مارون عبّود هو شخص يتميّز بثقافته الواسعة في الديانة، التاريخ، والأدب، مما جعله مؤهّلاً للكتابة في مختلف ميادين المعرفة الإنسانية. إنه صاحب مدرسة فريدة في فن النقد، حيث يظهر أسلوبه النقدي بالسُخرية اللاذعة والتهكم اللاذع والجرأة والصراحة. يأخذنا هذا الكتاب الذي بين أيدينا في جولة عبر مقالات أدبية واجتماعية وتاريخية كتبها مارون. من خلالها، يسلط الضوء على ما هو غير اعتيادي فيما نرونه يوميًا وما يستحق التوقف والتأمل. عنوان الكتاب "حبر على ورق" يعكس تواضع المؤلف، على الرغم من بلوغه شهرة ثقافية كبيرة واحترامه الفكري العالي.
مارون عبود (1889 - 1962)، كاتب وأديب لبناني كبير. . ولد في عين كفاع (من قرى جبيل). في سنواته في المدرسة أبدا ميولا أدبية وتفوق في مجال اللغة العربية كما أصدر في عامه الدراسي الأخير مجلة أدبية أسماها الصاعقة. كان قد بدأ بكتابة القصائد ونشر بعضها في جريدة الروضة. أدخله إلى مدرسة مار يوحنا مارون. التي أمضى فيها أربعة أعوام ولكنه رفض الأستمرار فيها لأن أباه كان يقصد بإلحاقه بها أن يهيأه للحياة الكهنوتية ما رغب عنه مارون ورفضه رفضا قاطعا. بعد ذلك التحق بمدرسة الحكمة حيث أمضى فيها سنتين. وقد وجد مارون في هذه المدرسة الجو المؤاتي لتفتح مواهبه الأدبية كما احتك بعدد من الطلاب المولعين بالشعر أمثلا: رشيد تقي الدين وأحمد تقي الدين وسعيد عقل وغيرهم. أثرى مارون عبود المكتبة العربية بستين مفؤلفا منها ما طبع و منها ما هو مخطوط:
1909: العواطف اللبنانية إلى الجالس على السدّة الرسولية. 1910: كريستوف كولومب. ، أتالا ورينه. 1912: الإكليروس في لبنان. ، مجنون ليلى. 1914: ربّة العود.، تذكار الصّبا.، رواية الحمل.، أصدق الثناء على قدوة الرؤساء. 1924: أشباح القرن الثامن عشر ، المحفوظات العربية 1925: الأخرس المتكلّم ، توادوسيوس قيصر 1927: مغاور الجنّ 1928: كتاب الشعب 1945: وجوه وحكايات ، زوبعة الدّهور 1946: على المحكّ ، الرّؤوس، زوابع 1948: مجدّدون ومجترّون ، أقزام جبابرة، أشباح ورموز 1949: بيروت ولبنان منذ قرن ونصف قرن (الجزء الأول) 1950: بيروت ولبنان منذ قرن ونصف قرن ( الجزء الثاني)، الشيخ بشارة الخوري صقر لبنان 1952: روّاد النهضة الحديثة ، دمقس وأرجوان، في المختبر 1953: الأمير الأحمر ، أمين الريحاني، من الجراب، جواهر الأميرة 1954: بديع الزمان الهمداني ، جدد وقدماء 1955: سبل ومناهج 1957: أحاديث القرية ، حبر على ورق، على الطائر 1958: قبل أنفجار البركان 1959: نقدات عابر 1960: أدب العرب 1964: فارس آغا 1968: الشعر العامي 1974: آخر حجر 1975: مناوشات 1977: رسائل مارون عبود 1978: مارون عبود والصحافة 1980: من كل واد عصا
ترجمت قصصه وأقاصيصه إلى الروسية وبعضها إلى الفرنسية
مؤلفاته المخطوطة
العجول المسمّنة، الشبح الأبيض، الإنتقام الرهيب، الأسيران، علوم اللغة العربية، التاريخ الطبيعي،علم الكيمياء، علم الجيولوجيا، علم الزراعة الحديثة، التقشّف والبذخ، كتاب المخدّة.
"إننا نشتغل للدهر العتيد، ولخدمة الجيل الجديد، نشتد على الكبار لنهذب الصغار، فقل ربّ لا تجعلني عبرةً لغيري. إنني أسمع وأنظر وأقرأ، وأقول كلمتي -كما تفهم بلادتي وبلاهتي-فإن اعوججت فحسبهم أن يقوموني، لا أن يصارعوني ويناطحوني... لهم أن يسخروا بما أكتب ما شاؤوا، أما شخصي فليعفوا عنه كرماً ولطفاً، وهب أنهم فعلوا ذلك فلا بأس عليهم، فأنا أحمل خشبتي منذ سنوات فلا أجد من يصلبني عليها" ص 141
هذا هو مارون عبود كما وصف لنا نفسه، الكاتب الذي لم يخط قلمه إلا ما ترتضيه نفسه، بلا محاباة ولا ميل، الذي لا تغره الألقاب ولا الأسماء، الذي يرى الجميل فيقول أنه جميل ويرى القبيح فيقول أنه قبيح فلا يخدع نفسه ولا يخدع الناس. يعجبني كثيراً هذا الصدق وهذا الإخلاص منه، قد يسوء كثيراً من الناس قساوته وعنفه في النقد، وما جره إلى ذلك إلا حرصه على قول الكلمة التي تريح ضميره، وهذا واضح في قوله مخاطباً بشارة الخوري (الأخطل الصغير) بعد أن نقد عدة قصائد له من شعر المناسبات الجامد: "ليتك تنشر يا أخي قصيدة واحدة، ولو عتيقة، من شعرك المطبوع، لأقول فيك كلمة طيبة، فقد كدت تسيء ظن الناس بي، كما ساء ظننا أجمعين بشاعريتك، فهلا تعود إلى أيامك؟" ص 103، إن مارون عبود قال مثل هذا الكلام في زمن كان الثناء والتقريظ فيه يكالان لغث الشعراء وسمينهم على حد السواء، دون تحليل أو تمحيص. "ترعرع بشارة وفيه كثير من ملامح البهاء زهير، فقال في عنفوان شبابه شعراً لا أدري كم يعيش، فبعضه شعر حي إن فاته التجديد لا يفوته حسن التقليد، فيه شعور حار، والحرارة تضمن الحياة إلى أجل ما." ص 166. ولقد صدق مارون عبود في ذلك، فبشارة الخوري حي اليوم بالقصائد ذات (الشعور الحار)، بالقصائد التي تفور فيها دماء الشباب والتي عبر فيها عن ذاته تعبيراً صادقاً، من مثل قصيدة (المسلول) وقصيدة (يا عاقد الحاجبين) و(جفنه علم الغزل) وغيرها، إن الأخطل الصغير شاعر (الهوى والشباب) كما لقبوه، وليس شاعر المناسبات التي تموت قصائدها بانتهاء المناسبة. ومارون عبود لم يمنعه لمعان اسم العقاد من أن ينتقد شعره لما رآه شعراً ضعيفاً، فالعقاد كاتب عظيم يكاد لا يدانيه في ذلك أحد، ولكن شعره -على كثرته- ضعيف. وكان يحز في نفس مارون كثيراً أن يرى ثناءً كاذباً مبالغاً فيه، فانظر إلى قوله بعد نقد ثلاثة دواوين للعقاد: "وعلى هذا القحط والمحل والقحل، يعده سيد قطب -ولا يستحي- فوق عشرة من شعراء العربية مجتمعين، وفوق هيغو وموسيه وبيرون وشلي، ويرى أيضاً في مكان آخر أن الشعر العربي في كل أطواره ليس فيه ما عند العقاد." ص 234. أما عن أسلوب الكتابة فهو أسلوب فكاهي جذاب، فيه من الهزء والسخرية الكثير، وفيه إشارات وإيحاءات عميقة جداً إلى أبيات شعرية وأقوال مأثورة من التراث العربي، تحتاج إلى مطالعة واسعة مسبَقة لفهمها. لا أملك إلا أن أحيي مارون عبود تحية إجلالٍ على روحه الجميلة الصادقة الظريفة التي تتجلى في كل ما يكتب، والتي تحبب للقارئ أن يستزيد من مطالعة كتبه.