بعد مرور سنوات طويلة على صدور الطبعة الأولى من هذا الكتاب، يعيد المركز الثقافي العربي إصداره، لأن قضية الديمقراطية في العالم العربي لا تزال، بل أصبحت أكثر، قضيّة أساسية في السّجال حول انتقال المجتمع العربي نحو مرحلة أخرى ضرورية لبناء النهضة والإسهام الفاعل في بناء حضارة العالم. طبعة 1986:يعد كتاب بيان من أجل الديمقراطية في روحه ومادته صرخة تعكس المخاض الفكري لكاتب ناشئ عاش عن قرب إرهاصات الأزمة الكبرى للمجتمع العربي وتفجرها في منتصف السبعينات. وكانت الحرب الأهلية اللبنانية التي كتب في ظلها وعلى ضوء لهيبها، قد دخلت عامها الثاني، دون أي أفق بالانطفاء. وكانت بوادر التفكك السياسي العربي على الصعيد الإقليمي تنذر بكوارث حقيقية لم تلبث حتى تحققت مع توقيع مصر على اتفاقيات "كمب ديفيد".
وكانت ثروة النفط المتفجرة، تحضر للتصفية العلنية للحركة الشعبية والوطنية العربية، وفي مقدمتها المقاومة الفلسطينية لم يكن يكفي أن يشير البيان إذن إلى العاصفة القادمة، ولكنه كان مضطراً، كي ينذر بمخاطرها على الكيان العربي، وكي سمع بعضاً من أصوات انهيار أعمدته الخشبية المهترئة، أن يرجع إلى الماضي. إلى التاريخ، ليظهر حشاشة الأسس التي قام عليها البناء بأكمله ليثبت أن مقاومته قد وصلت إلىحدودها الدنيا. وأنه ما لم يحصل إصلاح سريع فإن شيئاً لن يستطيع أن يوقف الحركة التي تعصف به من الداخل والخارج معاً. هذه الصرخة هي التي أنصت إليها وسمعها من لم يكن له مصلحة في حصول الكارثة، واغلبهم من جيل الشباب الذي فتح عيونه فلم يجد إلا السراب.
وككل صرخة، كان بيان من أجل الديموقراطية، تأكيد لقيم وأفكار كبرى، ودفعاً لإشكاليات نقدية إلى حدها الأقصى، وقطيعة داخل الرؤية يبحث عن الخلاف أكثر مما يشير إلى نقاط الالتقاء، ويعمم أكثر مما يفصل، ويفضح أكثر مما يبحث، ويهدم أكثر مما يرمم، ليبرز سواء المنظر وقباحة الصورة، وليستفز العزيمة بدل أن يدعو إلى السكينة. وككل صرخة ايضاً، كانت البساطة اللغوية التي قاربت بساطة العامية، وتدافع الأفكار، والشحنة الانفعالية مركبات أساسية للحجاج العقلي فيه. وكان الإقناع بالإجمال أهم من الإقناع جملة جملة. وكان ما بين السطور مقروءاً أكثر مما فيها. فقد كانت القطيعة المطلوبة مع الفكر والإشكاليات والأطروحات القديمة تفترض الإمساك بالجوهر والإحالة إليه، والامتناع عن الدخول في العوارض والتفاصيل.
وكان إحداث الصدمة المرجوة في الوعي يقتضي إبراز ضخامة المخاطر وعمق التهديدات، وكان التحرر من المسبقات البالية يفترض كسر النظام الفكري السابق، كما كان تعيين محاور ومستويات العمل الفكري الجديد يستدعي إبراز المشاكل والأزمات التي كانت الايديولوجية الماضية تخفيها وتمر عليها مرور الكرام. لكن هذا كله لم يكن من الممكن أن يتحقق دون حصول سلبيات كثيرة. فالاحتجاج الشامل على الماضي كان يستدعي نفي التمايزات داخل أطرافه بين تيارات الفكر والممارسة المختلفة. وكان إبراز الجوهري والأساسي يفترض التضحية بالجزئيات والتفاصيل التي لا غنى عن دراستها للأخذ بأية استراتيجية عملية. وكان الاحتجاج الصارخ على الأوضاع يدفع إلى صرف النظر، ولو مؤقتا عن المكتسبات النظرية التي حققها الفكر العربي خلال أكثر من قرن. لكن هذه السلبيات لا تصبح نقائص إلا عندما يدّعي الكتاب أنه يقدم حلولاً عملية لأمور ومشكلات تفصيلية.
مفكر سوري ولد في مدينة حمص أستاذ علم الاجتماع السياسي ومدير مركز دراسات الشرق المعاصر في جامعة السوربون بالعاصمة الفرنسية باريس، خريج جامعة دمشق بالفلسفة وعلم الاجتماع، دكتور دولة في العلوم الاجتماعية والإنسانية من جامعة السوربون يعتبر من أبرز المعارضين لنظام بشار الأسد يشغل حالياً منصب رئيس المجلس الوطني السوري
لعلّ هذا هو الكتاب الأشهر للدكتور برهان غليون وهو من كتبه الأولى و لا شكّ أنّه غيّر كثيراً من قناعاته فيما بعد لكن الخطّ العام لرؤيته لأسباب الركود العربيّ ما زالت نفسها عدا عن أنّك ستلحظ أنّه يستخدم أدوات ماركسيّة بكثافة لا تجدها في كتبه اللاحقة , و خطاب الرأسماليّة المتغوّلة المدمّرة ستجده قد ضمر في كتابه عن العولمة مع سمير أمين مثلاً , حيث يدعو إلى المشاركة في هذه العولمة لا مقاطعتها و الانعزال عن العالم . عموماً هذا الكتاب صرخةٌ كشقّت كثيراً من المسكوت عنه و المتغافَل عنه وقتها , و مثّلت معارضة جريئة للسائد و المكرّس في الخطاب الفكري العربي , بل حرباً صريحة على قسم كبير من رموزه , و من كان يجرؤ على أن يقول إنّ هذه الايديولوجية العلمانيّة و القوميّة و اليساريّة ليست أكثر من ذراع لتكريس الاستبداد و حالة التبعيّة , و أنّ ايديولوجية جهل الشعب و الاستعلاء عليه و على معتقداته ليست سوى سخف مشرعن للدكيتاتوريّات و معبّر عن مرض أخلاقي لا يرى سوى امتيازات الطبقة . و أنّ هذه الشعوب كانت بآليّات مقاومتها و بثقافتها الشعبيّة متفوّقة بمراحل على هذه النخب المستلبة و الموظّفة لتثبيت حالة القطيعة و المعاداة للشعب لصالح الأنظمة الفاسدة سواء علمت أم لم تعلم و تأكيده المستمرّ على أنّ هذه الشعوب هي من تصنع التغيير و هي الأوعى و هي الأجدر , و أنّ التحرّر السياسي و الكرامة هي البداية و الضرورة الأولى لأيّ مشروع نهضة لا الشعارات القوميّة و لا الوعود الاقتصاديّة ... هذه الصرخة التي يطلقها مبحرقة و غضب مثقّف يشعر بالتزامه تجاه مجتمعه و ثقافته و إنسانيّته قبل كلّ شيء و بأدوات تحليليّة غاية في الذكاء و التجاوز للشعارات و الأقنعة البرّاقة , خاصّة في كلامه عن الماركسيّة لدى الماركسيّين العرب , و التي ينفون منها جوانبها غير الفلسفيّة ليتاح لهم اعتناقها كدين يبرّر لهم التقوقع فيها و إقصاء المختلف , لينسجموا مع شرط القطيعة للشعب كضرورة لدخول جنّة النخب . و كذلك كلامه عن استخدام الأقليّات للحكم , و هو هنا مثير للانتياه , فسورية لم تحكم فيها أقليّة بعد الاستقلال , و كأنّه يلمّح إلى نظام حافظ الأسد وحده , و ما يرتبط به من مشروع استعماري , خاصّة أنّ الكتاب يفصله أربع سنين فقط عن مجزرة حماة
من الجدير بالذكر أنّ هذه النظريّة حول الخطاب العلماني العربي قد طوّرها و أفرد لها مع ما تشكّله من حالة استقطابيّة مع الخطاب الإسلامي التقليدي مساحة كتاب كامل فيما بعد هو " اغتيال العقل " و الذي ما زال نقطة فاصلة لديّ .
و في النهاية لا بدّ أن نتذكّر أنّ هذا المثقف كان أوّل المثقّفن تماهياً و انسجاماً مع ما نادى به الشارع في ثورة الكرامة ... و كان الجسد الحقيقيّ لكلماته , على خلاف الكثيرين ممن تحدّثوا عن جهل هذه الشعوب و عدم قدرتها على التغيير و لما بدأت بالتغيير انضمّت إلى جوقة التبرير للحاكم ... أو إلى الصمت الطويل في أحسن تقدير
المشكلة ان العديد من الافكار التي اعتنقها برهان غليون في كتابه هذا قد تراجع عنها بشدةٍ أيضًا في كتبه التالية لغة الكاتب صعبة، وليست في هذا العمل فقط وإنّما في اعماله بالمجمل، وأعتقد بأنّه يجد صعوبة في إيصال مراده للقارئ، بالإضافة إلى تمسكه بالأفكار الماركسية في شرحه وهي أيضًا أمرٌ سلبي برأيي
النقطة المهمة في هذا الكتاب والتي لفتت انتباهي أن غليون استطاع أن يتنبأ بالربيع العربي قبل اندلاعه بعشرات السنين وهو أمرٌ جبار!
كتاب جميل ؛ عمره أكثر من ٣٠ سنة، أعتقد بأن فيه شيء من الأفكار الجميلة، وأخرى أعارضها بشدة، وفيه كثير من الأفكار التي تخلى عنها الكاتب حتى. أعتقد بأن عيبه الأكبر في لغة الكاتب، في ثالث كتاب أقرؤه لبرهان غليون، لا زلت أعتقد بأنه يجد صعوبة في إيصال فكرته للناس. لكن بالعموم كتاب لطيف .. الجميل أن في مقدمة هذا الكتاب المطبوع في ٢٠٠٥ تنبأ برهان بالربيع العربي، جبار :)