"كان مجرد خط ولا يذكر أحد منا أنه لم يكن ذات يوم قد رسم بعد؟ أمسكت يدي وعبرنا إلى الصخرة وسط مياه النهر الجارية. أوقفتني عليها. وخوضت في المياه العذبة التي تعلو الركبتين. قطفت توتاً برياً اسود وأطعمتني. قالت: لا تخف. هوذا بيتنا الآن. قالت: لا تبك. هي ذي يدي تمسح جبينك، ونادت على الذئب الذي لا أراه وفر هارباً. ونادت على الليل فنورته أسراب الحباحب وقالت لا تخف. هوذا بيتنا الآن. وانتظرني هنا على الصخرة ريثما أعود".
حصل على الإجازة التعليمية في الفلسفة العامة من الجامعة اللبنانية، وتابع دراسته العليا في باريس حيث حصل على دبلوم الدراسات المعمقة في الفلسفة.
عمل في الصحافة منذ عام 1979 فكتب للنداء (1979 ـ 1982) ثم للنهار (1978 ـ 1990)، وهو أحد مؤسسي الملحق الأدبي الأسبوعي لجريدة النهار.
يعمل منذ 1999 كمحرر وكاتب في "نوافذ" الملحق الثقافي الأسبوعي لجريدة المستقبل.
له مساهمات نقدية وأبحاث وترجمات نشرت في عدد من الصحف والمجلات العربية.
شارك في عدد من الندوات حول الشعر والثقافة العربيين في عمان وباريس ولوديف وكوبنهاغن.
لعل أبرز ما يميز شعر بسام حجار هو هذه القدرة على استلهام اليومي على نحو تبدو معه التجربة (الشعرية) تعبيراً عن علاقات وصور ذات ملامح محددة ومباشرة. إلا أن هذه العلاقات التي تتبادر إلينا من "أمكنة" خارجية مألوفة سوف تظهر في الغالب كارتدادات (مأسوية!) لما تنطوي عليه علاقتنا بالعالم. فالأشياء الصغيرة والعلاقات الجزئية تبدو مهددة في مواضعها الرتيبة والمفاجئة في آن.
كتب عن بسام حجار عدد من النقاد والشعراء أبرزهم: كمال أبو ديب، عبده وازن، حسن داود، عباس بيضون، صبحي حديدي.
مؤلفاته الشعرية:
- مشاغل رجل هادىء جداً ـ دار العالم الجديد ـ بيروت 1980
- لأروي كمن يخاف أن يرى ـ دار المطبوعات الشرقية ـ بيروت 1985
- "فقد لو يدك" ـ دار الفارابي ـ بيروت 1990
- "مهن القسوة" ـ دار الفارابي ـ بيروت 1993 - "حكاية الرجل الذي أحب الكناري" ـ دار الجديد ـ بيروت 1996 - "بضعة أشياء" ـ دار الجمل ـ بيروت 2000، "سوف تحيا من بعدي" (مختارات) ـ المركز الثقافي العربي ـ بيروت ـ الدار البيضاء ـ 2002، - "ألبوم العائلة يليه العابر في منظر ليلي" لإدوارد هوبر ـ المركز الثقافي العربي ـ بيروت ـ الدار البيضاء ـ 2003.
وله أيضاً:
"صحبة الظلال" ـ دار ميريام ـ بيروت 1992، "معجم الأشواق" ـ المركز الثقافي العربي ـ بيروت ـ الدار البيضاء، - "مجرد تعب" ـ دار النهار ـ بيروت 1994، "مديح الخيانة" ـ المركز الثقافي العربي ـ بيروت ـ الدار البيضاء 1997. - "البوم العائلة" و"تفسير الرخام" (2008). كما قام بترجمة عدد من الكتب الأدبية والفكرية.
" )وسوف أكون دوماً ذلك الذي انتظر أن يفتح له الباب عند جدار لا باب فيه” (فراندو بسّوا".
هل كانت مجرّد حكاية؟ وهل كان الرجل مجرد سيرة تروى كما تُروى الحكايات، فلا كان الرجل ولا كانت سيرته إلا اختلافاً كمثل ما يفعله الرواة حين تكون الحياة قليلة، والحكاية أكبر منها وأشد إثارة.
إني حائر بين الرجل الذي جعله الراوي سيرة تُروى، والرجل الذي أحبَّ الكناري، وأحبني، وأطال الجلوس على الشرفة وحيداً، كأنه فرغ من مشاكله كافة، وراح ينتظر انقضاء الوقت
لستُ أدري. كانت مجرد حكاية. وكنتُ أرويها. أو كان يرويها، ليس يدري. لست أدري.
قال لها: اقتربي. أضع رأسي على صدرك. قال لها: هذه ليلتي الأخيرة. وقال لها: لا تبكي. وبكى.
ختاماً لا أدري لم أيقظني الصّخب. تنهض من نومك وتتألم. إحساس. تنام وتتألم. إحساس أيضاً. أربعون عاماً من الألم. ثمّ أبصرته؛ كان نحيلاً، نابتَ الذقن، أنيقاً.
كان هنا، وفي الجانب الآخر، ولم يكن في أي مكان. كان طيفاً رأيته، ولم أصدّق. كنت طيفاً، رآني ولم يصدّق. وترك لي أوراقه في مكان ما. وحين عثرت عليها بمحض المصادفة، وجدتُ أنها أوراقي.
ولم تكن لي أوراق. ولم يكتب يوماً. ربما كان آخر سوانا. لست أنا الراوي. وليس هو الراوي؛ ومَنْ يروي لم ير شيئاً. لم يعرف شيئاً. لذا كتب حكاية الرجل الذي أحب الكناري. أو ربما لم يكتبها بعد. لن يكتبها أحد. " ما هذا الشجن؟؟!!
"وقال: مات الكناريّ وقد أطعمته ما يطعم، وحادثتُه طويلاً، وحنوتُ عليه. غيرَ أن الكناري مات لأنّه وحيد! ولأنه أراد أن يموت! ليس قدراً أن تغادرَ هاهُنا..بل أن تريد! قل: رأيتُ ما يكفي. وسمعتُ ما يكفي. وعشتُ ما يكفي. ما عدتُ أريد. واتْبعْني".
يقول: "لي حياةٌ مبعثرةٌ بين النّاسِ والأمكنة، بعضها كان يضيعُ كمثل الصَّدى بين التِّلال، وبعضها يسقطُ في النسيان. وما تَبقى قليلٌ لا يكفي، كَيْما أقول ذات يومٍ أنّني كنتُ أحدًا، أنّني كنتُ شيئًا، طيفًا يستريح على قارعة هذا العالم".
تقول إحدى الصديقات: أكثر الشعراء القادرين على صبغ الوجع بطمأنينة غريبة هو بسام.. وهذا ما أراه أنا تمامًا.. سرد هادئ وموجع في هدوئه لحكاية الرجل الدي أحب الكناري سرد موجع لا يهم أحدًا، من خلاله تكتشف أشياء مهملة في حياتك، تعيد اكتشافها حين يُعيد بسّام صياغتها..
ربّما تكون حقيقة، وربّما تكون مجرد حكاية حكاية الرجل الدي أحب الكناري
حوار مع الغياب، تأمُّل طويل في الوحدة، في الموت المؤجَّل، في أشياء تسقط من الذّاكرة ولا تعود. بسّام يكتب كما لو أنَّه يخشى أن يزعج صمت القارئ، فيكتفي بالتَّلميح، بالإيماء، بالسُّكوت الطَّويل بين الكلمات. يضع الملح على الجرح ثمّ يسحب يده قبل أن تصرخ. لكنّي، أعيب عليه أنَّه أحيانًا يغرق في الصَّمت، يغرق حتّى تغرق معه، وأنت، قارئٌ مسكين، تحتاج يدًا تنتشلك فلا تجدها.
"كان مجرّد خطأ أوقعني فيه ميليَ المفرط لسردِ الأمور التي لا صلة فيما بينها, سوى أنها أثقلت قصّتي بتفاصيلَ لا أحسبُ. أنّ أحداً يودّ, فعلاً, أن يعرفَها. وأنّه, لا بدّ, ميلي المفرطُ للإشفاق على نفسي. ألَيس كذلك. ولا حاجة لأن يعرف أحدٌ مثل هذه التفاهات".
لا شيءفي الحياة يبدو كمفصل سهل الاجتياز ؛ كل عقبة اجتيازها يحتاج لصبر مضاعف ؛ لراوٍ بداخلك يحدثك عن العزيمة أو عن الفشل ... أكثر الشعراء القادرين على صبغ الوجع بطمأنينة غريبة هو بسام
يقول: "لي حياةٌ مبعثرةٌ بين النّاسِ والأمكنة، بعضها كان يضيعُ كمثل الصَّدى بين التِّلال، وبعضها يسقطُ في النسيان. وما تَبقى قليلٌ لا يكفي، كَيْما أقول ذات يومٍ أنّني كنتُ أحدًا، أنّني كنتُ شيئًا، طيفًا يستريح على قارعة هذا العالم".
بين لاطمأنينة فرناندوا بيسوا وطمأنينة بسام حجّار .. بين أدب الرجلين وانسيابية الشعور في نثر له سحر الشعر تقع حكاية الرجل الذي أحبّ الكناري .. "أن تحيا هو أن تكون آخر" هذه محاولة الحكاية عن آخر .. وحياة. حكاية .. حكاية وحسب .. ترويها .. أصداء صمت .. و أصداء نحيب.
هذا الكتاب الذي صدر في سنة ميلادي .. هذا الكتاب الذي يبدأ من الختام .. استُهلّ بلحظة من لحظات رجل في الأربعين يقرأ الصحيفة من صفحاتها الأخيرة .. هناك على مقعد في مشهد كأنه مرآةٌ لآخر .. كان بين حكايتي وحكايته جيل من الزمان وحكايا الأنام .. جيل كامل .. وبين الجيل والجيل ما تتسع له الفجوة بينهما .. لكن .. الإحساس .. إحساس الشعراء الذي يحاولون تقييده بالحروف والورق بين الحقيقة والوهم .. الإحساس حكاية لا تسمح بأي فراغ بين الأجيال.. حكاياتُ الشعور والحب وحياةُ الروح .. سيرةُ الألم الإنساني وعاداتُ البكاء .. تبقى نفسها على مدى الأجيال ..
إلى جانب آخر .. تقفز عن حاجز الزمان والمكان .. على إحدى ضفاف هذا الكتاب تجد نفسك جالساً على مقعد يجمعك ببيسوا وبالمؤلف ويتسع لآخر ربما يأتي بعد أجيال .. سمِّها جلسة أدب دافئة رغم ما توحي به السماء الأخرى من برد .. كأن رسالة الأدب .. هي الحبّ .. كأن مغزى الحب .. هو ما يثمر على غصونه من حكمة يرسلها الكناري في موتٍ أديبٍ بعد تغريدات لا تُنسى .. تُحدّث عنها الأشجار المستوحدة في ظلال وحشتها .. حين تحسن وفادة غريب لا يجد غريباً يصغي إليه .. غريب .. آخر .. هو اللاأحد .. هو الراوي وهو المرويّ عنه.
هل هي مجرد حكاية؟ وهل الرجل مجرد سيرة تروى كما تروى الحكايات؟ فلا كان الرجل ولا كانت سيرته إلا اختلاقاً كمثل ما يفعله الرواة حين تكون الحياة قليلة والإحساس أكبر منها وأشدّ بقاء. لست أدري ولا أحد يدري ولا الكاتب يدري ولا أنت ستدري.
--------------
- وحدها الأشجارُ المُسنّة تُحسن وفادتك في وحشتها وتفرد لك ظلاً مُسناً!
- ما كان شيءٌ أحببْتُه إلّا وأبْكاني.
قال لها: اقتربي. أضع رأسي على صدرك. قال لها: هذه ليلتي الأخيرة. وقال: لا تبكي. وبكى.
وقال: مات الكناريّ وقد أطعمته ما يطعم، وحادثته طويلاً، وحنوتُ عليه. غير أن الكناري مات لأنه وحيد! ولأنه أراد أن يموت. ليس قدراً أن تغادرَ هاهنا .. بل أن تريد! قل: رأيتُ ما يكفي. وسمعتُ ما يكفي. وعشتُ ما يكفي. ما عدتُ أريد. واتْبعْني.
ما تبقّى قليلٌ لا يكفي كيما أقول ذات يوم إنني كنتُ أحداً .. إنني كنت شيئاً .. طيفاً يستريح على قارعة هذا العالم.
بسّام حجّار, يحمل هاجس إبداعي رصين جدًا. ورقّة الشِعر يترجمها لنا بصورة شفافة وواضحة عبرَ ما يكتبه. كل شيء مهمل في حياتك, يقبض عليه بسّام ويعيد صياغته بشكلٍ يُثير المعرفة, بأن تكتشفه م�� جديد. والدفء كله تستشعره في اللغة الشعرية حين يدسّها بطريقة غير اعتيادية أبدًا.
امكث بقربي إذاً، أنا الشَّجرة المستوحشةُ وأنتَ ظِلِّي. أو اسرد على مسمعي حكاية، فمُنذ وقت بعيد هجرتني الطُّيُور، ومُنذ وقت طويل أَقِف هنا على باب العراء لا أسمع صوتًا إلا السُّكون الذي يُعتم أو يُنيِّر مواقيت اليوم. خذ ركنًا عند جذعي واسند ظَهرك المُتعب إليه، و احكي لي حكاية الشَّجرة، فتلك دارة بعيدة، عند منتهى الدرب الذي لا ينتهي، ولم يَبْقَ إلا القليل من الضَّوء، ولم يبق إلا القليل من الرَّغبة، ولن يلبث طير الهوام أن يَمْحُوا الدرب. احكي لي حكاية الشَّجرة والغريب. أو حكاية الدَّارة البعيدة أو حكاية الدرب أو أغمض عينيك ودعني أفرد ظِلِّي على وَجهك الشَّاحب، ونم ها هنا تحت صمتيَّ الوارف
لا تقول شيئاً فما الذي تبقى؟ لم يبقى شيءٌ ليغادرك، فلا تنتبه. تصبح ظلاً بين الظلال الكثيرة. أو تمر بهم فلا ينتبه أحدٌ منهم. أو تحاول أن تتذكر أسمك. ثم ترى عابراً يُشبهك. أو هو أنت. أو أنت هو لا ادري، وتُدرك أن الدروب أصبحت لك. فقط الدورب. البيوت تمر بها، أو تقف عند أعتابها ونوافذها. غير أنها ليست البيوت وحدها الأشجار المسنة تُحسن وفادتك في وحشتها وتفردُ لك ظلا مسناً.
العجوز الذي يقرأ الصحيفة من صفحاتها الاخيرة كان أبي. أقصد لم يكن عجوزا، سوى أنه، ذات يوم، تهالك على سريره ومات. بلى، والمرأة الصغيرة بين الزنابق. المرأة الصغيرة المسجاة أمام هرم من القربان، ورائحة البخور، كانت أختي، وذات يوم رحلت. امرأة صغيرة، تضحك كثيرا، وذات يوم، لم تقل وداعا، ورحلت.
كنت ابحث عن كلامٌ يوصفه! عن مفردات! لكنه قال: "كان مجرد خطأ اوقعني فيه ميلي المفرط لسرد الامور التي لا صله فيما بينها ، سوى انها اثقلت قصتي بتفاصيل لا أحسب أن احداً يود فعلاً، أن يعرفها".
وما تبقّى قليلٌ لا يكفي، كيما أقول ذات يومٍ إنَّني كنتُ أحدًا، إنَّني كُنتُ شيئًا، طيفًا يستريح على قارعةِ هذا العالم. وما تبقّى قليلٌ لا يكفي لحياةٍ واحدة؛ فأقَّمتُ على شتاتي طيفًا لم أزل. ولم أُدركْ مِن قبلُ أنَّ هذا كُلَّهُ مُجردُ حماية، وأنَّ مثلَ هذا الألمِ لا يكونُ إلّا لمن تُروى سِيرهُم على بابِ بئرٍ عميقةٍ؛ لأنَّ الكلام هو ما تَحفظُهُ البِئر وَتُردِّدُه في سِرَّها أصداءَ صمتٍ أو أصداءَ نحيب.
إن الرجل الذي أحب الكناري كان مقتصدًا في حكيه عن ذاك الكناري المتلوِّن، المختبئ بين الوريقات، أو حتّى ذاك المقفوص (من قفص) في قلبه وهو يناجي رفيق يشاركه الزنزانة الآسنة. بالرغم من ذلك، هُناك رجل يحبه. إنه رجلٌ يرتجي مرآة أمامه ليحوز المنطق على ما يراه وما تشهده عيناه ويكتبه قلمه الشجِن.
ماهو الذي لا يحوزه الكناري لكي لا يحبه المرء؟ وما هو ذاك الكناري سوى ذاك الصفار الذي تحبس فيه أرواحنا، أرواحنا سهلة الغوض في بحيرة الصفار المحليّ، ونرى فيه دموعنا وهي تتشكل وتتخلّق أمام أعيننا. نضعه في قلوبنا ونوصد عليه بإحكام على غرار ما قاله بوكوفسكي في قصيدته طائر أزرق:
"ثمَّة طائر أزرق في قلبي يهمُّ بالخروج لكنني أقسو عليه أقول له : إبق في الداخل هناك فلستُ أسمح لأي أحد أن يراك"
فكما في قلب بوكوفسكي طائر بلون السماء، كذلك بسّام يقابل كناريه باستمرار، يعاتبه ويقامر به عوضًا عن البشر، لأن القفص لا يتسع إلا لطائرٍ واحد فقط.. يقول بسّام في قصيدة بضعة أشياء أعرفها وحدي:
"ووضعتُ الكناري في قفصٍ وأطعمته الحبَّ وسقيتهُ الماءَ ومات على الرغم منّي وبكيتهُ أيامًا ثلاثة".
ليردَّ عليه بوكوفسكي على مضض في ذات القصيدة متحليًا بمزيدٍ من الجلد المختَلق، ربما لأن طائره الأزرق ما زال محبوسًا بين تفاصيل قلبه:
"..من الجميلِِ جدّاً أن تجعل رجلا يبكي لكنّي لاأبكي ،، هل تبكي أنت؟".
بكى فحسب، دموعه شخصيات حزينة في الحكاية، حكاية الكناري الذي استوطن رجلًا يذود في مناظرٍ ليليّة عن الحشود، وقال له الكناري: "أبكِ، لكي تجْلوَ عن عينيكَ مياه الغَرَق". ذاته الرجل الذي يخاطب ظلَّه منحشرًا في شَّتات وغُربة قائلًا: "إنّني كنتُ شيئاً، طيفاً يستريح على قارِعَةِ العالم".
إن العمل يضفي على الروح شيء من الحساسية شديدة الإفراط حول محيطنا، حيث نرى فيه أنفسنا وهي تتحرك أمام أنفسنا، وبالرغم من هذا تبدو شديدة البُعد، غريبة علينا وكأننا نشهد عليها للمرّة الأولى. ومن النظرة الأولى يبدو الأمر وكأن مرآة ضخمة تقبع بجانبنا وتتماهى مع كل تحركاتنا. هذا الرجل المغترب عن نفسه، يراها أمامه ولا يقدر على لمسها.
"قال لها: اقتربي أضع رأسي على صدرك. قال لها: هذه ليلتي الأخيرة. وقال لها: لا تبكي. وبكى".