يعد محمـد سبيـلا أحد أبرز المفكرين والفلاسفة المغاربة. تابع دراسته العليا بكل من كلية الآداب والعلوم الانسانية بالرباط والسوربون بباريس. حصل على الإجازة في الفلسفة سنة 1967 وعلى دبلوم الدراسات العليا سنة 1974. وفي سنة 1992، أحرز على دكتوراه الدولة من كلية الآداب بالرباط.
له دراسات فلسفية بعدة صحف ومجلات: "الاتحاد الاشتراكي" ، أقلام، آفاق الوحدة، الفكر العربي المعاصر، المستقبل العربي، المناظرة كما أنه ساهم في تحرير مجلة "المشروع".
التحق محمد سبيلا باتحاد كتاب المغرب سنة 1967.
يتوزع إنتاجه بين البحث الفلسفي والترجمة. (اقتباس من موقعه الشخصي)
ربما يجدها المتبحر بعالم الفكر وجبة خفيفة .. ولكن بالنسبة لي و محبين المعرفة و الفضولين الجدد رائعة جداً.. الشكر الجزيل للعاملين عليها و للأخ نواف على رفعها كاملة على الشبكة
الجزء الثاني من (دفاتر فلسفية)، وكما يناقش الكتاب العلاقة بين الطبيعة بنوعيها داخلية – إنسانية – وخارجية – كونية – بالثقافة – بشمول معناها أيضاً -، الكتاب قسم إلى خمسة أقسام، تناول القسم الأول التعريفات، كمعنى الطبيعة، ومعاني الثقافة، أما القسم الثاني فكان عن الفارق بينهما، والثالث عن ترويض الثقافة للطبيعة، والرابع عن الثقافة عندما تكون ضد الطبيعة، وأخيراً هل العدوانية طبيعية أم ثقافية.
الاقتباسات: 6 / دور الثقافة هنا هو تهيئة الآليات الاجتماعية والنفسية لترويض الكائن البشري أو الطبيعة البشرية لتستجيب لمتطلبات الثقافة / المقدمة. 6 / لكن الثقافة كثيراً ما تصطدم بالطبيعة – وبخاصة الطبيعة البشرية – وتصادمها حيث تصبح حكماً تعسفياً في طاقة الحياة (فرويد) وحرماناً للإنسان من المتعة واللذة باسم قيم عليا (نيتشه)، أو تسخيراً للجسم والجنس خدمة لأهداف الحضارة (ماركوز) / المقدمة. 14 / كل فعل إنساني هو بنفس الوقت فعل بيولوجي كلية وفعل ثقافي كلية / موان. 62 / إن السعادة وكذا الحرية ليستا من مهام الحضارة، فهما لا يتلاءمان معها، والتقدم الحضاري يرتكز على القمع والحد من الرغبات الحسية وكبتها، والتقدم الحضاري لا يمكن تصوره بدون التحويل القمعي للدوافع / ماركوز.
هذه النصوص تغوص في صميم الإشكالية التقليدية التي شغلت الفكر البشري عبر العصور، وهي العلاقة الجدلية بين الطبيعة والثقافة، بين ما هو فطريٌّ وغريزيٌّ وما هو مكتسبٌ ومُنمَّطٌ عبر المجتمع. يُعيد المؤلف إحياء هذا النقاش من خلال منظور نقدي، حيث يرى أن الثقافة، في سعيها لترويض الطبيعة — سواءً في محيط الإنسان أو داخله — كثيرًا ما تتحول إلى قيدٍ يعيق طاقة الحياة ويحرم الفرد من حريته تحت شعارات قيمٍ عليا مجردة.
يتميز الطرح بتوسيعه لهذه الإشكالية الكلاسيكية، فيخرج بها من الإطار الأنثروبولوجي الضيق ليربطها بتجليات أكثر حداثةً وتعقيدًا. فبدلًا من الاقتصار على ثنائية "الطبيعة مقابل الثقافة"، يفتح الباب أمام تساؤلات حول مدى مشروعية سيطرة الثقافة على الجوانب الغريزية للإنسان، وكيفية تحقيق توازنٍ بين متطلبات المجتمع وحق الفرد في المتعة واللذة.
يستند الكتاب إلى نصوصٍ مختارة بعناية، تعكس تنوعًا في الرؤى وتُغني الحوار حول هذه الثنائية. لكن ما يلفت الانتباه هو نبرة المؤلف النقدية التي تتجنب الانحياز المسبق لأي طرف، بل تُظهر التناقضات الكامنة في كلٍّ من الموقفين: فإذا كانت الثقافة قد تتحول إلى قمعٍ، فإن الاستسلام للطبيعة الغريزية قد يؤدي بدوره إلى فوضى.
يطرح الكتاب أسئلةً مزعجةً دون أن يُقدم إجاباتٍ جاهزة، مما يدفع القارئ إلى المشاركة في عملية التفكيك وإعادة البناء. اللغة واضحةٌ لكنها عميقة، تخلو من التعقيدات الأكاديمية المفرطة، مما يجعل الفكرة في متناول القارئ غير المتخصص دون التضحية بالعمق الفكري.
في النهاية، يُقدّم هذا العمل مراجعةً مُحكمةً لإشكالية قديمة متجددة، لكنه يفعل ذلك بطريقةٍ تجعلها حيةً وملحةً، كاشفًا عن التوتر الأزلي بين ما نُولد به وما نُجبر على تعلمه، بين رغباتنا الفطرية وقوانين المجتمع التي تُشكلنا. كتابٌ يُثير التفكير ولا يخاف من مواجهة الأسئلة المحرجة.