير عادل، هو لا يظهر للعلن، ولا يملك الجرأة ليقول رأيه علانية، يختفي خلف تسميات «لجنة» وغيرها ويمارس سلطته.

● يقول يوسف إدريس: «ان كل الحرية المتاحة في العالم العربي لا تكفي كاتباً واحداً»، هل مازال الأمر كذلك في زمن الإنترنت وفيسبوك وتويتر؟

ــــ في زمن الانترنت وعالم التواصل الاجتماعي لم يعد للرقيب جدوى، (إلا علينا نحن الكتاب)، لكن في هذا الفضاء المفتوح لا يستطيع احد أن يكمم فم احد، بالرغم من الكثير من القوانين التي يستحدثونها خوفا ورعبا من الحرية.

● بين كتابة المقالات والإبداع السردي، أين تجد دلع المفتي نفسها؟

ــــ أحب كتابة المقالة، فهي تناسب طبيعتي العجولة وقلة صبري. أنا لا أحب اللت والعجن، أضع رأيي بكم سطر مختصر مفيد، وينتهي الامر. الرواية تتطلب الكثير من الوقت والجهد والصبر الذي لا املكه. لذلك «انحرق قلبي» عند المنع، لأني أهدرت الكثير من خلاياي في هذه الرواية.

● ماذا تكتبين بعد «رائحة التانغو»؟

ـــ مشروعي الكتابي القادم مختلف جدا، وظريف جدا، ولذيذ جدا... سأتركه مفاجأة. وإن كانت لروايتي رائحة، فلكتابي القادم.. طعم.



سرّاق الفرح والجهد والتعب



● كتبت مؤخرا مقالا لافتا بعنوان «سرقتم فرحتي» عن الرقابة، التي صادرت روايتك «رائحة التانغو»، لماذا سرقوا فرحتك وصادروها في رأيك؟


ـــ صدرت روايتي بداية شهر نوفمبر، وقد سافرت لمعرض الشارقة للكتاب لاحتفال بصدورها، وكانت الأكثر مبيعا لأيام في جناح مدارك، ناشر الرواية. ثم عدت للكويت لأجهز نفسي لمعرض الكتاب الكويتي، بيتي ومكاني، ومصدر فخري. وقبل يوم واحد من افتتاح المعرض، وصلني خبر بمنعها.

صدمتي كانت كبيرة، يومها لم اجد تشبيهاً أفضل من هذا التشبيه، كنت كالعروس التي تجهزت ليوم عرسها ولبست الفستان الأبيض لتفاجأ بأن العريس هرب. نعم إحساس الخذلان والغضب والحزن الذي اعتراني كان كبيراً. لم أصدق أن روايتي منعت، وعندما سألت لم أجد إجابة. طلبت تقريراً، إخباراً خطياً، قرار منع، لم أحصل على شيء، إلى أن تم استدعائي لوزارة الإعلام لعرض ما أزعج الرقابة فيما كتبت. وبكل صدق أقول لك أن ما أزعجهم بكتاباتي، موجود بل وأكثر منه بكل الروايات الكويتية، وموجود حتى في المسلسلات الكويتية، لكن لسبب ما.. هل كانت روايتي مقصودة؟! في كل الأحوال، هم سرقوا فرحتي بالفعل، وسرقوا جهدي وتعبي أيضا.


http://www.alqabas.com.kw/node/925969
1 like ·   •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on January 07, 2015 12:36
No comments have been added yet.


لكلٍ هويته

دلع المفتي
مجموعة من المقالات التحقيقات واللقاءات التي نشرت لي في القبس الكويتية.
Follow دلع المفتي's blog with rss.