شاعر مصري ولد بمحافظة المنوفية تخرج في كلية الاداب ـ قسم الفلسفة. حصل على جائزة الدولة التشجعية في الشعر عام 1989 وحصل على التقديرية 2006 وصدرت أعماله الكاملة عن دار الشروق عام2000 يعتبر مطر من أبرز شعراء جيل الستينات في مصر، وقد تنوّعت مجالات عطائه بين المقالات النقدية وقصص الأطفال وترجمة الشعر، وفاز بجوائز عديدة منها جائزة سلطان العويس في 1999. ومن دواوين عفيفي مطر 'الجوع والقمر' الذي صدر في دمشق عام 1972، 'ويتحدث الطمي' الذي صدر في القاهرة عام 1977، ورباعية 'الفرح'، وصدر في لندن عام 1990، واحتفالية 'المومياء المتوحشة'، وصدر في القاهرة عام 1992م يقول عنه الشاعر الفلسطيني المتوكل طه' لقد استطاع محمد عفيفي مطر- هذا الشاعر المنسي أو المُغيَّب - أن يقدم صيغة مبدعة لعلاقة الشاعر/ المثقف بالسلطة وإفرازاتها وهيمنتها وما تضعه حولها من نخب تتبنى وتردد أطروحاتها ، خالقة بذلك 'ظلاماً ' كثيفاً يمنع الرؤيا ويقتل الرؤية ويغتال البصيرة والحياة. إنّ مفردة 'الظلام' التي يستعملها الشاعر محمد عفيفي مطر هي من أكثر المفردات تكراراً في دواوينه الظلام الذي يعيشه الشاعر ليس فقط، في زنزانته التي يسميها 'جحيماً' وإنما في لحظته المعيشة وفي تاريخه. إن ما يعانيه ويكابده الشاعر جعله يرى الأشياء من جديد ويقرأ التاريخ بعيون وروح جديدة ، أو لنقل ، بنظرية جديدة هي نظرية 'الخوف من الخوف'. وما بين 'الظلام' و'الخوف' يكون الموت، وفي هذه الكآبة، والقتامة، تلد قصيدة الشاعر محمد عفيفي مطر، قصيدة تضجّ بالألم والفزع والكوابيس والرؤى المقتولة والأماني المغدورة ووجوه الأحبة الموتى والمدن التي يسكنها الأشباح كما أنها قصيدة مُركّبة تستند إلى الأسطورة التي يُعيد إنتاجها بلغة حداثية فلسفية، تؤكد أن صاحبها شاعر رجل يستحق الاحترام
محمد عفيفي مطر تطارده القصيدة ولا يستطيع الهرب منها أو السيطرة عليها إنه نهر بلا سدود ولا خزانات وهج شعري لا يصفو ولا يخبو إلا بعد نوبة صرع تطرحه في طمي الأرض لينصب في تشكيل عفوي يفر من كل الفلسفات الجمالية وقواعد التنظير خط إبداعي ممتد من لبيد وذي الرمة وابن ميادة وأبي تمام وابن الرومي وأبي العلاء ومحمود حسن إسماعيل يلضمه محمد عفيفي مطر بقصيدة التفعيلة ليواصل مساره في قصيدة النثر مع محمد عيد إبراهيم ومحمد آدم وعبد العزيز موافي وجمال القصاص فمؤمن سمير وعبد الرحمن تمام هؤلاء الذين يحتفلون بالقصيدة حين تتجلّى في أفقهم
" آه يا عبد العليم " لكي تتذوق شعر محمد عفيفي مطر بحق لابد أن تكون علي علم بأمرين، لغة الأرض ومحطات حياته وإلا ستظلم قيمته. مازلت أتذكر شرح د.أحمد بلبولة عميد كلية دار العلوم بجامعة القاهرة -وهو شاعرا بالأساس- لقصيدة "هلاوس ليلة الظمأ" ، والذي نصحنا بملازمة قاموسا للغة أثناء قراءتنا لشعر مطر لكي نفهمه، ثم بدأ يشرح القصيدة كأننا نري مشاهدها رأي العين، نشاهد الحروف لا نقرأها، وحُفرت في ذاكرتنا إلي الأبد، فكان له الفضل بعدها في تحسُّن علاقتي بالشعر كثيرا، حيث أدركت أن بلاغة الكلمة في الشعر مرتبطة بقدر كبير بمعناها لدي الشاعر، ثم ما يقع منه في نفس القارئ. في شعر محمد عفيفي مطر لا وجود للحشو فكل كلمة لها مدلول غني وكثيف، وفي الحقيقة الثلاث نجوم ليست للديوان بل لي، لأني كنت أود أن يستمر فهمي لباقي قصائد الديوان بنفس القدر ولكن لنا عودة في الوقت المناسب.
محمد عفيفي مطر، صاحب واحدة من أجمل التجارب الشعرية وأنضجها، بالرغم من ده، للأسف، لم ينل ما يستحقه من الشهرة كأقرانه من شعراء الحداثة. كان له تجربة مريرة في عصر مبارك، لمّا وقع تحت إيد جلاد من جلاديه وتم اعتقاله وتعذيبه وهو شيخ في الستين من عمره، عقب وشاية أحد "المثقفين"، كعادة المثقف المصري التي كاد أن يُفطر عليها من الوشاية. وكتب تفاصيل اعتقاله وتعذيبه بهمجية في ديوان له من أروع ما يكون، سماه "احتفالات المومياء المتوحشة"، فاختص طفلته بإهداء غاية الرقة ينم عن إنسان مفرط في إنسانيته، بلغة شعرية بالغة الفخامة و التعقيد. فتميز بكونه يجعلك تشعر بمرارة وقع التجربة بأسرها دون أن يخرج عن فن الشعر..
دهر من الظلمات أمْ هي ليلةٌ جمعتْ سوادَ الكحل والقطران من رَهَجِ الفواجع في الدهورْ!! عيناكَ تحت عَصابَةٍ عُقِدَتْ وساختْ في عظام الرأس عقدتُها، وأنتَ مجندلٌ – يا آخر الأسْرى... ولست بمفْتَدًى.. فبلادُكَ انْعَصفَتْ وسيقَ هواؤُها وترابُها سَبْيًا – وهذا الليل يبدأ، تحت جفنْيكَ البلادُ تكَوَّمَتْ كرتْين من ملح الصديدِ الليلُ يبدأ والشموسُ شَظيّةُ البرق الذي يهوي إلى عينيك من ملكوته العالي، فتصرخُ، لا تُغاثُ بغير أن يَنْحَلَّ وجهُكَ جيفةً تعلو روائحُها فتعرف أن هذا الليل يبدأ، لستَ تُحصي من دقائقه سوى عشرِ استغاثاتٍ لفجرٍ ضائعٍ تعلو بهنَّ الريحُ جلجلةً لدمع الله في الآفاق.. هذا الليل يبدأ فابتدئْ موتًا لحلمك وابتدعْ حلمًا لموتكَ أيها الجسدُ الصَّبورْ "الخوف أقسى ما تخافُ".. ألم تَقُلْ؟! فابدأ مقام الكشف للرهبوت وانخُلْ من رمادِكَ، وانكشفْ عنكَ، اصْطفِ الآفاق مما يُبدع الرخّ الجسورْ..
--- إهداء إلى طفلتي رحمة.. لم أكن ألتفت لشيء سوى يديك النائمتين حول "الدبدوب" المحدق بعينيه اللامعتين ولم أكن أخاف شيئا سوى يقظتك بمفاجأة الجحافل وهي تلتقطني. أما الأثر الدامي على عظام الأنف الذي لا تكفين عن السؤال حوله: فهذا هو الجواب:
(تصدير ديوان "احتفالات المومياء المتوحشة" – محمد عفيفي مطر)