«ذكريات العهود الثلاثة: العثماني، الشريفي، السعودي» لمحمد حسين زيدان. ويتناول هذا الكتاب تأملات ورصدا وتأريخا لعهود ثلاث عاشها المؤلف وعاصرها. وتأتي أهمية ما ورد في الكتاب من أهمية المؤلف حيث يعد زيدان أحد أهم الأدباء السعوديين ومن رواد الكتاب الصحفيين في المنطقة بالاضافة الى تمكنه من التأريخ. كما عاصر زيدان دخول المدينة المنورة في حكم الملك عبدالعزيز ووثق ما شاهده في تلك المرحلة وتحدث بإسهاب عن مجتمع المدينة النبوية وعاداته وتقاليده والمجتمع السعودي بشكل عام.
من أبرز الأبواب التي ضمها الكتاب ما يلي: طيبة رحلة في الزمان والمكان، جغرفة الانسان، المسجد النبوي، الأئمة والمؤذنون، العهد العثماني ومن إليه من رجال، رجال في العهد العثماني، السيد احمد أسعد، تركة محمد علي باشا، السيد السلطان محمد رشاد والاتحاديون، التتريك وثورة العرب، بقية العثمانيين وفخري باشا،. فخري باشا وما إليه، حين قال الشريف عبدالله: حتى انت يا حذيفة، الحكم في المدينة، سيف وجمل وحصان، ودخلت طيبة في الكيان الكبير،. الملك عبدالعزيز في المدينة، عن الأمن والحجيج، الختان والسرارة، الطب في المدينة، رحلتي الى الهند، في الخرج اقمت وليمة ملوخية من البرسيم مشاهداتي في امريكا، في لبنان، الرحلة الى تركيا بالاضافة الى ملاحق عن ذكريات محمد زيدان وغيرها من المباحث الهامة والصور الأرشيفية الرائعة.
محمد حسين زيدان من جيل الرواد في الصحافة والأدب والتعليم في السعودية، عاصر فترات تاريخية مفصلية من تأسيس الدولة السعودية، وكذلك ماقبلها فولد في آواخر الحكم العثماني، وعاصر جريمة السفربرلك العثمانية ضد أهل المدينة المنورة، وكيف حاول فخري باشا إحراق المدينة انتقاماً من الثورة العربية، فرحل مع عائلته لينبع، وحكى كيف ضيّق فخري باشا على أهل المدينة المتبقين حتى باع رجل من أهل المدينة -ذكر زيدان اسمه- بيتاً من ثلاث طوابق مقابل كيس رز! ثم بعدها عاصر الحكم الهاشمي أو الشريفي القصير للمدينة بعد الثورة العربية ورحيل الاتراك عن حكم المدينة ١٩١٩م، حيث بدأ الناس بالعودة للمدينة قدر استطاعتهم، بعد رحيل الترك وبمعاونة الشريف حسين أحيانا، وعاد بعضهم ليجد بيته منهوباً حتى الحنفيات، والأرزاق وأدوات المطبخ أي لم يتركوا شيئا، كان في حكم الأشراف والثورة العربية في العاشرة من عمره، وبعد ذلك تحدث عن حصار الملك عبدالعزيز للمدينة، حاصرها فيصل الدويش ثم دخلها محمد بن عبدالعزيز، وتحدث عن ذكرياته حول زيارات الملك عبدالعزيز للمدينة. من النقاط التي لفتت انتباهي اتهامه للعثمانيين بإفساد قبائل الحجاز، بالعطايا والمقررات بفرمان سلطاني، ثم حبسها مما يؤدي لهجومهم على الحجاج، وذلك لضمان ولاء هذه القبائل للعثمانيين، وذكر بالمقابل أن الحجيج الإيرانيين يقطعون الجزيرة العربية من شمالها حتى الحجاز ويمرون بنجد، لا يعترضهم أحد، ولا يدفعون لقبائل لأن العثمانيين لم يقرروا ذلك على قبائل تلك المناطق. في الكتاب الكثير من الاستطرادات، الكثير والكثير من الأسماء، أيضا دقة التقاط للتفاصيل تبدو مملة أحيانا، وإضافات تاريخية ناتجة عن إطلاعه ومعرفته الواسعة، ومايضيفه من آراء وأفكار كذلك لم يكبح نفسه في ذكرها. زيارته للهند وذكرياته فيها، الوظائف التي تقلب فيها، انتقاله لمكة ومعاملة أهل مكة المنفرة له كغريب، ملوخية البرسيم التي طبخها لأصحابه في الخرج، الخطاب المفوه الذي ألقاه في مصر مقابل الملك سعود وعبدالناصر، ثم استفسار عبدالناصر عنه، وتعليقه على الزيدان بقوله "ما كنا نحسب أن عندكم مثل هذا"، المثير للسخرية مقولة عبدالناصر هذه في زمن قديم، ومقارنتها بكثير من التعليقات الجاهلة النمطية المستمرة حتى اليوم تجاه الخليجيين من العرب، في عصر مختلف ومع سهولة الوصول للمعلومة كذلك لكن الأمر كما هو! وقد علق زيدان على هذه النقطة بعد أن سأله صحفي عربي متشكك بعد الخطاب إن كان قد كتبه له أحد، فأجابه ساخراً بأنه أعطاه لدرويش من دروايش السيدة ليكتبه له! في الكتاب حكاوي كثيرة حول أنواع المزروعات في المدينة، نخيل المدينة وثمارها، المدارس ونظام التعليم، المعلمين، حلقات الحرم، أبواب المدينة، وحاراتها وأحواشها، عمارة الحرم، سكان المدينة وتقسيماتهم العرقية والطبقية، قبائل المدينة، والكثير من التفاصيل والعادات كالختان، والرجبية، وليلة المعراج، وغيرها. أزعم أنه كتاب مهم، تحدث مؤلفه بكثير من الصدق عن حياته، إضافة لمذكرات إبراهيم الحسون، وغازي القصيبي، فكتابه من أهم السير الذاتية المحلية. https://youtu.be/4iCNIrJse8c رحلة الكلمة محمد حسين زيدان، وهي ممتدة لحلقات فيها مذكرات الزيدان مع حمد القاضي.
تحدث الكتاب محمد حسين زيدان(١٩٠٩-١٩٩٤) عن حياته في ظل العهود الثلاثة-العثماني والشريفي والسعودي- التي مرت على المدينة وهو بذلك يؤدي شهادة تاريخية يحتاجها الأجيال التي لم تعاصر تلك الأحداث لتعرف تاريخ المنطقة،وتحدث عن حياته ودراسته وأطوار حياته وعن البيئة التي نشأ فيها والتنوع العرقي التي حوته المدينة من عرب واتراك وهنود وتكارنة-افريقيين- وكذلك أسهب في الإشارة إلى الأمن المفقود في ذلك العصر حتى دخول المدينة في العهد السعودي التي نعمت به بالرخاء والأمن ما لم تنعم بمثله منذ قرون والمؤلف يعد نسابة فهو عارف بنسب الكثير من عوائل وقبائل المدينة مما يجعل كتابه مرجعاً جيداً في ذلك..وأحتوى الكتاب على كثير من الصور الفوتوغرافية للمؤلف وفي آخر الكتاب يوجد عدة مقالات تتحدث عن الكاتب جمعتها دار النشر التي طبعت الكتاب مؤخراً!ش
قيمة هذه الذكريات أنها تتحدث عن ثلاثة عهود عاصرها المؤلف: العهد التركي/ العثماني، والعهد الشريفي، ثم العهد السعودي. الكتاب مليء بالأحداث والشواهد التاريخية، كما يتحدث بشكل خاص عن المدينة المنورة في تلك العهود التي عاشها المؤلف، عن الأسر المدينية وكذلك الأماكن والحارات والشخصيات، وعادات أهل المدينة وأمور أخرى غيرها. بالإضافة إلى ذكريات المؤلف عن نفسه بشكل خاص. نشأته ودراسته ثم تدرجه في الوظائف وأخيراً رحلاته. وهي ذات أهمية كبيرة كونه واحداً من جيل الرواد، وممن عاصر قيام الدولة السعودية الثالثة بداية من عهد الملك عبدالعزيز رحمهما الله. والمؤلف صاحب بيان عجيب وآسر، وإن كان يستطرد في كثير من الأحيان فتكثر على القارئ الأحداث وتتداخل الشخصيات، ولكن في المجمل شعرت بمتعة فائقة أثناء القراءة. وتأتي قراءتي لهذا الكتاب كفاتحة لمشروع قرائي يمر على كتب رواد الثقافة والأدب في المملكة العربية السعودية، إلى جانب مشروع قراءة كتب التراث الأدبية الذي بدأته قبل أكثر من عام