يروي قصة اعتقال (العطار) تسعة أشهر عام 1936 قضاها في سجن الفرن في مكة المكرمة ثم في سجن المصمك في الرياض بسبب وشاية. وحين ثبتت براءة (العطار) من التهمة المنسوبة إليه، وهي الكتابة ضد المملكة في الصحف المصرية – آنذاك – أمر الملك عبدالعزيز آل سعود بإطلاق سراحه وتقديره.
مذكرات بلغة أدبية رفيعة وجذابة كتبها أحمد عبدالغفور عطار، في سجنه سنة ١٣٥٦هـ/١٩٣٦م والسنة التي تليها، فقد سجن مرتين، الأولى في سجن الفرن بمكة، ثم تجدد اعتقاله ونقل إلى الرياض ليسجن في المصمك حيث كان سجناً وقتها، كما ذكر هو فإن سبب اعتقاله وشاية عدد من زملاء البعثة في مصر، واتهامه بكتابة مقالات ضد السعودية في الصحف المصرية باسم مستعار، وهي التهمة التي يرفضها ، لكن فصل من البعثة ثم أعيد لمكة، وتم اعتقاله بعدها لمرتين. تم اعتقاله للمرة الأولى من بيته في المسفلة، فتشوا منزله بحجة أنهم يشتبهون في شربه للخمر، ثم فتشوا مكتبته تفتيشاً دقيقاً، ثم جمعوا كافة الأوراق المكتوبة بخط يده، ورغم استنكاره عن بحثهم بين الأوراق عن تهمة شرب الخمر، لكنهم لم يبالوا بما قاله واكملوا المهمة ثم اعتقلوه، حققوا معه وتوعده مدير الأمن العام حينها بالتعذيب لإجباره على الاعتراف، فتوسط له الشيخ محمد سرور الصبان، وبالتالي لم يتعرض لسوء أو تعذيب خلال فترة سجنه، وكان يُسْمح لإخوته وأصدقائه بزيارته يوميا كما فهمت خلال السجن، كما أن طعامه وشرابه مسئولية عائلته وليس إدارة السجن، فهم يحضرون له الطعام والكتب لقرائتها، تحدث وقتها عن التوقيت الغروبي المستعمل والذي أراه في ساعات مخصصة في الحرم المكي، ويستعمله جدي حفظه الله حتى اليوم، والذي انتهى التعامل معه بعد في عهد الملك فيصل، وتم التحول للتوقيت الزوالي الذي نعرفه الآن، حسب المعلومات التي قرأتها. في سجن المنطقة أصيب عطار بالملاريا، ثم نقل لمستشفى أجياد، المستشفى الوحيد في مكة حينها، -ومازال قائماً حتى اليوم مقابل باب الملك عبدالعزيز تحت فندق الصفوة في أجياد-. وصف إفطاره الذي كان يصله من أهله في سجن مكة بأنه هريسة، وهو طعام لا أعرفه، فقد وصفها بأنها قمح مطبوخ باللحم، ومحلى بالسكر، وقد يكون إفطاره الفول أو المطبق بنوعيه، ثم تحسنت صحته فنقل إلى سجن الفرن، والذي كان تنوراً للخبز أيام العثمانيين، ثم أصبح سجناً في العهد السعودي، وفي السجن أيضا كانت مائدته تصله من البيت، وهذه معلومة غريبة، بالإضافة لأن عطار طيلة المذكرات مهتم بتفاصيل الطعام في سجنه، فيبدو أنه كان رجلاً ذو ذائقة رفيعة في الطعام، ثم انتقل للسجن الانفرداي، ومنعت عنه الكتب، لمدة ثمانية أيام، وكذلك منعت عنه الزيارة، وقد ذكر معلومة ظريفة، حول أن السجن يمتليء عادة بسجناء المضاربات، وإذا كان المتضاربون من أحياء مختلفة فيكثر الزوار والهدايا من باب التنافس في إظهار دعم سجناء الحي! في إحدى قصص السجن تحدث عن سجين يجيد الغناء، وذكر معلومة لافتة بأن الفونوغراف (الجرامافون) محرم وممنوع، والاسطوانات تباع سراً، والهيئة تعاقب من تجد لديه الصندوق أو الاسطوانات! هذا كان في عام ١٣٥٦هـ ١٩٣٦م فلنا أن نتخيل! تم الافراج عنه وفيما بعد تم اعتقاله لأنه حليق اللحية، وقد صدر قرار من المشائخ حينها، وبتنفيذ الهيئة بالقبض على حليقي اللحى أو تغريمهم! فياللهول! تم نقله للرياض بالسيارات، استغرق الطريق خمسة أيام تقريبا من مكة للرياض، يقفون فيها لطبخ الغداء والعشاء وذبح الذبائح كذلك! في طريق وصفه بأن قطعان الأرانب والغزلان تتقافز فيه وكذلك الثعالب ! في الدوادمي وجد موظف اللاسلكي الذي عرف عطار فقد كان مثقفاً، وطاه ماهر كما وصفه، ثم عرفه على شاب لديه مكتبة صغيرة تحوي مؤلفات العقاد والمازني وطه حسين وآخرين، علق عطار على اهتمامه الثقافي بتعليق لم أجده لائقاً! كانت الرياض محاطة بسور يقفل ليلاً بعد صلاة العشاء، وهكذا يبقى مقفلاً حتى الصباح، من يتخيل أن الرياض التي نعرفها بالخمس ملايين نسمة اليوم، كانت محاطة بسور ويقفل عليها ليلاً؟ وصف بيوت الرياض حين دخلها لأول مرة، فهي من اللَّبن، ويرتدي جميع أهلها الشماغ الأحمر والعقال، وكذلك البشت (المشلح)، وهذا قد لاحظته من معظم الصور القديمة للرياض، حيث يرتدي الجميع البشت أو الجاكيت فوق ثيابهم صيفاً أو شتاءً، لا أعرف متى وكيف تغيّر الزي وتخفف! وكانت أول ملاحظة له هي رداءة الخبز الذي قدم له، ثم دخل المصمك سجيناً، وذكر أن فيصل الدويش وبن بجاد قد سجنوا في المصمك قبله، وقد كان السجن الوحيد في الرياض حينها، وقد وصف بدائية وبساطة العيش آنذاك، منها غياب المراحيض في بيوت الرياض مثلاً! وسوء الطعام وعدم نضج اللحم، والذي كان من لحم الإبل! أما هو فلم يكن ليأكل معهم، إنما يأتيه فول مدمس ذكر أن الرياض عرفته لأول مرة من الحجازيين في حلة العبيد، ويطبخ غدائه بنفسه، يشاركه فيه جندي شره وينغص عليه! أما الطب حينها فالرياض لم يكن بها مستشفى حتى ذلك العام ١٣٥٦هـ ! وينتقل للحديث عن التدخين، فقد كان الدخان محرماً في الرياض، ولم يكتفى يتحريمه، إنما يجلد من يضبط عليه ويستعمله، لكن عطار كان يشتريه من محل يبيعه سراً بواسطة الجنود! تغيّر الموقف الاجتماعي والرسمي من التدخين يستحق دراسات حقيقة، مع مقارنة الفوارق المناطقية في ذلك! واشترى له مرة جندي مجموعة كتب مستعملة من بينها رواية "تاييس" لأناتول فرانس، والتي يقول إن فيها كفراً، وألف ليلة وليلة، ربما تنوع العناوين كان بسبب غلبة الجهل وإلا لمنعت هي أيضاً! وصف العيد في الرياض كذلك فالأطفال يخرجون للشوارع والأسواق ويغنون بابتهاج، ويطلق مدفع إحدى وعشرين طلقة لتعلن قدوم العيد، ويسهر الناس للفجر في الأسواق ثم يصلون العيد ويجتمعون بعدها. اطلق سراح عطار وأعيد إلى مكة بعد ما يقارب السبعة أشهر قضاها بين جدران المصمك. فكرت في مقارنتها مع مذكرات لرواد سعوديين لكن تجنبت ذلك، لأنها أول قراءة لمذكرات محلية عن السجن، فاختلاف موضوعها سبب هام، مع ذلك تبقى شهادة مهمة على التاريخ السياسي، والاقتصادي، والاجتماعي في تلك الفترة، لدقة وصفه واستحضاره للكثير من التفاصيل، وصراحته كذلك.
بـ أسلوب أدبي جميل يحكي الأستاذ أحمد عبدالغفور عطّار حكايته بين مكة مسجوناً و الرياض منفياً . سُجن الكاتب عام ١٣٥٦ هـ ( ١٩٣٦ م ) بسبب وشاية من حاقدين ، الكاتب كان طالب مبتعث في مصر فـ أُتهم بأنهُ يكتب مقالات سيئة في حق المملكة بـ أسماء مستعارة في الصحافة المصرية ( في ذلك الوقت كانت العلاقات بين المملكة و مصر متوترة ، و الصحف المصرية كثيراً ما تتجنى على المملكة العربية السعودية ) .
هذه الوشاية كانت سبب سجنه ، و كما يذكر الكاتب بين دفتي الكتاب . أن الملك عبدالعزيز يرحمه الله كان شديد جداً في هذه المسائل .
الجميل في هذا الكتاب أنهُ يصور لك الحياة العامة في الحجاز و نجد في الثلاثينيات الميلادية ، أي في بداية عمر الدولة السعودية الثالثة ، التي أجهل معظم تلك الحقبة لقلة المصادر عنها .
مقتطفات و ملاحظات من الكتاب :
١- سجن الأستاذ أحمد في مكة ٥٠ يوماً ، و في منفاه بالرياض ٧ أشهر و عشرة أيام .
٢- سجن الأستاذ و هو في عمر ٢١ تقريباً و مع أن سنه صغير نسبياً لكن لاحظت أن للأستاذ معارف كثيرة جداً مع علية القوم في الحجاز مثل الشيخ محمد الطويل الذي كان الوزير الأول للأشراف بالحجاز قبل أن تميل الكفة لأبن سعود ، ايضا محمد سرور الصبان المعروف لدى أهل الحجاز ، و معرفته بـ الشيخ عبدالله بن سليمان وزير المالية في وقتها و غيرهم الكثير .
٣- " أن أخطر المجرمين لا تجدهم وراء القبضان ، بل هم طلقاء لهم الحرية في عمل المنكر دون أن تتناولهم يد العدالة التي تمجّدهم " . ص: ٨٢
٤- كانت تباع أسطوانات الأغاني سراً في الحجاز ، بل أن الفونوغراف و هو مشغل للأسطوانات كان محرماً من قِبَل الحكومة ، و المشائخ النجديون يشددون في تحريمه . كما يذكر ذلك الكاتب في ص :٨٩
٥- يذكر الكاتب أن قد صدر أمر من المشائخ بالقبض على كل من يحلق ذقنه لمعاقبته إما بالسجن ٣ أيام ، أو دفع سبعة ريالات و نصف . ص: ١٠٥
٦- جدير بالذكر أن الكاتب أخبر بأن للريال في ذلك الوقت قوة شرائية عظمى بحيث يكفي للإنفاق على أسرة مكونة من خمسة إلى ستة . ذلك يعني أن عقوبة حلق اللحية باهظة جداً .
٧ - "كان الدخان محرماً في الرياض و يٌجلد من يُضبط لديه و يستعمله" ص: ١٥٩
٨ - " و في ليلة عيد الأضحى ، و كذلك ليلة عيد الفطر يخرج الأطفال إلى الشوارع و الأسواق يصخبون و يغنون ابتهاجاً بالعيد السعيد و يشاركهم الرجال، و يجرُّون من قصر الملك وسط البلد مدفعاً يخرجون به خارج الرياض فإذا ابتعدوا عنها أطلقوا إحدى وعشرين طلقة إيذاناً بانتهاء شهر الصوم المبارك و تهيأوا لاستقبال العيد" . وصف حالة ليلة العيد في الرياض عام ١٣٥٦ هـ .
٩- عندما وصف الكاتب مبيته خارج سور الرياض و الدخول لها صباحاً ، ارتسمت ابتسامة واسعة على وجهي ، حيث أن الرياض الآن لا سور يكفي لأطرافها المترامية .
١٠- يذكر الكاتب وقت السفر من مكة لرياض حيث تقطع المسافة بينهما في ٤ أو ٥ أيام بالسيارة في ذلك الوقت عام ١٩٣٦ م ، مع عناء و وعورة الطريق ، فحمداً لله على الـ ٩ الساعات حالياً :) .
11- ذكر الكاتب في بداية الكتاب أنه يعتمد التوقيت الغروبي لا الزوالي ،حيث وضح أن ساعته ما زالت خاضعة للغروب لا الزوال ، و أن التوقيت الغروبي أنما هو بدعة طارئة ، و الفرق بين التوقيت الزوالي و التوقيت الغروبي او ما يسمى بالعربي ، أن التوقيت الغروبي ينتهي النهار عند غروب الشمس ، أي أن صلاة المغرب تكون الساعه ١٢ صباحاً و العشاء الساعة ١:٣٠ ليلاً و الفجر حدود الساعة ٩ ونصف ليلاً و هكذا ، أما التوقيت الزوالي فهو التوقيت المعمول به حالياً حيث يبدأ النهار بعد منتصف الليل . سبب هذا التوضيح من الكاتب لأنه كتب ذكرياته عام ١٩٣٦ م و لكن تم نشرها عام ١٩٨١ م ففي وقت كتابة مذكراته كانت المملكة تتعامل مع التوقيت الغروبي إلى عهد الملك فيصل الذي حول التوقيت المعمول به إلى التوقيت الزوالي .
كتب المؤلف الأديب أحمد عبد الغفور عطار في أواخر عام 1356 هجرية هذه السيرة التي رصدت وقائع سجنه في سجن الفرن بمكة المكرمة، ووقائع نفيه إلى سجن المصمك بالرياض، حيث كانت الأولى بأمر الأمير فيصل بن عبد العزيز رحمه الله آنذاك حين كان نائبًا للملك عبد العزيز على الحجاز، وكانت الثانية بأمر الملك المؤسس عبد العزيز رحمه الله، فروى في هذا الكتاب سيرةَ تسعة أشهرٍ بين السجن والمنفى، رصد فيها الشاعرُ الأديب بأسلوب باذخٍ رائقٍ الحياةَ الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لذلك الوقت فيها للمريد البغية والفائدة، تطرق إلى سبب ذلك وهي الوشاية التي أضرت به دراسيًا واجتماعيًا وشخصيًا وكانت سبب سجنه ونفيه، إلى ظهور العفو عنه. وفي حيثيات مذكراته يجد المهتم بالشأن السعودي تاريخيًا كيف كان المجتمع في ذلك الوقت، ومن هم الأعيان وكرام الناس، وكيف كانت معيشتهم ومعاشهم، وعلاقاتهم، بل قد سجّل حتى أصناف الطعام وطرق تحضيره وإعداده، كما يجد القارئ دلائل غير مباشرة يستطيع أن يقارن بها بين الوضع في الحجاز والوضع في نجد في ذلك الوقت. الكتاب رائع وجميل وقد استمتعت به خصوصًا الإضافة التي اكتسبتها عن الحياة الاجتماعية في الحجاز بدايات حكم الملك عبد العزيز رحمه الله. والنسخة التي قرأت الكتاب منها هي الصادرة من دار العلم للملايين في عام 1401 هجرية في 304 من الصفحات من القطع الصغير.
العطار بين السجن و المنفى نتيجة تهمه ملفقه، بالبداية كنت أعتقد أنه نُفي خارج بلاده لكن إتضح بأنه سُجن لمدة تسعة أشهر في مكة ثم نقل إلى الرياض و عبر عنهما بالسجن و المنفى، حتى أُثبتت براءته. يقول العطار بأن أخطر المجرمين لا تجدهم وراء القبضان، بل هم طلقاء لهم الحرية في عمل المنكر دون أن تتناولهم يد العدالة التي تمجّدهم
لا أعرف العطار ولست من عشاق أدب السجون، ولكن أحب السير الذاتية المكتوبة في فترات تاريخية مهمة وأحب الانتقال معها لتلك الحقبة.. دونت هذه السيرة عام 1936م، وفيها الكثير من صور الحجاز ونجد في تلك المرحلة، كما أنها ذات أهمية في فهم تشكل الهوية السعودية التي جمعت أطراف الجزيرة ببعضها في كينونة واحدة..
هذه يوميات للأستاذ أحمد عطّار أيام سجنه عام ١٣٥٨ هـ ( 1939 ). كتب كهذه تُخبر بالكثير، بدون علم مؤلفيها أو قصدهم. أعجبني جدًا الفصل المعنون بـ " حكومة من السجناء "، كذلك حضور الملك فيصل - رحمه الله - ودوره بالأحداث.
هناك كتب مهما بعُدت عن الذاكرة لا يمكن أن يطالها النسيان، خاصة إذا كان الكتاب يحمل بوحًا ذاتيًا، أو إبداعًا أدبيًا، ومن هذه الكتب كتاب «بين السجن والمنفى» للأستاذ «أحمد عبد الغفور عطار» -مؤسس صحيفة عكاظ السعودية-، وقبل الحديث عن الكتاب يجدر بي -أنا المواطن الضعيف- أن أشكر عامل المعرفة «أحمد عدنان»، الذي كان وراء إعادة طبع هذا الكتاب. حقيقة عندما أهداني أخي «أحمد» نسخة، لم أتمالك نفسي إلا وأنا أشرع بالقراءة، رغم أني قرأت الكتاب قبل عشرين سنة، ولكن جمال الطباعة ومكانة الشيخ «أحمد عبد الغفور عطار» في نفسي، جعلتني أُعيد القراءة تارة أخرى..!
بدأت قراءة الكتاب، فوجدت أن الملامح التي يمكن أن تكون مدخلاً لكتابة مقال تزيد على العشرات، لذلك سأستقطع منها ما أستطيع، لأن الكتاب يتحدث عن سجن الأستاذ «العطار» بين مدينتي «مكة والرياض»، وما حصل له في هذا السجن، من المصاعب أو المواقف..يقول «العطار» في الصفحة 168: «كنت أقرأ في السجن كثيرًا، فقد كان وكيل السجن -ويدعى «عبدالعزيز الأحيدب»- شابًا يُحسن القراءة والكتابة، وجمع ديوانًا ضخمًا من الشعر النبطي –وهو الشعر العامي في نجد، الذي يسمونه الشعر النبطي- وطلب إليَّ أن أكتب مقدمته، فأجبته، وهل يسعني غير الإجابة في الموقف الذي أنا فيه..؟»..
ويضيف «العطار»: «تسليت بقراءة الديوان الضخم، وهو مجموعة كبيرة لشعراء نجد اختارها «الأحيدب»، وقرأت كل شعر حواه الديوان، وكتبت له مقدمة كلاسيكية، أي على طريقة القدماء في عصور انحطاط اللغة والأدب، إذ كتبت المقدمة مسجوعة، أعجبت جامع الديوان، ومن قُرئت عليه من زملائه السجانين وغيرهم، وكذلك من قرأها ممن يعرفون القراءة، وكان «الأحيدب» يتعلم على يديَّ بعض العلوم، وطبيعي أن معاملة السجانين لي تحسنت. وكانت بشائر التحسن بزغت بدورها قبيل مجيء «أبا حسين» إلى خدمتي بأسبوع أو أسبوعين، فجاءني «الأحيدب» يتعلم مني بعض العلوم، وكتبت له مقدمة الديوان الذي يضم مجموعة من الشعر النبطي، الذي لا يعجبني لأنه باللغة العامية، ولهذا لا أسمعه ولا أشجعه، ولا أرضى عنه، ولا أقرؤه ولا أستسيغه»..!
ويعلق الشيخ «أحمد عبد الغفور عطار» على هذه القصة؛ في الهوامش والشروحات التي تضمنتها الطبعات اللاحقة للكتاب، قائلاً: «منذ بضع سنوات كنت بالرياض مدعوًا من قبل جامعة الرياض، وأنزلتني بفندق اليمامة، وفوجئت ذات يوم بزيارة الشيخ «الأحيدب»، وأعلمني أنه متقاعد برتبة «زعيم»، وكان يعمل بالأمن العام، وأطلعني على بضعة كتب ألفها وطبعها، ودعاني إلى بيته فلبيت دعوته، وتذكرنا ذلك الماضي البعيد، وإن كنت أجدد الشكر على ما لقيت منه وأنا سجين، وما لقيت منه وأنا طليق. وأشهد -بعد مرور أربع وأربعين سنة على معرفتي «بالأحيدب»- أنه كان إنسانًا فاضلاً، وكلما كبر في السن كبر إنسانيةً وفضلاً
بالرغم من إنها توثيق لمرحلة سجن في الحجاز ومنفى في الرياض إلا إنه يوثق شيئاً من الجانب الإجتماعي والسياسي للملكة العربية السعودية خلال تلك الفترة الكتاب يتميز بسلاسته وبساطته ,, ولكنه بالفعل مربك قليلاً
أبرز ما يميز سيرة السجن هذه، رسمها للحياة السعودية في عهد الملك عبدالعزيز خاصة في مكة المكرمة والرياض، وبالأخص الاعتقال وسجون الاعتقال. كان العطار رحمه الله ذا ذاكرة عجيبة تحفظ الأسماء والأماكن بشكل عجيب، كما أن لديه قدرة على الوصف التفصيلي لحد الملل.
تدور القصة حول اعتقال ونفي الكاتب بتهم ملفّقة بين مكة والرياض . جميل ، لغة الكاتب وسرده ممتعان جدًا . فيه ذكر لعادات و الطبائع الاجتماعية للمجتمع الحجازي ومفارقتها مع المجتمع النجدي ..