“… سيشرح لها تلك المعجزة التي لا تنازل عنها، معجزة صنعتها انقلابات تتالت، كلفت مؤامرات واغتيالات وإعدامات وحروبًا وتحالفات ومجازر ومساومات وتضحيات وخيانات وسجونًا لا يخرج منها سوى الأموات أو الذين في النزع الأخير… هكذا وُلد النظام المعجزة. لن يزول، ولن يُضحى به. هذه الحرب لم تكن إلا ليترسخ، الرئيس الخالد أعده كي يستمر إلى الأبد.
لكن ماذا عن…؟. لن يستمر إلا برحيله. نحن نبني نظامًا جديدًا في العالم، نقدم مثالًا لا نظير له، ليس جمهوريًّا ولا ملكيًّا، لا رأسماليًّا ولا اشتراكيًّا. إذا كان سيشرّش في كوكبنا فلأنه يرنو إلى عالم نهائي، رؤساء الدول يرغبون في نسج صنو لنظامنا، ويتمنون اعتماد الوراثة حلًا لمهزلة الديمقراطية والانتخابات وتداول السلطة. هذا نزوع دفين لديهم، آن ظهوره، سيسترشدون بنا. نحن التجربة الفريدة للأنظمة التي ستتحكم بالعالم، تواطأوا على أن يدعوا بلدنا في أتون الاختبار، إن نجحنا، سيقتدون بنا. عندما تنفرط الديمقراطية في دولة كبرى، ستتساقط باقي الدول كما أحجار الدومينو.
أمعنتِ النظر إليه، أحسّت بالخوف من عينيه المحدقتين إليها، لم يكن يراها، كان يرى ما يتراءى له، ماذا كان؟ لم تصدق عينيها، على وجهه، تلمحت المرشح لقيادة الحركة التصحيحية، طمأنها:
بعد طول غياب عن أعمال فواز حداد، أعود إليه في هذه الرواية، وطبعًا أشكر تطبيق أبجد الجميل على توفيرها، ودار رياض الريس .. يواصل فواز حداد عرض وتشريح الحالة السورية بعد الثورة في 2011 وما أعقبها من دمار وحروب، يطل علينا هذه المرة من خلال "جمهورية الظلام" التي تسعى إلى الكشف عن دهاليز رجال الأمن والمخابرات في النظام، وتدخل بكل جرأة إلى "القصر الجمهوري" لتكشف عن خططه ومؤامراته للسيطرة على الشعب بكل الوسائل الممكنة، ينتقل بنا الكاتب بين ما يعانيه المجتمع السوري من واقع قاسٍ مؤلم وديكتاتورية مسيطرة بغيضة تفرض وجودها في كل مناحي الحياة، وبين تصورات ما يدور داخل أروقة أجهزة الأمن وفي غرف القصر الجمهوري المغلقة، من خلال أبطال الرواية المختلفين، وبين هذا وذاك يفترض وجود نظامٍ جديد للحكم يفرض نفسه، لا يشيخ ولا ينتهي، بل يستمر رغم كل هذه الحروب والدمار الذي يحيط به، ويبقى فيه الزعيم الخالد الواحد لا يمكن أن يمسه مكروه! يتداخل مع حكايات السلطة والقهر في جمهورية الظلام تلك العلاقة الخاصة بالأدب وعالم الأدباء، وكيف تسعى السلطة أيضًا للسيطرة عليهم وتدجينهم، لاسيما بعد ظهور كاتب قصة يسعى للتبشير بالصورة والانقلاب على السلطة من خلال كتابته، فتنتقل إليه فئة خاصة من المراقبين ونرى كيف يتم مراقبة طائفة من الأدباء لكي لا يتكرر حدوث ذلك التصرف الذي تعده السلطة مهددًا لوجودها رغم كل ما تتمتع به من قوة وسطوة! من الرواية الأدب ليس قضية دسمة، ولاعائد من ورائها، فلِمَ التزلف لدفشها، أو إعمال المكائد لتعطيلها، ومقابل ماذا؟ تحمّل أعباء الأدب ومشاكله وإشكالاته!! عدا أنه خاسر أكثر منه رابحًا ماديًا، ولو كان رابحًا معنويًا مع هذا، فليذهب إلى الجحيم، وإن كان ضروريًا في الدعاية لحرية الرأي، لكن ما الحاجة التي تدعو إلى الحرية أو الرأي؟ الأدب عمومًا، تافه أمنيًّا. فترك وحيدًا يبحر في دهاليز القصر .
"جمهورية الظلام" عمل ضخم يسلط الضوء على زوايا مهملة من التجربة السورية خلال سنوات الثورة والألم! مهملة للمجهود العاطفي المتطلب للتفكير بها! الكاتب السوري فواز حداد يسمح لخياله على الغوص في زوايا الفروع السياسية والمشافي العسكرية وما يتواجد فيها من محققين وضباط وشبيحة وممرضات وأدباء وفاعلين خير! حياتهم اليومية، صراعاتهم الفكرية، ضميرهم المكبوت، وما يرتكبونه من جرائم وخيانات، وما يعيشونه من حب وخوف... على أمل أن كل جرى في سوريا مجرد رواية.
الرواية دي عاملة زي ماتكون جزء تاني أو تالت مكمل لروايات تاني قبلها وهي غالبا كده فعلا لأنه استدعي شخصية من رواية السوريون الأعداء ومشروعه ككل مركز في سوريا الحديثة هو أنا علي خطتي قراءة الأعمال الكاملة لفواز حداد بس الجزء ده تحديدا حسيته مرتبك للغاية يعني مش بقوة رواية السوريين الأعداء بس برضه منزلتش لمستوي رواية المترجم الخائن مثلا في فكرة قوية هنا وهي مايدور داخل أروقة الأجهزة الأمنية في سوريا وطريقة التعاطي مع المجريات اليومية واستغلالها لصالح النظام وفي فكرة تانية برضه تكاد تكون كويسة وهي الأدب والأدباء والمثقفين ودورهم في اللي بيحصل وأوضاعهم وصلت لحد فين وسط اللي بيحصل في سوريا بس ربط الفكرتين مع بعض كان ضعيف للغاية ، مأقنعنيش بشكل كافي إنهم في وسط اللي هما فيه هينشغلوا ولو للحظات بقضية فرعية زي دي المؤلف قرر هنا إنهم هيعملوا فرع أمني كامل للتعامل مع الأدباء واستغل الفكرة واسترسل في الحديث في جزئية الثقافة والمثقفين بشكل تقريري كان ممل للغاية باقي الرواية كانت داخل باقي فروع المخابرات والجيش وطريقة تعاملهم مع الأحداث من بدايتها واتكلم في النص علي أكتر من حاجة مهمين للغاية زي مثلا التعذيب في المستشفيات العسكرية من ناس المفروض إنهم أطباء وممرضات مش دورهم المشاركة في اللي بيحصل ودور الطائفية في التعذيب الممنهج والشبيحة اللي تحولوا لدولة داخل الدولة وأوضاع الطائفة العلوية وسط اللي بيحصل طبعا مستحيل الكلام عن كل اللي بيحصل في سوريا في رواية 400 صفحة بس ده مينفيش إنه الراجل تناولها بطريقة رائعة للغاية تقديري الشخصي إنه لو اختصر في جانب مناقشات الأدب والأدباء وركز علي الأجزاء التانية المتعلقة بالأحداث كانت هتبقي أقوي من كده
"هل الأدب مع النظام أم ضده؟" عبر هذا السؤال تنفتح آفاق آخر أعمال فواز حداد الروائية جمهورية الظلام ماذا سيحدث لو ثُقِّف ضابط الأمن؟ أو تم استجراره للثقافة؟ حتما كما يجيب فواز حداد بأنه سيكون عائقا أمام النظام. هذه العملية التثقيفية ستنتج كائنا أخلاقي سيرفض حتما سياسات القتل والتقتيل والجرم والتجريم وحتى سيرفض كل ما يمت للقمع بصلة, بل وقد يتعدى الموضوع ذلك نحو محاولات لتغيير السياسة الأمنية للقوى الامنية, بل وللنظام نفسه, وهذا ما حدث تماما, ما استدعى تدخلا على أعلى المستويات لكبح لجام هذا الضابط الذي تم تثقيفه. قد يكون طرح فواز حداد متخيلا, ولكنه واقعي حقيقة. فمحال أن تنتج الثقافة كائنا خاضع, أو مسير أو حتى مغسول الدماغ, بل العكس تماما فنتاجات الثقافة هي التي تقوم بعملية التغيير المعاكسة, وهنا نكون أمام سؤال من نوع آخر, إلى أي مدى كان النظام مثقفا لاستطاعته ترسيخ اللاثقافة في المجتمع, بما فيها الأذرع الأمنية الخاضعة له. من المؤكد أن المسيرين لعمليات النظام هم على دراية كافية بما يحرك الجمهور والأفراد وبكيفية تحريكهم أيضا.
"لم يكن عالقًا إلا لأن الرواية كانت بطبيعتها متورطة في الواقع، ولا يمكنه عدم السقوط في مستنقعه، ولا نجاة منه، إلا إذا كتب عن واقع محاذٍ، يسهم الخيال فيه، يوحي كأنه هو، وإن لم يكن هو. لن يطول الوقت، عندما يسيرى نفسه بطل كوميديا روائية، يرى ولا يُرى، أو لا يريد أن يُرى، يعرف ولا يُعرف، يكتب ولا يُكتب، وإن ادعى أن القلم لا يطاوعه. هل الكتابة تمتلك الإرادة؟ بعد حين، سيقول: نعم، إذ للقلم أهواء، كان يجري على الورق كما يشاء. ما أدركه كان رهيبًا؛ الكتابة تجري بمعزل عنه، كانت لها خطتها المعاكسة، خطتها المضادة."
حداد هنا ينزف، ينزف شعبًا لم تنقذه خلطات أدبائه السحرية، ويبحث، يبحث عن طريق ترسمه أقلام غرقت بالدماء، ويبكي، يبكي كل معتقل مات غيلة في المستشفى، حيث كان يجب أن يعيش.
في سيناريو آخر، يجلس فواز في المقهى، مع الأدباء والأديبات، يتناكدون، ويرسمون عوالم شعورهم، يتعاطون الكتابة لتلهيهم عن السياسة، هم أدباء، يخوضون في الحياة والموت، الجنس والكتابة، تاركين توافه الحياة تجري بمعزل عنهم. كان هذا سيكون في سيناريو آخر.
أما حداد، فأشهر سيفه، أشهره وراح يقاتل، رآه سيفًا يقطر حبرًا، قال: فلو أنه قلم يسيل فينتهي .. ولكنه قلم يتساقط أقلامًا، وليعذرنا امرؤ القيس هنا، إذ ليست أقلام الأدباء وحدها من يتساقط، بل الأدباء أنفسهم يتساقطون، يقولون؛ عاجزون عن شيء، إلا عن الكلام. ويقول حداد: يعجز من يعجز؛ عن الكلام. يستل قلمه، ويكتب.
"الخطر بدأ يلوح. كانت الثقافة في أمان قبل أن تمسّها سياسات تُستنشق مع الهواء، تفوح منها رائحة البارود والكلور والسارين، بينما الباصات الخضر تنزع الأهالي من الغوطة وترسل بهم إلى مخيمات النزوح. لم تعدْ أخطارها وهو في حضن الأدب والأفكار المجرّدة، أن يكون اليوم وجوديًّا ملحًّا، وفي الغد وجوديًّا مؤلمًا، أو ينحاز إلى العداء صباحًا، ويتناصَبها العداء مساء، مع الحفاظ على حداثة تستوعب الاتجاهات كلها في آن واحد مع قليل، أو كثير من المبالغة أو التحريف، لكنها رغم ذلك ستتعثّر على المجازر، وتلبس بالسوائط. فالحداثة رغم تعقيداتها كانت تلبس في المقابر الجماعية، وأفران حرق الجثث، والإبادة العشوائية، ولا تستشي المجازر."