ولد الشاعر والمفكر الراحل حسين البرغوثي في قرية كوبر شمال غرب مدينة [[رام الله]]، في الخامس من أيار عام (1954)، وقد أمضى سني طفولته بين مسقط رأسه كوبر حيث أقامت والدته، وبيروت حيث عمل والده. أثر تخرجه من الثانوية العامة التحق ببرنامج العلوم السياسية واقتصاديات الدولة في جامعة بودابست للعلوم الاقتصادية في هنغاريا. وفي العام (1979) مثّل فلسطين في أكاديمية الكتابة الإبداعية في جامعة أيوا (IWP) في الولايات المتحدة الأمريكية. وبعد عودته إلى فلسطيني تخرج من جامعة بيرزيت وحصل منها على شهادة البكالوريوس في الأدب الإنجليزي العام (1983) وقد عمل معيدا لسنة واحدة في جامعة بيرزيت قبل توجهه إلى الولايات المتحدة حيث حصل على درجتي الماجستير والدكتوراه في الأدب المقارن بين الأعوام (1985-1992) من جامعة واشنطن في سياتل. عاد إلى فلسطين ليعمل أستاذا للفلسفة والدراسات الثقافية في جامعة بيرزيت حتى العام (1997) وأستاذا للنقد الأدبي والمسرح في جامعة القدس حتى العام (2000). وأثناء هذه الفترة كان عضوا مؤسسا لبيت العشر الفلسطيني وعضوا للهيئة الإدارية لاتحاد الكتاب الفلسطينيين ورئيسا لتحرير مجلة اوغاريت ومديرا لتحرير مجلة الشعراء حتى رحيله في الأول من أيار (2002) حيث توفي في مسقط رأسه كوبر اثر مرض بالسرطان استمر عدة سنوات . وقد صدر للبرغوثي ما يزيد عن ستة عشر إصداراً توزعت بين الشعر والرواية والسيرة والنقد والكتابة الفلكلورية إضافة إلى العشرات من الأبحاث والدراسات الفكرية والنقدية والنقدية بعدة لغات وفي العديد من الكتب والمجلات والصحف. وفي سياق آخر فقد وضع البرغوثي سيناريوهات لأربعة أفلام سينمائية وكتب نحو سبعة مسرحيات لفرق محلية وعالمية إضافة إلى كتابة العديد من الأغاني لفرق موسيقية مختلفة نحو صابرين والرحالة وسنابل وفرقة إحياء بلدنا.
في البداية كنت أعتقد أن هذا الكتاب عبارة عن رواية من روايات حسين، لكنني تفاجأت ببحث فلسفي رائع. يستند فيه على ما سمّاه "السبب الرئيسي" هذا السبب الذي استطاع ربطه بفهم الحياة لدى الإنسان، وبالتالي بسعادته أو بشقائه الوجودي. ويطرح عدة أمثلة للدراسة، من عنترة إلى مظفر النوّاب مروراً بالمنتبّي
حسين جميل ....أنت أجمل من حتى أن تكون أنت!! في هذا الكتاب عرفتك أكثر ووضعت يدي على بداية طريقك حتى أصبحت ذاك الذي التقيته في "ضوء أزرق" ,فشكرا لأنك عشت ولأنك كنت ولأنك أثريت الأدب العربي بنظرة عميقة للحياة وبتجربة مختلفة ,لم يكن ليعيها إلّاك
أنت عبقري ....ولو أن هناك مثلك أكثر لنظرت إلى أدبنا العربي بفرح وفخر لأن هناك من يكتب عن الأنسان ,,,عن أفكاره وفلسفاته ....بعيدا عن كل ما لا نفهمه !
هذا العمل المدهش هو خوض في المأساة التي بدأت منذ البدء ولن تنتهي إلا بانتهاء الخليقة. حسين البرغوثي يتتبع معاناة الإنسان _من خلال الأدب_ في محاولاته للإيمان باعتقاد ما ومن ثم يبني على أساسه فهمه للحياة والطريقة التي سيتبعها في العيش. الوجود الإنساني له هدفٌ رئيسي، اختلفت المذاهب والديانات عليه، وبالتالي تختلف البنية الهرمية لفهم الحياة وطريقة تصور الله مثلاً عند الصوفيين تختلف عن تصوّر الله عند باقي المسلمين. بالطبع الكتاب لا يحمل الإجابة، الكتاب يستعرض الرحلة التي بدأت قديماً ومستمرة حتى الآن، فكلنا هاملت بطريقة ما.
لقد سقط كل شيء يا حسين! لقد سقط كل شيء وتعرّى وظهر الوجه القبيح لكل شيء! لم يعد هنالك شيء حقيقي واحد يمكن للمرء أن يعوّل عليه! في هذا الكتاب الذي دوّخني وجعلني أدخل في دوامة بين الشرق والغرب، بين الأدب الروسي والأدب الإنكليزي، بين الشعر الجاهلي والشعر العربي حديث، بين دوستويفسكي وعنترة بن شداد ومظفر النواب وصمويل بيكيت والمتنبي. رحلة مدوّخة، وطويلة، ومفجعة، لأنها تفضي إلى نتيجة تجعل القلب مكلومًا ويشعر بالخيبة المتنورة. فالخيبة هي كلمة تحمل في دواخلها طاقة للرؤية، الخيبة هي الترجمة المقابلة للكلمة الإنكليزية: disillusionment، والتي تعني بحرفيتها أنه تحرير من الوهم، تحرير من الأمل، تحرير من كل الرؤى الذاتية التي تستر الحقيقة العارية والباردة. "فبطل مذكرات من العالم السفلي كان يقول بألم: عندئذ أزعجني شيء آخر وهو أنني كنت مختلفًا عن كل شخص آخر وكل شخص آخر كان مختلفًا عني. بينما ما يزعج بطل القصة اليابانية هو أنه متشابه مع كل شخص آخر وكل شخص آخر متشابه معه، وهنا نصل للنهاية التي يسقط فيها الجدار السابع، ويسقط الفرد معه، أيضًا."
***
::خطوط الكتاب::
(ملاحظة: لقد آثرت أن تكون هذه الخطوط بلا ترتيب أو عنونة، وهذا ما يتناسب مع طبيعة الكتاب الكوكتيلية، التي يعج فيها الشرق مع الغرب، ويختلط الحابل بالنابل، فالموضوع الذي يطرحه حسين هو موضوع لا يمكننا التعامل معه بالدينمايكية المعتادة، فالحديث عن الفرد، عن الإنسان، أي هذا الكائن الذي لا يمكننا فصله أو التحكم في خطوطه.)
"كلنا نتمرّغ في الوحل، ولكن بعضنا يتطلّع من وحله إلى النجوم." أجل يا حسين! إنه سقوط للفردية. سقوط لجدار الوهم الذي كان الفرد يبني فيه طيلة حياته ظانًا منه أنه يقيه شرور العالم. فالجدار السابع هو المرحلة النهائية لتحقق الخيبة الفردية. فخلف الجدار السابع، جدران ظلت تتهاوى وتتساقط تترًا، حتى جاء موعد سقوط سابعهم، فما كان منا إلى النظر إلى هذا الجحيم وتقبله كما هو على طريقة بيكيت: "فالفرد لا توجد أمامه إلا ثلاث طرق وعليه أن يختار: إما أن يتنازل عن ذاتيته ويتجه فيبدأ حياة جديدة فيها يندمج الفرد مع العالم، كما اندمج أراغون الذي وجد في الشيوعية سببًا رئيسيًا جديدًا وفهم حياة جديدًا، فأصبح جزءًا من حركة تستهدف تغيير التاريخ، وإما أن ينهار كليًا فيكون مصيره مستشفى الأمراض العصبية، وإما أن يعترف أن الحياة بلا معنى وأن العالم هو الفوضى واللامعقول، ويواصل العيش في الجحيم."
الجدار الرابع هو الجدار الوهمي، المتفق عليه بطريقة لاواعية بدون عقد مكتوب بين الممثل والمشاهد، الذي يفصل بين حاجز المسرح وبين مقاعد المتفرجين. هذا الجدار هو جدار زمني بالدرجة الأولى، ثم تندرج تحته باقي العناصر الفكرية والثقافية والمكانية. لكنه جدار زمني، واتفاق مزمع غير مبرم ورقيًا بين المتفرج والممثل أن ما سيفعله الممثل هو مجرد تمثيل، لكن على المتفرج أن يظل في حالة من اللامبالاة الواعية، والتصديق المستسلم للعرض التمثيلي.
الجدار الخامس هو الجدار الوهمي نفسه، لكنه جدار سيتم اختراقه من قبل الممثل فيم بعد، وهي حركات تجديدية ظهرت في المسرح (راجع مسرح سعد الله ونوس)، حيث يتم إشراك المتفرج مع الممثل في جريان الأحداث التمثيلية، والتورط في الحدث بالدرجة نفسها من المسؤولية باتفاق مسبق غير معلن.
الجدار السابع هو الجدار الدوغماطيقي، هو كل ما يمثل العادات والتقاليد والأعراف والأيدولوجيات والمثل والثقافات والمبادئ والتاريخ البشري كله، وهو إرث كبير يراكمه الإنسان في داخله طيلة سني عمره بلا توقف، ويعمل في حياته وفقًا لهذه الكتلة الدوغماطيقية، دون إعادة نظر فيها، أو محاولة تمرد أو حرية مخيفة (كما يظهر مع أبطال دوستويفسكي أو كما يتجلى ذلك بقوة في قرار الانتحار كنوع من أنواع الحرية الحقيقية في الخروج من السياق المرسوم مسبقًا دون أخذ رأي الفرد). "أما الانتحار فصادر عنه نفسه، وبالتالي فهو قمة تأكيده لذاته، وجميع تلك القوى العظيمة اللامحدودة عنده تستخدم هذه المرة ليس لعيش الحياة، بل لتحطيمها."
من هنا يكون خرق الجدار السابع هو خرق المرض، خرق كل ما سبق وترسخ دون وعي أو حرية من الفرد. وهذا الخرق يولد سقوط هذا الجدار بشكل نهائي، وبسقوطه، يتحول الفرد إلى مريض: "المريض النفسي هو الإنسان الحر. هو الذي حطّم كل الحواجز لكي يحيا حرًا في عالمه الخاص به. إنه يعيش في أحلامه وتخيلاته التي يتخيلها دون أية رقابة للعقل والمنطق والمجتمع، وبالتالي يُخرج خلالها كل عقده وكبته وحواجزه ويعبّر عن كل ما يجول في نفسه بطريقة لا واعية."
حسين يكتب عن المرض بوصفه حرية، وخرق كل دوغماطيقية سابقة. المرض والتصعلك عند حسين ليس المرض الذي نراه في مستشفيات المجاذيب وليس الصعاليك الذي يجوبون الشوارع حفاةً عراةً، بل حسين يكتب عن المرض النفسي بوصفه التصوير الأمثل لصراع الإنسان الداخلي، والنتيجة الأكثر وضوحًا لعدم الوفاق بين الأنا الداخلية للفرد والأنا الظاهرية، أو بين الذات والآخر. هذا عدم الوفاق ناتج عن عدم مصالحة بين الفرد والعالم. فالفرد يريد ويرغب، لكن العالم لم يُخلق أو يُصمم لكي يحقق كل رغائب الإنسان فيه، فالإنسان ينتزع رغباته انتزاعًا بالأنياب وبالقوة، وها هو الآن صار ينتزعها بالمال والسلطة والتجبر والتسلط والقتل والشهوة.
لقد أحبّ حسين فتاةً أمريكيّة، هي فتاة مريضة بالشيزوفرينيا، وكانت تتوهم أنها هي أختها، وحكى عنها حسين في الضوء الأزرق، كان ممددًا جانبها في الليل يدخن سيجارته ويراقب صمتها الحي، يراقب ذاتها المغيبة تمامًا عن الواقع، والمتصلة تمامًا بذاتها الداخلية المنفصلة عن كل العالم: "في الولايات المتحدة حاليًا هنالك فتاة مصابة بانفصام الشخصية (الشيزوفرينيا) إنها تريد أن تصبح نسخة طبق الأصل عن أختها رغم أن هذا شيء مستحيل وتافه لكن المهم فقط: لماذا؟ هذا ما يقودنا لبيرانديللو مرة أخرى <لكلٍ حقيقته>."
"فهم الحياة يشبه بنيةً هرمية معقدة جدًا. قاعدة الهرم التي يرتكز عليها كل شيء هي السبب الرئيسي كما يسميه دوستويفسكي. السبب الرئيسي هو الهدف المطلق والغاية المطلقة للوجود البشري كما يتصوره الفرد. إنه الهدف المطلق الذي يعطي للحياة معناها، ودونه تصبح الحياة لا معقولة فوضوية. فمثلاً الشيوعية هي السبب الرئيسي لماركس، والحب هو السبب الرئيسي لروميو وجولييت، والله هو السبب الرئيسي لمحمد، وهكذا دواليك. فقدان الحبّ، مثلاً بسبب تخيل روميو أن جولييت ماتت، قاد لانتحاره؛ لأن فقدان السبب الرئيسي يترك كل شيء دون هدف ولا معنى ولا تفسير. فالعالم الذي يمكن تفسيره حتى ولو بأسباب رديئة هو عالم مألوف، ولكن الإنسان يحس بالغرابة في كون يتجرد من الأوهام والضوضاء... هذا الطلاق بين الإنسان وحياته، بين الممثل ومشهده هو بالضبط الشعور باللاجدوى."
يقول بيسوا: أن نفكر، معناه ألا نعرف كيف نمارس الوجود. الحياة لا تسمح لنا أن نضعها فوق طاولة العقل ليعالجها، إلا إذا نبذنا من قلوبنا كلّ رغبة في الخوض داخل الحياة. التفكير في الحياة، يعني أننا معترضون بشكل ما على الحياة. لا يمكن أن نمارس الحياة و نفكر فيها في الآن نفسه. التفكير يحدث فقط عندما نصبح عنصرًا خارجـًا. "يجيب الألماني شوبنهور على هذا السؤال قائلاً: إنه يريد أن ينفق حياته بالتأمل فيها. يريد أن يفهمها ولا يريد أن يعيشها."
***
::السعادة أو تحقيق الكليّة::
(أ) تنازل سكوفورودا: التنازل عن الحاجات الإنسانية في البحث عن الكلية طريق رجعي تنتج عنه سعادة لا تختلف عن خداع الذات. فسعادة سكوفورودا بقناعته ليست إلا شقاء مقنعًا لأنها تقوم على التنازل عن رغبته إذا ما كان تحقيقها صعبًا. هذا بالطبع يريحه من مجموعة من الإحباطات والآلام.
(ب) البراهمانية: التناقض نفسه هو مصدر الشقاء وليس الفشل في حل التناقض، بالتالي يجب التخلص من التناقض، يحوز السعادة الخالدة ويرتاح في البراهمانا من يتحرر من المتعارضات، ومن هو خارج الازدواجيات يقيم إلى الأبد في الوجود الحقيقي. وبهذا يتحاوز البراهمي الدورة الحياتية، ولا يعود يتجسد في حياة أخرى مجددًا، ثم يفنى في النيرفانا.
(جـ) الطاوية: القناعة بالطبيعة، فإن المرء لو عرف القناعة مرة فلن يرضى عنها بديلاً.
(د) التصوف الإسلامي: كان يسعى لتحقيق الكلية عبر الاتحاد مع الذات الإلهية، هدفه تحقيق كلمة نجنسكي: أنا الله، أنا الله وهذا ما جسده قول ابن عربي: "أنا من أهوى ومن أهوى أنا نحن روحان حللنا بدنًا فإذا أبصرتني أبصرتَه وإذا أبصرتَه أبصرتَنا."
***
::كوكتيل::
"هاملت يحوي في داخله كل الأمراض الجينية لكل شخصيات دوستويفسكي الأساسية، مظفر النواب يؤمن بالإنسان الإله وبنفس الشيء يؤمن كيريليوف عند دوستويفسكي، ومظفر النواب شهواني يبحث عن الجنس ونفس الشيء عند ديمتري كارامازوف وستارفروغين، ومظفر النواب يؤمن بالصوفية الحديثة أي بنوع من الإيمان الديني وبالإنسان وهذا بالضبط ما يؤمن به الأبله عند دوستويفسكي، المتنبي يؤمن بذاته فقط ولكن قمة الذاتية عن دوستويفسكي وعند مظفر النواب، أيضًا. جميع هذه التشابهات تلفت النظر فعلاً، ليست صدفة عابرة، إنها الجوانب المختلفة لفرد واحد من جهة والجوانب التي تكمل بعضها للمراحل التاريخية المختلفة، أيضًا."
من هنا يكون الصراع النفسي في الأدب هو الصراع النفسي للفرد. فـ"الإنسان يحتاج للفن والموسيقى وغير ذلك، حاجاته حاجات اجتماعية وبيولوجية تتداخل معًا بشكل معقد، السعادة الحقيقية لا تُبنى على ما هو نقيض الحاجات الإنسانية، لا تُبنى على التنازل، لأنه اقتراب من الحيوانية بهذا المعنى." لهذا كان قدر الإنسان الصراع، الصراع ثم الصراع..
إن الحياة .. لا أستطيع أن أتخيّلها إلا والدموع في عينيّ” هذه العبارة الافتتاحية في الكتاب تعبّر عن عمق الحالة الوجودية التي ينطلق منها البرغوثي في تحليله للصراع النفسي الإنساني.
الكتاب رحلة فلسفية ونقدية حول الصراع الوجودي الداخلي يستعرض الكاتب اعمال مختلفة من ثقافات وأزمنة مختلفة ، يرسم فيها ويوضح عن الشقاء الانساني.
يطرح الكاتب محاور فلسفية مختلفة مثل السبب الرئيسي التي يبنى ليها وجود الانسان في أمثلة من الأدب العربي (عنترة، المتنبي، مظفر النواب) وأدب عالمي (هاملت لشيكسبير، دوستويفسكي) لاستكشاف آثار غياب هذا السبب في النفس البشرية، ايضا يشرح كيف ينشأ الصراع النفسي من التوتر بين الحاجات الداخلية للفرد وواقع العالم الخارجي، ويصف الحياة بأنّها صراع دائم للبحث عن التوافق الذاتي مع الذات والآخر والطبيعة.
الكتاب ثريّ بالأفكار لكن ممكن يتطلب تركيزًا وصبرًا، وهو مناسب للقراء المهتمين بالفلسفة، النقد الأدبي، والبحث عن أسئلة وجودية عميقة.
البرغوثي من الكُتاب اللي بحبها، حبيته من أول ما قرأت له الضوء الأزرق؛ وبناءً عليه قررت أحب كل كتاباته أيوه والله سبحان الله، معظم عائلة البرغوثي لهم تقدير واحترام عندي ربنا يكرم العظماء منهم.
الكتاب هو في الحقيقة أنا تايهة وحسين البرغوثي توهني اللي هو مش إني مفهمتش كتاباته لا أنا فهمتها، وحسيته حاسس بتوهت الناس في زماننا وقدر يوصل اللي عايزه.
مينفعش أختصر الكتاب في ريفيو يعني هتكلم عن الأدب الجاهلي ولا هتكلم عن الصوفيين ولا عن ديستويفسكي ولا عن المتنبي تحس إنه بيتكلم في موسوعة....
وطبعًا شكرًا للصديق أحمد عرابي للمشاركة في القراءة، وكالعادة إنه ساعدني في فهم ومعرفة الفرق بين الكثير من المصطلحات. ربنا ينفع بيك ويزيدك من علمه الواسع.
البرغوثي رحمك الله رحمة واسعة وجزاك الله خير الجزاء.
كلما قررتُ أن أكره الفلسفة يأتي حسين البرغوثي ليثنيني عن قراري! هنا، يتناول البرغوثي الأدب من منظور فلسفي، فيتساءل كيف تؤثر نظرة الشاعر أو الأديب لـ(الحياة، وللآخر، ولذاته، وللطبيعة، و لـ"الإنسان") فتنعكس في إنتاجه الأدبي، أو باختصار ما سماه في بداية الكتاب "السبب الرئيسي" الذي تقوم عليه حياته.. حتى وصل إلى نتيجة مفادها أن أكثرهم شقاءً من لم يجد "سببا رئيسيا" أو نقطة ارتكاز يقيم عليها "حقيقة" حياته، فيعيش حائرا غارقا في العبث، نصف مؤمن ونصف ملحد
عرَض على سبيل المثال لا الحصر نماذج من أدب عنترة، والمتنبي، وأبو علاء المعري، وناظم حكمت، ومظفّر النواب، وحوارات هاملت/ شكسبير، وديتسيوفسكي(في عرض بديع جدا لشخصيات رواياته)-، متناولا أعمالهم في تحليل فلسفي ونفسي. أعتقد أن قراءتي للأدب ستختلف كثيرا بعد هذا الكتاب
تعمقت بالفسلفة كثيرآ وتوغلت في أشهر أسماءها وكنت أبحث تحديدآ عن أضافة او تطور في فهمي للحياة والتركيبة البشرية ونفسي.
كنت أشعر بالنفور كلما أزددت عمقآ حتى وصلت الى الكفر بالفسلفة والفلاسفة في هذا الكتاب.
هناك بشر جريمة أن يقع في أيديهم قلم فما بالك بالتأليف والنشر والترويج لافكار مظلمة ومعقدة تجعل الروح تنكمش في عليائها.
كتب تأخذ الناس الى متاهات وغوايات وسفسطة لاداعي ولا وجود لها.
الحياة هبة وجمال مطلق لايستوعبه المرضى والمعقدين.
هؤلاء يحتاجون الى مشافي ومراكز نقاهة يعبرون في داخل أروقتها بحرية عن هلوساتهم وتخريفاتهم أما الحياة فأنها قصة حب لايمسها ولا يستشعرها الا من كان له قلب سليم ونفس زكية وروح بيضاء.
لا أستطيع أن أعبر أكثر من ذلك وبالتأكيد لا أنصح أن توجع رأسك بهذا الكتاب
الشيوعية، الفرويدية،السيريالية،العدمية الدادية،بيكيت دوستويفسكي،مظفر النواب،عنترة والمتنبي،هاملت وناظم حكمت! كيف جمع حسين البرغوثي كل هذه الأفكار لينسج لنا كتاب مدهش مثل هذا!! ليتتبع الإنسان في صراعه مع الحياة في بحثه عن قيمة عظمى تسبب له الإستقرار تحقق له نوع من التوازن.. يتتبع هنا بحث الإنسان الدؤوب عن هذه القيمة "المعنى" سواء في إله أو فكرة، وأثر فقدانها ..عن جنوحه للجريمة أو الانتحار لإيذاء نفسه أو الغير، عن قطع صلاته بالآخرين وانكفائه على ذاته عن توحده وشرهه في البحث عن الحب أو الانتقام.. عن بحث الإنسان الدؤوب عن ذاته.. عن صراعه مع الذات مع الآخر مع القوى الخفية .. تنهيه وأنت تردد ياااه كم هي طويلة ومضنية ولا منتهية رحلتنا في هذه الحياة، كم هو فاضح جوعنا للتوازن،للمعنى في حياة لا معنى لها.. كم هو بائس وحزين وضعيف هذا الإنسان الذرّة في كون لا يعبأ به ولا بقلقه!
"لما إكبر بدي صير زي حسين البرغوثي" كانت هذه العبارة التي جعلتني أحسم أمر شراء هذا الكتاب وأنا في معرض كتاب مسقط العلم الماضي، وهي ذاتها التي جعلتني متشوقة لقراءته وهو ينتظر في المكتبة، ثم قرأته وفهمت، وأنا أيضاً يا شذا أريد أن أصبح مثل حسين البرغوثي، طالبة أدب تائهة، تحب كاتباً فلسطينياً، ابن قرية رام الله، تعرفه من كتاباته، وكلام أصدقائه عنه، وتتحسر ألماً على عبقريته التي تُتجاهل لا تدري عمداً أم سهواً، سأحكي للأصدقاء عنك، وأرشحك للقراءة كثيراً، وأقترح عليهم استعارة كتبك، لأنك حتى وإن خطفك الموت منا باكراً، فأنت فينا حي.
” الحياة .. لا أ��تطيع أن أتخيّلها إلا والدموع في عينيّ ” بهذه المقولة استهل حسين البرغوثي عمله الفريد ليخوض بعدها في حيوات الكثير من الشعراء والكُتّاب مُسلطاً الضوء على مأساة الإنسان الوجودية ومعاناته في قضيّة الإيمان والهدف من وراء الخلق. يتخذ البرغوثي الأدب العربي كمادة خصبة ليستعرض لنا رحلته البحثية التي لا تهدف إلى نتيجة واضحة بقدر ما تهدف إلى إيضاح الصورة واستعراضها كاملةً لمن يقعُ فريسةً للسؤال
سقوط الجدار السابع عمل مُدهش إن لم تقرأه فأنت خاسر
لا نُلقي بالاً بالصراعات النفسية في الحياة ، ما بالك برواية ما ! يشرح الكاتب تلك الصراعات من خلال الأدب ، من عنترة والمعري والمتنبي لـِ مظفر النواب ، و دوستوفيسكي وبيكيت ، أحسست أن حسين يشرح لي شيئاً يخصني ، يفصّل لي ما يحدث .. ناقد رائع ، مٌفكر مهضوم حقه حين عاش وحين مات .
لا يسعني القول الا "ايه الدماغ دي؟" كتاب يمثل الانسان، بكل التناقضات، المعتقدات المختلفه، الطبقية، فكرة الوجود و هدف المخلوقات في الحياة مقتبسات متقنة و فكر يفوق المستوى
تجربتي الثانية مع حسين البرغوثى و لن تكون الأخيرة ان شاء الله . كتاب رائع .. بالتأكد احتاج لقراءته مره ثانية لا توجد حلول في هذا الكتاب لكنه كان رائعا في عرض المشكلة و تبسيط ما يدور في عقل الفرد من صراعات و سرد تاريخ البشرية مع هذه الصراعات و فلسفة الحياة على مستوى الفرد و المجتمع
هذا ماحصل: وضعني حسين البرغوثي على كرسي خشبي عتيق بأرجل مهترئة ومسند ظهر متآكل ، كبّلني جيداً ثم وجّه رأسي بكلتا يديه نحو القلق الأول وبكلِّ ماتحمله كلمة المباشرة من التفاف في المعنى ،أصبحتُ مُكرهاً على مواجهة السؤال الأهم : الجدوى. اقتباس عن اقتباس من نهاية الكتاب: "..لكن أرجوك لاتبقى على هذا الشاطئ..من الأفضل أن تنسحق مع الثورة على أن تبحث عن ملجأ في جحر رجعي"
دراسة الادب نفسياً وذاتياً ليس أمراً سهلاً فكل كاتب له نقطة تأزم ذاتية وعقدة نفسية واعماله وكتاباته مفتاح لهذه العقدة فالكتابة جزء كبير منها هو اما تحرر جزء من ذاته او لتفريغ مكنوناته ومشاعره المكبوته او للتكفير عن اخفاقات وفشل وخطايا.... فهي بالاول وبالاخير تنطلق من ذات الكاتب وتعود اليه
يأخذك حسين برحلة بحث بديالكتيك النفس من منطلق ان الادب والفن ليس سوى التاريخ الروحي للانسانية وقد تتبع الكاتب هذا التطور من الشقاء الجنيني في العصور القديمة للشقاء المطلق في الرأسمالية الحديثة انطلق من فلسفة سكوفورودا والتصوف اللبوذي البرهماني والطاوي والاسلامي, ثم انتقل للادب العربي من الجاهلية الى المتنبي الى مظفر النواب ثم الادب الروسي وخاصة عند دوستوفسكي ثم الادب الانجليزي وتحديداً شكسبير ثم السريالية والدادية في الادب الفرنسي ثم لمسرح اللامعقول عند الايرلندي صموئيل بيكيت
التصوف ـــــــ
حاولوا تحقيق الكلية بواسطة الانسحاب من العالم الخارجي الى داخلهم
, ووضح كيف ان التصوف كان احد اشكال الشقاء وعدم تمكنهم من الاتحاد بالمجتمع والطبيعة الذي ادى الى انعدام الكلية مهيلوا انهم حققوها فقد كان لادبهم طابع فاجعي بل منهم من وصل الى حالة المرض النفسي الشاذ! كيف ذلك؟ يستدل حسين بوصف احدهم لحظة اتحاده بالذات الالهية بقوله انه قفز في اللهب ووصف دوستويفسكي لحالة صرعه بقوله قلبه وعقله طفحا بضوء استثنائي فهذه حاله تشبه حتراق الدماغ في محاولة للسيطرة على التناقضات النفسية الجسدية فنجنسكي اصيب بالجنون ودوستويفسكي اصيب بنوبات صرع وكثير من المتصوفين كانوا يرقصون في الشوارع حفاة وبملابس ممزقة فخيالهم احتجاج على العالم الواقعي الذي يجبر الفرد على الموت وحيداً داخل نفسه بدل العيش مع البشرية ومع ذلك يبقى لهم اعمال ادبية رائعة
ولكن ثمة ادباء كان تحقيق الكلية بواسطة الانسحاب من العالم الخارجي الى داخلهم فالمعاناة هي نصيبهم فلا الحياة تسمح للفرد بعيشهاو ولا الفرد يريد التنازل عن اي جزء منها ففي الداخل العذاب وفي الخارج التفسير كما يقول يوجيف اتيلا
الادب الجاهلي ــــــــــــ وخاصة عند عنتره والصعاليك ثم للمتنبي ومظفر النواب حديثاً فهذه الاسماء تعتبر نموذج واحد في ديالكتيك تاريخي متحرك ومتصاعد وقد ركز الكاتب على التضخم النفسي وحب التملك والجنس وحب الانتصار على الذات وصراع النفس الحقيقية مع النفس القناعية وبيع الذات الحقيقية لتحقيق القناعية ولكن كلما فشلت القناعية تأكدت لديه الذات الحقيقية كما مع المتنبي
قال عن مظفر النواب انه شخصية شمولية يجمع بين الله كما يفهمه الصوفيين وبين الذاتيه كما يفهمها المتنبي ولكن بشكل اشد وبين الشيوعية كما يفهمها ناظم حكمت ولكن مع اختلافات وبين الوحدة واللاوحدة وهذه مرحلة عالية من التاقضات النفسية تتطلب للتعبير عنها الرجوع للشكل الملحمي الاكثر عمقاً وتوتراً من المعلقات
شخصيات دوستويفسكس ـــــــــــــ
هي ليست الا شخصية واحدة وهو ينهار داخل نفسه فدوستويفسكي نفسه ليس بشرا بل مستشفى من الامراض النفسية ومكتبة من الفلاسفة وسرباً من المتدينيين وقطيعاً من المجرمين وحفنة من الاجتماعيين ولكن متحدين في شخص واخد ورواياته ليست الا استعراضاً لتمزقات مجتمع باكمله حين تصبح تمزقات فرد واحد
"اننا لا نعرف بماذا يجب أن نرتبط , وما الذي يجب أن نجاريه ما الذي يجب ان نحبه , وما الذي يجب أن نحتقره! حتى أننا نجد أنه من المؤلم أن نكون بشرا -بشرا حقيقيين من لحم ودم-وبأجسامنا الخاصة بنا اننا نخجل منها ,نحن تواقون الى تحويل أنفسنا الى شيء افتراضي هو :الانسان العادي. "
"أكثر الأكاذيب شيوعاً هي تلك التي يخدع بها المرء نفسه، فخداع الآخرين نادر مقارنة بخداع الذات!"
قد يكون حسين البرغوثي قد انطلق من هنا في تحليل "الأنا الواقعية" و "الأنا المثالية". هنالك صراع داخلي لا يتوقف في الذات للبحث عن السبب والوجود ونهايته. هنالك تداخل مع صراع يومي يخوضه المرء مع الآخر. هل ينبغي أن أكون كما أريد، كما أرغب، كما اشتهي أم أصبح كما يريد الآخر؟؟؟ كما رددها درويش سيرددها الجميع: "حُريتي : أن أكونَ كما لا يريدون لي أن أكونَ . وحُريتي : أنْ أوسِّع زنزانتي"! ولكن هذه الكلمات تضع الفرد في متاهته أو المتاهة ذاتها التي غرق فيها "سيمون بوليفار" على مستوى الجبهة الداخلية –داخل الذات- والخارجية في صراعه مع الآخر. وهنا تظهر الأكاذيب الذاتية كما يقر بها "نيتشه". فيصبح المرء حبيس زنزانته الواسعة التي برفدها بأكاذيب الذات. استعرض "المجنون" حسين شواهد تاريخية من الأدب العربي وغير العربي. منها الواقعي القديم "مثل المتنبي والمعري" و"هاملت" والحديث نسبياً مثل الشخوص من نسج خيال ديستوفسكي والواقعي الحديث مثل شخصية مظفر النواب. لكل شخصية طريقتها في تلك الدوامة التي تدعى الوجود وأسبابه. كان عرض البرغوثي جميل ورائع ومستشهدا بالاقتباسات والنصوص القيمة من الأدب لعرض ذلك التناقض الذي يعيشه الإنسان بين ما يريده هو وما يريده الآخرون. والصدمة هي أن لا تحدد ما نريد. وهنا نصل لما صورها بصورة رائعة "ألبير كامو" في "اسطورة سيزيف": "اللاجدوى"! وهذا ما يقود للإنتحار أو سقوط الجدار السابع: الإغتراب أو الجنون! كلماتي ضعيفة أمام ما سوف تفهمه لو قرأت الكتاب! نصوصه رائعة سواء ما اقتبس منه أو ما كتبه المجنون حسين! يستحق الجمالي المجنون في ما يكتبه حسين البرغوثي التأمل!
الكتاب يعرض الانسان في صراعه مع الحياة ..في بحثه عن قيمة عظمى أو ما يطلق عليه " السبب الرئيسي " الذي يحقق للانسان استقراره وتوازنه وهذه القيمة أو مايعرف بالسبب يتجلى في صورة إله أو فكرة وسقوط السبب الرئيسي يؤدي إلى انهيار فهم الحياة وفقدان الهوية واحساس الفرد بالفراغ الداخلي واللاجدوى تزداد في هذه الحالة حدة الانسحاب من العالم الخارجي إلى العالم الداخلي " الشرنقة " حيث يقف العالم الخارجي أمام الفرد كعالم غريب لا تربطه به أي رابطة عاطفية أو هدفية . وهنا يلجأ الفرد عندما لا يستطيع مواجهة الواقع إلى عدد من الوسائل الدفاعية التي تخلصه من القلق بطريقة غير حقيقية منها انكار الواقع والكبت والعقلنة والازاحة غير أن الاسراف في استعمال الوسائل الدفاعية قد يحول الشخص إلى مريض نفسي شاذ .