يقول المؤلف في مقدمة كتابه: “إن غياب الإنتاج الثقافي واضح جلي في بلداننا بالعالم الثالث، أي في ثلاثة أرباع البشرية، وذلك منذ أن تفككت الرقاع الحضارية الكبرى بمفعول صدام الحداثة والاختراق الغربي، أي منذ قرن تقريباً”. ويقصد المؤلف بالثقافة هنا أي الثقافة الفكرية والروحية والعلمية والفنية، إذ أن الثقافة الشعبية مازالت حية إلى حد ما، وبالتالي يمكن القول أن الثقافة الإسلامية تمر بأزمة خطرة تجلت في تراجع الفكر العربي وتقدم ركب الثقافة الحديثة العربية الأصل والشكل، والتي أصبحت قادرة على احتضان البشرية كافة.
هذا التراجع الهائل في الثقافة الإسلامية هو الذي دعا “هشام جعيط” إلى تدوين هذا الكتاب الذي يضم بين طياته دراسات فكرية تركز على الأزمة الثقافية التي يشهدها العالم الإسلامي بشكل عام والوطن العربي بشكل خاص، وهدفه التنبيه على مدى التخبط الذي يشهده العالم الإسلامي في ظل تناقضات المفاهيم الحديثة. ومن أهم المواضيع التي طرحها المؤلف في دراسته هذه نذكر: أمة الثقافة العربية الإسلامية، نحن والآخرون، الثقافة والسياسية في العالم العربي، جدل التاريخ والثقافة والدين في المغرب الإسلامي.
زاول هشام جعيط تعليمه الثانوي بالمدرسة الصادقية ثم وفي سنة 1962 تحصل على الإجازة في تاريخ. تخصص في التاريخ الإسلامي وقام بنشر العديد من الأعمال صدرت سواء في العالم العربي أو أوروبا. أحرز سنة 1981 على شهادة الدكتوراه في التاريخ الإسلامي من جامعة باريس. وظل حتى آخر حياته أستاذا شرفيا بجامعة تونس، أستاذ زائر بكل من جامعة ماك غيل (مونتريال) وجامعة كاليفورنيا، بركلي وبمعهد فرنسا.
هشام جعيط يعالج مواضيع الثقافة والحداثة والإسلام والعروبة من مواقع مغايرة للسائد النقدي العربي، أشد ما يميز الكتاب هي فصول الفكر الصيني والياباني، أبدع فيها الكاتب. وعدا ذلك يبقى له تميزه في تحليله للنهضة والحركات الإصلاحية في العالم الإسلامي. أبهرني بعمق رؤيته للحركة الوهابية ولتطور الصوفية في المغرب العربي، ونقده للحركات الإسلامية الذي يبقى الأشد إرباكا لي في كل ما قرأت. هذا الكتاب، كنص شعري، يصلح لقراءات متعدّدة ومتباعدة في الزّمن، لأن ما يطرحه عميق ومربك لكل الوثوقيات، ولايبقى لك إلا أن تحترمه وبعمق مهما إختلفت معه في النتائج التي وصل إليها ..
الجزء الذي تحدّث فيه عن الفكر الياباني و الفكر الصيني كان الأكثر فائدة و متعة بالنسبة لي , الفصول الأخرى لم تكن خلوا من الفائدة و المتعة كذلك , هشام جعيط يقدّك لك زاوية و تفاصيل أخرى خاصة بالنسبة للإسلام في المغرب و علاقتنا بالحداثة , و كذلك في حديثه عن النهضويين و الإصلاحيين , حتى إن اختلفت معه لا تملك إلّا أن تحترم عمق أطروحاته .... منذ زمن كنت أنوي قراءة " الفتنة " و لكن كان القدر في صفّ هذا الكتاب
على الرغم من تحيزه الواضح لفكر الحداثة أبدى المؤلف تعاطفا منقطع النظير وتفهما عميقا لطبيعة المجتمع الإسلامي في صراعه نحو/ضد التحديث كما أن أسلوبه في تلخيص المواضيع والقاء الأحكام الاكثر تعميما يغري بالاقتباس
من الجيد الاستفادة من نقاط مناقشة الكاتب لأمور ووجهات نظر عمومية وذات أثر على الصورة الكبيرة .. أما بخصوص دقائق الأمور وبعض التركيبات المعيّنة .. لربما بعد الزمن أثر عليها وأصبحت خارج نطاق الخدمة الفكرية.
يتحدث الكاتب بإجادة حول نقاط مهمة كالإسلام والسياسة والحداثة .. والنظرة نحو الغرب والشرق .. والتطور الشرقي المخفي .. والتعلّق الغربي .. وحتى يولي للمغرب العربي جزءاً لا بأس به.