نبذة المؤلف: ربما كان المدخل الصحيح لتقييم عمل المستشرقون ودورهم في مجال تراثنا. هو الإجابة على هذه الأسئلة: كم كان حجم تراثنا؟ بمعنى: كم كان يقدر عدد الكتب التي تصلنا، لو لم يقدر له أن يلقى ما لقي، من تحريق وتغريق، وسطو وابتزاز، وإهمال وتهاون؟، ثم كم بقي لنا بعد ذلك كله؟، ثم كم منه في ايدينا الآن؟، وكم في ايدي المستشرقين؟، وماذا صنعنا بما في ايدينا؟، وماذا صنع المستشرقون بما في ايديهم؟، وكم حقق ونشر منه؟، وكم حققنا؟، وكم حقق المستشرقون؟، أعتقد أن الإجابة الدقيقة المحددة عن هذه الأسئلة هي التي تعطي الصورة الصادقة. والحكم الصائب على عمل المستشرقين، ما دمنا بصدد تقييمه ووضعه في مكانه، وإعطائه قدره. إن ما ضاع من تراثنا لا يمكن بحال أن يخضع لتقدير، فمن يستطيع أن يقدر عدد المجلدات التي صنعت الجسر، بل السد الذي عبرت عليه خيول هولاكو وجنوده بين شاطئي دجلة، ومن الذي يستطيع أن يحصي ما حرقه الصليبيون في حملاتهم التي جاءت في موجات متتالية مثل موجات التتار، وأشد فتكا، وبحسبنا أن نذكر أن "بعض المؤرخين قدر ما أتلفه الصليبيون في (طرابلس) وحدها بثلاثة ملايين مجلد"، ويحدثنا التاريخ "أن أحد الأطباء رفض دعوة سلطان بخارى للإقامة في بلاطه، لأنه يحتاج إلى أربعمائة بعير لنقل مكتبته". فإذا كانت الكتب في مدينة واحدة (طرابلس) نحو ثلاثة ملايين، والكتب التي في مكتبة خاصة لواحد من الأطباء تبلغ حمل أربعمائة بعير، فكم يبلغ ما كان في المدن الإسلامية كلها؟ وما كان في المكتبات الخاصة كلها؟ فإذا كان هو حجم التراث، وكان الباقي منه نحو ثلاثة ملايين مخطوطة فقط، فإذا عرفنا ما بقي بأيدينا، وما بقي بأيدي المستشرقين، وما نشرناه، وما نشره المستشرقون، وماذا نشروه من التراث؟ ولماذا نشروه؟ وكيف نشروه؟، إذا عرفنا ذلك، نستطيع أن نفصل في القضية، وأن نقدر للقوم عملهم حق قدره، لا ننقصهم، ولا نبخسهم، ولا نزيدهم، ولا نمجدهم، بدعوى (الاعتدال) و(الإنصاف) أو تغطية لشعور العجز والهوان، وسنحاول في الصفحات القادمة أن نقدم نموذجاً لهذه الدراسة، علها تكون خطوة على الطريق، نحو الحكم (المنهجي) (العلمي) (الموضوعي) على عمل المستشرقين، ودورهم في التراث.
(1348- 1431 هـ/ 1929- 2010م) وُلد العالم الجليل الدكتور عبد العظيم محمود الديب في قرية كفر إبري التابعة لمركز زفتى محافظة الغربية بمصر في عام 1929م
وحفظ القرآن الكريم منذ صغره في كتّاب القرية وهو دون العاشرة، التحق بالمدرسة الإلزامية لمدة 5 سنوات تمهيدًا للالتحاق بالأزهر؛ حيث كان لزامًا على من يدخلون الأزهر أن يكونوا من حفظة القرآن، ثم أتمَّ تعليمه في المعهد الديني الثانوي بمدينة طنطا في محافظة الغربية، أنهى دراسته الثانوية بمعهد طنطا الديني بعد 9 سنوات دراسية وهو في سن الثامنة عشرة، التحق بكليتي أصول الدين بجامعة الأزهر ودار العلوم في وقت واحد، وفي السنة النهائية علمت إدارة كلية دار العلوم أنه يدرس في كليتين في آنٍ واحد فخيرته بين إحداهما، فاختار استكمال الدراسة في كلية دار العلوم وتخرَّج فيها عام 1956م. التحق بكلية التربية لمدة عام، وحصل منها على الليسانس حتى يكون مؤهلاً للعمل بالتدريس، حصل على الماجستير عام 1970م في تحقيق كتاب "البرهان" لإمام الحرمين الجويني، ثم حصل على الدكتوراه عام 1975 عن "الإمام الجويني: علمه ومكانته وأثره ومنزلته"، وغادر مصر متوجهًا إلى قطر عام 1976م؛ حيث أصبح أستاذًا ورئيس قسم الفقه والأصول بكلية الشريعة جامعة قطر سابقًا، ومدير مركز بحوث السيرة والسنة فيها بالنيابة. كان يمقت الخلاف، ويكره العنف، ويكف يده ولسانه، لا يجهل على جاهل، أو يرد على متطاول، قضى ما يقرب من عشرين عامًا في التنقيب في حروف كتاب واحد كبير لإمام الحرمين الجويني- هو نهاية المطلب في فقه الشافعية- وهو أحد الكتب التي قام على خدمتها.
، كما شارك علماء الأمة وقادة الحركات الإسلامية في إصدار بيان في الإثنين 2 جمادى الآخرة 1422 هـ، الموافق 21 أغسطس 2001م، تحت شعار: "أقصانا لا هيكلهم" للتضامن والمناصرة مع أهل فلسطين، وفي 26 رجب 1428 هـ، الموافق 9 أغسطس 2007م، أصدر مع لفيف كبير من علماء الأمة نداء لفك الحصار الخانق عن شعب غزة وعن العالقين في رفح. تربى عبد العظيم الديب على العلامة المحقق شيخ العروبة فريد العصر إمام العربية أبي فهر محمود محمد شاكر تعالى، كما تتلمذ أيضًا على يد العلامة المحقق عبد السلام هارون، والعلامة الفقيه مصطفى أبو زيد، والعلامة الأصولي عبد الغني عبد الخالق رحمهم الله تعالى. إن العلامة الدكتور عبد العظيم الديب من تلك المدرسة التي أنشأها آل شاكر رحمهم الله تعالى، وأهم ما يميز تلك المدرسة أن كل من تخرج فيها علماء مشايخ أفراد بين أقرانهم. فإذا كان العلامة المحدث الفقيه الأصولي اللغوي محدث الديار المصرية باعث النهضة الحديثية شمس الأئمة أبو الأشبال أحمد بن محمد شاكر أشهر هذه المدرسة ومنشئها، فإن
إن ما ضاع من تراثنا لا يمكن بحال أن يخضع لتقدير، فمن يستطيع أن يقدر عدد المجلدات التي صنعت الجسر، بل السدّ الذي عبرت عليه خيول هولاكو وجنوده بين شاطِئَي دجلة، ومن الذي يستطيع أن يحصي ما حرقه الصليبيون في حملاتهم التي جاءت في موجات متتالية مثل موجات التتار، وأشد فتكا، وظلت نحو مائتي سنة تتشبث بمواطئ أقدامها، وبالإمارات التي اتخذتها رءوسَ جسورٍ لاجتياح بلاد الإسلام جملة، وكانت الكتب والمكتبات طوال هذه المعارك هدفاً مقصوداً للصليبيين حيناً، ووقوداً للنيران الطائشة حيناً آخر. وإن ما أصاب القدس، وطرابلس، وعسقلان، وغزة، والمعرة، وغيرها من المدن تدميرا وإهلاكا وإحراقا، كيف يبقي على مكتباتها؟ وبحسبنا أن نذكر أن «بعض المؤرخين قدر ما أتلفه الصليبيون في (طرابلس) وحدها بثلاثة ملايين مجلد» د. عبد العظيم محمود الديب -رحمه الله-.
قراءتي الأولى للمفكر الإسلامي عبدالعظيم الديب يتحدث في كتابه هذا عن المستشرقين وعلاقتهم بتراثنا ، و ينقسم هذا الكتاب الصغير لخمس فصول :ـ
*مدخل إلى القضية *اتجاهات النشر عند المستشرقين *الإتجاه الفكري للمستشرقين *هذه آثارهم *خيانة المنهج
يدعم بحثه الرصين هذا بلغة الأرقام والحجج الدامغة ، فيتضح كيف يعرف المستشرقون سلوكنا وفكرنا وعقيدتنا ليعرفوا عدوهم وسلوكه ونفسه وحقائق فكره ومناحي آرائه ومكامن عقيدته وخفايا قلبه ، ويتضح كل هذا من تركيزهم على علوم معينة من تراثنا ! ويستدل بمستشرقين من تاريخ الإستعمار وكيف تكون حرب الكلمة والفكر أوجع وأوقع وأخطر حين تأتي أخف وأرق وألطف ومتباعدة الضربات مغلفة بالحقائق والصدق ، أظن أن هذا الكتاب مهم لكل من يقرأ كتب المستشرقين خصوصاً المختصة في التاريخ والتصوف ، لتتضح كمية التزوير لبعض ما يقتبسونه من كبار مؤرخينا واعتماد مبدأ ذكر عشرة محاسن لا أهمية كبيرة لها مقابل عيب واحد فيقف القارئ خاشعاً أمام سعة قلوبهم وسمحاتهم ويسبغ ذلك العيب الواحد الذي يكفي لطمس جميع المحاسن فيصعب على الرجل المتوسط في عقليته أن يخرج من هذه الكتب أو ينتهي في قراءتها دون الخضوع لها ! كما أن هذه الكتب احتلت الصدارة في إعادة الطباعة والترجمة في تراثنا بالإضافة للإستشهاد بها في الجامعات وغيرها مما يشكل خطراً عظيماً وجريمة في حق تراثنا ، أنصح بقراءته .
لو قال "المتعصبون والتراث" لصدق.. لكن تعميم الكلام عن المستشرقين هكذا بإطلاق ليس منهجا علميا.. ففي المستشرقين كثيرون ليسوا على ذات النهج المذكور في الكتاب وما كان ينبغي أن يكون التعميم بهذا المستوى.
لكن الكتاب - من وجهة اخرى- يطرح بعض الأمور المهمة التي يستحق أن يقرأها المسلم ليدري كيف يُكتب تاريخه على أيدي أعدائه، سواء كانوا من المستشرقين أم من تابعيهم من العرب والمسلمين