الشاعر ابراهيم داود عن قميص هاواي في الأهرام
http://digital.ahram.org.eg/articles....
«قميص هاواى» لإيهاب عبد الحميد
المصدر: الأهرام اليومى
بقلم: ابراهيم داود
مجموعة «قميص هاواي» القصصية التى فازت بجائزة يوسف إدريس 2010، تؤكد أن فن القصة القصيرة لا يزال يمتلك إمكانيات هائلة، تؤهله للصمود أمام زمن الرواية الذى يعيش فيه النقاد، ويبتكرون له كل عام جائزة سخية جديدة، يحكمون فيها بالطبع.
الفائز إيهاب عبد الحميد، من مواليد 1977، صدر له بائعة الحزن (قصص) 1998، عشاق خائبون (رواية) 2005، بالإضافة إلى ترجمته الجميلة لـ«قصة الجنس عبر التاريخ» بجزءيه، استطاع فى المجموعة الجديدة «قميص هاواي» أن يعبر عن هواجس جيل يشعر بالوحدة، فيهرب من العالم، إلى عوالم لا تخصه، ومن الصعب أن ينتمى إليها. البطل فى القصص التسع وحيد تماما، محاصر بالخيالات والكوابيس والرتابة، يسعى طوال الوقت إلى الخروج بحثا عن حل جذرى لأحزان (صغيرة أو كبيرة لا فرق)، وفى الطريق تتوالد الحكايات، برشاقة ولغة خالية من الشحوم، فى قصة العطش، توجد مبالغة فى تصوير الحاجة إلى شربة ماء، مرورا بكتابة صحف المعارضة «انقطعت المياه منذ أيام عن سائر المدن المصرية، ولم يذكر المسئولون السبب، لكنهم أكدوا أن كل شئ على ما يرام، وأن المياه ستعود قريبا إلى مجاريها»، إلى تداعيات ذلك على الكائنات كلها، ولكن وسط هذه المبالغات توجد علاقة فريدة بين الراوى وفتاة تعرف أن مشكلتها أنها «عبيطة»، هى لا تتوقف عن الثرثرة، السعادة التى منحتها له كانت تؤجل إحساسه بالعطش، ولكنها لم تحل المشكلة أو المشكلات التى تتراكم أمامه، مثل قدمه التى صغرت، أو الشجرة الضخمة التى ظهرت فجأة أمام البيت ولم تكن موجودة قبل ذلك، وأشياء من هذا القبيل، وفى قصة «مع كانجارو» التى تدور حول شخص فتح الباب ليجد الحيوان (استرالى الموطن)، فيستضيفه، ويغير حياته تماما، يفقد بسببه زوجة المستقبل وعملا مغريا فى دبي، ويتعرض للتحقيق بسببه (كيف دخل الكانجارو مصر؟)
الراوى يعترف «عانيت منه الكثير، لكن تلك المعاناة ولدت علاقة قوية بيننا، جزء منها قائم على الابتزاز العاطفي. إنه يعرف جيدا كيف يكبلنى بالشفقة، بالإحساس بالذنب»! وربما هذه هى مشكلة الراوى فى كل القصص، هو مستعد للابتزاز، فى قصة الكاتبة، تستعين به رجاء ليكون موجودا عندما يأتى شقيقها (الذى تحبه بشكل غير سوي)، رجاء التى تكمن مشكلتها فى ثرائها الفاحش، ومع هذا يستفزه أن ما تكتبه جميل، وفى قصة مؤتمر «الكمة» الإفريقية، الراوى الذى ذهب إلى «أكرا» لتغطية القمة الإفريقية كصحفى لا يجد جدوى من القمم هذه، ويجد نفسه فى نهاية الأمر على الشاطئ محاطا بالغرباء وعازفى الطبول ومروضى الثعابين الذين يشربون على حسابه ويعاملونه «كأبيض» وليس إفريقيا مثلهم، الراوى يقول «أنا مصاب بمرض روحى غريب، لنقل انه مرض استباق النهايات، عندما أفتح زجاجة بيرة مثلجة أراها وهى منتهية، عندما أتسلم وظيفة جديدة أرانى وأنا أقدم استقالتي، وعندما أحب أرانى فى لحظة فراق»، فى المجموعة كل الشخصيات تقريبا على حافة الخطر أو الجنون، شخصيات معذبة مثل موتو الشرس فى القصة التى تحمل اسمه وأحمد صديقه، بائع الفضة التشادى الذى هرب من ليبيا إلى غانا، شخصيات قصة «قميص هاواي» جميعا.
إيهاب عبد الحميد بهذه المجموعة الجميلة حجز لنفسه مقعدا فى الصفوف الأولى لكتاب القصة القصيرة فى مصر، وفوزه بجائزتها هو فوز لجيله الذى يسعى لتقديم شئ مختلف وصادق، حتى لو كان كئيبا وموجعا، وبقى شئ أخير لفت نظرى فى تقرير اللجنة المحترمة التى منحته الجائزة وعلى رأسها الروائى الكبير خيرى شلبي، «تكشف المجموعة عن كاتب يدرك جيدا ما يود كتابته، وما ينبغى أن يتوقف عنده، وما يود إبرازه فى أقل قدر من الكلمات، يحرص على تنويع التفاصيل من دون أن يفقد الخيط الأساسي، قابض على لحظته القصصية ببراعة شديدة، مع استخدام التنويعات السردية المختلفة، القادرة على خلق مشهدية بصرية صافية»، هذا الكلام الجميل من الممكن أن يقال عن أى عمل قصصى جيد. ولكن أهمية المجموعة الفائزة (والصادرة عن دار ميريت)، فى شئ أبعد من الجمل الجاهزة، هو ضرورة عدم وضع سياج حول الوحدة الشاسعة التى يعانيها جيل إيهاب عبد الحميد.
«قميص هاواى» لإيهاب عبد الحميد
المصدر: الأهرام اليومى
بقلم: ابراهيم داود
مجموعة «قميص هاواي» القصصية التى فازت بجائزة يوسف إدريس 2010، تؤكد أن فن القصة القصيرة لا يزال يمتلك إمكانيات هائلة، تؤهله للصمود أمام زمن الرواية الذى يعيش فيه النقاد، ويبتكرون له كل عام جائزة سخية جديدة، يحكمون فيها بالطبع.
الفائز إيهاب عبد الحميد، من مواليد 1977، صدر له بائعة الحزن (قصص) 1998، عشاق خائبون (رواية) 2005، بالإضافة إلى ترجمته الجميلة لـ«قصة الجنس عبر التاريخ» بجزءيه، استطاع فى المجموعة الجديدة «قميص هاواي» أن يعبر عن هواجس جيل يشعر بالوحدة، فيهرب من العالم، إلى عوالم لا تخصه، ومن الصعب أن ينتمى إليها. البطل فى القصص التسع وحيد تماما، محاصر بالخيالات والكوابيس والرتابة، يسعى طوال الوقت إلى الخروج بحثا عن حل جذرى لأحزان (صغيرة أو كبيرة لا فرق)، وفى الطريق تتوالد الحكايات، برشاقة ولغة خالية من الشحوم، فى قصة العطش، توجد مبالغة فى تصوير الحاجة إلى شربة ماء، مرورا بكتابة صحف المعارضة «انقطعت المياه منذ أيام عن سائر المدن المصرية، ولم يذكر المسئولون السبب، لكنهم أكدوا أن كل شئ على ما يرام، وأن المياه ستعود قريبا إلى مجاريها»، إلى تداعيات ذلك على الكائنات كلها، ولكن وسط هذه المبالغات توجد علاقة فريدة بين الراوى وفتاة تعرف أن مشكلتها أنها «عبيطة»، هى لا تتوقف عن الثرثرة، السعادة التى منحتها له كانت تؤجل إحساسه بالعطش، ولكنها لم تحل المشكلة أو المشكلات التى تتراكم أمامه، مثل قدمه التى صغرت، أو الشجرة الضخمة التى ظهرت فجأة أمام البيت ولم تكن موجودة قبل ذلك، وأشياء من هذا القبيل، وفى قصة «مع كانجارو» التى تدور حول شخص فتح الباب ليجد الحيوان (استرالى الموطن)، فيستضيفه، ويغير حياته تماما، يفقد بسببه زوجة المستقبل وعملا مغريا فى دبي، ويتعرض للتحقيق بسببه (كيف دخل الكانجارو مصر؟)
الراوى يعترف «عانيت منه الكثير، لكن تلك المعاناة ولدت علاقة قوية بيننا، جزء منها قائم على الابتزاز العاطفي. إنه يعرف جيدا كيف يكبلنى بالشفقة، بالإحساس بالذنب»! وربما هذه هى مشكلة الراوى فى كل القصص، هو مستعد للابتزاز، فى قصة الكاتبة، تستعين به رجاء ليكون موجودا عندما يأتى شقيقها (الذى تحبه بشكل غير سوي)، رجاء التى تكمن مشكلتها فى ثرائها الفاحش، ومع هذا يستفزه أن ما تكتبه جميل، وفى قصة مؤتمر «الكمة» الإفريقية، الراوى الذى ذهب إلى «أكرا» لتغطية القمة الإفريقية كصحفى لا يجد جدوى من القمم هذه، ويجد نفسه فى نهاية الأمر على الشاطئ محاطا بالغرباء وعازفى الطبول ومروضى الثعابين الذين يشربون على حسابه ويعاملونه «كأبيض» وليس إفريقيا مثلهم، الراوى يقول «أنا مصاب بمرض روحى غريب، لنقل انه مرض استباق النهايات، عندما أفتح زجاجة بيرة مثلجة أراها وهى منتهية، عندما أتسلم وظيفة جديدة أرانى وأنا أقدم استقالتي، وعندما أحب أرانى فى لحظة فراق»، فى المجموعة كل الشخصيات تقريبا على حافة الخطر أو الجنون، شخصيات معذبة مثل موتو الشرس فى القصة التى تحمل اسمه وأحمد صديقه، بائع الفضة التشادى الذى هرب من ليبيا إلى غانا، شخصيات قصة «قميص هاواي» جميعا.
إيهاب عبد الحميد بهذه المجموعة الجميلة حجز لنفسه مقعدا فى الصفوف الأولى لكتاب القصة القصيرة فى مصر، وفوزه بجائزتها هو فوز لجيله الذى يسعى لتقديم شئ مختلف وصادق، حتى لو كان كئيبا وموجعا، وبقى شئ أخير لفت نظرى فى تقرير اللجنة المحترمة التى منحته الجائزة وعلى رأسها الروائى الكبير خيرى شلبي، «تكشف المجموعة عن كاتب يدرك جيدا ما يود كتابته، وما ينبغى أن يتوقف عنده، وما يود إبرازه فى أقل قدر من الكلمات، يحرص على تنويع التفاصيل من دون أن يفقد الخيط الأساسي، قابض على لحظته القصصية ببراعة شديدة، مع استخدام التنويعات السردية المختلفة، القادرة على خلق مشهدية بصرية صافية»، هذا الكلام الجميل من الممكن أن يقال عن أى عمل قصصى جيد. ولكن أهمية المجموعة الفائزة (والصادرة عن دار ميريت)، فى شئ أبعد من الجمل الجاهزة، هو ضرورة عدم وضع سياج حول الوحدة الشاسعة التى يعانيها جيل إيهاب عبد الحميد.
Published on January 18, 2011 03:35
No comments have been added yet.


