في هذا الكتاب ستة عشر بحثاً، ينتظمها إطار فكري، يتضمّن عناوين لصيقة بهموم المجتمع العربي؛ فهي تتصل بقضايا وتيارات قائمة في حياتنا، وما يزال كثير منها موضع نقاش في الحاضر.
فقضايا مستقبل الوطن العربي، وهوية الأمة، والديمقراطية في فلسفة الحكم، وسُبُل مواجهة التحديات، وفلسفة الثقافة، والعلاقات بين العرب والغرب، سياسياً وحضارياً، ودور اللغة والتعريب في توحيد الأمة وبعث نهضتها، والاشتراكية في جذورها العربية، ونهجها الاقتصادي والاجتماعي، والعلاقات–الإيرانية، وطابع الحوار القومي–الديني، ومناهج نجاحه…، هي من القضايا التي تستحق البحث، وتستحوذ على اهتمام مؤرّخنا الكبير الدكتور عبد العزيز الدوري، وتجعله يستقرئ الحاضر – ممّا ينتخبه، صالحاً، من التراث، فيتعرّف إلى إنجاز الأمة الحضاري في فترات ازدهارها، في حاضر يعتريه القلق أو الضعف، ففي ذلك بعث للهمم، وإثارة للطموح، داعياً – في الوقت نفسه – إلى إحياء الثقافة العربية، وبعث قِيَمها الخُلُقية والأدبية، ومضاعفة الجهود الآيلة إلى كشف أسرار التشريع ووجهات نظره في السياسة والاقتصاد والاجتماع؛ فالمستقبل الفكري ينبثق من صميم تراث هذه الأمة وذاتيتها، في أدوارها الحيّة، المُلْهِمة، ويرتكز على التحرر من إطار النقل والتقليد، والخروج إلى الأصالة.
وما تجدر إشارته، هنا، أن هذه الدراسات، قُدِّمت في الغالب، في ندوات ومؤتمرات، وفي أوقات مختلفة، وعبر فترة طويلة، وهي تعبّر عن فكر صاحبها وآرائه في وقتها، فهي كالوثائق، رهينة بزمانها ومكانها.
ولا ينتظر أن تبقى الآراء والمفاهيم ثابتة على الزمن، بل هي عرضة للتعديل أو التبديل. ولكن ذلك، إن حصل، فقد يكون في التفاصيل، لا في الاتجاه العام، أو في الخطوط الرئيسية.
ولم تخضع هذه الدراسات لأي تغيير، بل بقيت كما كُتبت في الأصل، لأنها نتاج فكر كاتبها في مسيرته العلمية، ولا يحق إخضاع فكره لزمن واحد في حياته.
مؤرخ عراقي يعد شيخ المؤرخين وإمام التاريخيين. حصل على بكالوريوس شرف في التاريخ من جامعة لندن عام 1940 وعلى الدكتوراه من جامعة لندن عام 1942 ثم درس التاريخ في دار المعلمين العالية ثم كلية الآداب والعلوم قبل قيام جامعة بغداد.
عمل مؤسساً وعميداً لكلية الآداب والعلوم ثم رئيسا لجامعة بغداد خلال الفترة 1963-1968 لينتقل بعدها للتدريس في الجامعة الأردنية. استطاع الدوري في مؤلفاته التاريخية أن يقدم صورة جديدة للتاريخ العربي الإسلامي عن طريق دمجه لأصالة البحث التاريخي في مؤلفات المؤرخين العرب القدماء مع أدوات التحليل والبحث التي استقاها من الغرب.
استطاع الدوري في مرحلة مبكرة جداً تحديداً عام 1945 أن يقدم لنا كتاب (مقدمة في تاريخ صدر الإسلام) وهي رؤية جديدة للتاريخ الإسلامي جمع فيها رؤيته للعوامل المختلفة التي أسهمت في تطور التاريخ الإسلامي والذي يحددها بعوامل عقدية إيمانية وعوامل قبلية عصبية وعوامل اقتصادية وبهذا جمع الدوري برؤية المسلم العربي مجمل العوامل الأساسية المؤثرة في التاريخ دون تحيز لنظرية معينة تضع أحد هذه العوامل أولا فلم يعلِ من شأن الإيمان مهملاً الاقتصاد ولم يهمل العصبية ليركز على الاقتصاد.
طبق الدوري كل ذلك على مرويات التاريخ الإسلامي الوفيرة ليضع صورة أكثر وضوحا لأزمات التاريخ الإسلامي مثل فتنة مقتل عثمان ومشاكل العراق الاقتصادية في تلك الفترة ونزاعات الخلافة بين علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان. كان كتابه الآخر (مقدمة في التاريخ الاقتصادي العربي) أحد الكتب الأولي وما زالت أحد الكتب النادرة التي تتحدث عن مراحل تطور الاقتصاد في بدايات الدولة الإسلامية.