What do you think?
Rate this book


684 pages, Hardcover
First published January 1, 1912
وكان عليه أن يحل رمز هذه الألفاظ، ويكشف عن خباياها، ويذهب المذاهب مع كل إيماءة وإشارة، فكانت تستجيب له مفاتحها، شيئا بعد شيء، وذلك لأنها كانت تحمل صدق النعت ودقته، عن إحساس مرهف صادق، ببيان هذا القرآن العظيم.
من تأمُّلها استخرج عبد القاهر أصول كتابيه العظيمين: (أسرار البلاغة) و (دلائل الإعجاز)، وانفرد وحده في تاريخ آداب الأمم جميعًا بتأسيس علم لم يسبقه إلى مثله أحد، ولم يزل ما يتضمنه هذان الكتابان ساميًا سامقًا تعيى أقلام الدراسين والكتاب عن بلوغ بعض دراه الشامخة.
محمود محمد شاكر - مداخل إعجاز القرآن - صـ ٩٦
ما كان للعربية أن يصير لها شأن أو أن تنجو آثار تداخل الثقافات ما بقيت لولا أن منَّ الله على الناس بقرآنه. كان القرآن آية الرسول صلى الله عليه وسلم على نبوته ـ ولكل نبي آية ـ إلا أن القرآن لم يشبه أيًا من آيات الرسل من قبله، فكلها كانت من جنس ما لا يقدر البشر على قليله أو كثيره، أُبلِس الناس حين رآوها، أما القرآن فهو من جنس ما قد حذقه كل العرب وتمكنوا منه، فقد كان زمانهم أبلغ أزمنة العربية، وإنما تعلم الفصاحة بكلامهم، إلا أن القرآن أَعْجَزَهُم، فقد علموا أن ليس لأحد أن يأتي بمثل نظم القرآن، فلما ادعوا على النبي صلى الله وعليه وسلم أنه افترى هذا القرآن على الله، رد الله عليهم "أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ ۖ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ" (هود - ١٣)، أي فلتأتوا بعشر سور مفتريات كما ادعيتم على القرآن، على نظم كنظم القرآن وبلاغته. وقد علمت العرب أن ليس بمقدورهم أن يبلغوا هذا المقدار، فهنا كان عجزهم، ومنه كان قول الوليد من المغيرة، بعد أن أتى النبي صلى الله عليه وسلم
فو الله ما فيكم من رجل أعلم بالأشعار مني ولا أعلم برجزه ولا بقصيده ولا بأشعار الجن مني، والله ما يشبه الذي يقول شيئًا من هذا، والله إن لقوله الذي يقول حلاوة وإن عليه لطلاوة وإنه لمثمر أعلاه مغدق أسفله وإنه ليعلو وما يُعلَى، وإنه ليحطم ما تحته
كان المعتزلة قد قالوا أقوالًا قد تمادى السقم فيها في مسألة الإعجاز، وكانت أقوالهم نتيجة ما افتروه في مسألة خلق القرآن، فكيف يكون القرآن ذاته معجزًا إن كان مخلوقًا كسائر المخلوقات، وظل رأيهم يمد لهم حتى صاروا إلى القول بـ"الصَّرفة" فزعموا أن العرب كان بمقدورهم أن يأتوا بمثل القرآن في نظمه، لولا أن عرض عليهم حينها مانع من الله صرفهم عنه، وكان الجاحظ، إذ كان من أكابر المعتزلة في زمانه، ممن تولوا كِبَر هذا الرأي، إلا أنه رجع عنه لأنه، وهو مَن هو في ذائقته الأدبية وبلاغته، لم يستقم له هذا الرأي مع ما ذاقه من بلاغة شعر العرب وما ذاقه من القرآن.
و هذا كله في القرآن، غير أنه متفرق غير مجتمع، ولو أراد أنطق الناس أن يؤلف من هذا الضرب سورة واحدة، طويلة أو قصيرة، على نظم القرأن وطبعه، وتأليفه ومخرجه، لما قدر عليه، ولو استعان بجميع قحطان ومعد بن عدنان.
أبو عثمان الجاحظ
اعلم أنا البلاء والداء والعياء، أن ليس علم الفصاحة وتمييز بعض الكلام من بعض بالذي تستطيع أن تُفهِمَه مَنْ شِئتَ ومتى شئت، وأن لست تملك من أمرك شيئًا حتى تظفر بمن به طبع إذا قَدَحْتَه ورى، وقلبٍ إذ أَرَيتَه رَأَى … وكما لا تقيم الشعرَ في نفس من لا ذوق له، وكذلك لا يفهم هذا الباب من لم يُؤْتَ الآلة التي بها يُفهَم
… أصلك الذي تردهم إليه، تعوِّل في محاجَّتهم عليه، استشهادُ القرائح، وسبر النفوس
وفليها، وما يعرض فيه من الأريحية عندما تسمع
الرسالة الشافية للجرجاني ـ ملحقة بكتاب دلائل الإعجاز
أرى أن التوصية بكتاب "مداخل إعجاز القرآن" لازمة، فهو توطئة لهذا الكتاب وفيه شرح خلفية المسائل المتناولة في دلائل الإعجاز.