"سركون بولص" هو شاعر العراق الوحيد الذي ألم بقصيدة النثر بمسؤولية ومن مدخل مختلف تماماً، "مدخله" المد الشعري الأميركي. مجد النص المتصل، أطروحة تظاهرة الطلبة، حيث القصيدة والقيثار والساحة العامة". بهذه الكلمات عبَر عنه الناقد العراقي "سعدي يوسف" وأدباء آخرون اعتبروه من جيل الستينات الذي حصن قصائده ضد الزمن، وكيف لا و"الكتابة عنده وجود آخر داخل الوجود –أدونيس-". و"في الحياة قرب الأكروبول" قصائد نثرية يتلمس قارئها علاقة الشعر المنثور بحركة التحديث الشعري وبالحداثة الشعرية العالمية، التي تأثر بها شاعرنا كغيره من شعراء العربية وخصوصاً في ستينات وسبعينات القرن المنصرم. في قصيدة بعنوان [زائر الصباح] يقول: "يقترب العصفور من المنقلة التي تركتها في الباحة، مليئة برمادٍ أبيضٍ بعد مطرة البارحة، متطلعاً إلى جانبيه مرة مرتين، ثلاثاً. على حافتها يذرذر بمنقاره بعض الرماد، حتى يعثر على نتفة لحمٍ محروقة غطاها الرماد، بقيت من وليمةٍ منسيةٍ تماماً ويطير بها إلى الشجرة المتهالكة على بقايا السياج، ليختفي بين أوراقها القليلة". يضم الديوان سبعة عشرة قصيدة نذكر منها: العشاق، شتاء في باريس قبل نهاية السنة، حدود(...)الخ.
وُلد سركون بولص عام 1944في مدينة الحبانية التي تبعد 70 كم إلى الغرب من بغداد.
عاش طفولته ومراهقته في مدينة كركوك الشمالية. هناك جايل مجموعة من الشعراء والكتاب الشباب المتمردين والمتطلعين إلى حياة جديدة وفن جديد، ليشكلوا تلقائياً مجموعة عرفت في ما بعد باسم "جماعة كركوك"، وكان لها أثرها العميق في التطورات الشعرية والأدبية التي شهدها العراق في العقود الأربعة الماضية. أنتقل في منتصف الستينيات إلى العاصمة بغداد، ونشر عدداً من القصائد الحديثة، وترجمات عديدة من الشعر الأمريكي في بغداد وبيروت. انتقل أواخر الستينيات إلى بيروت، ليغادرها في ما بعد إلى الولايات المتحدة. عاش منذ ذلك الوقت في مدينة سان فرانسيسكو التي عشقها واعتبرها وطنه الجديد. في السنوات الأخيرة، كان كثير الإقامة في أوربا، خاصة في لندن وألمانيا.
صدرت له المجاميع الشعرية التالية: الوصول إلى مدينة أين 1985، الحياة قرب الأكروبول، الأول والتالي، حامل الفانوس في ليل الذئاب، إذا كنت نائماً في مركب نوح ، توفي سنة 2007م ، في العاصمة الألمانية برلين، عن عمر يناهز الثالثة والستين، بعد صراع مع المرض.
لا ماء فجأة ولا بيت،إنما قدمٌ تسعى وطريقها؟ أصبحت قدما لا تعرف طريقها. لأنك مت وحييت وضحكت وبكيت؟ لقد قاتلت قليلاً، ثم نسيت. إذا نجوتَ أخيراً، أم تُراكَ اليوم آنساً بالكمين؟ أصبحت جزءا منيراً من أيامى، أليفة فى آخر الليل هكذا الباب الذى أعود فى آخر كل ليلةٍ إليهِ وأنفض أمامه عن سترتى الندى باحثا عن المفتاح
وكل شيء يتأخر عن موعده لأنه الموعد الذي ينبغي أن يخلف كان يراها إذا يحلم ، يحلم إذ رآها واقفه علي رصيف الموت القريب . . وفي كل مكان ما تراه العين ، تراه ، ويبقي . . ولا شيء يعلن نفسه ، لكن علاماته في كل مكان . .
حين تقرأ لبولص فأنت لا تقرأ نصوصاً شعرية أو نثراً .. أنت تعيش تجربة ما.. بتفاصيلها بوجعها بتمردها بعذوبتها ببؤسها.. القيمة هنا لما يصوغه المشهد من معنى ككل، وليس للنص على حِدة.
يقدم سركون بولص رؤية جديدة للحياة وهو في خضم احتدامه بها يعيد تشكيلها بكلماته من جديد.. سواء كانت معقدة كالحرب والغربة والحب .. أم بسيطة كتفاصيل يومية عادية وتفاصيل مايحيط به من أشياء .. هو يرصدها بعين الشاعر التي تبحث عن المعنى وما وراء الأشياء .. ولا تكتفي بالمرور العابر .
لغة مترفة مدهشة ..وصدق حميمي .. وتراكيب فريدة تربك القارئ حيناً لتخلق مساحة للدهشة للتأمل فيما يريد أن يقول.
اقرا سركون بنفس الترتيب الذي اخبرني به صديقي احمد شاكر ربما عقدت مقارنة تلقائية بينه وبين رياض الصالح الحسين بحكم قرائتي لهما على التوالي قصائده لا تحمل نفس القدر من المشاعر التي تحملها قصائد رياض لكنه على ناحية اخرى يحشد كما كبيرا جدا من المجازات والصور البلاغية والاستعارات ربما بقدر لم اره لدى شاعر اخر الى الان وهذا امر جميل بالمناسبة يمكن ان اقول في النهاية انه اعجبني
ما يدهشني في قصائد سركون بولص أنه يعيد صياغة التفاصيل اليومية ويمنحها عمقًا خفيًا ويتركنا نغرق في تساؤلات وصمت غامض
اقتباس يقترب العصفور من المنقلة التي تركتها في الباحة، مليئة برمادٍ أبيضٍ بعد مطرة البارحة، متطلعاً إلى جانبيه مرة مرتين، ثلاثاً. على حافتها يذرذر بمنقاره بعض الرماد، حتى يعثر على نتفة لحمٍ محروقة غطاها الرماد، بقيت من وليمةٍ منسيةٍ تماماً ويطير بها إلى الشجرة المتهالكة على بقايا السياج، ليختفي بين أوراقها القليلة".
في هذه الاقتباس الرائع نلاحظ تجسيد لحركة الحياة وسط الرماد والبقايا كأن سركون بولص يضعنا في جدلية البقاء والفناء الحتمي .
•قصائد وجمل رائعة وترتيبات فظيعة •لحدّ النّصف كان رائعا ثم قلّ المستوى قليلا ربّما لأنّ شعر سركون هكذا لا وقت يكفيه •يثبت لي سركون أنّه شاعري المفضّل كلّ ما قرأت له
هنا صور ، صور تفوق شَعر سركون بولص عددًا على سبيل المثال ، مشاهد و أرصف و شرود ملامح ، البؤس يتربص لاستهلال الكلام . هذا النثر يشبه يدًا تحمل كاميرة رقمية صغيرة ، تدور حول مدن العالم على الأقدام ، ترصد الحياة بلغة متكلفة و حيادية .
في إلتقائي الأول بسركون .. لم تسع روحي المرونة الكافية لاحتمال الحياة قرب هذا الأكروبول .