تحتفي تلك النصوص القصصية بكمٍ هائل من نطاقات الخيال عبر واقع قلِق، مُحيّر، مفتوح على جميع الاحتمالات. ينهض كل نصٍ على طرح أسئلة حول الواقع من خلال سرد أبنية تحتفي بذلك الخيال في انطلاقهِ المذهل، والكاتب في سعيه لتحقيق عمل قِصصي مُدهش يبتعد تمامًا عن الأعمال الكلاسيكية التي تعالج التحولات في المجتمع، وهو يعيد اكتشاف ذاته، وفهم عناصر الواقع بعد أن يكون تشكيلات جمالية مختلفة عن السائد. تتسم الكتابة -هنا- بقدرٍ كبير من البراءة والتلقائية بل والشفافية، التي تزيد من عمق رؤيتنا للأشياء فنكتسب من الخبرة ما يعمق وعينا بضراوة الواقع. لذا يلجأ الكاتب للحلم والهواجس والكوابيس، فلا يبالي بالحيرة التي تشمل الكون كله، بل يصبح هدفه أن يتقصَّى الحقيقة في تشكلاتها الملتبسة، المبهمة، الغامضة.
مجموعة قَصصية جميلة ورغم أنها ڤانتازيا وأنا لا تستهويني أبداً الڤانتازيا إلا أنها فعلاً جميلة، وجمالها يكمُن في سبب واحد أو هذا ما أعتقده ألا وأنها عميقة جداً جداً جداً، وأنا من هواه العُمق، والغريب إنني أعثُر على العُمق في الڤانتازيا. الكاتب يأخدنا في رحلات كثيرة جواً وأرضاً، بحراً وبراً، مُدن وقُرى... إلخ ويأخدنا أيضاً إلى عالم الحيوان بكُل ساكنيه، عالم البراءة والعفوية، عالم قائم على الحُب بلا مُقابل،عالم تمنى الكاتب أن يكون من ساكنيه، بل لم يكتفي بذلك بل جعلني أيضاً أتمنى لو كُنت من ساكنيه. رحلات قصيرة جداً لكنها مُمتعة ومُشوقة وسعيدة وحزينة أحياناً. لمست أيضاً فيها الحنين إلى الماضي (نوستاليجا)، الكاتب استطاع أن يأخُذنا إلى الماضي والعائلة والدفء وذكريات زمن فات. المجموعة القصصية مثل ملعقة إستطاعت وبكُل سلاسة أنت تصل إلى الروح وأخذت تُقلب وتُقلب في صمت وبعُمق الكثير والكثير من الأحاسيس المدفونة في غياهب الروح.
القراءة الأولى لـ الكاتب ولن تكون الأخيرة بأذن الله