يعد هذا الكتاب ذي أهمية بالغة، حيث يكشف في أوراق ومذكرات ويوميات الروائي العراقي الراحل حسن مطلك ويقدمها للقارىء كما هي بأمانة شديدة كون الذي أعدها للنشر شقيقه الدكتور محسن الرملي بعد أكثر من عقدين على رحيل مطلك. ويضعنا حسن مطلك تحت سطوة هذه الكتابة الحرة، واليوميات الدافئة التفاصيل بدءاً من سنة 1983 إلى عام 1989 وهو العام الذي اعتقل فيه. حيث ينطلق حسن مطلك في تدوين تلك اليوميات مبيناً أفكاره ومشاهداته ومصادر ثقافته. ويحتوي الكتاب الذي يقع في 141 صفحة من القطع المتوسط، في شقه الأول يوميات حسن مطلك بينما ينفرد الشق الثاني من الكتاب باثنين وعشرين نصاً شعرياً بلغة شعرية باذخة وعميقة قدم لها الدكتور محسن الرملي. يقول مطلك في مذكراته المكتوبة في الرابع من يونيو عام 1983: " انتهت دراستي الجامعية. جالسٌ في غرفتي، في قريتي، اقرأ وأستمع إلى الموسيقى. لقد عزمت على شيء.. وإني لأرتجف حتى في الكلام عنه: أن أكتب رواية.. يا للهول..! روايتي الأولى ستكون كافية لقتلي أو إحيائي.. وإنني خائف أيما خوف! إنني أستجمع قوتي للوثوب، للافتراس، للبدء في الكتابة.. يا له من عمل شاق...! أتهرب منه مثلما أشتاق إليه.." موغلاً في تلك العوالم، مشرعاً لقارىء هذه اليوميات نوافذ على تلك التفاصيل ملامساً تلك الروح، مدفوعاً للكتابة دون أن يدري سبب اشتغاله بالكتابة أمام احساسه بالعجز الكبير أمام الكتابة بوصفها "كائناً خرافياً" كما جاء على لسانه في اليوميات. وفي تقديمه للجزء الشعري من الكتاب ينقل الدكتور محسن الرملي عن حسن مطلك قوله: "الشاعر: شخص كتب قصيدة عظيمة ثم أضاعها." ويضيف الرملي "هذه جملة نصوص شعرية، مضاعة- ربما عن قصد- عثرنا عليها متناثرة بين ما تبقى من أوراقه ودفاتره، منها أوراق لا صلة لها بالأدب كدفتر بأسماء الدائنين أو دفتر لرسومات خرائط البيوت مثلاً.. وهي بذلك توحي لنا بأنها قد كانت دفقات إبداعية لمشاعر وأفكار وحالات انتابت حسن مطلك فاحتواها الشكل الشعري، في حينها.. على عجل؟!، وتُركت كمسودات خام، مكتوبة كيفما اتفق، منها ما لم يكتمل بعد، ومنها ما شُطب عليه، ومنها ما هو بلا عنوان أو تاريخ، كتبت بعضها بشكل القصائد والآخر بالصيغ النثرية... ومنها ما فقد حتماً.. لكنها جميعاً قد كتبت لمرة واحدة فقط دون إعادة.. ولو كان هو بيننا الآن لرفض أن نجمعها ونهتم بها. كل ذلك لأن حسن مطلك لم يزعم يوماً بأنه شاعر.. مع أن المعروف عنه بأنه قارىء نهم وناقد ذواق للشعر ومالك لزمام لغة مدهشة."
حسن مطلك روضان . - ولد في قضاء الشرقاط – قرية سديرة عام 1959. - عاش في كنف عائلة ذات ماضي عريق في الزعامة العشائرية وثرية بعطائها للادب الشعبي. - اكمل دراسته في قريته وفي الشرقاط. - حصل على شهادة بكالوريوس آداب من جامعة بغداد. - نشر الكثير من قصصه القصيرة في الصحافة العراقية، وكتب عنها نقاد متميزون. - ارتبط بصداقات حميمة مع الوسط العراقي وكان حاضراً في المشهد الثقافي والادبي وفي الندوات التي يقيمها اتحاد الادباء والكتاب العراقيين. - فاز بالجائزة التقديرية للقصة القصيرة عن الحرب العراقية – الايرانية. - صدرت له في بيروت رواية "دابادا" التي احتوت دلالات فلسفية عميقة جعلت منها مادة خصبة للمناقشات والتأويلات الأدبية وكتبت عنها الصحافة العربية كثيراً وتناولها النقاد بالمديح والثناء وصدرت بعد وفاته... وله عدة روايات ومجاميع قصصية مخطوطة أهمها رواية قوة الضحك في اورا التي صدرت عام 2004. - عام 1990 أشترك القاص والروائي حسن مطلك، في ثورة 6 كانون المعروفة بحركة النقيب سطم، ، فتم القاء القبض عليه وحكم بالاعدام . - كتب عنه الناقد جبرا ابراهيم جبرا، والشاعر عبد الرزاق عبد الواحد، والناقد عبد الرزاق الربيعي وعشرات غيرهم.. رحم الله الشهيد الروائي حسن مطلك
إن قراءة هذه المذكرات - الجزء الأول من الكتاب - تدعو إلى الكثير من الأسى و الشفقة . و قد أبالغ حين أقول أنها ضرب من المازوشية . حين نقرأ أحلام فتى مرهف يود أن يرتقي بأدب العراق - الروائي تحديداً - فهو يتألم لحاله الرث و يطمح على طريقة المتنبي بالنجوم - نوبل مثلاً - . حين نقرأه يشكو في يومياته سخرية الجميع حيث يعيّرونه بكثرة القراءة ! حين ندرك خسائره المتوالية على صعيد العلاقات العاطفية - و أكاد أقول جميع الأصعدة - و حين نتذكر كيف انتهى به الأمر من الرغبة في كتابة رواية عملاقة إلى محاولة اغتيال صدام حسين و من ثم إعدامه في نهاية عقده الثاني . كل هذا يدعو للألم . في يومياته يبدو قلقاً ومحاطاً بالكثير من الكوابيس و المخاوف و الأشباح . من المؤكد أن إنساناً رقيقاً لهذه الدرجة لا يمكنه الصمود على هذا الكوكب . ليس في سعير عراق الثمانينات . و قد تكهن بهذا حين كتب أنه يتهيأ لقفزة الافتراس و سيقول قريباً لكل شيء وداعاً و لكل شيء مرحبا ! الجزء الآخر من الكتاب عبارة عن قصائده المبكرة و التي لا يمكنني أدعاء تعاطفي معها .
"إنني أهيئ نفسي لقفزة الإفتراس قريبة هي الساعة التي سأُعلن فيها لكل شيء: وداعًا.. ولكل شيء: مرحبًا."
حسن مطلگ الكاتب العراقي المرهف الحس، الذي تكتشفه في هذا الكتاب في مذكرّاته وبعض قصائده. لكنه يرفض أن يطلق على نفسه شاعرًا. برأيي كل من هو مرهف ورقيق بهذه الصورة ينبغي أن يكون شاعرًا بالضرورة حتى ولو لم يكتب شعرًا.
المذكرات تبدو نافذة مفتوحة على عوالم مطلك، وروحه التي ولفرط رهافتها شهدت الكثير من الألم واليأس والوحدة، جزء جميل وحقيقي. فيما الجزء الثاني من الكتاب والذي يحتوي على بعض قصائده كان أقل جمالا.
مالي ومال مذكرات الآخرين. كلما شعرت بالتواصل البشري وجدت نفسي تلهث بحثًا عن يوميات آخر لا أعرفه حتى أندس فيها ليلًا ونهارًا. هناك لذة خاصة بقراءة مذكرات شخص لا تعرفه.
لا أُحبذ مراجعة المذكرات إذ إنها شيء خاص تقرأه وقد يكون سيء وقد يكون جيد ولكن بكل الأحوال ليس مهم ما تظن فهي مذكرات خاصة. شعرت بحدود بيني وبين حسن. ابتسامته التي تملئ غلاف الكتاب لا تنم عن كل هذا الألم. لم استسيغ وجود كل هذه الكآبة والألم على الصفحات ولكن هذا لم يوقفني لأشعر به فمن منا لم يفكر في مرحلةٍ ما أن يقول لكل شيء وداعًا ولكل شيء مرحبًا!؟
الجزء الاول هي مذكرات متفرقة للكاتب حسن مطلك وهي لم تعد للنشر من قبل كاتبها وانما نشرها شقيق الكاتب محسن الرملي الكاتب المعروف وللاسف ليس لها اي قيمة ادبية واما الجزء الاخر فهي اشعار للاسف لا طعم لها ولا رائحة وما استطعت ان أتذوقها والنجمة في تقيمي هي للمذكرات التي وأن دلت فإنما تدل على الضياع الذي كان يعيشه ولازال الشباب العربي وخاصة في العراق في فترة الحروب العبثية وفترة الحصار وللاسف وحتى الان
"إنني أهيئ نفسي لقفزة الافتراس. قريبة هي الساعة التي سأعلنُ فيها لكل شيء: وداعًا.. ولكل شيء: مرحبًا" مذكرات تحمل من عنوانها الشيء الكثير العين إلى الداخل عكست صورة العالم الذي بداخله، يكتب بحس مرهب ملؤه الخواء والقلق الوجودي، أتساءل مالذي فاتنا بموته مبكرًا ومبكرًا جدًا؟
رقيق، حسّاس، مُكتئب، إنعزالي، ثائر.. الجزء الأول من أصدق وأعمق مايمكن كتابته لِوصف حالة حسن وحالة أي شخص يعيش صراع مع واقع غريب عنه، وٌجدتُ فيك عزائي وعزاء كئابتي وثورتي، إبنة القرية المجاورة لقريتك، أشعر بما شعرت أنت به ربما..رحمك الله. -مع تحفظي الشديد على النصف الثاني من الكتاب(الشعر) -
أن تكتب مذكراتك هذه فكرة رائعة وخاصة انها فعلا عندما تقرأها بعد ذلك ستكون عين إلى الداخل تراقب فيها ذلك الشخص الغامض القاطن باعماقنا سعيد بإكتشاف هذا الكاتب العراقي
اغار على وطني الذي كلما قارنت أدبه بآداب الشعوب اكتأبتُ.. ودفعني ذلك للقراءة والكتابة.. وستبقى تلك الغيرة تنهشني حتى أحقق ما يحققه كاتب عظيم لوطنه.. أو أهلك دون هذا الأمر.
في هذا الكتاب: قسمين. الأول مذكرات ويوميات، ما يشبه نفث جرعاتٍ حارقة من الهموم التي تسكنُ الكاتب. أي قاريء ربما يجد نفسه في سطرٍ أو آخر، ذلك أن حسن مطلك يعبّر عن بعض الإشكاليات التي عاشها في بيئةٍ لا تقرأ – بيته تحديدا -. كان ينزوي في غرفته بين كتبه وأوراقه، يعاني ويكتب بتوقد. ستبدأ رحلتنا معه منذ 1983 ، وكان للتو قد أنهى دراسته الجامعية ولم يتجاوز اثنين وعشرين عاما. بعد عام أو عامين، لاحظتُ على كتابته ورؤاه تطورا كبيرا، ولا بد أن حياته صارتْ أكثر ثراءً بالتأكيد، إلا أن العامل الحاسم هو قراءاته العميقة ومثابرته ليلا ونهارا، وطموحه الذي تعملق : في هذه السنوات كتب روايته الأشهر دابادا، أرادها (عظيمة)، وبين الخيالات الجامحة والكتابة الفعليّة كان على هذه الحال: (كنتُ أطمح بعمل جبار غير اعتيادي، وها أني أسقط في التقليدية من أول محاولة، اللغة تخونني، التصور الحقيقي، التجربة الروائية، النظرة النقدية العالية.. آه.. لستُ مطمئن.)
القسم الثاني نصوص شعريّة، قبل أن أقرأ مقدمة د. محسن الرملي عن هذه "القصائد" قرأتُ البعض ولم أتمكّن من التوافق معها. وشعرتُ أن مجرد نشرها يحمل في طيّاته شيئا من الإساءة لـ "مكانة" حسن مطلك الأدبية. ثم قرأتُ عرض الرملي الذي–يا للمفاجأة - أشار فيه (لو كان هو بيننا لرفض أن نجمعها ونهتم بها)، تماما، سيرفض بالتأكيد ! لم ترقني رغم أني حاولتُ وحاولت، هذا لا يعني أنها لا تملك التماعاتٍ جمالية أو لغة مشرقة، إنما لا تخلو من ارتباك البدايات.