Jump to ratings and reviews
Rate this book

لون اللعنة

Rate this book
"أخفت حبة الليل في تغيير بصمة القدر فضرب الشقي رأسه بجدران أعمدة خرائب يوليوس قيصر حتى صنع الدم على وجهه سيماء أشبه برموز السحرة. وسمعه الخلق وهو يخرق سكون الليل بالعواء الذي اعتاد أن يطلقه كلما أحاقت به بلية. ولم يدر بخلد أحد أن بلاد تلك الليلة يمكن أن يدفع سليل الظلمات إلى استعمال ذلك الترياق الذي اعتاد أهل اليأس أن يحتكموا إليه لمداواة أي داء! تسلل، متلبساً جنح الظلام، وغاب في أزقة المدينة القديمة. ولم يلبث أن عاد من رحلته ملفوفاً بحبل فظيع مفتول من ألياف الحسد. توقف فوق القنطرة. انحنى نحو الأسفل فبدا واضحاً أنه يتأمل انسياب الماء في مجرى النهر. تأمل النهر طويلاً. ثم شيع بصره إلى أعلى فلمعت في عينيه عناقيد النجوم. رأى في ومضيها ما لم يره من قبل، كما رأى منذ قليل ما لم يره في الماء من قبل. أدرك أن الحياة هي ذلك اللغز الذي لا تتكشف لنا حقيقته إلا في اللحظة التي نقرر فيها أن نتخلى عنها إلى الأبد.

راى الشعر مجسداً في تدافع المياه، في مرونة المياه، في تسامح المياه، في دهاء المياه، في التواءات المياه وهي تتجنب الصخور، في غناء المياه وهي تتلاطم أو تتخاصم أو تتلاءم، في سلطان المياه، وفي هشاشة المياه أيضاً. رأى الشعر في مسلك المياه فأيقن بحكمة المياه، بل بربوبية المياه. والآن ها هو يرنو إلى ملكوت السماوات فتهب لملاقاته قوافل الأنجم لتكلمه بأشعار من ضرب آخر. تكلمه بلسان آخر، في إيماء آخر، فاستشعر وجداً نافعاً لم يدر أين أو متى ذاق لمثيله طعماً. استولى الوجد فارتجّ وترنح وشهق كمن ينازع لالتقاط أنفاس النزع الأخير. شهق فلفظ شعراً. قال الشعر في بيتين اثنين كما اعتاد أن يفعل في الماضي عندما تستولي عليه حمّى الحنين، فأثارت أبياته فضول الأهالي حتى أنها نالت استحسان البعض، في حين أيقظت في نفوس ذوي الحسد صنوف الحقد (كما يحدث عادة كلما هلّت على الدنيا شموس نبوغ جديد) فانبرى هؤلاء يشتمونها ويتبارون في السخرية منها إلى حد جعل أحدهم يعقد مقارنة بين أشعاره تلك وبين الأشعار التي نظمها الطاغية نيرون في يوم الحريق الذي التهم روما فاعتلى الرابية المشرفة على المدينة ليغني أبياتاً جاءت بها قريحته المريضة احتفاءً بزوال أم الدنيا. العبارة المجهولة، وتلألأت في مقلتيه الدموع وهو يتطلع تارة إلى النجوم في الأعالي، وتارة إلى لسان الماء المهاجر في ديار الأسافل. وراء التلال الشرقية انبثق قبس قمر شاحب مغلول بالمحاق".

يأخذك إبراهيم الكوني إلى عالم مائج بالسحر والأساطير مع شخصيته المحورية "شلم" أو "شالوم" والذي يعود بنسبه ربما إلى بطن من بطون قبيلة مجهولة اسمها "حاطوم" التي اقتحمت الصحراء في حملة غزو واحترفت تجارة القوافل المزدهرة في صحراء تلك الأعوام سار "شلم" في ركابها إلى أعماق القارة حتى بلغ تخوم الأدغال حيث تستوطن القبائل التي تقايض حفنة التبر بحفنة الملح. وتروي الأجيال أساطيراً تقول إن هذا الداهية هو أول من اكتشف سر هذه القبائل الخفية في أول رحلة له إلى تلك الأعماق بعد أن رأى في المنام رؤيا قرأ فيها نداء. وهناك أمر لم يختلف فيه الناس، في تلك السيرة، بل أنهم أجمعوا أن الداهية ذهب في تلك الرحلة الليلية إنساناً وعاد منها شيطاناً. بلى، فقد أجمع الخلق أن اللقيط المدعو "شلم" عاد من ظلمات تلك الليلة مخلوقاً آخر بعد أن باع في الصفقة روحه لملك الظلمات.

يمضي إبراهيم الكوني في انطلاقاته بقلم بارع في تصوير الاشياء من خلال عين موغلة في القدم وبخيال ثري ثرٍّ بشتى الاسترسالات المنبثقة من عمق ذاكرة مشحونة بتراث صحراوي رائع...

247 pages, Paperback

First published January 1, 2005

4 people are currently reading
226 people want to read

About the author

Ibrahim al-Koni

92 books364 followers
Ibrahim al-Koni (Arabic: إبراهيم الكوني) is a Libyan writer and one of the most prolific Arabic novelists.
Born in 1948 in Fezzan Region, Ibrahim al-Koni was brought up on the tradition of the Tuareg, popularly known as "the veiled men" or "the blue men." Mythological elements, spiritual quest and existential questions mingle in the writings of al-Koni who has been hailed as magical realist, Sufi fabulist and poetic novelist.
He spent his childhood in the desert and learned to read and write Arabic when he was twelve. Al-Koni studied comparative literature at the Maxim Gorky Literature Institute in Moscow and then worked as a journalist in Moscow and Warsaw.
By 2007, al-Koni had published more than 80 books and received numerous awards. All written in Arabic, his books have been translated into 35 languages. His novel Gold Dust appeared in English in 2008.

Ratings & Reviews

What do you think?
Rate this book

Friends & Following

Create a free account to discover what your friends think of this book!

Community Reviews

5 stars
9 (29%)
4 stars
6 (19%)
3 stars
10 (32%)
2 stars
5 (16%)
1 star
1 (3%)
Displaying 1 - 6 of 6 reviews
Profile Image for Araz Goran.
877 reviews4,700 followers
May 29, 2020
لا شئ يروق للكوني أن يتحدث عنه أكثر من موضوع الحرية، يواصل في هذه الرواية العزف على تلك المعزوفة الصحراوية الخالدة والتي تمثل القلب الوجودي لذلك المكان ولا تخرج الحكايات والحياة نفسها من هناك إلا بفضل الحرية، حيث يقارب الموضوع في مهده ويتجسد الأمر بتراكم بطئ في لعنة تصيب ذلك الشقي المتمثل بصورة محضة وبشعة لـ معنى العبودية الجسدي والروحي ..


عتمة الروح الخانعة وظلام العبودية الأجرد لا يمكن إلا أن يكون لعنة تصيب الرجل ، ليس لـ لون اللعنة نصيب من تلك العتمة بل هي إكتساب جشع وسعي وراء اللعنة ونقص في مادة الحرية في نفس الإنسان .. وليس ذلك بأقسى من الإقتباس الذي أورده الكوني في بداية روايته لـ نيتشه :


" هل أنت عبد؟ أنت، إذاً، يستحيل أن تصير صديقاً "


رواية مغرية جداً لتقرأ على مهل والإستمتاع حاضر دوماً في لغة الكوني ورمزيته وحكايته التي تنبع من واحات الحرية وأساطير الخيال الصحراوي وشؤون الجسد المتيمم في بحر الضياع الأبدي...


Profile Image for بثينة العيسى.
Author 27 books29.5k followers
September 7, 2011

الكوني يكتبُ بلغةٍ كونية. أحس بأنه يفهمُ العالم ونواميسه على نحوٍ جيّد، وعلى وفاقٍ تامٍ مع الطبيعة. عندما يتكلم عن الليل، والصحراء، والماء، والخفاء .. فهو ينطلق من أرضٍ يألفها على نحوٍ مدهش، ويجعلني كـ قارئة كويتية قادرة على النفاذ إلى أجواء الصحراء الكبرى، السرانية والبهية، بسهولة وسلاسة .. من عيوب هذا الكتاب أنه ميال إلى التكرار، كما أنه يقوم بتفسير أفكاره عندما يجابه بعمقها. يحتاج الكوني أن يثق أكثر بذكاء قارئه :)

Profile Image for Hamouda Zaoui.
174 reviews19 followers
April 22, 2022
سئل الكوني يوما لماذا يتعصب للصحراء في كتاباته؟
أجاب: أنا متعصب للصحراء، ليس لأنني بطبيعة الحال ابن الصحراء، ولكن لأنها الطبيعة الوحيدة المتسامحة والمظلومة والتي تدمر كل يوم، البيئة التي تعاني منذ الأزل من التدمير والتهميش والاستعباد والإنكار، بالرغم ان عالم اليوم كله يستمد من الطاقة القادمة من الصحراء ومن الخيرات التي تمدها الصحراء، في بلد مثل ليبيا أضحت الصحراء مصدراً للماء.
يعتبر الروائي الليبي إبراهيم الكوني (1949)، واحدا من أبرز وأهم الروائيين العرب المعاصرين، وذلك لتميزه وربما تفرده في تصوير عالم الصحراء الليبية، والتي تمتد سهوبها غربا نحو الجزائر والمغرب وموريتانيا، وشرقا حتى تتصل بصحراء مصر، وجنوبا حتى قلب القارة الافريقية لقد اختار الكوني عالمه الروائي السردي الملحمي في هذه المنطقة التي ظلت لآلاف السنين موطنا لقبائل الطوارق التي تتداخل حدودها وتتلاشى في تلك الصحراء الشاسعة.
الأمر الذي خلق تراثا غنيا وحيا ومتنوعا من الخبرات الانسانية والثقافية لدى أبناء قبائل الصحراء بدء من الإسلام الذي اعتنقوه ومرورا بكتلة من العقائد البدائية والوثنية، والموروثات الأسطورية والخرافية التي عمقت جذورها في التربة الثقافية والمخيال الشعبي الجمعي لمجتمع الطوارق، وشكلت بالتالي خصائصه النفسية والفكرية وتصوراته الاجتماعية والوجودية بشكل عام.
رواية لون اللعنة هي بمثابة دراسة نفسية-فلسفية للعلاقة بين الإنسان والإيڨو الذي يحمله، هذه العلاقة التي فسرها الكوني بعجائبية من خلال عالم الصحراء وفضائه المنفتح على الأفق والمجهول، حيث أن هذه العلاقة تمثل قمة الصفاء والاخلاص المدهش، وكذلك التناقض والإنغلاق، فهذه العلاقة عند الكوني بمثابة لب و جوهر التجربة الانسانية، حيث يعمل المكان أي المسرح الصحراوي الفقير بندرته وعناصره القليلة ومحدودية ما يخاض من صراع من أجله على الكشف بصورة مدوية عن جوهر الطبائع والخصال البشرية، وعن تعالق الاساطير والخرافات والموجودات الوثنية الصحراوية التي تدخل في نسيج حياة أهل الصحراء وتشكل ثقافتهم وعقولهم وتنمط علاقتهم بالمكان وما يحتويه، فالمكان -الصحراء- هو وحده الذي يجعل الوجود وحدة واحدة، حيث تغتسل الروح فيه وتتطهر لتتمكن من الاتحاد بالخلاء الأبدي.
على غرار بقية أعماله استطاع الكوني في عمله هذا ان يبقى هو نفسه الراوي الحاكي للأحداث، لكي يتمكن من تقديم رؤاه وأفكاره عبر أبطاله وشخوصه، ولذا فإن أعمال الكوني جميعها تقريبا تفصح عن حكمة أو مأثرة أو مقولة سطرتها أخلاق الصحراويين ونبالتهم، حيث نجد الكثير من التأملات الفلسفية والوجودية المتناثرة هنا وهناك، مما يدلل على عمق رؤية الكاتب الذي دمج كل ما يرتبط بالحوادث والتفاصيل بأفكاره الفلسفية وتأثره بجوانب المعرفة الانسانية الشاملة، الأمر الذي أكسب عمله وجها إنسانيا ينبذ العنصرية والتطرف...أرى أنها رواية عظيمة لم تأخذ حقها من النقد والقراءة..

إقتباسات:

"اللّعنة هي أن نأتي إلى الدّنيا لا أن نغيب عن ساحة الدّنيا!"
"البلاء أن يُنجب الأب ذريّة لا أن يمتنع عن إنجاب الذريّة"
"لا خير في أمة تولي زمام آمرهها لنفوس هاجسها العبودية"
"كانوا يرددون وصية من وصايا الزمان المفقود والتي تقول: إن الإنسان المعتزل إما أن يكون ملاكاً أو شيطانا"
5/5
زاوي حمودة
Profile Image for Atheer Yehia.
11 reviews54 followers
December 26, 2012
الذكاء في روايته هذه هو جعلُه العبودية مفتاحاً لها بدلاً عن استخدام الشخصيات و الإيماءات و الدلالات لتمهيد الطريق نحو العبودية . هو استخدمها مباشرة و بشكلٍ عجيب يُذكر الروح أن عليها التزامات تجاه نفسها قبل أن تكون ملتزمة لأمور أخرى تزيدها شتاتاً عنها و تعول بها إلى التيه النفسي . و في هذا كانت الرواية عميقة تتطلب من الفرد أن يُغمض عينه لا للظلام إنما ليُبصر روحه.
فيما يخصُ أدوات السرد . مما لا يكاد يخفى علينا أن إبراهيم بارع ٌ جداً ، و على الرغم من أن الرواية جائت على هيئة فصول كثيرة لكل واحدٍ منها اسمه و هذا ما قد يسبب في غالب الظن فجوات قرائية ، لكنها لم تكن في كتابه هذا . كان متصلاً بطريقة شفيفة أشفُ من مجرد سرد. كان بارعاً جداً في وصف المشاهد في القراءة تقرأ و ترى . مثلاً في وصف إله الظلام كونيةً و حالاً كما قال هو في كتابه " تُخفي جزءً من بدنه المغمور بالزغب الذي لا لون له . كان يتبسم باستخفاف " في جملتين فقط كان تجسيد الهيئة و نوع الابتسامة. لغته بديعة و لا يوغل في التوصيف النثري حتى تشعر أنك تقرأ نصاً أدبياً لا رواية .
1 review
June 19, 2020
رواية رائعة فهي تتحدث عن فلسفة الصحراء
This entire review has been hidden because of spoilers.
Profile Image for Khlood.
71 reviews16 followers
March 1, 2013
"هل أنت عبد؟ أنت إذًا يستحيل أن تصير صديقًا!"
هكذا بدأ الكوني روايته "لون اللعنة" باقتباس لنيتشه.


العبودية، لون السواد هو لون اللعنة الذي يتلبّس القلب وليس ذاك الذي يلوّن ظاهر الجسد هذا ماكرره الأسياد على مسامع المسخ الذي حاول التنكر للونه حدّ أن سلخ جلده. وكان المسخ كل مرّة يرد على أسياده بأن الناس لاترى غير لوني الأسود ففيما ينفعني قلبي وإن كان أبيضًا بلون الربوبية والنور!.
وهنا إشارة تحيل اللغة المكتوبة لحياة كاملة يعيشها الإنسان اليوم حيث الإجحاف في الحكم على الظاهر الذي ماهو في الأصل غير قشرة تستر اللبّ وهو المحرّك الأول للبشر.

الشخوص في هذه الرواية متاهة حد أنك سينتهي بك المطاف دون امتلاك يقين كامل إن كانوا من جنس الإنس أو الجن أو خليط بين الإثنين، إلا أن هذا الأسلوب سيمتعك ولن تفقد بفضله عامل التشويق حتى الختام.

أما أبعاد المكان فجاءت متضاربة من سفينة القراصنة حيث بُذرت على أرضها بذرة المسخ، إلى قرطبة حيث بيعت أمه الجارية للعقيم الذي ظن أنه أخيرًا سيرزق بذرية قبل أن تراوده الشكوك حول أصل تلك البذرة فما لبث أن زاره اليقين على هيئة سؤال حاد كنصل السيف من ابن زوجته: "من تكون أنت ؟"، ومن قرطبة إلى قلب الصحراء وأسرارها التي حاول المسخ اكتشافها برفقة قرينه الخناس الذي انتهى أمره مرتطمًا بمياه البئر بفعل أخيه المسخ.

يأخذنا الكوني لعوالم الميثولوجيا حيث الأسياد وكهنة الصحراء وتمائمهم المنقوشة على رقع جلود الحيوانات والمعلقة على الرقاب، ناهيك عن النتوءات التي تنبت على الرؤوس كقرون الشياطين.
لغة الكوني آسرة برمزيتها وبلاغتها التي ستجعل من علامات الذهول بادية على شفتيك في مواضع كثيرة.. مالم ينل استحساني حبكة الرواية التي جاءت على وتيرة واحدة بنهاية مفتوحة.

"يمثل إبراهيم الكوني‏ ظاهرة متفردة في الإبداع العربي المعاصر‏، من ناحية الخصوبة المتدفقة والفتوحات النوعية الجديدة‏.‏ فقد بلغت أعماله فيما لا يزيد كثيرًا عن عقدين من الزمان ستين عملًا روائيًا وفكريًا بوتيرة إنتاج مذهلة تدوخ قراءه‏.‏ "*
*د.صلاح فضل-الأهرام
Displaying 1 - 6 of 6 reviews

Can't find what you're looking for?

Get help and learn more about the design.