" إشكاليات الفكر العربي المعاصر " هي جملة القضايا التي يناقشها المثقفون العرب في الوقت الحاضر، والتي تخص الوضع الراهن للعرب في العلاقة بالماضي العربي نفسه وبالحاضر الأوروبي. يتم تناول هذه القضايا من خلال الدراسات والأبحاث التي يضمها هذا الكتاب، وتتوزع بين إشكالية الأصالة والمعاصرة، وأزمة الإبداع، وإشكالية الوحدة والتقدم، مسألة النهضة في المشروع الحضاري العربي، ومسألة العلاقة بين العرب والغرب في عصر التقانة، ومهام الفكر العربي في عالم الغد.
محمد عابد الجابري (1936 بفكيك، الجهة الشرقية - 3 مايو 2010 في الدار البيضاء)، مفكر وفيلسوف عربي من المغرب، له 30 مؤلفاً في قضايا الفكر المعاصر، أبرزها "نقد العقل العربي" الذي تمت ترجمته إلى عدة لغات أوروبية وشرقية. كرّمته اليونسكو لكونه “أحد أكبر المتخصصين في ابن رشد، إضافة إلى تميّزه بطريقة خاصة في الحوار”.
كتاب : اشكاليات الفكر العربي المعاصر المؤلف : د. محمد عابد الجابري الناشر : مركز دراسات الوحدة العربية الطبعة : السادسه ٢٠١٠ التقييم : ٥/٥
سأتناول بعض الفصول كمقدمة بسيطه عن محتوى الكتاب حيث لا يمكن احتوائه في عدة سطور بسيطه ، وهذا الكتيب عبارة عن مجموعة ندوات مجمعة للجابري و اعتبره مدخلاً الى معرفة فكر وتراث الجابري وكذلك مقدمه محفزه لقراءة تراثه الفكري ..
- تناول الجابري في بداية هذا الكتاب بالتحليل لبعض الاشكالايات مثل الاصالة والمعاصرة في الفكر العربي الحديث والمعاصر . وبعدها تطرق الى أزمة الابداع في الفكر العربي اي بمعنى أزمة الثقافه وأزمة العقل .
- وأسهب في فصول اخرى في تناول اشكالية التقدم والوحدة في مستقبل الفكر العربي ، واشكالية النهضة ومشكلتها الحقيقية هي ( الديمقراطية ) .
- كما أكد على ضرورة طرح مسألة " الدولة " في الوطن العربي من أجل أعادة تأسيس فكرة الوحدة في الوعي العربي .
- وفصل في مشكلة التناقضات بين العرب والغرب في عصر التقانه ، ومعاناة العرب من الجوانب الايدولوجيين ، ولماذا فشلنا في تحقيق نهضتنا ؟
كتاب نفيس جداً ودسم ، وهذهِ كانت مقدمة بسيطه جداً لمَ يحتويه الكتاب ولمن أراد أن يعلم قليلاً عن التراث الفكري للجابري ولكن فيه الكثير التي لايمكن حصرها هنا ..
هذا الكتاب هو مختارات من ندوات ومحاضرات القاها الدكتور محمد عابد الجابري عبر العواصم العربية في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي. تناول فيها مجمل الاشكالات التي كانت تشغل النخبة المثقفة العربية . ونستطيع القول انها لا تزال تشغلها او على الاقل تزال تعيش اصداءها ونتائجها.
بعد حوالي نصف قرن من الصدام الحضاري الذي وقع بين العالم العربي الاسلامي والحضاره الغربية، لا يزال المشروع التقدمي العربي متعثرا. مما يطرح ضرورة مسائلة مكوناته وفهم خصوصياته. لعل الاشكالية الاساسية التي بدات مع النهضة ولا زالت الى يومنا هذا تتردد في الساحة الفكرية العربية هي اشكالية الاصالة والمعاصرة، اي اشكالية التراث. ان مكانة التراث في الحضارة العربية الاسلامية ليس لها مثيل في اي نموذج حضاري اخر. الوعي بالحاضر يلتفت الى الماضي، اما المستقبل فلا يمكن تخيله بدون الماضي. اذا كانت الحضاره الغربية اليوم تفرض نفسها كنموذج حضاري عالمي، تزاحم هيمنته النماذج الحضارية والثقافية المحلية وخصوصياتها، كيف يمكن المحافظة على الهوية، بل المطلوب اكثر من ذلك، الى اي حد يمكن الاعتماد على التراث من اجل تحقيق النهضة والتقدم، والتحرر من التبعية. خاصة، اذا كان التراث الذي نتحدث عنه، لم يتم قراءته قراءة عقلية نقدية، تضعه في سياقه التاريخ، وتجعله قابلا للتوظيف في حاضرنا.
ايضا، اشكالية لربما كانت اكثر حضورا في القرن العشرين من يومنا هذا، اشكالية الوحدة. الحلم الوحدوي العربي، كان لا يزال حاضرا في النفوس. يقر الجابري ان مشروع الوحدة، ولو انه يبدو بديهيا للعامة، مشروع فريد لم يكن له سابق في تاريخ الحضارة العربية الاسلامية، الذي تميز بالانقسام والتناحر. لا يتردد الجابري في مساءلة ما وراء اشكالية الوحدة، اي المشروعية السياسية للانظمة في الدول العربية. ان غياب فكر تنظيري لمشروعية الدولة هو من اكبر عاهات الفلسفة العربية قديما وحديثا. الدول العربية اغلبها انظمتها دكتاتورية، يغلب عليها طابع القبلية، اقتصاداتها لازالت ريعية، وتفتقر الى حد ادنى من حرية التفكير والعمل السياسي القادر على انتاج مؤسسات سياسية، مجتمع مدني ونقابات مستقلة، تمارس نوعا من المحاسبة... هذه المعطيات تجعل من الانظمة العربية غير قادرة على الاستجابة لتطلعات شعوبها، سواء التقدمية او الوحدوية.
اضافة الي التراث و القومية العربية، تعد الاشتراكية من اهم مكونات المشروع النهضوي العربي. يصعب القول ان الاشتراكية في الوطن العربي ترتبط بصراع طبقي كما هو الحال في الدول الصناعية، سيكون من الاسلم القول انها نتاج لظروف تاريخية اهمها الثورة الروسية، ونهاية الاستعمار الاوروبي الراسمالي. بدت الاشتراكية على انها الحل الانسب لتحديث انظمة الانتاج والتصنيع ونقل التقانة والعلم، من اجل انهاء التبعية الاقتصادية. هذا النموذج النظري وجد صعوبة كبيرة في التحول الى حقيقة. وذلك لعده اسباب يناقشها الجابري. ما نراه في الواقع، هو التساع الهوة بشكل مقلق، بين المنتج والمستهلك. اسوء من ذلك، ثقافه الاستهلاك التي اكتسحت مجتمعا لا ينتج لم تزده الا تناقضا على تناقضاته الموجوده اصلا. مما يعقد عمليه توفير الشروط والظروف الملائمة لنقل العلم والتقانة واستنباتهما فيه.
بعد عقدين على هزيمة 67، يقف الجابري على عمق الاحباط الذي وصلت اليه النخبة المثقفة العربية، انحسار مد الفكر الثوري وانكسار شوكة الحالمين والمجددين. انها مرحلة جديدة في تاريخ المنطقة. فشل الحلم الاشتراكي الوحدوي فتح الباب امام الفكر السلفي، الذي يطالب بالسلطه ويحرك الجماهير باسم الاسلام والسلف دون تقديم اي برنامج سياسي يواجه الاشكالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها الشعوب. اننا نقف اليوم في اوج ازدهار الاسلام السياسي والتعصب الديني والطائفي الذي عاش الجابري بداياته.
كتاب خفيف , و كما هو الجابري , ممتع عميق بأبسط ما يمكن من الكلمات .... الكتاب هو مجموعة من المحاضرات أغلبها في الثمانينات و تتناول الإشكاليّات الرئيسيّة في الفكر العربي المعاصر كما يراه الجابري في حينه , و الكتاب تكريس آخر لأفكار الجابري في نقد التراث و العقل العربي و جعل التراث معاصرا لنفسه و معاصرا لنا , وفي نقد و تحليل مشاكل المجتمعات العربية من " الأصالة و المعاصرة " أو مشكلة الأقلّيات , أو الدخول في الخداثة و علاثتها بواقع التعليم أو بالمعطيات الاقتصادية و الاجتماعية و الأهم السياسيّة , كما يتعرّض لمواضيع منتقاة بلطف مثل الروحانية بين المسيحية و الإسلام , و باختصار طبعا كما تفرض طبيعة الكتاب المستقى من محاضرات . لي انتقادات كثيرة على طروحات الجابري و تحليلاته و لكنّه من أكثر الكتاب الذين يمتعونني و يفيدونني و يقدّمون لي الكثير مما أتبنّاه في تحليلهم و أفكارهم .
أول وقفة لي مع المفكر محمد عابد الجابري ، وهي مجموعة محاضرات تخص كيان الإنسان العربي يحاول فيها الإجابة عن بعض الأسئلة التي تبرز في مقدمة أي طرح يخص النهضة العربية فتطرق إلى الاختلاف بين مفهومي الأصالة والمعاصرة في الفكر العربي كما تحدث عن أزمة الإبداع في الفكر العربي المعاصر و إشكالية التقدم و الوحدة و أهمية الروحية في بناء الحضارة أسلوب الكاتب رصين و قلمه تحليلي بشكل مذهل وممتع بشكل يبعث على السرور العقلي أثناء القراءة استمتعت جدا بالكتاب وأنصح فيه بشدة كمدخل لفكر الجابري
كتاب يتناول بعض اشكاليات الفكر والعقل العربي المعاصر بعمق وبساطة تميز الجابري ، غلب على ذلك موضوع نقد التراث وثنائية الأصالة والمعاصرة ، رغم أن الكتاب مجموعة محاضرات ولقاءات تعود للثمانينات إلا أن كثيراً من أفكار الكاتب لا تزال حية ومطروحة بشكل جدلي واسع
الكتاب يتضمن عشرة فصول.. مكتوبة في 195 صفحة. الفصل الأول عدد صفحاته 45 صفحة، وهو أكبر فصل بالكتاب، ويحمل عنوان الكتاب، 45 صفحة لخصتها في 9 أوراق من الحجم الطبيعي، باقي الفصول صفحاتها من 10 إلى 20 صفحة الفصل الأول - إشكالية الفكر العربي المعاصر: صراع طبقي أم مشكل ثقافي؟ يتحدث في هذا الفصل باختصار بأن إشكالية الفكر العربي تأتي على ثلاث مستويات: 1) الأصالة/ المعاصرة. 2) الليبرالية/الاشتراكية. 3) القطرية/القومية، ويركز في كتابه هذا على الأصالة والمعاصرة. وعندما تطرح إشكالية الأصالة والمعاصرة فهي تطرح دائماً على أنها مشكلة الاختيار بين النموذج الغربي، كنموذج بديل يغطي كل ميادين الحياة المعاصرة، وبين التراث، العربي الإسلامي. والمواقف تجاه هذا الاختيار تصنف إلى ثلاث أصناف رئيسية: أ) مواقف عصرانية: تدعو إلى تبني النموذج الغربي بوصفه نموذجاً للعصر كله حاضره ومستقبله. ب) مواقف سلفية: تدعو إلى استعادة النموذج العربي الإسلامي كما كان قبل الانحراف والانحطاط و الارتكاز عليه لتشييد نموذج إسلامي أصيل يحاكي النموذج القديم. ويقدم حلول لمستجدات العصر. ت) مواقف انتقائية: تدعو إلى الأخذ بالأحسن ما بين النموذجين، والتوفيق بينهما.
ثم يتساءل، هل يتعلق الأمر فعلاً بالاختيار؟ هل نحن العرب في وضعية تسمح لنا بالإختيار بين هذه المواقف الثلاث؟ يجيب الجابري بأنه يجب علينا الاعتراف بأننا لا نملك الخيار اليوم. النموذج الغربي فُرض علينا فرضاً منذ بداية التوسع الاستعماري، فرض علينا كنموذج عالمي، يقوم على أشياء مثل التنظيم العقلاني لشؤون الاقتصاد وأجهزة الدولة، واعتماد العلم والصناعة، والتبشير بقيم جديدة، كالحرية والديموقراطية والعدالة الاجتماعية. فرض علينا، إلى حد التدخل في شؤوننا المحلية، بذريعة الدفاع عن حقوق أقلية، أو حماية مصالح معينة.. إلى الحكم المباشر، إلى الهيمنة الاقتصادية والسيطرة الثقافية والأديولوجية، والنتيجة، غرس النموذج الغربي في بلداننا، في مقابل ما تبقى لدينا وفينا من الن��وذج التراثي. أصبحنا حينها (كما في العالم الثالث عموما) نعاني ازدواجية صميمة على مختلف المستويات، العمرانية والاقتصادية والاجتماعية والإدارية والثقافية. ازدواجية تتمثل في قطاعين، عصري و تقليدي (أو ��صيل). والمقصود بالتقليدي أو الأصيل وهو استمرار النموذج التراثي في صورته المتحجرة والمتقوقعة. فالمشكلة هنا ليست في الاختيار او التوفيق، بل في الازدواجية، فنحن نقبل الازدواجية في واقعنا الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والتعليمي، في المقابل نصرف على القطاعات التقليدية من أجل إحيائها والإبقاء عليها. وفي الوقت ذاته نرفض الازدواجية في الحياة الفكرية والروحية. نموذج يدعو إلى تبني أفكار النموذج الغربي، والآخر يرفض ويتمسك بالقيم التراثية، وفريق ثالث يحاول إيجاد وجوه التوفيق بينهما، وهذه محاولة للتخفيف من وقع هذه الإزدواجية ليس إلا. أصوات النوابت – بحسب تعبير الفارابي – هي تلك الأصوات التي لا يخلو منها أي مجتمع مهما كان متعلماً وراقياً. هي مواقف راديكالية=متطرفة، تدعو إلى رفض النموذج الحديث، حتى في الغرب ذاته. لكنها مواقف على صعيد الخطاب فقط، وهي مجرد ردود أفعال غير مراقبة يرى أنه من الخطأ الجسيم اعطاءها أكثر مما تستحق.
السؤال النهضوي مسألة الأصالة/المعاصرة لم تطرح -لأول مرة في القرن الماضي- من منظور يرفض الحضارة الغربية الحديثة. بل طرحت في إطار سؤال نهضوي محوري بصيغة (لماذا تأخرنا نحن العرب، وتقدم غيرها؟ كيف ننهض؟ كيف اللحاق بالركب؟) السؤال النهضوي هو سؤال أيديولوجي، ليس سؤالاً علمياً يحلل الواقع للوصول إلى قانون يحدد الثوابت، بل يطرح في اطار حلم، لا يطرح إلا اذا كان التغيير قد شق طريقه. السؤال كان أحد أشكال التعبير عن الوعي، الأمر الذي يجعل منه سؤالاً-جواباً في نفس الوقت، بمعنى الرغبة بالإدلاء بالجواب هي التي تدفع إلى طرح السؤال. معناه بعبارة أدق، البحث في آليات (أو ميكانزمات) العملية النهضوية.
آليات (أو ميكانيزمات) العملية النهضوية: يقول الجابري، أن جميع النهضات قد عبرت – أيدولوجياً – عن بداية انطلاقها، بالدعوة في الانتظام في تراث، بالضبط العودة إلى الأصول، لكن ليس بوصفها أساس نهضة قد مضت ويجب بعثها كما كانت، بل من أجل الارتكاز عليها في نقد الحاضر، والماضي القريب، الماضي الملتصق به، المنتج له والمسؤول عنه، ومن ثم القفز إلى المستقبل.
في صراع قوى التجديد والتقليد، فإن قوى التجديد تعمد إلى البحث في الماضي البعيد، تبحث عن أصول تعيد قراءتها بالشكل الذي يجعل مضامينها تبدو وكأنها تؤسس الجديد الذي تناضل من أجله، ويجعل الحاضر (التقليدي) يبدو وكأنه انحراف عن تلك الأصول وخروج عنها. مثال على الميكانيزم النهضوي في تاريخنا: النهضة العربية الأولى التي حققها الإسلام عند ظهوره أول مرة في الجزيرة العربية، المصادر المتوفرة والقرآن على رأسها تؤكد أنه كان هناك في الجزيرة العربية صراع، بين الملأ من قريش، ساداتها وأغنياؤها من جهة، والحنفاء (الذين يمثلون التجديد) الذين كانوا يدعون إلى عقيدة التوحيد من جهة أخرى.. بين عبادة الأصنام التي تمسكت بها قريش تقليداً، وكم في الآية (هذا ماوجدنا عليه آباءنا) وبين الدعوة إلى التوحيد.. والتي اعتمدت شعار العودة إلى الأصل.. إلى دين ابراهيم جد العرب.. قبل تحريفه. وابتداءاً من ذلك، انطلقت النهضة العربية الأولى، بفتح مكة، بعد أن حل التوحيد مشكلة الماضي باحتواءه كأصل.. لأن حياة العرب بعد ابراهيم كانت جاهلية، والجاهلية في الاصطلاح الاسلامي، لا تعني الجهل فقط، بل كل مايرافقه في جميع المجالات.. هو العدم التاريخي ان صح التعبير.
النهضة الأوروبية الحديثة نجدها تتخذ الآلية ذاتها، آلية العودة إلى الأصول، والتي بدأت في القرن الثاني عشر الميلادي، في صورة إحياء الآداب الرومانية والإغريقية، وما أعقب ذلك من قيام النزعة الإنسانية، والثورة على الأخلاق المسيحية السائدة، فكانت الثورة على الكنيسة في القرون الوسطى والعودة للمسيحية في صفائها الأول، واعتماد التوراة مرجعاً.. (لست ملماً الحقيقة ولا أدري هل وقع ذلك فعلاً أم لا).
لماذا لم تنجح النهضة العربية الحديثة على غرار النهضة العربية الأولى والنهضة الأوروبية؟ يقول الجابري أن كلتا النهضتين في المثال السابق قد قامتا في أعقاب سقوط كل ما يشكل الـ(الآخر) المنافس والمضايق لكل منها. قامت النهضية العربية الأولى، بعد ان استنزفت الحروب الطويلة، دولة الروم والفرس، لقد كان هناك مايشبه الفراغ السياسي.. وحين قامت الدولة الإسلام في المدينة، أجهزت بضربة واحد على ماتبلقى من امبراطورية الفرس، ودفعوا حدود الروم بعيداً إلى بلادهم. النهضة الأوروبية تزامنت مع التراجع الخطير، الذي عرفته الحضارة العربية الإسلامية، فمع كل خطوة للعرب إلى الوراء، كان الغرب يتقدم خطوات إلى الأمام.
ميكانيزم الرجوع إلى الأصول في المثالين السابقين ماكان لينجح لولا غياب (الآخر) أي التهديد الخارجي. ذلك أن التهديد الخارجي يجعل العودة إلى الأصول ميكانزم دفاعي بدل أن يكون نهضوي، ميكانيزم دفاعي باللجوء والاحتماء بالماضي، لتؤكد من خلاله على شخصيتها، ويبدأ الإنسان حينها بتضخيم الماضي وتمجيده، مادام الخطر الخارجي قائماً. لذلك أصبحت العودة إلى الأصول في النهضة العربية الحديثة ميكانزم دفاعي، لأجل تدعيم الحاضر وتأكيد للوجود وإثبات للذات. كلتا النهضتين التي ذكرناهما انطلقتنا بفعل عوامل داخلية وتطورات ذاتية، بعكس النهضة العربية الحديثة التي كانت وليدة صدمة، مع قوة خارجية مهددة، قوة الغرب، والتوسع الرأسمالي الاستعماري. وكان دور العوامل الداخلية دوراً ثانوياً ولم يكن محركاً أساسياً، بل كان نتيجة للمحرك الأساسي وهو التوسع الغربي. العامل الخارجي، الغرب، لازال يمثل للنهضة العربية الحديثة، مظهران متناقضان: مظهر يمثل العدوان والغزو الاستعماري والاحتكار والهيمنة، ومظهر يمثل الحداثة، بكل قيمها العصرانية، المادية والمعنوية، كالتقنية، والعلم، والديموقراطية، والحرية..إلخ. يقول الجابري، أن الغرب، لايزال يمثل للعرب، العدو الذي يجب الاحتراز منه، والوقوف ضد مطامعه، وسيطرته من جهة، والنموذج الذي يغري باقتدائه والسير في ركابه من جهة ثانية.
الوضع الإشكالي للنهضة العربية تتخذ النهضة في الفكر العربي، وضعاً إشكالياً في العلاقة بين الماضي والمستقبل، الفكر التراثي والفكر المعاصر، الأنا والآخر، علاقة لا تقوم على الاتصال ولا الانفصال، بل على التنافر والتدافع.. والنتيجة، تشويش الحلم النهضوي في وعينا، وتعتيم الرؤية في فكرنا. وعندما تتشابك قوة التقليد وقوى التجديد، ذهاباً وإياباً، يجعل ذلك العملية النهضوية في وضع الاستقرار والركود منها إلى الديناميكية والتقدم. وهذا وضع مرتبك لم يسبق أن عرفت مثله أي نهضة أخرى حسب وصف الجابري. مما ينبغي إبرازه، أن الصراع في الوطن العربي في القرن الماضي والحاضر، هو صراع ضد الغرب ومن أجله في آن واحد، ضد عدوانه وتوسعه، ومع قيمه الليبرالية وتقدمه المادي. والمعضلة هي أن قوة التجديد لم تعد تتكئ على الأصول التراثية وحدها، بل أصبح النموذج الغربي يفرض نفسه كـ (أصل) جديد ومن نوع جديد، لذلك أصبح الصراع في الساحة العربية بين فريق يتمسك بالأصولية التراثية وفريق يدعو إلى الأصولية الحداثية الغربية. يجب أن نلاحظ، أن الغرب، كان خصماً للامبراطورية العثمانية، وكانت قوة النهضة العربية، ترتبط بالتحرر من السيطرة العثمانية، فكان من الطبيعي، أن تتجه بعض الأنظار للغرب، آملة منه المساعدة في التحرر من الهيمنة العثمانية. وهكذا، انقسمت القوى النهضوية، فريق يعتبر الخصم هو الغرب، ويبحث عن صيغة لتطوير الدولة العثمانية، وتقوية الخلافة الإسلامية. وفريق، يعتبر الامبراطورية العثمانية هي الخصم التاريخي والمباشر، والمسؤول عن وضعية الانحطاط، ويبحث عن صيغة للتحالف مع الغرب والاستعانة به، للتحرر من الحكم العثماني وبناء النهضة العربية. هذا التمزق على الصعيد السياسي، أدى إلى تمزق على الصعيد الأديلوجي، فأصبح الاختيار صعب، مع الغرب وضده.. أصبح البعض مع الغرب اديولوجياً وضده سياسياً.. وهناك العكس، وهناك منهو معه كله، وهناك منهو ضده كله. حينها، أصبح الصراع داخلي، بين فصائل التجديد نفسها، بعضها يتحالف مع الخصم التاريخي الداخلي العثماني، وبعضها تتحالف مع الخصم الوطني والقومي الخارجي: الغرب. هذا بالإضافة إلى أن الطبيعة الاستبدادية، للحكم العثماني، قد جعلت الأقليات الدينية في الوطن العربي، تربط النهضة بالمطالبة بحقوقها، فكان انبعاث الوعي الطائفي، مقروناً بالوعي النهضوي، ونتيجة له. فأصبح بعد ذلك الصراع، ليس ضد الآخر، بل الصراع من أجل الأصول ذاتها، لارتباطها بالمحافظة على الهوية، والدفاع عن الكيان، وهكذا تصبح عملية الرجوع إلى الأصول، تعقيداً للمشكلة، وليس وسيلة من وسائل تجاوز الماضي والحاضر والانشداد إلى المستقبل.
المشكلة الثقافية، مرتبطة بالاستعمار وأساليبه ونتائجه، لقد دمر الاستعمار ثقافة الشعوب، وعمل على تأزيم نموها، وفي المقابل، قدم ثقافته، بل وفرضها كثقافة عالمية. لكن الاستعمار لم يستطع تدمير الثقافة العربية الإسلامية، ولا طمس معالمها لأنها لم تكن بقايا أو آثار لبنى ثقافية قديمة، بل كانت، ولا زالت، ثقافة (عالمة) حية، لغة وأدباً وفكراً، متغلغلة في العقل والشعور، في الفكر والسلوك، ثقافة الماضي الممجد، والحاضر المليء بكل مشاعر الاعتزاز والحنين، والمتخذ كملجأ ،ضد أي تهديد خارجي.
خصوصية إشكالية الأصالة والمعاصرة، في الفكر العربي الحديث والمعاصر، كامنة في كون العرب، يمتلكون تراثاً ثقافياً حياً في نفوسهم وعواطفهم، في عقولهم ورؤاهم، في ذاكرتهم وتطلعاتهم، في صدورهم وكتبهم. تراثاً له حضور وثقل على الوعي واللاوعي، بصورة، قد لا نجد لها نظيراً في العالم المعاصر. الاحتماء بالتراث، وجعله سلاح أديولوجي كرد فعل على التهديد الخارجي المستمر، أنشأ شعوراً درامياً بعمق الهوة، التي تفصل التراث، وماضمينه المعرفية والمعيارية، وبين الفكر العالمي المعاصر، بمنجزاته العلمية والتقنية، ومعاييره العقلية والأخلاقية. يقول الجابري، لنتساءل إذاً، لماذا كان الربط بين التراث وتحديات العصر ذا معنى، ومعنى درامي عميق بالنسبة إلينا نحن العرب، ولماذا كان غير ذي معنى بالنسبة إلى الأوروبيين؟ يجيب الجابري، أنه منذ بيكون وديكارت، في القرب السابع عشر ، والفكر الأوروبي يعيد قراءة تاريخه على أساس من الانفصال والاتصال، من النظر وإعادة النظر، من النقد ونقد النقد. إن الانفصال عن التراث كان من أجل تجديد الاتصال به، والاتصال به كان من أجل تجديد الانفصال عنه. الفكر الأوروبي كان، ولا يزال، يتجدد من داخل تراثه، وفي الوقت ذاته، يعمل على تجديد هذا التراث، بإعادة بناء مواده القديمة، وإغناءه بمواد جديدة. لقد عملوا على سد الثغرات، وإبراز عناصر الوحدة في تاريخهم الثقافي، مبرزين منه مايستجيب لاهتماماتهم، مهمشين مالا يستجيب، لجعل العقل يسود التاريخ، وجعل التاريخ يحرك العقل، والهدف الدفين، هو إقامة استمرارية، تشكل إطاراً مرجعياً ثابتاً وواضحهاً، ترتب فيه الأفكار والمذاهب، ترتيباً منطقياً وتاريخياً، في آن واحد، بحيث يسهل الفصل فيه بين (ماقبل) و(مابعد). بهذه الطريقة، فهي تنظم التاريخ بصورة، تجعل من المستحيل التطلع، حتى على صعيد الحلم، إلى عودة ماقبل، ليحل محل مابعد، لذلك، نجدهم يتوجهون إلى المستقبل، يواجهونه ويسائلونه، بل ويسابقونه، دون أن يتنكروا لماضيهم، أو أن يجعلوا منه صورة لمستقبلهم. تحديات العصر بالنسبة لهم، ليست تحديات، لان العصر عصرهم، فهم يستشرفون آفاق المستقبل، ويتنبؤون بمشاكله ومستجداته، فيأخذون في تكييف حاضرهم. والتراث في وعيهم، لا يدخل في علاقة تغاير وتصادم، مع معطيات العصر وآفاق المستقبل، لأنهم اعادوا، ومازالوا يعيدون، ترتيبه في الزمان، والزمان عندهم، خط متصل صاعد، لا مجال فيه للكر والفكر، والاقبال والادبار (مثل حالنا..)، وتلك هي التاريخانية التي تشكل مع العقلانية، الدعامة الأساسية للفكر الأوروبي الحديث والمعاصر. التاريخانية، هي جعل العقل حاضراً في التاريخ، ينظمه على صعيد الوعي، ويحركه على صعيد الممارسة، والعقلانية، هي جعل التاريخ حاضراً في العقل، يلهمه الدروس والعبر، ويحمله على مراجعة تصوراته، وفحص مبادئه وطريقة انتاجه. لقد أبرزنا الجوانب التي تعكس الاستقرار والطمأنينة في الوعي الأوروبي، وأهملنا جوانب القلق والإضطراب، لأننا أردنا بناء نموذج يخدم قضيتنا، ولأن الوعي الأوروبي، الحديث والمعاصر، هو كذلك بالفعل، مظاهر القلق والاضطراب، كانت مجرد أزمات نمو مؤقتة، سرعات ماتم تخطيها، تعتبر حالات من الشذوذ، التي تؤكد القاعدة.
المسألة مسألة إعادة بنية الوعي يقول الجابري، أن التغاير الموضوعي بين علم الماضي وعلم الحاضر، بين فلسفة الأمس وفلسفة اليوم، هي قوام تاريخ الفكر البشري عامة. لذلك، الذي يهمنا هو التغاير الذي يقع على وعينا نحن، التي تبدو فيها العلاقة بين التراث والفكر المعاصر مفصومة مقطوعة، لا يربطهما جسر ولا يصلهما خيط، إلى درجة أن الواحد يصرخ (إني لأقولها صريحة واضحة: إما أن نعيش عصرنا بفكره ومشكلاته وإما ان نرفضه ونوصد الأبواب لنعيش تراثنا.. نحن في ذلك أحرار، لكننا لا نملك الحرية في أن نوحد بين الفكرين( - اقتباس لزكي نجيب محفوط من كتابه(تجديد الفكر العربي). يتساءل الجابري، هل صحيح حقاً أننا لا نملك الحرية في أن نوحد الفكرين؟ ويجيب، أن الأمر غير ممكن إذا كان التوحيد على مستوى علم الحاضر وعلم الماضي، فلسفة الحاضر والماضي، أما إذا كان التوحيد بين تراثنا نحن وبين الفكر العالمي المعاصر على صعيد وعينا، فهذا شأن آخر. الأمر هنا ليس إحلال الماضي محل الحاضر، بل إعادة بنية الوعي بالماضي والحاضر والعلاقة بينهما، وهي عملية تتطلب التخطيط في آن واحد لثقافة الماضي وثقافة المستقبل: التخطيط لثقافة الماضي معناه إعادة كتابة تاريخها وبالتالي إعادة تأسيسها في وعينا وإعادة بنائها كتراث لنا نحتويه بدل أن يحتوينا. أما التخطيط لثقافة المستقبل، فمعناه توفير شروط المواكبة والمشاركة: مواكبة الفكر المعاصر، والمشتركة في إغنائه وتوجيهاته، وذلك معنى (المعاصرة). تاريخنا الثقافي العربي. - تاريخنا العربي السائد الآن هو مجرد اجترار وتكرار، وإعادة انتاج بشكل رديء للتاريخ الثقافي نفسِه، الذي كتبه أجدادنا تحت ضغط الصراعات التي عاشوا فيها في حدود الإمكانات العلمية والمنهجية التي كانت متوفرة عندهم. - تاريخنا العربي كما نقرؤه اليوم في الكتب والمدارس والجامعات هو تاريخ "فرق" وتاريخ "طبقات" و "مقالات"، تاريخ اختلاف الرأي لا بناء الرأي، وطريقة القدماء هذه مبررة تماماً في عصرهم، لكن اللوم كل اللوم، هو لانقيادنا الأعمى لما كان نتاجاً لظروف تاريخية خاصة، وتعاملنا معه وكأنه حقيقة مطلقة. - التاريخ الثقافي كما هو سائد اليوم هو تاريخ علوم وفنون من المعرفة، منفصلة بعضها عن بعض، تاريخ زمنه راكد وممزق، لا يقدم لنا صورة واضحة ومتكاملة عن كلية الفكر العربي، ولا عن صراعاته ومراحل تطوره، بل يقدم لنا معرضاً أو سوقاً للبضاعة الثقافية الماضية، وكأنها تحيا زمناً واحداً، والنتيجة من ذلك، تداخل الأزمنة الثقافية في وعينا بتاريخنا الثقافي، الأمر الذي يفقدنا الحس التاريخي ويجعل حلقات الماضي تتراءى أمامنا كمشاهد متزامنة وليس كمراحل متعاقبة. - تاريخنا الثقافي يتربط بوعينا بالمكان ربما أكثر من الزمان، هو تاريخ الكوفة والبصرة ودمشق وبغداد والقاهرة والقيروان وفاس وقرطبة.. مما يجعله تاريخ "جزر ثقافية"، منفصلة عن بعضها البعض في الزمان، انفصالها في المكان، الأمر الذي يعطيها حضوراً لا على التعاقب ولا التزامن، بل حضوراً لا زمانيّاً، وبذلك، قيام وعينا التاريخي على التراكم، وليس على التعاقب، على الفوضى لا على النظام. - لقد بني التاريخ الثقافي الأوروبي على الاستقلال الذاتي، والعملية قائمة كلها على غبن العرب، على الاستغناء عن تاريخهم الثقافي، على اقصاء تعسفي لدور الثقافة العربية الأساسي في التاريخ الثقافي العالمي، وإذا مال بعض المستشرقين إلى الانصاف، صرحوا بأن العرب كانوا حلقة وصل بين اليونان وأوروبا، يصفونها بحلقة وصل مؤقتة، استغنت عنها أوروبا سريعاً، والواقع أن الثقافة العربية كانت إعادة انتاج لجانب مهم من الثقافة اليونانية،كالعلوم والفلسفة، وكانت الثقافة الأوروبية الحديثة، إعادة انتاج الثقافة العربية فلسفة وعلوماً، لذا، فحضورها كان حضور المؤسس وليس مجرد حضور الوسيط المؤقت، وعلينا نحن أن نثبت ذلك، ليس بمجرد الإدعاء والتنويه الذاتي الرومنسي، بل العمل على إعادة كتابة تاريخنا الثقافي وإعادة ترتيب العلاقة بين أجزاءه من جهة وبين التاريخ الثقافي العالمي من جهة أخرى.
الثقافة القومية والخصوصيات المحلية الثقافة القومية العربية مرتبطة بالتعدد الثقافي، والتي يصفها الجابري بأنها واقعة أساسية لا يجوز القفز عليها، بل العكس، لا بد من توظيفها في إغناء وإخصاب الثقافة العربية القومية، وتطويرها وتوسيع مجالها الحيوي. على صعيد الوطن العربي، هناك ثقافات قطرية عربية في لغتها وجذورها ومضمونها، هي قوام الثقافة العربية القومية الواحدة، وهناك ثقافات أقليات إثنية أو دينية أو لغوية، تعيش مع الثقافة العربية التي تشكل في كل الأقطار، الثقافة العربية الرسمية. والحل هنا لمشكلة التعدد الثقافي لن يكون حلاً قوميّاً بتوسيع داشرة الثقافة العربية القومية كي تضم بين جنباتها الثقافات الأقوامية تلك، فالأمر هنا يتطلب مراجعة مفهوم (الثقافة العربية القومية). يقول الجابري أن التصور السائد اليوم للثقافة العربية القومية يميل إلى جعل نقطة بدايتها في العصر الجاهلي، وهذه في نظره نقطة بداية ضيقة، تحرم الثقافة العربية مجالها الحيوي التاريخي، بل تقطعها عن أصولها وفصولها. العصر الجاهلي اكتسى أهمية كبرى ليس بسبب امكاناته الثقافية الذاتية (الخاصة به)، بل بسبب ما أضفي عليه من أهمية، حينما جعله المفسرين الأوائل إطاراً مرجعياً لغوياً لفهم القرآن. على أن العصر الجاهلي لم يكتسِ كل تلك الأهمية التي يحظى بها إلى الآن إلا بفضل ماتم في عصر التدوين، من تأسيس شامل للثقافة العربية، في المجالات الدينية واللغوية والعلمية والفلسفية كافة.
وفي نظر الجابري، فإن البداية الفعلية للثقافة العربية القومية، هي الثقافة العربية الإسلامية، بوصفها المقوم الأساسي للشخصية العربية وللوحدة العربية، البداية الفعلية كانت عصر التدوين، وليس العصر الجاهلي، شهدت الثقافة العربية في عصر التدوين حينها أول تخطيط شامل لها، قد كان ذلك أول تخطيط شامل للثقافة في تاريخ الإنسانية كُلِه، على حد تعبيره. لقد تم في هذا العصر تقعيد اللغة العربية، بمعنى رفعها إلى مستوى اللغة القابلة لأن يتم تعليمِها، بأساليب علمية وعملية، وذلك لم يكن متوفراً في العصر الجاهلي. وفي العصر التدوين أيضاً أعيد بناء العصر الجاهلي ذاتِه، بأدبه وأخباره وأيامه، فضلاً عن تدوين العلوم الإسلامية من حديث وتفسير وفقه وتنظير للعقيدة الدينية. كما تم أيضاً في نفس العصر، دمج الثقافات القديمة، البابلية والفينقية واليونانية والسيريانية والمصرية والأسكندرانية، في الثقافة العربية الإسلامية الواحدة، وذلك بواسطة الترجمة والتلخيص والشرح والتعقيب. بعبارة أخرى، ساهمت في هذا العصر، شعوب الوطن العربي الإسلامي كلها، بثقافاتها وخبراتها وكفاءاتها، في صنع الثقافة العربية التي أصبحت منذ ذلك الوقت، الإطار المرجعي العام لكل ثقافة داخل الوطن العربي، وكانت هذه المساهمات المتعددة والمتنوعة، عامل إغناء وإخصاب للثقافة العربية، ولربما أيضاً، أحد عوامل بقائها وخلودها.
لقد شهد عصر الدوين غلياناً ثقافياً، مايعرف تاريخياً بـالحركة الشعبوية، والتي من خلالها تم صناعة الوحدة الثقافة العربية، من خلال ذلك الصراع الثقافي الأيديلوجي، والذي يهم في تلك الأحداث عندما تصبح في ذمة التاريخ هو نتائجها وليس دوفعها. ونحن نعرف أن النتيجة الأساسية التي انتهى إليها ذلك الغليان الثقافة الذي شهده العصر العباسي الأول خاصة، هو الثقافة العربية الإسلامية الواحدة الموحدة. أما الدوافع - أقوامية كانت أو طبقية أو سياسية- فقد ماتت مرة واحدة وإلى الأبد، بعد أن أدت وظيفتها، ومن الخطأ كل الخطأ، حسب رأي الجابري، نقل مشاكل الماضي إلى الحاضر والانخراط فيها، بوعي أو دون وعي، ولو كان الهدف هو الدفاع عن الأصالة القومية، إذ أن الأصالة القومية في مجال الثقافة العربية أو غيرها هي تلك التي صنعها ويصنعها العرب كل يوم وكل ساعة، الأصالة ليست ركازاً أو كنزاً، ليست معطى خاماً، بل هي سمة تطبع كل عمل فيه خصوصية أو ابداع، والتي بطبيعة الحال ليستا وقفاً على فترة معينة.
لا يختلف الامر ايضا في هذا الكتاب عن ما يأكده الجابري دائما وهو العودة للتراث من اجل تنقيحه ثم تجاوزه بدل الاحتماء خلفه والتمسك بتفاصيله في محاولة لصون الهوية والكرامة المجروحة امام تقدم الاخر وتخلفنا نحن , بيد انه لمس مشكل الحاضر العربي حين اعتبر ان المثقف العربي لا يستطيع ان يفكر خارج القوالب الجاهزة التي لا تلائم خصوصية مجتمعه, فنجده اما متبني لنموذج السلف او لنموذج الغربي ... لكن ماذا بعد؟ اين التنفيد العملي لهذه الافكار؟ مافائدة الافكار الجميلة التي تنتقد المجتمع وتفتت مشكلاته.. نظريا؟ لكنها تظل قابعة بين دفتي كتاب؟ لما لم يقد الجابري هذا التنقيح للتراث.. خاصة وقد كان هو مترئس للمعهد السوسيولوجي العالي بالرباط؟ متى سيقود المفكرون العرب التغيير بدل الحديث عنه؟
كانت هذه هي الاسئلة ال��ي تدور في دماغي وانا اقرأ الكتاب واخذ اقتباس على كل جزء يعجبني..
"إن تعليماً يقوم على التلقين بدل البحث، ويعتمد الذاكرة بدل الفهم، والتسليم بدل النقد، وممارسة السلطة بدل تحريك المواهب وتشجيع المبادرات… الخ، إن تعليماً هذا منهجه تعليم متخلف تماماً ينتمي إلى قرون خلت وبالتالي فهو لا ينتج ولا يستطيع أن ينتج العقول القادرة على مواجهة تحديات الحاضر ومتطلبات المستقبل"
بالرغم من إصدار هذا الكتاب قبل أكثر من ثلاثين سنة، إلا أنه يشرح إشكاليات ما زال فكرنا العربي يشكو منه حتى يومنا. كتاب مقسم بشكل جيد.
أول قراءة لي في أعمال الجابري , وهو عبارة عن محاضرات أُلقيت في ندوات مختلفة تتناول مواضيع من مثيل اشكالة الأصال�� والمعاصرة , الإبداع , االعرب ماضيهم ومستقبلهم ..الخ
لست متعمقا ولا أعرف الكثير عن افكار الجابري , ولكن هواجس النهضة والوحدة والتقدم , واشكالية التراث\الحداثة تشكل جزء كبير من هذه المحاضرات , ومحاولته تقصيها من خلال منهج جدلي لتجاوز الثنائيات والبناء على اشكاليات اُخرى من خلالها افترض انها بداية جيدة للتعرف على أفكاره , والتي ستحتاج قراءة في أعماله الكبيرة والمؤسِسة
الاشكالية الاساسية التي يدور حولها مشروع الجابري هي استقالة العقل العربي ويقدم النقد الدائم لهذه المشكلة والتي يعتبرها اشكالية متأصلة ضبابية غير واضحة للمفكرين العرب. الحل الذي يقدمه في اغلب كتبه هو قراءة الماضي العربي "التراث" بايديولوجيا الحاضر وترتيبه وتنسيقه ليتم طيه فيما بعد, أي انك تقرأ ماضيك لتنساه لا لتنسلخ عنه وهذا ما فعله الغرب,غير ان الطابع الصحراوي البدوي لدى العرب وقيمهم التراثية -وأن انحطت في الاونة الاخيرة- ايضُا متأصلة لا تُنتزع بسهولة من الوجدان العربي لكي يقدم قراءة للماضي ليتناساه فيما بعد. جلّ مشروع الجابري يفصل الاشكاليات العربية والمسائل الثقافية العربية القائمة ويضع بالمقارنة مفاهيم عصية مثل الوحدة والكيان العربي والاصالة وهوة الحداثة الغربية والمواجهة وغيرها من المشاكل المتعلعلة في الفكر العربي كـ حائط بينه وبين اللحاق بأقرانه الغربيين في سلم التطور الحضاري والصناعي, غير انه وحسب رأيّ يفشل في تقديم الحلول لهذه المشاكل, حيث انها لاتتم الا بالعودة للتراث وقراءة تفاصيله وتقديمه بحذافيره بما يتناسب مع عصره وهضم ما يتناسب مع مجريات العصر الحالي وليس الحل باستنساخ تطور "الآخر" وجعله نموذجًا للنهضة العربية. لأن الاخير سيسقط العرب بالعولمة وهذا ما لن يتناسب مع الجلود العربية المتمسكة في التراث وان كانت لا تُجيد استخدامه بالطرق السليمة, وبالتالي يؤدي لاشكاليات اكثر تعقيدًا,اشكاليات لن يستطيع الفكر العربي أن يناقشها او يحلها من الداخل وانما من استنساخ كل الفكر الغربي وهذا ما يسعى اليه الأخير بعد أن قدم مفهومه كنموذج اصلح للعالم.
أفكار كثيرة لم أتّفق مع الكاتب فيها وقد توزّعت على عدّة محاضرات كلّ محاضرة تحمل عنوان إشكالي محدّد منها اسقاط نظرية المؤامرة على العرب واعتبار النهضة العربيّة بدأت في عصر التدوين واعادة ثقافة العرب إلى ما قبل الجاهلية والتناقض فيما يخص تأثير المستعمر على البلدان المستعمرة اللغة البحثية مملّة ومستفزّة في نفسها الاستطرادي الإطنابي ما جعلني أصل إلى ص.٨٢ معتذرًا لنفسي على عدم اكمال قراءة الكتاب. نجمتان هو تقييمي كوني تعرفت إلى أمور جديدة منها الفرق بين التراث والإرث ومعنى كلمة إبداع في عوالم الفكر والدين والفلسفة فضلاً عن التمييز بين الفكر كأداة وكمحتوى ناهيك عن تقاطعي مع الجابري عند عدّة نقاط منها أن الدين هو هو بينما فهمنا له هو الذي يتطوّر وضرورة إعادة كتابة التاريخ لهدف نقديّ بالإضافة إلى اعتباره أن الفكر العربي جزء من كلّ هو الثقافة العربيّة ورفضه الاعتراف بما يسمى ثفافة عالميّة...
كتاب يحتاج إلى صبر ورفاهيّة الوقت كي يقرأ كاملاً خاصّة وأن لغته تحمل الكثير من الشرح وتركتز على الكثير من الإنطاب وتتكتّل حول مبدأ الإستطراد الملاحظ بقوّة وباعتراف الكتاب غير المباشر في الفصل الأوّل...
إشكاليات الفكر العربي المعاصر للكاتب محمد عابد الجابري، هو مجموعة من المحاضرات محاضرات قدمها الدكتور، يتناول فيها موضوع الفكر العربي المعاصر. بداية تطرق الكاتب لإشكالية الأصالة و المعاصرة ليس كإختيار بل ازدواجية بين النموذج الغربي الذي فرض نفسه و بقايا التراث العربي. ثم انتقل الكاتب إلى أزمة إبداع الفكر العربي باعتباره مجرد تكرار واجترار بعيد عن العلم. بالإضافة الى كون النهضة رهينة بإعادة التفكير و نقد الواقع وضرورة إعادة كتابة التاريخ كما كان في عصر التدوين. رغم أن الكتاب كتب في تمانينيات إلا أنه يبقى مهم، ومشاكل الفكر العربي كما تطرق لها الدكتور محمد عابد الجابري لاتزال قائمة.
الكتاب عبارة عن ندوات ومحاضرات للجابري من خلالها ينزع الضبابية عن مشاكل الوطن العربي، والعشوائية التي يتسم بها من الرؤية السطحية لعامة الناس، وهنا يأتي دور المفكر ليتجنب الانشغال في فروع الشجرة الخبيثة التي تفسد محاصيل الوطن العربي وتهدر طاقته و وقته، ويهتم بالبذور المنبثقة منها جذور المشاكل حيث يشرحها، ويفكك ترابطها وتداخلها الذي يثبط الشعوب في مناقشتها ويدفع إلى الكسل والعجز. كتاب ثري جدًا ويستحق الاقتناء، وكان مردوده المعرفي غير متوقع.
مجموعة مقالات ناقشت الفكر العربي المعاصر منذ بداية النهضة العربية في اواخر القرن التاسع عشر والى حد عصر النكسة العربية وتقهقر الفكر وعودة المكبوت وكذالك ناقش المفكر اسباب فشل النهضة العربية . كتبت المقالات باسلوب شيق وافكار جميلة جدا انصح الجميع بقرائته
إن بناء مشروع نهضوي مستقبلي يتطلب اليوم قليلا من الحلم ومزيدا من العقلانية النقدية. إن نقد الحاضر، بما يحمله من بقايا الماضي، هو الخطوة الأولى في كل مشروع مستقبلي...
هذا الكتاب يشمل دراسات وبحوث كتبت في مناسبات مختلفة وفي اوقات متباعدة. يتناول الجابري أزمة الفكر العربي بين إنشداده للماضي و تشبثه بالتقاليد و بين ما يفرضه الحاضر من رهانات. و يسلط الكتاب الضوء على جملة من المسائل أبرزها إشكاليات النهضة العربية و علاقة العرب بالغرب و الأصالة و التراث... و يخلص الجابري إلى أن إشكالية المعاصرة و الحداثة هي إشكالية ثقافية بالأساس لتخطيها يجب على المثقف أن يدشن عصر تدوين جديد و قراءة جديدة لتاريخه.
الكتاب جيد على العموم في مواضيعه .. يمتاز بسهولة ويسر .. لم يطرح الجابري رحمه الله في البحوث العشر تقريرا جديدا مختلفا عما عرضه في نقدوالعقل العربي .. إنما هي تبسيطات فقط.
إشكاليات الفكر العربي المعاصر هي جملة من القضايا النظرية التي يناقشها العرب في الوقت الحالي والتي تخص وضع العرب الراهن وعلاقته بالماضي والعربي والحاضر الغربي .
ان عالمنا العربي يعاني من حالة انقسام في جميع قضاياه الفكرية والسياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية وهذا وان هذا الانشطار يتصارع فيه صنفان الصنف الاول موروث من ماضينا ينتمي بجملته الى حضارة القرون الوسطى وصنف ينتمي الى العصر الحديث ويعني بهذا صراع "الأنا" و "الأخر" فالـ أنا تنتمي الى القديم و الأخر تنتمي الى الجديد .
ويناقش أغلب القضايا التي يعاني منها المثقف العربي مثل اشكاليات الاصالة والمعاصرة و أزمة الابداع في الفكر العربي المعاصر ومستقبل الفكر العربي واشكاليات التقدم والوحدة واشكاليات المثقف العربي والنهضة والعرب والغرب على عتبة عصر التقائي وايضا ثورة عشرين يوليو ومشروعها العربي القومي
• إشكاليات الأصالة والمعاصرة في الفكر العربي الحديث : صراع طبقي أم مشكلة مثقف ؟ ان من أهم المشاكل التي نعاني منها في الفكر العربي الحديث هي إشكاليات الاصالة والمعاصرة وهي مشكلة الاختيار بين النموذج الغربي في لسياسة والاقتصاد والثقافة وبين التراث الذي بوصفه يحاول ان يغطي جميع ��ؤون الحياة .
وهناك ثلاث مواقف ازاء هذا الاختيار : 1. موقف عصراني يدعوا التبني النموذج الغربي المعاصر بوصفه نموذج للعصر كله اي نموذج يفرض نفسه تاريخيا وحضاريا للحاضر والمستقبل 2. موقف سلفي يدعوا الى استعادة العربي الاسلامي كما كان قبل الانحراف والانحطاط 3. موقف انتقائي يدعوا الى الاخذ بـ أحسن مافي النموذجين معا والتوفيق بينهما في صيغة واحدة تتوافر لها الاصالة والمعاصرة معا . والامر لا يتعلق بين هذه الاصناف فقط بل ان لهذه الاصناف اصناف اخرى واتجاهات متعددة وتتلون بحسب الايدلوجية السائدة، وهكذا نجد ان من دعاة المعاصرة يحملون مضامين ليبرالية واخرى اشتراكية واخرى اصلاحية تطويرية او ماركسية لينينية، اما دعاة المعاصرة فهناك لهم عدة اتجاهات فمنهم سلفيين رافضين لكل نظم العصر ومؤسساته وفكره الثقافي باعتباره عصر جاهلي يجب تركه جملة وتفصيلا والعودة الى النبع الاصيل الى اسلام السلف الصاللح وعصر الرسول، وقسم سلفيين معتدلين يقبلون من حضارة العصر مؤسساته مالا يخالف احكام الشريعة الاسلامية وفي الوقت ذاته يسعون الى اسلام السلف الصالح لتشمل كافة العصور المزدهرة، واما التوفيقيين فهم أكثر تشعب منهم السلفي ذي الميول الليبرالية والليبرالي ذي الميول السلفية ومنهم الماركسي الاممي ومنهم الماركسي العربي ومنهم القومي الليبرالي ومنهم الاشتراكي القومي والسلفي العروبي والعروبي العلماني ذو الميول السلفية والعلماني العروبي ذو الميول الليبرالية الى ماغير ذلك من التركيبات المزجية.
وبعد عرض جميع هذه التصنيفات والازدواجية هل مازال علينا الاختيار ما نسميه بالنموذج الغربي وما نحلم به من نموذج اصيل نستعيده او نستوحيه من تراثنا الفكري الحضري ؟
لقد فرض علينا النموذج الغربي نفسه علينا منذ بداية التوسع الاستعماري الاوروبي وبكيفية خاصة وحاسمة بداية القرن الماضي، فرض نفسه علينا كنموذج عالمي والتبشير بقيم جديدة مثل الحرية والديقراطية والعدالة الاجتماعية ومن هذا الباب ومن التبادل الاجتماعي الى التدخل في الشؤون المحلية بذريعة الدفاع عن حقوق الانسان والاقليات الى الهيمنة الاقتصادية والسيطرة الثقافية والايدلوجية والنتيجة من كل ذلك غرس قيم الغرب في البلدان العربية في العمران والثقافة والصناعة والتجارة، هكذا وجد العرب والشعوب المستعمرة امام عملية تحديث، فاذا كنا لم نختر النموذج الغربي بمحض ارادتنا فنحن بالأحرى لم نختر ما تبقى لدينا وفينا من النموذج التراثي ويعني ماضينا والانسان هنا لا يختار ماضية وانما يجره معه جرا وأكثر من ذلك يتمسك به ويحتمي به عندما يجد نفسه معرض لاي تهديد خارجي .
والمشكلة التي تواجهنا ليست مشكلة اختيار اختيار بين أحد النموذجين ولا مشكلة التوافق بينهما وانما هي الازدواجية التي تطبع كل مرافق حياتنا المادية والفكرية، نحن نقبل هذه الازدواجية على الصعيد الاقتصادي والثقافي والسياسي والتعليمي ولكننا نرفض هذه الازدواجية على الصعيد الفكري والروحي
سؤال الجوهري : لماذا تأخرنا نحن العرب او المسلمين ؟ كيف ننهض ؟ كيف اللحاق بركب الحضارة ؟ ان هذا الغرب وكما نعرف جميعا لم يقدم نفسه في صورة واحدة بل كان ولا زال يحمل نفسه مشروع النهضة العربية مظهرين متناقضين : مظهر يمثل العدوان والغزو والاحتكار والهيمنة ومظهر يمثل الحداثة والتقدم بكل قيمها العصرية والمادية والمعنوية والتقنية والعلم والديمقراطية والحرية ومن هنا كان ولا زال الغرب الى العرب العدو الذي يجب الاحتراز منه والوقوف ضد مطامعه وسيطرته من جهة والنموذج الذي يغري باقتدائه والسير في ركابه من جهة ثانية . هذه الطبيعة المزدوجة للعامل الخارجي العدو والنموذج في الوقت نفسه قد جعل موقف النهضة العربية من الماضي ومن المستقبل موقف مزدوجا فالتبست علينا النهضة التي قوامها الرجوع الى الاصول للانطلاق منها الى المستقبل ومع الدفاع الذي مبني على الاحتماء بالماضي كما مما جعل قضية النهضة للفكر العربي تتخذ وضعا إشكاليا متوترا والالتباس بين الماضي والمستقبل بين التراث والمعاصرة بين الانا والاخر .
ومازلنا نتخذ مظهرا مزدوجا ومعقد وهو الصراع ضد الغرب والدفاع عنه، ضد استعماره وتوسعه وضد قيمة الليبرالية ومظاهر التقدم من جهة اخرى .
ولا بد من ملاحظة ان الغرب كان في الوقت نفسه خصما للإمبراطورية العثمانية التي كانت الاقطار العربية تابعه له، وهكذا انقسمت القوى النهضوية العربية على نفسها فريق يعتبر ان الغرب خصمه الاول والاخير ويبحث بالتالي عن صيغة من صيغ لتطوير الدولة العثمانية وتقوية الخلافة الاسلامية وتجديدها، وفريق يعتبر ان الدولة العثمانية هي خصمه التاريخي وهي المسؤولة عن الانحطاط وبالتالي يتعاون مع الغرب للاطاحة بها والتحرر من الحكم العثماني وبناء نهضة عربية .
ومن هنا انتهينا الى النتيجة التالية وهي أن اشكاليات الأصالة المعاصرة في الفكر العربي الحديث تجد ان اصلها وغذاءها في هذه الازدواجية ذاتها وبالتالي فهي إلى ان تكون تعبيرا عن الوعي بهذه الازدواجية .
ان الصراع بين التجديد والتقليد على صعيد الفكر الايديولوجيا هو بصورة انعكاس للصراع الطبقي على الصعيد الاجتماعي، ولا تزال واقعة تحت وطأة عامل خارجي ثقيل الوزن مزدوج الشخصية : انه الغرب غرب التوسع والعدوان غرب التقدم والقيم الليبرالية .
ان حضور الغرب بوجيه في الصراع من أجل النهضة في الوطن العربي قد اضافة الى التعقيدات المحلية سواء الراجعة منها الى الحكم العثماني ومخلفاته أو الى مظاهر التعدد في المجتمع العربي ذاته . ولنختم القول مره أخرى ان الحاجة تدعوا العرب الى تدشين عصر تدوين الى تدشين منطلق نهضوي جديد يبدأ هذه المرة لا من الدعوة الى تبني احد النموذجين بل نقد كل النماذج واخذ ما يصلح لنا وما يواكب مجتمعاتنا العربية
• أزمة الابداع في الفكر العربي المعاصر : أزمة ثقافية أزمة عقل ؟ ان الفكر العربي مثله مثل الفكر اليوناني والفكر الهندي والفكر الفرنسي ، أي عبارة جملة من الآراء والافكار التي يعبر بواسطتها هذا الشعب أو ذاك عن مشاكله واهتماماته، عن مثله الاخلاقي ومعتقدات المذهبية وطموحاته السياسية والاجتماعية وايضا عن رؤيته عن الانسان والعالم .
ان الفكر بهذا المعنى هو الايديولوجيا بمعناها الواسع العام الذي يشمل الفكر السياسي والاجتماعي والفكر الفني والفلسفي والديني ولا يخرج عن هذا المعنى العام من الايديولوجيا الا العلم .
اذا فعبارة الفكر العربي الحديث تتسع لكل ما ينتجه العرب من أفكار او ما يستهلكونه منها في عملية التعبير عن احوالهم وطموحاتهم بستثناء المعرفة العلمية نظرية كانت او علمية .
ولكن الفكر السياسي ليس مضمونا ومحتوى وحسب بل اداة لإنتاج الأفكار سواء منها تلك التي تصنف داخل دائرة الايديولوجيا أو داخل دائرة العلم ، والفكر هو جملة من المبادئ والمفاهيم وآليات تنظم وترسخ في ذهن الطفل الصغير منذ ابتداء تفتحه على الحياة لتشكل فيما بعد العقل الذي به يفكر أي جهاز الذي به يفهم ويؤول ويحاكم ويعترض .
ومعروف الآن أن هذه المبادئ والمفاهيم والآليات ليس فطرية ولا غريزية وانما يكتسبها الانسان نتيجة احتكاكه بالمحيط الخارجي الطبيعي والاجتماعي، والثقافي .
أيهما يعاني من أزمة ابداع العقل العربي كبنية عقلية او الفكر العربي كبنية ايديولوجية ؟
ان معنى كلمة ابداع يرادفها حقل، وفي المجال الديني والميتافيزيقي تعني كلمة الابداع سواء كان في الاسلام او في المسيحية او اليهودية المرتبطة بالديانة هي الخلق من العدم أي اختراع شيء ما والابداع هنا خاص بالاله لا يقال الا عنه .
اما في الحقول المعرفية الاخرى كالفن والفلسفة والعلم فالابداع لا يعني خلق من عدم بل انشاء شي جديد انطلاقا من شي سابق قد يكون اما اعادة تأسيس او تركيب، ومن هنا يمكن القول ان الابداع في الفن هو انتاج نوع جديد من الوجود بواسطة إعادة تركيب أصيلة للعناصر الموجودة .
ان الابداع في مجال الفكر النظري عامة هو تدشين قراءة جديدة أصيلة لموضوعات قديمة ولكن متجددة، واما في مجا العلم فالابداع اختراع واكتشاف يتم بواسطتة خطوات فكرية ميزتها الاساسية انها تقبل التحقق اما بالتجربة واما بجملة من العمليات المراجعة والمراقبة يقودها منطق معين .
وللجابة على أيهما يعاني من أزمة ابداع العقل العربي كبنية عقلية او الفكر العربي كبنية ايديولوجية ؟
ان الفصل بين الفكر كأداة والفكر كمحتوى ليس سوى اجراء منهجي اما في الواقع فالفكر والأداة والفكر والمحتوى متداخلان والازمة التي تصيب أحدهما تؤثر على الاخر مباشرة .
اذا كيف يمكن اذا تجاوز هذه الازمة أمة العقل لعربي والثقافة العربية ؟
ان اعادة بناء الحاضر يجب ان تتم في آن واحد مع عملية إعادة البناء الماضي وذلك بتفكيك عناصره وإعادة ترتيب العلاقة بين اجزائة بصورة تجعله كلا جديدا قادرا على أن يؤسس نهضة على ان يكون أرضا لأقدام المستقبل .
ان النهضة لا بد ان تنطلق من تراث تعيد بناءه قصد تجاوزه ومن الخطأ الجسيم الاعتقاد ان الذات العربية يمكن ان تنهض بالرجوع الى الماضي وكما ان من الخطأ الجسيم ان هذا الذات يمكن ان ينهض بالتخلي الكلي عن الماضي، والانسان لا يمكن ان يبدع الا داخل ثقافته انطلاقا من تراثها .
• مستقبل الفكر العربي وإشكاليات التقدم والوحدة
ان إشكاليات الوحدة والتقدم مترابطتان ومتكاملان يشدان العرب شدا ويشدان شعوبا اخرى الى مستقبل هما (( التقدم والوحدة ))
مايريده العرب وكل الشعوب المستضعفه هو اللحاق بالركب العالمي المتقدم ركب الدول الصناعية والأمم الراقية القادرة على حفظ كيانها والمساهمة في الحضارة البشرية ماديا وروحيا وهذا هو مضمون التقدم اما المطلب الثاني والمعني بالوحدة فهو ان كان يندرج ضمن طموحات الشعوب الا انه يكتسي عند الشعوب العربية خصوصية متميزة لان الوحدة ونحن هنا نتكلم بدون تحديد شكلها الدستوري اذا كان شرطا في التقدم بالنسبة للشعوب الصغيرة فهو يحقق توازنهم النفسي والاجتماعي اي يخفف من حدة التوتر على صعيد الفكر .
ان التقدم العلمي والصناعي والاقتصادي في الاوطان العربية مقرون بقيام وحدة بين الاقطار العربية يجعل قدرتها الاقتصادية والاجتماعية والبشرية تتكامل في برنامج لتنمية شاملة وبعيدة المدى ولا يمكن ان تحقق بمعزل الدول عن بعضها بعض .
ان الدول الاوروبية رغم اختلاف لغاتها وايديولوجيتها وثقافتها ودياناتها الا انها استطاعت التقدم عندما شكلت الاتحاد الاوروبي ونحن العرب نستطيع ان ان نشكل وحدة لاسيما ان البيئة ممهدة للوحدة العربية بسبب الروابط الدينية واللغة والثقافية، نتقدم اجتماعيا وعلميا واقتصاديا وسياسيا، والوحدة العرب��ة اليوم مطلب اذا اردنا الخلص من مشاكلنا وهمومنا والتعايش السلمي بين البلدان العربية والمجاورة خاصة لكن في وحدتنا قوتنا .
• من أجل اعادة تأسيس فكرة الوحدة في الوعي العربي
تكلم عن الوحدة العربية في المشرق العربي والمغرب العربي وان هناك انقسامين حول الوحدة في الخطاب العربي، فالأولى كانت تعني وقوف العرب والمسلمين صفا واحد تجاه الغرب والمستعمر الاجنبي وصف واحد تعني المطالبة بقيام دولة واحدة اسلامية وكان اغلب من دعاء بهذا الخطاب جمال الدين الافغاني ومحمد عبده، اما الخطاب الثاني وهو العروبي مع عبدالرحمن الكواكبي كانت تعني انفصال العرب ع الترك لا كولايات بل كمشروع دولة عربية واحدة كبرى .
وهنا نستشهد بنموذجين في الوحدة العربية 1. الوحدة العربية بين مصر وسوريا 2. وحدة المغرب العربي بين مغرب وتونس والجزائر
• العرب والغرب على اعتاب العصر في القرن الثامن والتاسع عشر بدأت تتبلور في الساحة الفكرية والعربية لماذا تأخرنا وتقدم الغرب، ومع وقع الصدمة مع الغرب كانت اوروبا تنتعش ويعيش شبابها عصره الصناعي الذي كان قد مضى على قيامه أكثر من قرن، عصر الآلة البخارية والفحم وصناعة الحديد والنسيج .
لقد تميز شباب هذا العصر ليس فقط بالفتوحات الجديدة في ميدان العلم والتقنية بل أيضا بالنمو الهائل الذي عرفته الرأسمالية الأوروبية التي كانت قد بدأت تغزو العالم، عالم افريقيا وآسيا خاصة بمنتوجات صناعاته وايديولوجيتها الليبرالية .
وتحت هذا تهديد هذا الغزو بل وبفعل ضرباته الاولى في الوطن العربي احتلال الفرنسيين للجزائر والانجليز لمصر، بدأ العرب يعون انهم اصبحوا لقمة سهلة للطامعين وانها اصبحت ضعيفة لا تقدر الدفاع عن نفسها .
ان بدايات اليقظة العربية الحديثة يمكن الرجوع اليها يمكن الى غزو نابليون لمصر عام ١٧٩٨ – ١٨٠١ ، ومع هذا التأخر لم يتبلور في تيار فكري نهضوي ويدخل في جدال مع الاخر الا في هذا العقد عندما اسس جمال الدين الافغاني ومحمد عبده جمعية العروى الوثقى، ورغم انها لم تكن الجمعية الوحيدة من نوعها ولكنها كانت أكثر تأثير واعمق وأوسع في المشرق والمغرب العربي .
• ثورة ٢٣ يوليو ومشروعها القومي العربي في مواجهة تحديات المستقبل ان ثورة القومية يوليو اما ان تكون ذات مضمون عربي تحريريا تقدميا وتنمويا فهذا ما لا يحتاج الى بيان او برهان و اما ان يكون مشروعا تجريبيا بمعنى انه كان وليد التجربة والممارسة والمعاناة والفعل و رد الفعل أكثر من كونه مشروعا نظريا متماسكا ومتكاملا فهذا أيضا ما قد لا نختلف فيه كثيرا، ان الفكر والممارسة أو النظرية والتطبيق كان يسيران جنبا الى جنب متساوين وأحيانا متزاحمين في كل انجازات الثورة وكل تطلعاتها .
ولكن كان لابد من من هذه الثورة توظيف مفاهيم وترويج شعارات تحريضية تعبوية وكان شعار القومية العربية هو الشعار الذي عبرت بواسطته عن مشروعها القومي العربي، أما مضمون هذا الشعار فمعروف لدينا جميعا : انه مضمون يتألف من ثلاثة مفاهيم 1. الوحدة 2. الاشتراكية 3. الحرية
لقد كان شعار القومية العربية محرك للمشاعر والوجدان والحماس الموحدة للصفوف ولكن نقة الضعف كانت في المفاهيم والشعارات الثلاث لانها كانت تطرح معادلات لا أقول عنها صعبة الحل فقط ولكن ايضا صعبة التركيب .
ان العلاقة بين الوحدة والاشتراكية والحرية هي علاقات متنافرة ومتدافعه، فالوحدة تقتضي اعطاء الاولوية للحشد الجماهيري والاتلاف السياسي وبالتالي تأجيل الصراع الطبقي ولجمه وهو الطريق نحو الاشتراكية، والاشتراكية تركز على الصراع الطبقي على تأجيجه ودفعه الى اقصى حدوده وبالتالي تأجيل الانخراط في طريق الوحدة، اما شعار الحرية فقد كان موقعه متلبسا تماما هل الحرية مع الاشتراكية او مع الوحدة ام معهم معا او قبلهم او بعدهم