"أهذا خليج مورتفيك؟"، تمتم ماسيليدي، الحليق اللحية، من غير أن يخص أحداً من صحبه بسؤاله، فردت نيدايداد الممتلئة الشفتين: "أنى لنا أن نعرف يا شبح الزنبق؟" ألصقت كتفها بكتفه تحت شجرة البندق الباذخة الكثيفة، متوجهة بعينيها، كعيون الآخرين، إلى مسالك البحر المتشعبة مياهاً عن مياه. مطر ثر بسط على الأنحاء شهواته ومزاجه. تقارب الستة النفر-الصحب في الدائرة المشمولة بسلطة غصون البندق الرادعة قليلاً لهياج الماء. تكلم راموسيراسمو الضخم، ذو الأنف الأقنى: لو كان هذا خليج مورتفيك لعثرنا على صيادين. "ربما غادروا، يا نكهة طحين الأرز-راموسيراسمو"، قالت داهناليدا، ذات الرموش الشديدة الشقرة، الظاهرة من ثقبي قناعها. "لا أرى أثراً لمقيم أو عابر. هذا المكان لم يسكن، ولم يهجر. هذا مكان -عقل ساكن، مكان لم يمتحن بخيانة"، قال جيماتيرك ذو الأنف الطول. نزع قبعته الجلد السوداء، الشبيهة بنصف بيضة، عن رأسه، ومشى باتجاه برزخ المياه: "سأخوض بحر مورتفيك". "إلى أين، يا محير شجر القيقب؟" سأله غيرموهالي الأصلع، ذو اللحية الكثة، فرد جيماتيرك: "إلى بوابة الغرق. سأفتحها". ضحك الآخرين. تبادلوا إشارات ناقصة الموازين من عيونهم ناداه ماسيليدي: "منذ متى، يا محير شجر القيقب، أنجزت هذا الوشم النافر علة لوح خيالك؟" التفت إليه جيماتيرك وهو يخوض في الماء بثيابه: "أي وشم تعني؟ أنجزت وشوماً كثيرة على لوح خيالي، يا شبح الزنبق، في طريقنا إلى خليج مورتفيك التائه، سأعيد خليج مورتفيك إلى زريبته البحرية".
سليم بركات روائي وشاعر وأديب كردي سوري من مواليد عام 1951 في مدينة القامشلي، سوريا, قضى فترة الطفولة والشباب الأول في مدينته والتي كانت كافية ليتعرف على مفرداته الثقافية بالإضافة إلى الثقافات المجاورة كالآشورية والأرمنية. انتقل في عام 1970 إلى العاصمة دمشق ليدرس الأدب العربي ولكنه لم يستمر أكثر من سنة، ولينتقل من هناك إلى بيروت ليبقى فيها حتى عام 1982 ومن بعدها انتقل إلى قبرص وفي عام 1999 انتقل إلى السويد.
أسلوبه أعماله تعكس شخصية أدبية فريدة، كما كانت أعماله الشعرية الأولى تنبئ بمولد أديب من مستوى رفيع... وبالفعل أتت أعماله التالية لتقطع أشواط وأشواط في عالم إبداعي لم يعتد عليه قرآء الأدب المكتوب باللغة العربية. كما جاءت أعماله مغامرات لغوية كبري، تحتوي على فتوحات في الدوال والمعاني والتصريفات. طبعاً أضيف إلى ذلك أن سليم عمل على إحياء الكثير من الكلمات العربية التي كانت ميتة تماما واستطاع توظيفها ضمن قالب احيائي فريد.
أعماله * كل داخل سيهتف لأجلي، وكل خارج أيضاً (شعر) * هكذا أبعثر موسيسانا (شعر) * للغبار، لشمدين، لأدوار الفريسة وأدوار الممالك (شعر) * الجمهرات (شعر) * الجندب الحديدي (سيرة الطفولة) (سيرة) * الكراكي (شعر) * هاته عالياً، هات النّفير على آخره (سيرة الصبا) (سيرة) * فقهاء الظلام (رواية) * بالشّباك ذاتها، بالثعالب التي تقود الريح (شعر) * كنيسة المحارب(يوميات) * أرواح هندسية (رواية) * الريش (رواية) * البازيار (شعر) * الديوان (مجموعات شعرية في مجلد واحد) (شعر) * معسكرات الأبد (رواية) * طيش الياقوت (شعر) * الفلكيون في ثلثاء الموت: عبور البشروش (رواية) * الفلكيون في ثلثاء الموت: الكون (رواية) * الفلكيون في ثلثاء الموت: كبد ميلاؤس (رواية) * المجابهات، المواثيق الأجران، التصاريف، وغيرها (شعر) * أنقاض الأزل الثاني (رواية) * الأقراباذين (مقالات في علوم النّظر) * المثاقيل (شعر) * الأختام والسديم (رواية) * دلشاد (فراسخ الخلود المهجورة) (رواية) * كهوف هايدراهوداهوس (رواية) * المعجم (شعر) * ثادريميس (رواية) * موتى مبتدئون (رواية) * السلالم الرملية (رواية) * الأعمال الشعرية (مجموعات) * شعب الثالثة فجرا من الخميس الثالث (شعر) * لوعة الأليف اللا موصوف المحير في صوت سارماك (رواية) * ترجمة البازلت (شعر) * هياج الإوزّ (رواية) * التعجيل في قروض النثر (مقالات) * حوافر مهشمة في هايدراهوداهوس (رواية)
مرة أخرى أعاني مع سليم بركات بعد فقهاء الظلام، ما هذا؟ ما الذي يريد أن يصل إليه؟ أريد أن أرتاح وأنا أقرأ، لا أن أتضايق وأعاني وأستفز من عدم فهمي للمكتوب!! لغة جزلة قوية وتشبيهات مثيرة، وفكرة بعيدة عن الوصول.
هنا يعتمد سليم بركات على مقدرته الشعرية والبلاغية العالية فيقدم لنا رواية شعرية مليئة بالصور والتشبيهات الرمزية العميقة والمدهشة. ودائمًا ما نرى أن صور سليم وتشبيهاته على امتداد الرواية، سواء استخدمها في وصفه لمشهد أو في صياغته لحوار، تترك ثغرةً أو مساحةً شاغرة لتمنح القارئ حرية التأويل. فيبدأ روايته مثلًا، بهذا المقطع: "...استأذن السنجاب شجرة الكستنة إذ بلغ ذروة فضائها الفارغ، قافزاً باتجاه شجرة الصنوبر. حط عليها في خفة كفكرة ارتجلها أمل عابر". ويقول لاحقًا على إحدى شخوص روايته "إن لمست الغريب، سأفرغ عظامك من الجلخ (..) سأفرغ خيالك أيضًا من الصور" كنايةً عن التهديد بالقتل ودلالةً على أهمية الخيال الخصب كما يراها سليم. موتى مبتدئون تحكي الكثير وفي نفس الوقت قد لا تحكي شيئًا حسب نظرة القارئ لها. فهي تتحدث عن مجموعة من الموتى الذين يزعمون بأن موتةً واحدةً لا تكفي، ويبدؤون رحلتهم بإصرارٍ عجيب في البحث عن غريبٍ يسلّونه، إذ يقول أحدهم: "ليس هناك ما أخسره مذ وهبت رحلتي، هذه، للأمل في تسلية غريب". ويجوب سليم خلال هذه الرحلة عوالم عدّة، من خلال حواراتٍ عميقة إلا أن تكلّفه في استخدام بعض المفردات الثقيلة يشتت الذهن وينافي مفهوم الخفة والانسيابية المرتبط عادةً بالرواية الشعرية والتي تستخدم الشعر لتقريب المعنى لا لتشتيت القارئ كما يفعل سليم في بعض فصول روايته. عمومًا، هذه النقطة ليست بالضرورة نقطةً سلبية فقد يكمن الإيجاب في استفزاز القارئ واخراجه من هدوء ورتابة التفكير وإجباره على الدخول لمناطق لا يشعر بالراحة فيها.
ثاني كتاب اقرأه لسليم بركات يجب ان اعترف ان الفكرة كانت جميلة ربما سليم بهذه الرواية الصعبة والاحيانا مدمرة عصبيا يحاول ان يسلي قارئ يمكن ان يكون سليم يعتبر ان الكتابة او بالاحرى الكاتب هو ميت ايضا فيشعر بان مهما كانت مداعبته للقارئ بتعبيرات لغوية و شعرية مصيرها النسيان والتجاهل من قبل القارئ المشغول بشحذ السكين
لم يتخلّ الكاتب الكردي / السوري سليم بركات، في روايته الجديدة "موتى مبتدئون"، الصادرة حديثاً، عن أسلوبه الشعري واللغوي والبلاغي. ذاك الأسلوب الذي يعتمده بركات في كتابة العمل الروائي كعمل يحتوي على الكثير من الشعرية وقليل من الروائية أوالحكائية. العمل الذي يتابع بركات داخله عمله في نحت اللغة وتأليفها وأخذها من ألسنة وعقول ما عادت موجودة، أوما عادت تقولها وتفكر بها إلا قليلاً، لا بل نادراً. هذا الأسلوب، الذي اشتهر به بركات وبات مدرسة هومعلمها الشهير، يجعلنا نطلق على روايته "موتى مبتدئون"، وعلى العديد من رواياته السابقة، تسمية الرواية الشعرية، قياساً على المسرحية الشعرية، من حيث طغيان الشعر والإيقاع والموسيقى والتأليف على السرد والنثر وانسيابيتهما والحكاية.
المقصود بالشعر هنا ليس مجرد صفحة أوصفحتين من الشعر تتخلل متن الرواية، بل أقصد بأن أسلوب بركات في كتابة الشعر لا يختلف كثيراً عن أسلوبه في كتابة الرواية سوى بإضافة أسماء شخصيات وأماكن. هذه الشعرية في النص لا تشبه الشعرية التي توجد في الروايات الأخرى، خاصة الأجنبية منها، إذ أنها في تلك الروايات تأتي داخل انسيابية الرواية أوبسببها وبسبب لغتها البسيطة والتي قد تفيد في وصف الحالة، أواللحظة، المروية أوفي دغدغة القارئ أثناء سيره الممتع في قراءة الرواية، بجملة مدهشة، تجعلنا ننظر إليها كجملة من الشعر الخالص، ولكنها، بكل الأحوال، تكون قليلة ومفيدة وخفيفة على متن الرواية. أما هنا، في هذه الرواية، فإنها تأتي ثقيلة لتبدو وكأنها مكتوبة بشكل مقصود لإبراز عضلات اللغة. تأتي كي تفاجئ القارئ بطريقة تشتت وعيه عن متابعة جريان الرواية، أوكي تأتي، هذه الشعرية، ضد مفهوم الخفّة التي يتم فهمها بطريقة خاطئة كميزة من ميزات كتابة الرواية. لنأخذ هذا المقطع الذي جاء في الصفحة الأولى للرواية: "لولبياً تسلقَ الجذعَ. حمله غصن إلى غصن، طبقة بعد أخرى، في اتجاه الأعالي، فتناثرت حفنات من الثلج العالق بها ـ ثلج المشورة التي درج البياض على إسدائها للخلاء الموحش. استأذن السنجاب شجرة الكستنة إذ بلغ ذروة فضائها الفارغ، قافزاً باتجاه شجرة الصنوبر. حط عليها في خفة كفكرة ارتجلها أمل عابر". (ص 5). ولنأخذ مقطعاً آخر من الصفحة الحادية عشرة: "شحذ الرجل الجالس على جذع شجرة مهشّم، قبالة المياه في خليج أودن، مديته العريضة الشفرة على مبرد حجر مضلع. نطق المعدن في احتكاكه بالمعدن، فأصغى قلب الرجل إلى حكمة اللسان الصلب. "ثلاثة عشر طيراً من قبائل البط، المطوق العنق ببهاء أصفر، عبرت البرزخ الثلج إلى البرزخ المياه كقوارب من ريش. مسّها الرجل ببصره؛ مسّ ببصره الدوائر المتداخلة على السطح الرمادي الساكن. تأمل البعيد المـُعتصَر في قبضة الأفق، المعتصَر تحت ثقل السماء. أغمض عينيه. تحركت شفرة المدية، ثانية، على المبرد، فأصغى المجهول، بعقله الذهبي، إلى الهسيس المرتعش في خيال المعدن.". (ص 11). طبعاً الرواية، هذه الرواية، مليئة بالكثير جدا من هذه المقاطع التي تعج بالوصف الثقيل على أية رواية. هذا الوصف الذي يشبه، ويرفع من قيمة، شعر سليم بركات نفسه. ولكن هل الرواية تحتمل مثل هذه الجمل الوصفية والاعتراضية والنحت اللغوي (حتى في أسماء الشخصيات: غيرموهالي، ماسيلدي، راموسيراسمو، جيماتيرك، والشابتين: داهناليدا، نيديداد) والبلاغة اللغوية على حساب الخفّة والرشاقة والمتعة والفكرة، رغم قلة أهميتها، وتسلية القارئ... رغم أن فكرة الرواية كلها تقوم على فكرة تسلية الغريب. ينطلق الشبان الأربعة، الذين ذكرنا أسماءهم قبل قليل، والشابتان، في رحلتهم من أرض "السحلبية الزرقاء" إلى خليج "مورتفيك"، وخلال هذه الرحلة، التي لا ندري ما سببها، يأملون اللقاء بغريب ما من أجل تسليته. تبدوهذه المهمة، تسلية الغريب، كمهمة عظيمة بالنسبة لهم وكأن حياتهم، رغم أنهم أموات، متعلقة بهذا الأمل الغريب. "ليس هناك ما أخسره مذ وهبت رحلتي، هذه، للأمل في تسلية غريب، رد جيماتيرك". (ص 23). أثناء رحلتهم الطويلة، وطواف البلاغة والمماحكات من حول خطواتهم، يلتقون برجل جالس على جذع شجرة عند خليج أودن يشحذ مديته، وهم لا يعرفون أنه خليج أودن، ويفرحون لأنهم أخيراً التقوا بغريب ويريدون تسليته. لكن ذلك الرجل لا يرد على جميع محاولاتهم في محادثته، وحتى على تعنيفهم له، ولا ينظر إليهم حتى، متابعاً شحذ مديته. إزاء موقفه السلبي هذا وصمته المريع يتركونه في حاله ويذهبون. قصة ذلك الرجل الذي يشحذ مديته هي أجمل ما في الرواية، وهي عبارة عن أسطر قليلة إذا نزعنا عنها ثياب البلاغة، وهي تتحدث عن مائتي رجل من أرض "دوكون" صنعوا سفينة كبيرة ثم قاموا بسحلها بالحبال، فوق رصيف من جذوع الشجر، عبر الفراسخ الألف لكي يبلغوا شاطئ "هيلاكريتوثينيس" ويأخذوا التماثيل المعدنية الثلاثة المنتصبة فوق صخرة هناك والعودة بها إلى أرض دوكون. رغم الرحلة الشاقة والمهلكة والطويلة جداً ورغم وجود الخرائط الدقيقة، والمرسوم عليها التماثيل الثلاثة، وسحلهم لسفينة كبيرة على البر، دون أن يركبوها في البحر، مئات الفراسخ ليحصلوا على اللا شيء. ليحصلوا على الخيبة. فهم وصلوا بدقة إلى الصخرة المرادة التي لن يكون عليها أي تمثال. بل لن يجدوا على الصخرة أي دليل، إذ "لا خدوش في الأرض؛ لا زجْرَ للحصى أوالرمل". ( ص 36). مونولوغ شعري رائع يتوالد بغزارة وألم على لسان ذاك الرجل الخائب والمتعب والذي قطع المسافة من جديد، ولكن بالاتجاه المعاكس، لا لشيء، بل لكي يفقد ذاكرته طوال أطول طريق قطعها، خائباً، في حياته. الشيوخ الإثنا عشر، وهم آباء الشبان الستة، الذين خرجوا في إثر أبنائهم الذاهبين إلى خليج مورتفيك، يلتقون أيضاً الرجل الغريب الذي يشحذ مديته. الرجل الغريب لن يرد على طوفان المحاورات التي أجراها معه أولئك الشيوخ. بعد ذلك الطوفان من النحت اللغوي والفلسفة والحكمة الثقيلة، المستخلصة من حياة اثني عشر شيخاً، يصل الشبان الستة إلى نفس المكان وتبدأ المناوشات البليدة بينهم وبين آبائهم، بعد اليأس من استنطاق الغريب، إذ يرفض الشبان البقاء مع آبائهم ويريدون متابعة مهمتهم العظيمة التي وهبوا أنفسهم لها. في تلك اللحظة سينطق الغريب بالجملة الذهبية في الرواية ليقول لهم: "هذا خليج أودن، (..) أكمل الرجل المرهق العينين سيره فعبر الجمع الواجم. رفع صوته من غير أن يلتفت إليهم: لا أحد في خليج مورتفيك". (ص 120). وهكذا تنتهي الرواية وتنتهي الرحلة العبثية لجميع الشخصيات في أرض فارغة من الغرباء ومن التسالي. عندما ينتهي القارئ من الرواية سيجد في نهاية النص الجملة التالية "سكوغوس / السويد ـ القرن الثاني عشر الميلادي 2005". وسيتساءل ماذا يعني القرن الثاني عشر الميلادي، هل هو خطأ مطبعي أم نهاية شعرية جديدة للتأريخ اخترعها سليم بركات؟ "كل شيء افتراض حين يكون الموتى مبتدئين". بهذه الجملة، التي من ثوب الحكمة، يقدم بركات روايته الجديدة. الرواية التي تقوم على فكرة خروج مجموعة من الموتى من ذاكرة قبورهم للبحث عن خليج مورتفيك، لا ندري لماذا يبحثون عنه، وفي الطريق يتمنون أن يلتقوا بغريب كي يقوموا بتسليته، هذا ما ينطبق على الشبان الستة، أو لإبهاره بكمال الحكمة التي وصلوا إليها وحرقوا كتابها الوحيد، من خلال مجموعة الشيوخ، ولكنهم لن يجدوا أحياء على قيد الحياة بل سيجدون حيا يموت تحت ثقل ضربات الخيبة والخديعة.
يعتمد دوما على الكتابة الإيجازية فى وصف المشهدية والتجريد الصوري مع الحركة الكائنة والكلمات الجديدة وذكر الطبيعة بمكاوناتها وكائناتها وأدوات الانسان البدائي والتخييل والشاعرية فى الوصف واستنطاق ما يستخدمه باسلوب عميق وخيال نادر، سليم دوما شاعري حتى فى الرواية وهنا يُطرح سؤال مهم .أن الشاعر لا يستطيع كتابة إلا الشعر كصنف أدبي ، فى الرواية انتظار الغريب وقدومه والخلاص به مع التحدث عن مجردات كثيرة منها الهدوء عندنا فى ارض السحلبية الزرقاء ، اعياء ثقيل . الأشياء لا تتصالح فى الهدوء . الأشياء تنكص عن تدبير قواعد للقوى، فى الهدوء . الهدوء مضلل ؛ وثبة إلى الغرق. لكن علينا تبجيل الهلع ، الذى لا ينبت بسماد آخر غير سماد الهدوء . السهم ، إذ أطلقه للقنص، ادلله بلسان صامت : ينبغى ان يكون قلبى هادئا حين أكلم السهم ؛ ان تكون يدي هادئه ؛ ان تكون عيناي هادئتين البرهة هادئة فى يقين الطريدة هى المقتل . الهدوء علم اختزال الزمن كله ، الذى ببدء أو من غير بدء ، إلى صوت مختزل فى سهو الحركة عن دورها . الهدوء عناد، وتهويل بالعناد. * نظرتك إلى نظرة المستوحش الانيس. اتريد ابلاغي انك مستوحش يؤنس واننى مستوحش يوحش؟ ثمت شىء ضائع هنا .هل صاحبت كلبا ؟ هل اقتنيت كلبا ، أيها الغريب ؟ هل قتلت كلبا ؟ الكلب هرطوقي .الكلب خطأ مقصود . عندنا كلاب كثيرة فى ارض السحلبية الزرقاء . * اأنا اخون ذاكرتي ، أم تتصنع ذاكرتي اننى اخونها؟ كل ما اعرف أنها لا تملكني ولا املكها، فلا اشغلن نفسي ، اذا، بأن يخونني ما لا يملكني، وان اخون ما لا أملك. * لا غناء . لا قصص . لا رقص . لم نفكر بفكرتنا الا كهبة. دعوا التسلية تحضر طوعا ، فيما بعد .سيكون الأمر الهاما بحضور الغريب . احضروا غرباء معصوبي الاعين، تدهشونهم حين يفتحونها عليكم .نادوهم بلسان خيالكم. ابتكروهم .ذكروهم بأسمائهم أن نسوا أسمائهم. * لا حيرة .لا أمر محير .النظرة الأخيرة نظرة مشوشة ، لذلك هي أخيرة . * ااخلع عني معطفي كى تراني اكثر ، أيها الغريب ؟ عيناي مجهدتان كعينيك تبعثران ذاكرتي ، كأنك مرتاب فى أنني أعرف بعض الخفي الذى فيك. جميلة انا ، دون معطف ، أيها الغريب . جميلة بذاكرة أو من دونها .انت تلمسني أيها الغريب .لكنك تمضى أبعد مني إذ تنظر إلي. انا معبر بصرك . * ماذا ترى مني بنظرتك هذه ، أيها الغريب ؟ قوض نظرتك. اكسرها، واجمعني . *
. في التعريف بالكاتب على الجودريدز قيل عن أعماله أنها تعكس شخصية أدبية فريدة، كما كانت أعماله الشعرية الأولى تنبئ بمولد أديب من مستوى رفيع، وبالفعل أتت أعماله التالية لتقطع أشواط وأشواط في عالم إبداعي لم يعتد عليه قراء الأدب المكتوب باللغة العربية. كما جاءت أعماله مغامرات لغوية كبري، تحتوي على فتوحات في الدوال والمعاني والتصريفات. طبعاً أضيف إلى ذلك أن سليم عمل على إحياء الكثير من الكلمات العربية التي كانت ميتة تماما واستطاع توظيفها ضمن قالب إحيائي فريد ……
عمومًا وجدتُ الرواية مُتعبة في قراءتها وثقيلة على القلب وغير "مُسلية" بالمرة فيها الكثير من التحذلق والتقعر والنحت اللغوي غير المبرر