من نوادر الموسوعات الأدبية الأخبارية. أفرغ فيه ابن عبد البر القرطبي خلاصة قراءاته وملاحظاته في ميدان الأدب، أو كما يقول: (وجمعت فيه ما انتهى إليه حفظي ورعايتي، وضمته روايتي وعنايتي) فحفظ لنا بين دفتيه تراثاً قيماً، ضاعت معظم مصادره الأصلية، وكاد يندثر لولا أن ضم شمله وجمع شتاته. أما منهج الكتاب، فبسيط لا تعقيد فيه، بناه القرطبي على (132) باباً، يفتتح الباب منها بما تيسر من الآيات والأحاديث، ثم يورد أشعار العرب وحكمها، أو ما أثر عن غيرهم من العجم والروم، من كل ما قيل في معنى الباب، أو ضده، ليكون أبلغ وأشفى وأمتع. ومن نوادره: قصيدة المريمي، وأولها: (تعزّ فإن الحر لا بد يخلق )
هو: الإمام شيخ الإسلام حافظ المغرب أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر بن عاصم النَّمَري القرطبي، ولد سنة ثمان وستين وثلاث مائة في ربيع الآخر, وطلب الحديث قبل مولد الخطيب بأعوام.
وساد أهل الزمان في الحفظ والإتقان.
وكان مع تقدُّمه في علم الأثر وبصره بالفقه والمعاني, له بسطة كبيرة في علم النسب والأخبار. جلا عن وطنه فكان في الغرب مدة, ثم تحول إلى شرق الأندلس فسكن دانية وبلنسية وشاطبة وبها توفى، وذكر غير واحد أنّ أبا عمر وليَ قضاء أشبونة مدَّة.
شيوخه:
خلف بن القاسم, وعبد الوارث بن سفيان, وعبد الله بن محمد بن عبد المؤمن, ومحمد بن عبد الملك بن صيفون, وعبد الله بن محمد بن أسد الجهني, ويحيى بن وجه الجنة, وأحمد بن فتح الرسان, وسعيد بن نصر, والحسين ابن يعقوب البجاني, وأبي عمر أحمد بن الحسور, وعِدَّة.
وأجاز له من مصر المسند أبو الفتح بن سيبخت, والحافظ عبد الغني، ومن مكّة أبو القاسم عبيد الله ابن السقطي.
تلاميذه:
أبو العباس الدلائي, وأبو محمد بن أبي قحافة, وأبو الحسن ابن مفوز, وأبو عليّ الغسّاني, وأبو عبد الله الحميدي, وأبو بحر سفيان بن العاص, ومحمد بن فتوح الأنصاري, وأبو داود سليمان بن أبي القاسم المقرئ, وآخرون.
مناقبه:
قال أبو الوليد الباجي: لم يكن بالأندلس مثل أبي عمر في الحديث.
قال ابن سكرة سمعت أبا الوليد الباجي يقول: أبو عمر أحفظ أهل المغرب.
وقال ابن حزم: التمهيد لصاحبنا أبي عمر لا أعلم في الكلام على فقه الحديث مثله أصلاً, فكيف أحسن منه.
قال الذهبي: وكان ديِّناً صيِّناً ثقةً حجةً صاحب سنة واتِّباع, وكان أولاً ظاهريا أثرياً, ثم صار مالكياً, مع ميلٍ كثيرٍ إلى فقه الشافعي.
وقال الحميدي: أبو عمر فقيه حافظ مكثر عالم بالقراءات وبالخلاف وبعلوم الحديث والرجال. قديم السماع يميل في الفقه إلى أقوال الشافعي رحمة الله عليه.
مصنّفاته:
قال الحافظ الذهبي: وله تواليف لا مِثل لها في جمع معانيها، منها:
"الكافي" على مذهب مالك خمسة عشر مجلداً.
ومنها كتاب "الاستيعاب في معرفة الأصحاب" ليس لأحدٍ مثله.
ومنها كتاب "جامع بيان العلم وفضله".
وله كتاب "الاكتفاء" في قراءة نافع وأبي عمرو.
وكتاب "بهجة المجالس" نوادر وشعر.
وله كتاب "التقصّي" لحديث الموطأ.
وكتاب "الإنباه عن قبائل الرواة".
وكتاب "الانتقاء لمذاهب الثلاثة العلماء" مالك وأبي حنيفة والشافعي.
و"البيان في تلاوة القرآن".
و"الأجوبة المستوعبة".
وكتاب "الكنى".
وكتاب "المغازي".
وكتاب "القصد والأمم في أنساب العرب والعجم".
وكتاب "الشواهد في إثبات خبر الواحد".
وكتاب "الإنصاف في أسماء الله تعالى".
وكتاب "الفرائض"، وغير ذلك.
وفاته:
قال أبو داود المقرئ: مات أبو عمر ليلة الجمعة سلخ ربيع الآخر سنة ثلاث وستين وأربع مائة, واستكمل خمساً وتسعين سنة وخمسة أعوام. رحمه الله تعالى.
هو من الكتب التي تستصحبها في جلسات الترويح والاستمتاع ولا تخرج منها دون نفع وفائدة.. فهي وإن حَوَت الطرائف المُضحكات فلا تخلو من الفوائد النيرات وقد تنوعت أبوابه واستفتح كل باب بحديث رسول الله ﷺ ثم يتلوه بأخبارٍ وشواهد شعرية
وهذا الكتاب وأمثاله ما جُمع فيه من نصوص أكثر مما نسجه مؤلفه لا تخلو من نقلٍ ضعيفٍ أو مكذوب -وليس لكذب المؤلف حاشاه رحمه الله- ولكنها أخبار تروى وتُنقل والعهدة على الراوي لذا قراءة الكتاب المُحقق أبين وأحسن..
وإن كان نقل الكثير من الأخبار وإن كانت الضعيفة ليس مما يُعاب ما دامت لا تتصل بالدين ولا تقدح بأهل الفضل والخير، ولكن ما يزعجني هو ما تكثر نسبته كذبًا لمعاوية رضي الله عنه وأرضاه وذلك بسبب الفِرَقْ التي تحاول الحطَّ من قدره، ولكن القارئ لسيرته يعرف عظيم قدره، وجلالة مواقفه في الإسلام، وكبير حِلمه وصبره رضي الله عنه وعن الصحابة الكرام.
هو ليس مجرد كتاب تقرأه وتسمح له بالمرور من خلالك...هو موسوعة فيها أجمل اللآلئ والدرر من أقوال السابقين... فيه من عيون الشعر والحكمة أجملها وأكملها وأرقاها... هو لا يدخل فقط السعادة إلى قلبك بل هو خير معلم ومعين على تعلم اللغة العربية والتمتع بجمالها وتفردها... بستان يفوح بالعطور أنى التفت جذبتك رائحة زكية... يالجمال علماء العصور الماضية ويالهممهم العالية في الجمع والبحث والتمحيص... كتاب جامع ماتع في كل ما قالته العرب قديماً في حلهم وترحالهم وجميع أحوالهم... ما أروع أن تقرأ منه في لحظة كنت تبحث فيها عن وصف وخانك التعبير... وما أجمل أن تعود إليه كلما شعرت بالتعب أو الملل من كثر القراءة... فيه لغة،فيه، حكمة، فيه تاريخ، فيه أخبار، فيه أشعار،...والكثير الكثير... لا يمل منه ولا يصح معاملته بعد الإنتهاء من قراءته كأي كتاب آخر! يجب الإحتفاظ بهذه الجوهرة في كل بيت والعودة إليها بين الحين والآخر فالسفر في صفحاتها يبعث في الروح نفحات الحياة...
كتاب رائع جميل، لا يمل القارئ من قرائته، لما فيه من رائع الحكمة، ولطيف الأبيات، والقصص الحاثة على الخير وصالح الأعمال، مرتب على الأبواب، يذكر الخلق وضده، يستشهد بكتاب الله وسنة رسول الله، ثم يورد الأشعار والحكم المأثورة عن الصحابة والتابعين، وربما أورد بعض حكم بزرجمهر وكسرى وغيرهم من العجم .
وأبرز ميزة في الكتاب : تركه الفاحش البذيء والفاجر السفيه من الكلام والقصص وتعففه عنها .
والتحقيق جيد، ويعيبه إهمال تخريج أكثر الأحاديث النبوية، وآثار الصحابة، وترك تفسير بعض الغريب الوارد في الأشعار .
أقول بعد بسم الله، هذا الكتاب درة أدبية مكنونة تنتظر من يكتشفها، لن أتورع عن قراءته مراراً و تكراراً، يقول إبن عبد البر القرطبي عن كتابه: "وجمعت فيه ما انتهى إليه حفظي "ورعايتي، وضمته روايتي وعنايتي :من الاقتبسات التي أسرتي في باب ألادب قال محمد بن جعفر: الأدب رياسة، والحزم كياسة، والغضب نار، والصَّخب عارٌ. قال ابن القرِّيَّة: تأدبوا فإن كنتم ملوكاً سدتم، وإن كنتم أوساطاً رفعتم، وإن كنتم فقراء استغنيتم. قال شبيب بن شبية: اطلبوا الأدب فإنّه عونٌ على المروءة، وزيادةٌ في العقل، وصاحبٌ في الغربة، وحليةٌ في المجالس يقوِّم من ميل الغلام المؤدِّب ... ولا ينفع التّأديب والرَّأس أشيب
أدام إبراهيم النظام النظر إلى جاريةٍ حسناء، فقال مولاها: أراك تديم النظر إليها، فقال: مالي لا أتأمل منها ما أحل الله، وفيه دليل على حكمة صنعة الله، ومعه اشتياق إلى ما وعد الله.
هَمّتْ بإتيانِنا حتّى إذا نظرتْ ... إلى المِرَاةِ نهاها وجههُا الحَسَنُ
ما كان هذا جزائِي من مَحاسِنِهَا ... أغَرتْ بي الشَّوْق حتى شفَّني الشَّجَنُ
نظر أبو حازم بن دينار إلى امرأة حسناء ترمى الجمار أو تطوف بالبيت، وقد شغلت الناس بالنظر إليها لبراعة حسنها، فقال لها: أمة الله! خمري وجهك، فقد فتنت الناس، فهذا موضع رغبةٍ ورهبة. فقالت له: إحرامي في وجهي أصلحك الله يا أبا حازم، وأنا من اللواتي قال فيهن العرجي:
أماطت كِساَءَ الخزّ عن حُرِّ وجهها ... وأدْنَتْ على الخدين بُردْاً مُهَلهْلاَ
أفرغ فيه ابن عبد البر القرطبي خلاصة قراءاته وملاحظاته في ميدان الأدب، أو كما يقول: (وجمعت فيه ما انتهى إليه حفظي ورعايتي، وضمته روايتي وعنايتي) فحفظ لنا بين دفتيه تراثاً قيماً، ضاعت معظم مصادره الأصلية، وكاد يندثر لولا أن ضم شمله وجمع شتاته.