لمسة من عالم غريب مثل همس الجنون الإبداعي الذي يطيح بالغطاء الزائف للركود الفكري مصطفى ذكري يفتتح في سردياته معمل إظهار القصص العالم أشياء نراها على نحو ما أو نرى أنفسنا فيها كأنها مرآة أو تشتبك حواسنا مع عمليات عمل عقولنا لتطبع صورة عن الآخر في شعورنا فنبني ما حولنا في ضوء خريطة إدراكنا ونلقي ضوء معرفتنا الشحيح على ظلال ما يحيط بنا أو نستقبل ذاك الضوء في فضاء خزائن الذاكرة هل تبحث الظواهر عن ضوء يمنحها الوجود في عيوننا أم يبحث الضوء عن ظواهر يسكنها ويتمدد فيها كي تزوره عيوننا هناك شذرات من المعاني تتناثر في ذهنك حين تقرأ مصطفى ذكري الذي أحب كتابته بكل ما فيها من غرائبية تستصرخ الوعي الكامن فينطلق الضوء من شعلته الناعسة يأخذ مصطفى ذكري قبسا من الكون السابح في خواطرنا البشرية الجمعية المتناثرة بين أروقة أحلام اليقظة والنوم والفن ويضعها في صورة سردية لا تتوقع حكاية عن العواطف، وصراعات عن المكاسب وشخصيات تعرف مثلها، وخط زمني تسير خلفه، وأمكنة تحن إليها إنما هي لحظة جمالية ممتدة ودائرية وملتفة ، عن طريقة عمل القصة سترى علاقات بين القصة والحلم، القصة والإضاءة، القصة والإيقاع، القصة والوحدة القصة وخزانة التقاليد الأدبية، القصة المانحة، القصة التي ليست أميرة لكنها تنتظر القصة التي تدعوك لتذوق الحياة، القصة التي تخبرك عن المخازن التي يضع فيها البشر ثرواتهم الحقيقية ميراثهم الحضاري، ويخفون مداخل أبوابها السرية القصة التي تروي قصصا عن أصلها وفصلها القصة التي تعرض صورة الرحلة الإبداعية القصة التي تصل إليك بعد أن عرفت غيرك ووصل معها إلى نهايته القصة التي تراها صورة في الطبيعة معلقة في تكوينات السحب وفي محيط كوب الشاي القصة التي تفتح لك بوابات لمدائن اللغة، وحدائق البلاغة القصة القطعة الوحيدة التي تنمو في حلم كاتبها قبل أن يرى صورة تشبهها أمامه بعد أن أخذته ناحيتها القصة التي يحتار كاتبها في الاستسلام لها أو تفسير علاقته بها فيكاد ينوي التخلص منها وهو مشحون بحبها والخلاص بوح بالمعنى لا يقوله أبدا إذا لم تكن مشغولا بالعملية الإبداعية ستستفزك روايات مصطفى ذكري، وإذا كنت تميل إلى الصور الروائية التي تحاكي الواقع فلن تجد بغيتك، وإذا كنت تريد عالما يماثل التاريخ، ويتخذ نسق العرض الحكائي لمتخيّل محكوم بقواعد منطقية، فمصطفى ذكري له موقف من القصة المنطقية ذات البنية المعتادة، بوصفها مرحلة مهمة، لكن القاص الذي منح ذاته لفنه يتجاوزها، فعرض صور شخصيات نمطية، وأحداث موازية لما نألفه، مكانه المتحف السردي وليس الإبداع الجديد. تختلف مع مصطفى ذكري أو تتفق، لكن الفن مغامرة والحياة فيها من يتابع المواقع الإخبارية وسط صحبته الحميمة ومن يتسلق الجبال وحده ويكتب عن تجربة لمس كل قطعة أدركتها حواسه ومست مشاعره وشغلت ذهنه في ذاك الجبل العظيم جبل الحواديت الملتف حول تجاربنا بشكل شخصي أحب كتابات مصطفى ذكري مثلما أحب كتابات منتصر القفقاش فكلاهما يحاول أن يستنفد طاقة الرؤية التي لا حد لها لتنفذ أشعة شمسه في محيط التفاصيل مقتربا من ماهية الأشياء فنصل إلى نسق معرفي يمكن أن يكون كليا يساعدنا على التواصل مع جوهرنا الخفي
يمكنك الكتابة بهذه الطريقة إلى ما لا نهاية، مئات السطور والفقرات المتداخلة، متاهة من الكتابة ولكن أين المتعة. للأسف الرغبة الملحة في الفذلكة واللعب افسدت علينا قصة جميلة يمكن أن تحكيها كما تريد ولكن لابد وأن تكون دائما نصب عينيك ولا تتوه منك كما في حالتنا هذه.