( شارع بسادة ) ليس مكان مقفلا بقدر ما هو فضاء قدري ملتبس من الحكايات المتجاورة والمتداخلة لا تتفاعل داخل حدود ملموسة وإنما تسافر عبر الكون والزمن متجاوزة حتميتها الاجتماعية لتحقق انتماءها لمشروع الخلق نفسه وعلى هذا تريد أن يتم استيعابها كجزء من النسيج المعتم الأزلي الذي تتشكل منه النوايا الملغزة لهذا المشروع وترتيباته وخطواته التي يواصلها بإصرار متقن للغاية .
اللغة الغنائية في ( شارع بسادة ) لم تكن لمجرد انتاج جماليات غنية من التشكيل السردي تتجاوز الحكي وإنما لأن المحكي عنه أصلا ممتد بين الواقع والحلم .. الغواية حالة تداخل وامتزاج وحشي بين العادي والأسطوري لا تقاربهما اللغة بوصفهما عالمين منفصلين ينبغي الربط بينهما وإنما كعالم واحد تتشارك داخله الصفات والطبائع ولا يسمح بالاستقرار على هويات مختلفة تتباعد أو تتواصل بصلات محددة .. مخلوقات الغواية بالضرورة ليست مجرد أجساد مشروطة بالقوانين المادية وإنما أوعية بشرية تحوي أرواح بدائية وطقوس وأشباح وأصوات من الماضي البعيد .. اللغة بطيعة الحال في ( شارع بسادة ) كانت تكشف طوال الوقت وبتزامن لحظي عن الخلفية الأسطورية للمحكي المحسوس فيظل كيان واحدا متماسكا بأبعاد متنوعة يمثل حزمة دلالات محتشدة وهائلة لا يمكن التنبوء بالحد الذي ستتوقف عنده عن التوالد .
ربما يريد ( سيد الوكيل ) أن يخبرنا إذن بأن الغواية هي أكثر ما يعيد إلى ذواتنا أرواحها البدائية الممسوسة بالرغبة بكافة أفراحها وهواجسها وآلامها .. تعيد إلى الحاضر ذاكرته المتخمة بصور ومشاهد حلمية عن أزمنة سحيقة كان الخام النقي للعشق والجمال يطبخ خلالها في طقس أسطوري ستظل روائحه وأصداءه نشطة في دماءنا .. ربما يريدنا أيضا ألا نتوقف عن مساءلة ومحاسبة الملاك والشيطان اللذين بداخل كل منا .. إذا نجحنا في الفصل الحاسم بينهما .. إذا نجحنا في العثور عليهما أساسا .
سيد احمد السيد الوكيل من مواليد القاهرة ( شبرا ) 1953 مدير تحرير سلسلة هوية المكان ـ الهيئة العامة لقصور الثقافة. أمين عام مؤتمر أدباء مصر ( دورة 2008 )
الإصدارات: •أيام هند ... مجموعة قصص، طبعة أولى ـ كتاب نصوص90(عام 1990 )، طبعة ثانية ( مركز الحضارة العربية عام 1998. •للروح غناها ... مجموعة قصص قصيرة ، مختارات فصول الهيئة المصرية العامة للكتاب 1997. •فوق الحياة قليلا ... رواية – طبعة أولى: سلسة أصوات أدبية إصدارات الهيئة المصرية العامة لقصور الثقافة 1997 ـ طبعة ثانية : مكتبة الأسرة 2004 •مدارات في الأدب والنقد ... إصدارات إقليم القاهرة الكبرى •مثل واحد آخر- قصص قصيرة ـ دار الاتحاد للطباعة ـ 2004 . •أفضية الذات ( قراءة فى اتجاهات السرد القصصى) ـ سلسلة كتابات نقدية ـ الهيئة العامة لقصور الثقافة ـ القاهرة ـ 2006. •شارع بسادة ـ رواية ـ دار الناشر القاهرة ـ 2008
له مشاركات بحثية فى عدد من المؤتمرات منها : •صورة القاهرة في قصص أمين ريان / بحث منشور / المؤتمر الثاني لأدباء القاهرة 2000 •مؤثرات شعبية في قصيدة العامية / بحث منشور / مؤتمر بني سويف الأدبي الثاني-2000. •دراسة البنية في قصص سعد مكاوي/ بحث منشور / المؤتمر الثاني لأدباء القاهرة الكبرى وشمال الصعيد 2002 . •ثلاث نظرات في النقد / بحث منشور / المؤتمر الثالث لإقليم القاهرة الكبرى وشمال الصعيد 2003 . •تشكيل الفضاء ـ بحث منشور ـ المؤتمر الرابع لإقليم القاهرة الكبرى وشمال الصعيد ـ القليوبية ـ 2004 •قصة الأنا والآخر ـ المؤتمر الخامس لإقليم القاهرة الكبرى وشمال الصعيد ـ الفيوم ـ 2005 •بلاغة البيئة ـ قراءة ثقافية فى أربع روايات من الجنوب ـ مؤتمر أدباء مصر ـ 12/12/2006. •روايات السفر ـ بحث مقدم لمؤتمر الرواية العربية ـ القاهرة ـ 2007 . •صورة الوطن وتجلياته فى شعر العامية المصرية ـ مؤتمر أدباء مصر ـ2007 •الأدب العربي واختبار العالمية / ورقة بحث / ندوة دولية ضمن فاعليات معرض الدوحة الدولي للكتاب ـ قطر1998 . •موزع بين غواياتى ـ شهادة أدبية ـ مهرجان العجيلى بالرقة ـ سورية ـ 2008 له العديد من الدراسات والقراءات المنشورة فى الدوريات العربية حةل الرواية الجديدة والقصة القصيرة .
رواية تتمتع بسرد حداثى متقن لكاتب وناقد متمرس . . تحكى عن هواجس الطفولة والمراهقة فى عقل طفل تركته أمه عند جدته فى شارع بسادة فى المحلة وذهبت لتعيش مع رجل آخر . . شعر الطفل أن الغواية الجنسية قد أخذت منه أمه فعاش فى هذا الشارع يرصد الغوايات التى يتعرض لها عدد من شخصيات الشارع . . ويدخل معها فى حالة جدل من خلال الصراع الوجودى للخير والشر داخل كل إنسان . . أو الملاك والشيطان بتعبير الرواية
ما لا يعجبنى فى هذا النوع من الروايات أمرين : تعمد الكتاب إرباك القارئ من خلال الأسلوب السردى والتى ربما عندما ينتهى القارئ ويستطيع أن يخرج بخلاصه معينة يدرك أن الأمر لم يكن يستحق كل هذا العناء الذى أتعب الكاتب نفسه فيه واتعب القارئ معه فالقضية التى تتناولها الرواية أبسط من ذلك وكان يمكن الوصول إليها بطريق أقصر
الشىء الثانى الذى لا يعجبنى : هو تعمد الكتاب ابتذال لفظ الجلالة ونزع القدسية عنه . . وهو لفظ أرى أنه لا يحتمل إلا دلالة واحدة لا يصح تجريده عنها . . حتى وإن كان بحجة عرض ذلك من خلال وعى وإدراك طفل صغير . . وهى الحيلة التى طالما استخدمها الكتاب لعرض شكوكهم وهواجسهم الخاصة
نوفيلا تختلف في طريقة السرد تعيش توهتها مع هذا الطفل الصغير ، من خلال حكايات سكان الشارع شارع بسادة يكاد كل فصل منها أن يكون قصة منفصلة لولا هذا الرابط القوي الشارع وهذا الطفل الذي يرصد لكل منا ملاكه وشيطانه ضميره الحي ونفسه الأمارة بالسوء وبين الغواية والفضيلة شعرة يقطعها أحدهما
النوفيلا بالنسبة لي هي قصة قصيرة أراد كاتبها أن تتحول لرواية لكي لا يضطر إلى حشرها في مجموعة قصصية بعد أن يكتمل النصاب ، وفي زمن القصص فيه تعامل مثل الأفلام التليفزيونية كأنها تراث وانقضى فالمجد للرواية. لذلك يطيل فيها قليلاً مضيفاً أحداث لا داعي لها. ولأنه يعجز عن تخطي المئة صفحة، وتسميتها برواية سيثير السخرية، فهي تنزل وعليها الاسم الحداثي الذي يمثل صك غفران لصاحبها "نوفيللا" . المشكلة تحدث عندما تكون القصة فارغة أو من نوعية أدب الطبخ. وأدب الطبخ هو أن تكتب كأنك تطبخ تضع المقادير والتوابل التي تثق أنها ستجذب الناس مع بعض الأساسيات وتقلب ثم تضعه في قالب وتضعه في الثلاجة ليقدم بارداً .
العمل هنا حتى لم يصل لأدب الطبخ فتجد جرعة جنسية عالية مثلا مع سياسة ودين وفساد إلخ . فالمكون الأساسي نابع من بين الأفخاذ وأحيانا بين الردفين. حتى أن كلمة فخذين سجلت رقما قياسياً في التكرار، وأتتني لحظات شككت أن شارع بسادة يرمز للطريق بين فخذي امرأة. فالجميع قصته عبارة عن متى احتلم أو قذف أو انتصب أو لمس ثدياً أو فتحت فخذيها أو شعرت بالمياه تجري منها أو الكتاتيت تنقر ما بينهما. حتى الحصان كان يمارس العادة السرية في الشارع.
أما التوابل فكانت الله و الملائكة والشياطين وبعض محاولات الواقعية السحرية والعناوين الطويلة. دون أن أجد موضوعاً للرواية ولا خطاً درامياً. الشيء الوحيد الذي استطاعته النوفيللا أنها على صفحاتها الست والثمانين جعلتني أشعر بالملل الشديد.
ربما كنت سانبهر بهذه الرواية أيما انبهار لو كنت قد قرأتها مثلًا منذ عشر سنوات، حتى على الرغم من تماس الرواية في بعض صورها مع خيالاتي لما أحب قراءته دومًا، لكني أعتقد أن ما وصلني من الرواية لم يكن مشبعًا بالقدر الكافي الذي كنت أتصوره، هل تغيرت ذائقتي؟ كثيرًا، هل قد يكون هذا هو السبب؟ لا أعلم.
هناك احساس ملح طاردني فيما قرأته، مفاده أنه بالرغم من محاولة الرواية لصنع عالم متذبذب بين الواقعي والخيالي، لكنه طيلة الوقت ارتبط بالواقع بشدة، وظل الخيال ممثلًا في اللغة أكثر مما في عالم الرواية نفسه أو في أحداثها، وظلت الحالة المراد توليدها في الحكاية ضبابية وغير واضحة المعالم.
نوفيلا مراوغة ، رغم اللجوء لحيلة تقليدية و هي سرد العالم من منظور طفل ، للهرب من مقصلة المقدس و المدنس . شارع بسادة و النفق المظلم ، و محطة القطار ، الفضاءات و الحكايات المتجاورة، التي تخبرعن الغواية و أنها أكثر ما يعيد إلينا ذواتنا ، و نزعة الخير و الشر بداخل كل منا و النجاح في الفصل بينهما _ إن نجحنا في العثور عليهم _
في الفصول الأولى أحسست بثقل؛ ربما لأن تلك الفصول كتبت على شكل شذرات غير مفهومة وغير مترابطة من حيوات وقصص لأبطال الرواية, وهذا ما جعل القراءة غير سلسة وغير مفهومة أحيانا, لكن كلما تقدمت الصفحات كلما تكشف لي مدى جمال وشاعرية الرواية.