يستنطق النص الروائي "بخور السراب" للمبدع بشير مفتي، الجرح بعد معاينته الفاجعة له: وهو جرح متعدد الأبعاد والمناحي، يلتصق بالذات وهمومها وتطلعاتها وانكساراتها: أتراحها وأفراحها المجهضة، ما يلتصق بوطن مفجوع مكلوم موزع بين ثورته الممكنة المعلقة وسقوطه الفظيع، وهو جرح يتسرب إلى التاريخ ويتغلغل فيه ويحيل إليه، وزيادة على هذا يغوص العمل في جرح فلسفي عميق يشير إلى الهموم المستبدة المحدقة ويشخصها ويفتح الأسئلة القلقة التي لا تستكين: الأسئلة التي تحاصر الذات والمجتمع والتاريخ وتتربص بهما بين المعاينة الفنية لجرح شديد الغور ورصده فلسفياً تتأطر أجواء هذا العمل الروائي، ويمكن القول أن فرادة هذا العمل الإبداعي تتأتى من كونه يشكل انعطافة نوعية في المسار الإبداعي تتأتى من كونه يشكل انعطافة نوعية في المسار الإبداعي الشخصي للروائي، وهي انعطافة تنحو باتجاه تعميق التجربة الفنية وإمدادها بما يسمح لها بالارتقاء وتوسيع الورشات الكتابية التي ينهل منها الروائي ويغترف: وإنضاج الأدوات الفنية التي يتوسلها مستفيداً من شتى الاشتغالات السردية جزائرياً وعربياً وعالمياً.
كاتب وصحفي جزائري ولد عام 1969 بالجزائر العاصمة٬ أصدر العديد من الأعمال القصصية والروائية من بينها "أرخبيل الذباب" (2000) ٬"شاهد العتمة" (2002)٬ "بخور السراب" (2005)٬ "أشجار القيامة" (2007)٬ "خرائط لشهوة الليل" (2009). ترجم بعض أعماله إلى اللغة الفرنسية. كما أن له مساهمات عديدة في الصحافة العربية ويعمل في مؤسسة التلفزيون الجزائري كمساعد مشرف على حصة ثقافية تحمل اسم "مقامات".
لا أمل لكل من بزغت عيناه في هذا المجتمع سوى معاقرته للحرام في أبهى تجلياته متمني نسيان واقعه و راجيا ملاقاة أحلامه كانت أولى محطاتي في عالم بشير مفتي رواية أشعلت لهيب أحاسيسي و دهشتي من النفس البشرية مرة أخرى تكمن صعوبة شرح الرواية في درجة تعقيد الفرد الجزائري بطبعه وفكره من جهة. فالكثير منا نشأت بينه و بين والده علاقة متناقضة تجنبية و غير منظمة وهذا ما وصف به الكاتب علاقته مع والده التي دفعته إلى مغادرة المنزل باحثا عن حلم سعيد يبعده عن بهلة عائلته. جزائرنا هل أنت ملعونة ؟ فحتى أفكار ثورتنا تم اضطهدها من العدم ثم تزويرها و جعلها تبدو إرهابية ... أما عن الحب فهو مجرد ترهات تزين رغباتنا في مداعبة تلك الفخذين و معانقة النهدين ثم علاقة تُسقط قناع الحب إلى الأبد لنتأكد بأنها مجرد نشوة لا أكثر.. بخور السراب جعلتني استحضر ذكرياتي مع ألبير كامو في روايته الغريب شعور يوثق نفسية الجزائري و عقليته مهما طال به الزمان و المكان
تتنقل الرواية بين عدة موضوعات متشابكة. فالبطل يعيش حالة من اللاأدرية في كل مراحل حياته. وينقم على وصاية التربية والمجتمع. يتأرجح في بحثه عن الحقيقة ما وراء كل شيء (ميتافيزيقية).وعندما يظن أنه وصل إلى فهمٍ صحيح للحياة ، يدرك أنه خسر الأهم ؛ حبه وحياته.
أما خالد رضوان الشخصية الثورية في شبابها التي كانت ترى الحقيقة في الدفاع عن المحرومين ، يدرك بعد الثورة (الجزائر نهاية الثمانينات وبداية التسعينات) أن حزبه خائن وأن السلطة باتت الجهة الحامية الوحيدة في وجه الفوضى والإرهاب والمتطرفين الدينيين.
من خلال سعاد آكلي (فتاة تمردت على سطوة الرجل. وميعاد (البريئة التي قتلها الحب مرتين) وحليمة (الجدة التي أحبها الصوفي ثم هجرها وتزوجت الفرنسي ولكنها قدمت الوطن عليه) يتناول الكاتب فلسفة الحب الذي يصفه بأنه(باب صعب ولكن ما إن نتجاوز عتبته حتى تشرق أنواره).
الرواية قصيرة (183 صفحة) ولكنها ممتعة جداً ومحفزة على التفكير. فالشخصيات الحائرة تتغير توجهاتها وأفكارها بين صفحةٍ وأخرى محاولةً الوصول إلى الحقيقة!