يبرع الدكتور "عبد الله إبراهيم" كعادته في كل ما يقدمه لقرائه من مؤلَّفات في كشف سيرورة التطور المعرفي للغرب، عبر محطات، ومنعطفات، تاريخية ومعرفية هامة يقف عندها، ليبين للقارئ كيف برزت أوروبا بوصفها مكوناً ثقافياً، شاعت من خلاله نظمها الثقافية والفكرية وانتشرت في جميع البلدان وفي مختلف مجالات العلم والمعرفة والفن. في كتابه "المركزية الغربية" يدخل الكاتب في ماهية وطبيعة المفهوم الغربي للتطور بناءً على إعادة إنتاج مكوناته التاريخية منذ النشأة الأولى وهذا ما أورده في مقدمة كتابه التي يعتبر فيها أنه "يتعذر على وجه الدقة، تحديد اللحظة التي ولد فيها مفهومان متلازمان هما: "أوروبا" و"الغرب". والواقع أنهما من تمخضات تلك الحقبة الطويلة والمتقلِّبة التي يُصطلح عليها "العصر الوسيط"، الحقبة التي طورت جملة من العناصر الاجتماعية والدينية والسياسية والثقافية، فاندمجت لتشكّل "هوية" أوروبا، وبانتهاء تلك الحقبة، ظهر إلى العيان مفهوم "الغرب" بأبعاده الدلالية الأولية، وسرعان ما رُكّب من المفهومين المذكورين مفهوم جديد هو "أوروبا الغربية". هذا المفهوم ذو الدلالات المتموّجة، لم يمتثل أبداً للمعنى الجغرافي الذي يوحي به، فقد راهن منذ البدء على المقاصد الثقافية والسياسية والدينية، ومن ثم ثبّت مجموعة من الصفات والخصائص العرقية والحضارية والدينية على أنها ركائز قارّة، تشكّل أسس هويته، وغذّى هذا الاختزال ولادة مفهوم حديث ذي طبيعة إشكالية هو "المركزية الغربية". يُقسم الكاتب دراسته إلى مدخل وثلاثة أبواب وخاتمة. يبحث في المدخل "مفهوم المركزية الغربية - حيثيات المفهوم وإشكالياته". أما الباب الأول فيأتي بعنوان: الركائز الفلسفية لنـزعة التمركز الغربي ويضم فصلان: الفصل الأول حول إرهاصات العلم وانهيار سلم التصوّر اللاهوتي. أما الفصل الثاني فيبحث في فلسفة الروح وبناء التمركز الغربي. وجاء الباب الثاني بعنوان: تأصيل التمركز وتجلياته ويضم ثلاثة فصول: الفصل الأول حول التأصيل الفكري واصطناع المعجزة الإغريقية. أما الفصل الثاني فيبحث في التأصيل العرقي - أيديولوجيا التفاوت واختزال الآخر. ويأتي الباب الثالث والأخير بعنوان: نقد المركزية الغربية استشعارات داخلية ويضم فصلان: الفصل الأول حول الميتافيزيقا الغربية ونقد التمركزات الخطابية. الفصل الثاني: العقلانية الغربية ونقد التمركزات الاجتماعية. "المركزية الغربية" مرجع فكري هام وغني يكشف عن الأسس المعرفية التي بنى عليها الغربي نجاحه، هل هو القطع المعرفي لثقافة العصر الوسيط، أم القيم التنويرية، أم الارتكاز على العلم... هذا ما ستكشف عنه هذه الدراسة بكثير من الدقة والموضوعية في ضوء التحولات الفكرية والاجتماعية والسياسية التي سادت أوروبا حتى تمخض هذا المفهوم الحديث ذي الطبيعة الإشكالية التي صاغت الفكر الغربي الحديث صوغاً يوافق مقولات التفوق العرقي والثقافي والديني، تطورت فيها نزعة التمركز الغربي إلى مفهوم العولمة الذي امتد وشمل العالم ك
الدكتور عبد الله إبراهيم مفكر وأستاذ جامعي من العراق متخصّص في الدراسات السردية والثقافية، أصدر 22 كتابا وأكثر من 40 بحثا علميا في كبريات المجلات العربية. نال درجة الدكتوراه في الآداب العربية عام 1991 من جامعة بغداد، وشارك في عشرات المؤتمرات والملتقيات النقدية والفكرية. عمل أستاذا للدراسات الأدبية والنقدية في الجامعات العراقية، والليبية، والقطرية منذ عام 1991 لغاية عام 2003. وخبيرا ثقافيا في وزارة الثقافة بدولة قطر، ثم منسقا لجائزة قطر العالمية من 2003-2010. ويعمل حاليا خبيرا ثقافيا بالديوان الأميري، وهو باحث مشارك في الموسوعة العالمية.
الكتاب: المركزية الغربية الكاتب: عبدالله ابراهيم الصفحات: 444 الطبعة: الثانية - دراسات . . التلخيص: " تكشف النظرة النقدية الفاحصة، لمعطيات الثقافة العربية الحديثة، معضلة مكينة تستوطن نسيجها الداخلي، ألا وهي "مماثلة" الثقافة الغربية، و"مطابقة" تصوراتها، فحيثما اتجهت تلك النظرة في حقول التفكير المتعددة، لا تجد أمامها - على مستوى الرؤى والمناهج والمفاهيم- سوى ضروب من "التماثل" و "التطابق" مع ثقافة الأخر" 5
يتحدث الكتاب عن تكون وترسخ فكرة المركزية الغربية في التفكير الغربي وبثها في العالم بعد ذلك، والفكرة تعني بتفوق العالم الغربي في كل شيء وأنّه هو مصدر التقدم والتطور في هذا العالم، ولابد للشعوب إن أرادت التقدم أن تتبعه فيما يقول وتتشبه فيما يفعل وأن تترك مخلفات أفكارها وثقافاتها الرجعية. فيبدأ الكاتب بحفر في الفكر الغربي منذ نشأته ويُظهر أبرز المعالم التي اتكئ عليها العالم الغربي في ادعائه، كما حاول وبطريقة نقدية عميقة بيان ترسخ هذه النظرة في العقلية الغربية الحديثة عن طريق عرض أفكار مفكريها فلاسفتها وكيف دائما ما يفضلون ثقافتهم الفريدة الناشئة من عظمتهم من دون الحاجة لأحد.
فتحدث مثلاً كيف أن الغرب يؤرخ للعقلانية والفلسفة بدءاً من اليونانيين كطاليس وفيثاغورث وانكسماندريس واكسنوفان وزينون مرورا بسقراط وأفلاطون وأرسطو كقمة للتفكير الإنساني، وذلك من دون الإشارة إلى استفادة هؤلاء من سابقيهم من الحضارات السابقة كالمصريين مثلا والذي قال أفلاطون في حقهم " بأنهم أطفال أمام الحضارة المصرية"، وكذلك أن فِكرة الحقوق والمواطنة نشأت من الفكر الروماني بالرغم من أن في الدولة الرومانية لم يكن المواطنين سوى 200 ألف من 20 مليون إنسان يعيش فيها وذلك دليل على تحكمهم وسيطرتهم على الناس، كما أيضا يتبنى هيغل وغيره أنّ المسيحية هي الدين الأسمى والأفضل في التاريخ البشري والمتمركز في أوروبا الغربية وامتدحه كثيرا بالرغم من أن تلمسيح في الأساس ولد في الشرق والديانة شرقية. كما عرّج الكاتب على الكثير من المواضيع منها العنصرية الغربية والنظريات العلمية التي ظهرت وتقول بتفوق "الإنسان الأبيض الغربي" عِرقيا على العالم الأخر مما يجعله ويبيح له السيطرة على الأخرين واستعبادهم (وهذا شرف لهم لأنهم سيخدمون السيد الأبيض!) واستعمارهم ونهب ثرواتهم تحت ذريعة التطور والتخلف ويظهر هذا جلياً في فكرة "اكتشاف أمريكا" وهي بحد ذاتها فكرة عنصرية حيث أنّ التعبير ب"اكتشاف" هو تعبير عن أرض خلاء غير مسكونه ومعروفة بالرغم من وجود حضارات كالأزتك وغيرهم مما عُرفوا بالهنود الحمر ولكن لأن الغربي لم يكن يعرفهم فأنهم غير موجودين وكذلك استقدامهم للعبيد الزنوج من أفريقيا الذين يُعتبرون في أدنى سلم التطور البشري!.
والكتاب عميق ويحتاج لمعرفة متوسطة بالثقافة والفلسفة الغربية، حيث تقريبا استعرض الكاتب الفكر الفلسفي الغربي أولا ومن ثم يبين وجه المركزية الغربية فيها مستخدما أسلوبا نقدياً واعياً، فاستعرض الفكر القديم كاليونانيين والفكر اللاهوتي والوسطي كأوغسطين وتوما الأكويني والحديث كديكارت وروسو وكانت ولوك وبيكون وكانت وهيغل وماركس وغيرهم. وهو نافع جداً لمعرفة الأصول الفكرية العنصرية الكامنة في الثقافة الغربية وكيف تكونت نظرتهم المحتقرة للشعوب الأخرى وكذلك نعي بأن الغرب وإن كانت فيها محاسن فله من المساوئ الكثير ولا يجب أن يكون هو نموذج يحتذى بل يجب أن نكون معه الند للند فِكريا، نستفيد منه ولا نتبعه ونقلده، وما نتفعنا له أخذناه وما لا يناسبنا رفضناه.
١- الكاتب يسخدم اسلوب ومصطلحات معقدة اكثر من اللازم تجعل قرائة الكتاب محبطة، فما ان تفك شفرة جملة الا وتكتشف انه كان يستطيع ان يشرحها باسلوب ابسط باضعاف المرات
٢- الكتاب مليئ بالدعاوي المرسلة وفيه شح امثلة على مايطلقه من دعاوي. ففي الكتاب الكثير من العموم بحيث تضيع الفكرة في عموميات بعض العبارات والجمل بدون ان يذكر ادلة او امثلة على ادعائاته، ففي اغلب الكتاب اكتفى بالكلام النظري والادعائات بدون التدليل عليها بامثلة وادلة
٣- يسهب الكتاب في شرح استطرادات لا علاقة لها بموضوع الكتاب وهدفه، وهي مع كونها مفيدة ولكنها لاتخدم فكرة الكتاب، مثل حينما يتطرق لما يسميه اصطناع المعجزة الاغريقية. فيسهب كثيرا في شرح بعض الافكار اسهاب لا يقتضيه ولا يتطلبه السياق لاثبات الموضوع الرئيسي للفصل (وهو اصطناع المعجزة الاغريقية). وكان يكفي شرح خلاصة الفكرة ثم الانتقال للاستنتاج الذي يخدم موضوع الفصل. ولكنه بدل من ذلك يسهب في شرح امور لاتخدم موضوع الكتاب. مثال اخر هو حينما يشرح ان هدف كولومبوس من "اكتشاف امريكا" لم يكن لهدف الاستشكاف المحض لهدف العلم المجرد كما يدعي الغربيين بل كان مدفوع بعقيدة دينية ورغبة مالية بتحصيل الذهب ولمم يكن اهتمامه الاول هو الكشف العلمي لخدمة العلم المجرده، فيفرد الكاتب لشرح هذا الصفحات تلو الصفحات ثم اعادة شرحها مراراً وتكراراً مع وضوح الفكرة وادلتها منذ اول صفحتين او ثلاثه، ولكن الكاتب يصر على تحرير جزئيات كثيرة فيما يخص اكتشاف كولمبوس لامريكا مع ان اغلب هذه الجزئيات ليس لها علاقة في موضوع البحث مما يحشو الكتاب بامور غير مهمة بتاتاً
وهذا لايعني انه لايوجد بالكتاب معلومات مفيدة، ولكن الكاتب للاسف بسبب هذه الاخطاء المذكورة قتل روح الكتاب وجعل الفائدة التي فيه قليلة، وفوق ذلك تحصيلها عسير ومتعب جدا
تقيمي للكتاب انه سيء شكلاً ومضموناً ويشفع له بعض الشذرات القليلة والمتفرقة من المحتوى المفيد