بدأ صوت عربته يسمع وهي تنهب الطريق بقرقعة عظام حديدية، وتثير ضجة غبار حولها، وصارت تُشاهد في صفحة الظهيرة الحارة، وهي تسير متقافزة في الشوارع غير الممهدة، وتنثر ماء الكسح، يطاردها الصبية والأطفال كعربة سعادة، تنشر الماء البارد في أيام الصيفية التي لا تنتهي، حتى أتقن عم أحمد علي عمله ككاسح، وقرر تلوين العربة بألوان الطيف، وكتابة أرقام هواتفه عليها، ليقدم خدماته في الكسح ليل نهار، فقام علي علي بذلك على أتم وجه، فدهن الصندوق بالأصفر الفاقع، وجعل الحواف حمراء، ورأس العربة نبيذيًا، مع أعين بأهداب خضراء، ولوّن الخرطوم بلون برتقالي مكتوم، ثم وضع ملصقات جماجم وشياطين راقصة في أنحاء العربة، كما طلب عم أحمد علي، واحتفلا معًا بعدها بلفة حرة في الحي، وخروج إلى شوارع المدينة، وعلق علي علي على جمالية الجلوس في قُمرة عربة نقل مرتفعة بقوله: – كأنك ربنا وتنظر للعالم من فوق السحاب.
كاتب مصري مقيم في القاهرة، صدرت أول رواياته؛ ٣٠ أبيب عن دار بتانة عام٢٠٢٢، ثم صدرت ثلاثيته؛ الصداقة كما رواها علي علي وعودة ثانية للابن الضال وجنازة البيض الحارة عن دار المرايا عام٢٠٢٣، وروايته أميرة البحار السبعة عام٢٠٢٤ عن دار المرايا أيضًا، عام ٢٠٢٥ صدرت روايته الواقعة الخاصة بأموات أهله عن دار تنمية والتي تعيد نشر أعماله منذ البداية.
الغلاف وأسم العمل هما إلى خلاني أجيب الرواية أنا بعشق فكرة الصداقة وعلاقة الأصدقاء وللأسف حاجة غير منتشرة في الأدب أو الأفلام بشكل كبيرو خصوصًا الصداقة بين الرجال ديمًا في صديق البطل البسيط إلي جاي من الاخر عشان يلمع البطل. فلو رواية أو عمل عرفت إنه المحور الأساسي ليه الصداقة فأكيد هشتريه (شايف دلوقتي كتاب عم نتحدث حينا نتحدث عن الصداقة لبلال علاء بيضحك من الرف وأنا لم أقراءه وأنا جايبه من أيام المعرض، بس ميعرفش أني سايبه لوقت الحاجة).
رواية فعلًا عاملة زي ملحمة صغيرة قصة شعبية تتحكي على قهوة تاخد منها العبرة " سمعت عن الحاج أحمد علي وصديقة علي علي.."
صديقين واحد هو من اخر الناس في شغلته عنده عربة كسح مجارير “فتحية" وعنده حلم من وسط أحلام كتير انه يكون عنده اسطول يكسح بيه خرا البلد، وفنان عنده ورشة صغيرة ملوش في حاجة الا الفن من وهو صغير. والاثنين متجمعين في حي صندوق الرعاية مكان الحكاية وبس كده عشان العمل صغير جدًا الواحد مش عاوز يحرق أي حدث. رواية -نوفيلا- جايبه البلد من تحت من حيث المكان والشخصيات وطبيعة العمل، والكاتب لبذل مجهود كبير في البحث والمعلومات الواردة عن المنطقة، لقدر يقنع الواحد إنه عمل المجهود ده فعلًا بس من خياله، وفي كلتا الحالتين أنا شايف المنطقة حية قدامي. والنهاية “the end” ‘la fin” كانت ولا أروع. الرواية كانت مفاجأة الصراحة والكاتب والأسلوب واختيار مكان العمل وطبيعة الشخصيات كانت من أروع ما يمكن وكل ده في أقل من 70 صفحة. أكيد تقرأ وأكيد هجيب للكاتب أعماله الأخرى.
بقالي كثير جدا مش بكتب ريفيوهات عن روايات بس النوفيلا دي أثارت فيا شئ وكان لازم أكتب عنها وأعرفكم بيها بعد ما عرفتها بالصدفة من صديقة ليا. الصداقة كما رواها علي علي هي حالة فريدة من الحكايات اللي تقرأها وتحس إنك سعيد وحزين ومتوتر ومصدق ومش مصدق ومستمتع الى درجة لم تصل لها الا نادرا 😍 صداقة تربط بين كاسح مجاري صعيدي وفنان رفيع المستوى يعمل خطاطا في منطقة نائية متطرفة من أراضي القاهرة المنسية. أحداث تكشف النفس البشرية بسوادها وبياضها لتعرف أن الصداقة ستكون كما غيرها من مواضيع الحياة تتوقف معرفتك بها على ما سوف يرويه لك راويها. بساطة الكتابة كانت أقوى من تجاهل سحرها وهنا كانت المفارقة التي أرقتني، وتسائلت كيف كتبها هذا الرجل ولماذا لم تتردد صداها في أوساط المجتمع الثقافي رغم الحالة العجيبة التي تصبها في النفوس؟
نوفيلا قصيرة تنتهي منها في جلسة واحدة لا تتعدى صفحاتها المئة ولكن مترابطة وحبكة قوية جدًا وأسلوب ولغة لا غبار عليهم
القصة بسيطة وشعبية وأشخاصها أيضًا أناس بسطاء. تدور حول عن أحمد علي علي وهو يعمل على عربة كسح " أي جامع للقمامة" وتدور بين وبين علي علي صداقة قوية، وهو فنان ويعمل خطاطا في المنطقة يرسم اللوح والإعلانات ويستطيع رسم وتلوين أي شيء ، فهي يحيا بالفن ولا يستطع الاستغناء عنه
❞ كان علي علي موهوبًا حقيقيًا، وُلد بالفن وعاش بالحُب. لم يفلح في أي دراسة، فقد كانت رغبته المحمومة في الرسم تدفعه إلى حرق أطنان من أوراق الكتب المدرسية والكشاكيل والكراريس في الرسم: ❝ ولكن هل ستستمر هذه الصداقة أم للشيطان رأي ثان؟
وفي يوم ما يلعب الزهر مع عم أحمد علي ويكتشف ما سيغير حياته للأبد .. عنوان القصة مناسب تمامًا لما سوف تقرأه لأن الصداقة رويت من منظور علي علي وليست كما رواها عم أحمد علي -لانه لو هو لرواها لكان له رأي مختلف تمامًا-
القصة تعتبر ثلاثية هذا اول جزء والثاني يدعى" عودة ثانية للإبن الضال " والثالث " جنازة البيض الحارة "وضعتهما في القائمة ولابد من قراءتهما قريبًا
إنتظرت قراءة تلك الرواية أكثر من ثلاث سنوات حتى أجد طريقة للحصول على النص، مع الأسف الرواية غير موجودة إلا على أبجد ولكنها تستحق كل الإنتظار.
أعتقد أن تفاصيل تلك الرواية ستظل حاضرة في ذهني بشدة لمدة ليست بقصيرة.
الرواية صغيرة ومكثفة ولكن كافية ووافية، تحكي عن صداقة رجلين وهما "عم احمد علي" و"علي علي"، صداقة لا تشوبها شائبة ولكن هل ستظل هكذا أبد العمر أم سيحدث أمر يعكر صفو تلك الصداقة الرائعة.
رواية مصرية مئة بالمئة، روحها مصرية وأحيائها مصرية وتفاصيل شخصياتها مصرية وبشدة، وبالرغم من عدم لجوء الكاتب إلي العامية "وهذا ما حمدت الله عليه" إلا أن الرواية تملك روح الكلمة المصرية.
رواية في مضمونها تناسب جميع الأزمنة، تستطيع قراءتها في جلسة واحدة فلا تتركها إلا وقد انتهيت منها وعلامات الدهشة تعلو وجهك.
"كنت وكأنني أمثل دورًا مكتوبًا لي وليست عندي القدرة لتغييره."
في أقل من سبعين صفحة، يأخذنا "محمد عبدالجواد" إلى حكاية تنتمي إلى النوادر الشعبية، حكاية قد تسمعها في أي ميكروباص من سائقه، أو في أي قهوة من نادلها، أو في أي حارة من قاطنها، حكاية تمتد وتتسع رغم ضيق حيزها الجغرافي، وقلة شخصياتها، ولكنها مكتوبة بألفة شديدة، خصوصاً لقاطني المناطق الشعبية وما يندرج تحتها من حارات وأزقة وعشش وعشوائيات وإلخ، ومنذ البداية، نفهم أن هذه الحكاية تدور حول الصداقة، كما يُشير عنوانها، بين أحمد علي وعلي علي، فتلك الصداقة المتينة التي خلقتها الأقدار، حتى في اسمهما فللوهلة الأولى تشعر بأنهم أخوة، ومع تتابع الأحداث نكتشف أن علاقتهم لا تكتفي بتشابه اسم الأب فقط، ولكن بتشابهات عديدة، وارتباطات عديدة، مهدت لعلاقة صداقة من أغرب وأعجب وأمتن ما يكون، فكما نعلم كلما كان التضاد قوياً يزداد التجاذب.
خلفيات الشخصتين مرسومة بعناية، منذ الماضي البعيد إلى الماضي القريب إلى الحاضر، تنقلات وأحداث وأفكار تنقلك إلى جو الأحداث لتعيشه، وتقربك من الشخصيات لتتفهم دوافعها، وتتفاجئ بقرارتهم العجيبة، وفي هذه الرواية قام أحد الشخصيات بقرار مجنون وعبثي لم أراه على الإطلاق، ولكن بمجرد حدوثه، تقبلته كأنه أحد أكثر الأشياء منطقية وعادية، وذلك بسبب البناء الدرامي الذي أخذ يعلو ويعلو حتى النهاية، لتكتمل المأساة المُسماة حكاية، وحينها فقط نتأمل الصداقة كما رواها علي علي.
نوفيلا جميلة ومشجعة للقراءة للكاتب "محمد عبدالجواد" مرة أخرى.
"وداوى جرح الثقة المتعفّن في جسد الصداقة العظيمة بوعد، بينه وبين نفسه.."
من المفرح لي أن أقرأ عملًا معجونًا بأهله، مرشوشًا بأفراح بريقها كنثار الذهب الخالي من الجريمة وخيانة عهود الأصدقاء، أو مُغمّسًا بتلك الأحزان والهموم اليومية والتي لشراستها وقبحها تفوح منها رائحة المجاري الفائضة من مطارحها. عشتُ في أماكن مختلفة ولم يصدف لي أن رأيت عملية عينيّة لعملية "كسح للمجاري" كما أسماها الكاتب أو "النضح" كما تعلّمت أن أسميها في الأردن، ولكن وللمرة الأولى أختبرُ تلك الرائحة؛ فوّاحة من نص فيه ما فيه من عنف وإجبار على عدم خيار الفكاك منها، كما حارة أنت بحاجة لقطعها ولك "حرية" الخيار في بلع رائحتها أو خسارة الأنفاس! هكذا كان العمل، رائحته نفّاذة كرسالة أمينة منقولة عن أهله، كراصد جهد أمين لعم أحمد علي ومن يشبهه.
علي علي أيضًا شخصية أخرى. الفنان المغمور في حياته (واقعًا ومجازًا) في الحارة الغاصّة بالفقر والمعاناة والتي تشارك وتقاسم عم أحمد علي تلك الرائحة التي يتكبّدها بدوره تنفيسًا عنها أيضًا، معيدًا لها فراغات التغذية والتنفس بعمله المتقن، هي عملية تكاملية إذًا!
كانت قد طالت فترة غيابي عن أرض الكنانة، حتى أنّي قد نسيت آخر الأعمال التي قرأتها من هناك، وإن حضرتني فلم تكن هكذا: معجونة فعلًا بتلك الأرض وأهلها وهمومهم وأفراحهم. وكانت هذه الرواية القصيرة عودة لبداية جديدة جميلة.
تشبه قطعة سينمائية أصيلة، يلفها الواقع وتبتعد عن الرخص الفني رواية عن المعاناة والرائحة
من زمان لم اقرأ رواية لذيذة كطبق سبانخ ساخن في ليلة شتوية، وأنا مغرمة بالسبانخ بالمناسبة على عكس الكثيرين. أعرف أن محمد عبد الجواد يكتب عن مناطق وأحياء وأحداث لا يُحبذ الكتابة عنها.
هذه الأيام زاخرة بمبدعين أفكار رواياتهم مخملية، صراعات أبطالهم عن الهوية والتغييرات والأيدولوجيات، أو تاريخها يحاول العودة إلى أيام يُظن فيها الملكية السعيدة، أو النسوية والحداثة وما بعدها.
عبد الجواد يأخذك إلى أعمق نقطة عشوائية في مصر. بعيدة تمامًا عن الرقي والثقافة. أبعد ما تكون عن حياة أحلامك. لكن ترى نفسك فيها بشكل ما. بين أحلام أهلها البسطاء البدائية، وجموحهم الغريزي الحيواني أحيانًا، بلمحة سحرية تحوّل عربات الكسح إلى بساط سحري، وبرك الطين إلى أرض أحلام وردية، والوجه المتجهم لرجل صعيدي أصيل إلى وجه فارس أحلام.
سعيدة بتجربة القراءة تلك، وهذه الواقعية الساحرة التي يقدمها لنا في وجبة دسمة كاتب يحيك الكلمات كالحرير.
نوڤيلا صغيرة خلصتها في جلسة واحدة، كنت متشوقة جدًا ليها وحاطة عليها آمال من كلام الناس عنها وخصوصًا إني بتفائل بالروايات القصيرة إلي مضمونها بيبقى دسم أكتر من الروايات الضخمة، لكن أعتقد إني عليت طموحاتي شويتين كدا.. الرواية صغيرة جدا ف نصها الأول ( إلي هو ٣٠ صفحة بس) كان بداية بناء شخصية عم أحمد علي والعالم الصغير بتاعه والنص الثاني والأكثر إمتاعا بالمرة وهو المحتوي على مزيج الصداقة والحب والشهوة والعمى والحزن. خليني أتكلم عن كذا نقطة بشكل عشوائي: - الرواية ممتعة وصغيرة أوي ف لو قرأتها بغرض تسلية كام ساعة هتخرج متمزج وهشتري باقي الأجزاء عشان جلسات جميلة زي دي تاني. - الرواية عاملة كأنها فيديو أتفرجت عليه ع الفيس أو قصة تتقال ف جملتين، ونصها الأول لما قرأت كذا حد بيقول إنه قد أية أندمج ف عالم عم أحمد علي أنا مفهمتش أندمج مع أية وليه بالنسبة ليا كان ( بردو نحط عامل الصغر الشديييد للروية) كأن حد بيبدأ يحكيلي عن شخص وها هندمج لا خلاص كدا الرواية بتخلص...معجبنيش بردو إن علي علي محكيناش عنه كفاية. - أول مرة أبقى ماسكة رواية وأكون بقرأ عادي فجأة أفتح بؤي واتفاجئ من حدث لأنه مفاجأة شديدة ودا- مع بعض التفصيل السابقة والتالية للحدث - خلى فيه شرارة شوية. - كنت منتظرة أحس بالملحمة إلي كله بيقول عليها وشحنة المشاعر المختلطة إلي من المفترض تحتوي عليها الرواية بس محستش بدا خالص حتى " الصداقة" إلي هي تقوم عليها الرواية محستهاش خااالص أبدا ( المفاجأة إلي خلتني أفتح بؤي مكنش الحدث المتعلق بالصداقة).
#سفريات2024 #الصداقة_كما_رواها_علي_علي من جديد مع الكاتب"محمد عبدالجواد" والجزء الثالث من ثلاثية الصداقة"من وجهة نظري" بعنوان "الصادقة كما رواها علي" والصادرة عن "المرايا للثقافة والفنون"
الكاتب بيكمل ف جنونه وعبقريته، حكاية عن عالم سفلي جديد، بيحكي لنا عن الصداقة في صورتها البدائية، الحظ في أبهى وأبشع صوره، الغدر المترصد في الحكاية
حكاية جديدة عن المهمشين، بسرد عبقري، وشخصيات متداخلة، متملكش قصادها غير إنك تقعد تقرأ وإنت متسلطن
فيه روايات كده بعد ما بتخلصها بتبقي مش عارف تكون رأي و لا تكتب عنها ايه. الرواية دي كده! طيب انا حبيتها؟ جدا! حبيت فيها ايه؟! معرفش! بس جو الرواية رغم انه معبأ برائحة المجاري اللي طافحة في كل ركن من الرواية، إلا إن الكاتب نجح إنه يصنع حرفيا من المجاري شربات! و أوجد عالم ساحر من داخل شخوص المجاري و اللي عايشين علي الهامش، و كأنه يعيد صياغة قصة الخلق الأولي؛ أخوان فرقتهم الشهوة و حب إمرأة! فيقتل أحدهم الآخر ثم يحاول أن يواري سوءة اخيه،ثم يعضه الندم. و لكن الحياة تمضي بعده بل و يكتشف الحياة الأرحب. يمكن مش غريب يبقي اساميهم متشابهة "أحمد علي" و "علي علي"، كأنهم قابيل و هابيل أبناء آدم. لو حبيت "نساء الكرنتينا" أو "بياصة الشوام" هتحب الرواية دي جدا، مع جرعة أقل من الفانتازيا، لكنها مازالت ساحرة.
ملحمة عن الحب والصداقة تُذّكرني تيمتها بصداقة عشري وإبراهيم، وتلك الحورية ذات الشعر البني الغجري التي تشبه كثير صابرين كلتاهما تتمتع بذلك السحر الفاتن القادر -ولا شيء غيره- على وضع حجر الأساس لنهاية صداقة ملحمية امتدت لعقود من الزمان الخائن في القصتين حورية وصابرين، أما علي كعشري.. صاحب صاحبه
بديعة. آسرة. مدهشة. فائقة الجمال وتُلتهم التهامًا. ينثر محمد عبد الجواد حروفه كأمطار هادئةٍ على أطلال الصداقة. عالمٌ ساحر، خلقه الكاتب باقتدار، تفاصيلٌ شديدة البساطة وغايةٌ في التعقيد. حبٌ غريب. أملٌ مزهر. ندمٌ مرير. اعتذارٌ ضائع وخيانةٌ قاسية. عملٌ استثنائي، يعكس واقع العلاقات البشرية المعقدة، المبني على التضحية والمساندة، وفي بعض الأحيان الخذلان.
الصداقة كما رواها علي علي: قراءة في الصداقة والتعجّل ومِنْ الحب ما فعل.
رحلتي: تاني رواية أقراها للكاتب، ضمن التلات نوفيلات ا��لي نزلوله مع المرايا في معرض القاهرة ٢٣، ونزلوا متأخر فملحقتهمش للأسف، بس أنبسطت لما لقيتهم على أبجد (مشكورا)، بس ميمنعش إني هجيبهم ورقيا ف وقت من الأوقات؛ لأنهم فعلا يستاهلوا، ولأنه -لحد دلوقتي، وبعد البديعة؛ جنازة البيض الحارة- مازال الكاتب بيدهشني، ومازلت بحاجة للمشي تحت السطور بقلم، والتعليم على براعة شوية تعابير وتشابيه ووقفات موسيقية مخلوقة بالحروف والنقط، ذكرتني بحبايبنا اللاتين المجانين اللي بيحسسوني بالأمان، وبقدرتهم على خلق تعبيرات بديعة بتقولنا إن سلاح اللغة لسا بخير، وإن مهما حصل هتظل تركيبات الكلمات جمب بعض لسا قادرة على إثارة دغدغة داخلية محببة، ونشوى روحية منشودة، ولو بعد مليون سنة من اختراع الكتابة وتطور اللغات، ولو بعد حين.
المهم، تجربتي معاها كانت مصبوغة بالسابق، لأنها بالنسبالي -لا إراديا- ظهرت في ظل جنازة البيض الحارة، واتقارنت بيها من غير ما أكون قاصد، المهم إذن، مطلع الرواية مرعب، رهيب، مش ممكن، على عكس مطلع "الجنازة" اللي كان لطيف جدا، بس مش قوي، مطلع "الصداقة" -وعلى قدر مقتي لاختصار أسماء الكتب الكاملة، بس لدواعي الظروف هنختصرهم- كان رصين، بيقول إن في تطور في قدرة الكاتب على الغرق مزيدا في المحلية الملهمة، بعدد أقل من الشخصيات وبسخرية أقل لذعا من "الجنازة"، مع استمراره في تشبيهاته المعقدة وجمله الطويلة والاعتراضية الخالقة لروح استمرت تفكرني بأبي كل الأدباء الآخرين؛ حبيبنا ماركيز -رحمة الله عليك يا حبيبي، وبشبيشا للطوبة اللي تحت راسك والله-، وبالتالي توقعت إنها اتكتبت بعد "الجنازة" -ف الأغلب اتأثر عليا بتواريخ الإعلان عن النوفيلات اللي أسرتني للحظتها، على صفحة المرايا على فيسبوك، من شهر- لما الكاتب عرف يمسك تلابيب حكايته أكتر، ويغرقنا في ماكوندو مُصغّرة -معرفش عن قصد ولا لا- في حي أرض الحميّات -مسكن الفقر والعفاريت والغائط ورسوم علي علي على الحيطان والبشر- وهكذا وهكذا، بالكثير من القصص الفرعية الجميلة بنتعرف على عم/الحاج أحمد علي، وصديقه/ضرة مراته علي علي، ومراته صابرين (هل الاسم مقصود؟ صابرين على البلاء؟ معتقدش) وبنشوف صعود خوسيه أركاديو الخاص بينا (ولا كان اسمه أركاديو خوسيه؟) وبناءه لمملكته الصغيرة وقصة تعرفه على صديق عمره علي علي، لنهاية القصة اللي مش عايز أحرقها.
طموحاتي حوالين النص: كنت محتاج أنه يكون أكتر، أطول، وأعمق، وأكثر تفصيلا في قصة الصداقة. كنت محتاج تاريخ أكتر للطبقة دي وللشغلانة دي. كنت محتاج علاقة مشوبة بالشبهات بينهما (فقط للمزيد من التتبيل، وإثارة القلاقل، الشيء اللي عملته "الجنازة" بطريقتها الخاصة). كنت محتاج يكون فيه مبرر للتحول المفاجيء في شخصية علي علي، مرورا بتصرفه في آخر فصل (اللي حسيته اتسلق بسرعة ومتمش التمهيد ليه ولا تبرير تطوره وحدوثه، مع أحمد علي، ولا مع صابرين، وقصة حبه نفسها كانت محتاجة تبرير أكتر لفيتش الشعر البني عنده، بالمزيد من التاريخ والتروماز والقضايا وإلخ إلخ)، كنت محتاج المزيد من الحكي، والمزيد من الشخصيات، والمزيد من الترابط بينهم، والمزيد من المبررات لتصرف الشخصيات (لحد دلوقتي البروتاجونست، ف النوفيلتين، بيقرر قرارات فجائية -ميسوجنستية- ف آخرها، ف "الجنازة" مبررة، ف "الصداقة" مش مبررة)، كنت محتاج المزيد من غدر الصحاب والشهامة والشجاعة والدناءة والسحر. أولسو، كنت محتاج إن الخاتمة متكونش سريعة ومتعجلة كدا -زي "الجنازة"- كنت محتاجها تاخد مجراها براحتها وتكون ملحمية زي خاتمة "الجنازة". أخيرا وليس آخرا، كنت محتاج إن الكاتب يستعيض عن استخدام "الذي فعل/ الذي كذا" في إردافه لجمل إضافية بمعلومات ساحرة عن شخصياته، كنت محتاجه يلعب باللغة أكتر من كدا، ويخلق أدوات ربط مبتكرة أنا شبه متأكد إنه قادر على الأتيان بمثلها.
أعتقد دا كل اللي خاطر على بالي حاليا، ودي مش مراجعة نقدية ولا أكادمية ولا تطبيلية للكاتب، ولا ناتجة عن دراسة ولا قراءة اتنين وتسعين ألف سنة للأعمال الأدبية الهامة وفطاحل أرباب النثر والشعر. أنا بس بحب أكتشف حاجات حلوة، وبحب أقول على الحاجات الحلوة إنها حلوة. وبما إن الكتاب المديوكرز بيتمدحوا-بعته أدبي، وبحِس مريب من الثقة في الحكم على الناس والأشياء- من قراء مديوكرز، فمن حق كاتب مش مديوكر يتمدح من قاريء بيحاول ميكونش مديوكر. وشكرا، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أخشى إن أكتب تقييم يتعدى حجم القصة، التي تروي حياة أحمد و صديقه علي، اللذان يتشارك والداهما في نفس الاسم. هنا الراوي هو الكاتب نفسه، و الصداقة الممتدة بين الرجلين تبدو كما لو كانت من طرف واحد. أحمد يشجع و يسأل و يزور و يجامل و يجلب الطعام و الفرص لعلي بينما يعمل بجد و يعيش حياة طبيعية و علي منزو في مرسمه إلى أن تتفاجأ بالنهاية الصدمة. التي أعتقد انها مفاجئة و لكن واردة. تقرأ في ساعتين، سلسة و مختلفة.