ظهرت النهضة في العالم الإسلامي و ظهرت معها كثيرٌ من الأطروحات التي كانت في مجملها تشكل سجالاً بين تيارين التيار المحافظ المتمسك بالهوية, و تيار المستنيرين الذين يرون أن التيار الأول يشكل عقبة كؤوداً أمام التقدم والتحضر, وسار هذان التياران في خطين متوازيين دون أي محاولة للالتقاء, أو تجديد الخطاب والبحث عن مفاصله المؤثرة بعيداً عن السجال الذي أنهك القوى واستنفذ الطاقات. (قراءة في خطاب النهضة إشكالات وتساؤلات) كتاب أراد منه مؤلفه أن يعيد النظر ويجدد القراءة بشيء من التأني لخطاب النهضة, بهدف الوصول إلى مفاصله ومثار الإشكالات فيه. ومن ثم بناء منهجية واضحة لهذا الخطاب. نستطيع من خلالها فهم هويتنا وتحديد موقعها وعلاقتها من الإشكالات المعاصرة, ما لم فإننا سنبقى مرتهنين لدوامة السجال الغير منقطع دون أن نخرج برؤية واضحة أو نخطو خطوة للأمام.
سؤال النهضة الذي هو أحد السؤالات المحورية عند استقراء الواقع الإسلامي ومحاولة فهم مآلاته. لقد قُدمت العديد من المشاريع النهضوية و كان لبعضها أتباعٌ مؤمنون بجدواها، لكن تُرى لمَ تفشل المشاريع النهضوية الإسلامية؟
و لِمَ لا نستطيع تحديد مشكلة واقع تخلّف المجتمات الإسلامية عن غيرها؟ و لماذا يضل سؤال "لماذا تأخر المسلمون وتقدم غيرهم" ساري الصلاحية حتى اليوم؟
يعزو الكاتب ذلك لبضعة أسباب، منها:
- محدودية النظر في المشروعات المُقَدَّمة، حيث يركز صاحب المشروع على مجاله الذي له خبرة فيه ويجلعه أساسًا لمشكلات النهضة ويجعل غيره من المجالات تبَعًا وأقلّ أهمية.
- رغبة صاجب المشروع النهضوي في أن يكون هو الأب الروحي لمشروعه، والمرشد الأسمى له، ما يجعله يقف -لا إراديًا- في طريق كل من يملك الخبرة و القدرة على استكمال مشروعه و أخذ الشعلة منه .
- بناء صاحب المشروع مشروعه النهضوي على أنه هو المُخلِّص الأوحد للمسلمين من تأخرهم، ما يجعله -تلقائيًا- يرفض النقد الموجّه لمشروعه بل قد يواجه ناقديه باتهامهم بمعاداة النهضة.
- تركيز طبقة المثقفين والنخبويين على النقد السلبي للمشاريع النهضوية و الدخول في سجالات حولها بدًلا من التركيز على الجانب العملي والاستفادة من محاسن المشروع المطروح. لأن فئة النخبويين هي الأخرى ترى أن الصواب ما رأت، وأن الحكمة ما قالت.
وهي ظاهرة سمّاها المؤلف "الفرعونية الفكرية" والتي تتخذ قاعدة: ((لَا أُرِيكُمْ إِلّا مَا أَرَى وَ لَا أَهدِيكُمْ إِلَّا سبِيلَ الرَّشَادِ)) شعارًا لها.
المؤلف بارع في استقراء الواقع، وفي وضع اليد موضع النزف في الأمّة، موضوعي لا أجده تحيّز لمشروع أو فكره. وأجده يتقاطع مع مالك بن نبي في إيمانه بأن أحد مشكلات الأفكار في العالم الإسلامي: أن الأفكار فيه تستند إلى الشخوص التي طرحتها، لا إلى ذات الفكرة، ما يجعل من السهل سقوطها واندثارها.
التلخيص: يتحدث الكتاب عن سؤال مهم لطالما أرق تفكير المسلمين وخصوصا بعد النهضة اﻷوروبية والتخلف المحلي فكانت أولى الصرخات والمحاولات هي كتاب "لماذا تأخر المسلمون وتقدم غيرهم" لشكيب أرسلان ثم تتالت الكتاب في هذا الموضوع من مختلف الاتجاهات الفكرية إلا أن الحال لم يتغير بل إزداد سوء لذا حاول الكاتب أن يطرح بعض التساؤلات مع بعض العرض للواقع من خلال عدة محاور مهمة ( صدمة الحضارية ، الغرب الخصم والنموذج ،اختزال في المشكلات وتوسع في الاجابات ،النظرية وفقدان النظرية ،جدلية النهضة والهوية ،شكل الدولة ،الدراسة المستوعبة للمجتمع المسلم ،سؤال التجربة التاريخية ،الطبقية الثقافية ،الفجوة التقنية ) كما ركز الكاتب على اﻹشكاليات وخطورة إستيراد النموذج الحضاري الغربي بسبب اﻹختلاف الثقافي والاجتماعي والتاريخي ويؤكد على ضرورة الخروج بنموذج حضاري ينسجم مع البيئة ويحل مشاكلنا نحن ،كما ركز بشكل كبير على تيارين في اﻷمة وهم (التنويريون،المحافظون) حيث يتبنى اﻷول الركض خلف الغرب بدون أي تحفظات وهذا ما يؤدي للذوبان في اﻷخر وقبول أي شي بدون دراسة،والثاني يتبنى الحفاظ على الهوية ورفض كل جديد وكذلك بدون دراسة ،حيث يكتفي الجميع بالصراع والاحتراب مع اﻷخر بدون تقديم أي نموذج حضاري . .