محمد عمارة مصطفى عمارة مفكر إسلامي، مؤلف ومحقق وعضو مجمع البحوث اﻹسلامية باﻷزهر حفظ القرآن وجوده وهو في كتاب القرية. بدأت تتفتح وتنمو اهتماماته الوطنية والعربية وهو صغير. وكان أول مقال نشرته له صحيفة (مصر الفتاة) بعنوان (جهاد عن فلسطين). وقد درس الدكتوراه في العلوم الإسلامية تخصص فلسفة إسلامية - كلية دار العلوم - جامعة القاهرة 1975. والماجستير في العلوم الإسلامية تخصص فلسفة إسلامية- كلية دار العلوم - جامعة القاهرة 1970م والليسانس في اللغة العربية والعلوم الإسلامية - كلية دار العلوم - جامعة القاهرة 1965م.
حقق لأبرز أعلام اليقظة الفكرية الإسلامية الحديثة، جمال الدين الأفغاني، ومحمد عبده ،وعبد الرحمن الكواكبي، وألف الكتب والدراسات عن أعلام التجديد الإسلامي مثل: الدكتور عبد الرزاق السنهوري باشا، والشيخ محمد الغزالي، ورشيد رضا، وخير الدين التونسي، وأبو الأعلى المودودي، وسيد قطب، وحسن البنا، ومن أعلام الصحابة علي بن أبي طالب، كما كتب عن تيارات الفكر الإسلامي القديمة والحديثة وعن أعلام التراث من مثل غيلان الدمشقي، والحسن البصري.
ومن أواخر مؤلفاته في الفكر الحديث: الخطاب الديني بين التجديد الإسلامي والتبديل الأمريكاني، والغرب والإسلام أين الخطأ .. وأين الصواب؟ ومقالات الغلو الديني واللاديني، والشريعة الإسلامية والعلمانية الغربية، وكتاب مستقبلنا بين التجديد الإسلامي والحداثة الغربية، أزمة الفكر الإسلامي الحديث، والإبداع الفكري والخصوصية الحضارية، وغيرها كثير. وقد أسهم في العديد من الدوريات الفكرية المتخصصة، وشارك في العديد من الندوات والمؤتمرات العلمية، ونال عضوية عدد من المؤسسات الفكرية والبحثية منها المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، والمعهد العالي للفكر الإسلامي. وقد اتسمت كتابات الدكتور عمارة وأبحاثه التي أثرى بها المكتبة العربية والتي وصلت إلى (200) مؤلفاً بوجهات نظر تجديدية وإحيائية، والإسهام في المشكلات الفكرية، ومحاولة تقديم مشروع حضاري نهضوي للأمة العربية والإسلامية في المرحلة التي تعيش فيها.
حصل على العديد من الجوائز والأوسمة والشهادات التقديرية والدروع، منها جائزة جمعية أصدقاء الكتاب، بلبنان سنة 1972م، وجائزة الدولة التشجيعية بمصر سنة 1976، ووسام التيار الفكري الإسلامي القائد المؤسس سنة 1998م .
في هذا الكتاب يوضح لنا د محمد عمارة أهمية النموذج الثقافي للانسان فهو-النموذج الثقافي- يقوم بتحديد الأسوة و القدوة التي تنهض بدور البوصلة المحددة و المرشحة لتوجهات االنسان في مختلف ميادين الحياة والاسلام هو بلا شك المكون لذاتيتنا الثقافية و المحدد لمعالم نموذجنا الثقافي و تميزنا عن الآخر الغربي قائم فقط حي يكون التميز و الافتراق ..الأمر الذي يجعل علاقة نموذجنا الثاقفي-الذات الثاقفية- بالآخر هي علاقة ((التميز..و التفاعل)) التي هي وسط عدل متوازن بين غلوّين: غلو الإفراط الذييرى العلاقة علاقة((قطيعة..وتضاد)) و غلو التفريط الذي يراها علاقة((مماثلة..و محاكاه)). كما انه يؤكد لنا أنه حينما تكون العلاقة صحية و قائمة علي الاختيار الحر و على التكافؤ بين الحضارات ينهض النموذج الثقافي بدور المعيار الذي يحدد نطاق ((التفاعل..و الإستفهام)) و حدود ((التمبز ..و الخصوصية))فتكون العلاقة صحية و طبيعية بين ((الذات)) و بين ((الآخر)) في الميدان الثقافي. ثم ينتقل بنا الي نقطة اخري في الموضوع ألا وهي خصائص النموذج الثقافي الإسلامي فالاسلام أثة كبير في حياة الأمة فقد صاغ إنشانها و حدد له معالم الطريق لبناء العمران الدنيوي و لضمان النجاة اأخرويةثم بدا يستعرض د محمد عمارة عشرة خصائص ...هذه الخصائص هي: أولا الوحيد: فالتصور اللإسلامي يخلص العبودية لله الواحد في كل الميادين (الدينية و الدنيوية و الأخروية)...فالتوحيد فيه يفرد الذات الالهية لا كمجرد خالق فقط وإنما هو الخالق و الراعي و المدبر لجميع المخلوقات فالأمر و التدبير له سبحاخه و ليس الخلق فحسب ثانيا الإستخلاف و الخلافة:فالإنسان في المفهوم الإسلامي ليس المجبر المهمّش الذي لا شأن له و ليس سيد الكون الذي لا يسأل عما يفعل و الفعال لما يريد ,و الذي لا شقف لحرياته و قدراته...و إنما هو خليفة لسيد هذا الوجود,استخلفه و أراد له استعمار الأرض ,عمرانا يهتدي فيه و يلتزم عند تدبيره ببنود و عهد الاستخلاف التي تمثلت في شريعة الله.فقد تميز تصور مكانة الإنسان في النموذج الإسلامي عن التصورات المادية التي رأت الانسان سيدا لهذا الوجود مكتفيا بذاته قاهرا للطبيعة لا سقف لحريته و إرادته إلا في إطار النفع العام ولا قيودعلي أشواقه من وراء هذه الطبيعة (من الحلال و الحرام الديني)...كما تميز هذا النموذج الإسلامي في مكانة الإنسان بالوجود عن التصورات الفلسفية الغنوصية و الباطنية و الإشراقية التي رأته حقيرا مجبرا مهمشا لا سبيل إلي خلاصه إلا بالفناء المطلق فكما استخلف الله (في التصور الاسلامي )الإنسان لعمارة الدنيا ,فانه قد كلفه باقامة الدين و الدولة في النموذج الإسلامي هي دولة الخلافة أس المستخلفة من الأنة للنهوض بالمهام التي استخلفتها الأمه فيها ثالثا التعددية: اذا كان التصور الاسلامي قد بلغ قمة التنزيه و التجريد في وحدانية الحق..فإنه قد من بأن التعددية هي السنة و القانون في سائر عوالم الخلق التي فطرها خالقها علي الثنائي و الازدواج و الاشتراك و الارتفاق ,فطرة و سنة لا تبديل لها و لا تحويل...فالإيمان بالتعددية في ظواهر و عناصر الكون المادي و في مكونات االجتماع الانساني قسمة أصيلة و سمة بارزة في المنوذج الاسلامي و الوعي بهذه الحقيقة انما يمثل حجر زاوية أو هكذا يجب أن يكون في ثقافة إنساننا العربي و الإسلامي. وحتي في اطار الأمة الواحدة-ووحدتها فريضة الهية-(أن هذه أمتكم أمة واحدة و أنا ربكم فاعبدون) ...فان هذه الوحدة انما تكون فيما هو معلوم من الدين بالضرورة ,أي ما تتفق فيه الفطر السوية ولا يأتي فيه الاختلاف-من الوحدة في العقيدة و الشريعة و الأمة و الدار- في ثوابت الوضع الإلهي القطعي الثبوت و الدلالة-أما فيما عدا هذه الجوامع للوحدة فان التعددية هي السنة التي تحكم تنوع الأمة الي اجتهادات في الفروع و المذاهب و مدارس الفكر و تيارات الاجتماع...ففي الفكر تنوع في اطار وحدة الأصول و في الاجتماع طبقات و شرائح اجتماعية في اطار الأمة و الجماعة ...و كون الإسلام دين الجماعة لا يلغي تميز الفرد ولا تمايز الطبقات و انما تتميز التعددية في التصور الاسلامي بالجامع الذي يجمع فرقاءها و الأصول التي توحد جماعاتها و تياراتها و مذاهبها و طبقاتها...فلا هي (الوحدة) التي لا تعدد فيها ولا هي (التعددية) التي لا جامع لأجزائها رابعا دوائر الانتماء:إن الفطرة السوية التي فطر الله الناس عليها قاضية بوجود ولاءات و انتماءات متعددة للانسان ,لا تناقض بينها إذا خلت مضامينها و مفاهيمها مما يؤدي إلي تناقض أوتضاد...فاللإنسان ولاء و انتماء إلي أهله و عشيرته لا يتناقض مع ولائه و انتمائه الي الوطن و الاقليم الذي ولد و تربى و نشأ فيه ,كما أنه لا تناقض بين الانتماء للأهل و الوطن و بين الانتماء و الولاء للقوم الذين تحدد اللغة دائرتهم...و كذلك الحال مع الانتماء الي الدائرة الحضارية التي قد تجمع العديد من الأوطان و العديد من اللغات و القوميات ...فاذا خلت مفاهيم مصطلحات (الوطن) و (القومية) من عصبيات العرق و الجنس و اذا اتخذت مكان الانتماءات الفرعية في إطار الانتماء الجامع -الانتماء الحضاري- الذي يحدد الاسلام دائرته في حال أمتنا العربية و الإسلامية- فان التناقض و التضاد سينتفيان في النموذج الثقافي الاسلامي بين دوائر الانتماء و الولاء.إن الإسلام -وهو الصبغة التي صبغت ثقافة الأمة- يجعل الانتماء اليه و الولاء له الجامع الأكبر و الأشمل و الأول للانسان المسلم, فلا جنسية في الاسلام ولا امتياز في الحقوق بين مسلم و مسلم و البلد الذي يقيم فيه المسلم من بلاد المسلمين هو بلده و لأحكامه عليه سلطان دون أحكام غيره, و بهذا جمع الاسلام في نموذجه الثقافي بين وحدة دار الاسلام و بين تمايز الأوطان فيها و تجاورت فيه الوطنية و اللآعنصرية و الأممية الحضارية-لا الأممية الطبقية التي ناصبت الوطنية و القومية العداء خامسا مصادر المعرفة:ان النموذج الثقافي الاسلامي لم يكتف بعالم الشهادة و الواقع للمادي كمصدر للمعرفة و إنما أضاف اليه عالم الغيب و نبأ السماء و كتاب الوحي و الأدلة و المعارف و الحقائق السمعية مصدر ا للمعارف التي لا تصدر عن الواقع المادي ولا يستقل العقل بادراكها ولا تخضع لتجارب الحواس...فقد أقام هذا النموذج الاسلامي ثقافته علي ساقين اثنين و اعتمد لللمعارف مصدرين: كتاب الوحي المسطور و كتاب الكون المنظور ,الأمر الذي ضمن التوازن للنموذج الثقافي الاسلامي...و ذلك بدلا من اقامته علي ساق واحدة كما هو الحال في النموذج الثقافي الذي أثمرته الوضعية الغربية سادسا سبل المعرفة: أعتمدت الوضعية الغربية (التجربة) سبيلا أوحد للمعرفة الحقة جاعلة (العقل) منسقا بين معطيات (التجربة)و منظما لها... أما النموذج الاسلامي في الثقافة فقد اعتمد لسبل المعرفة أربع (هدايات)هي (العقل) و (النقل) و( التجربة) و ( الوجدان) لا باعتبارها سبلا متجاورة و مستقلا كل منها عن الآخر و إنما باعتبارها سبلا متعاونة و متعاضة و متفاعلة في تحصيل معارف و حقائق و سنن و قوانين كتابي الوحي و الوجود و اكتشاف آيات الله في الأنفس و الآفاق سابعا العقلانية المؤمنة: لقد ألّه التنوير الغربي(العقل) و جعل براهينه النقيض (للنقل) و الوحي و الدين , فدعي فلاسفته الي (تحرير العقل من سلطان الدينو اعمال العقل دون معونة من لآخرين و جعل السلطان المطلق للعقل بحيث لا يكون هناك سلطان علي العقل الا العقل وحده)...أما النموذج لاسلامي فلم يعرف هذه المقابلة المتناقضة بين العقل و الايمان الديني , فقد تميز النموذج الثقافي الاسلامي (بالعقلانية المؤمنة) تلك التي آخت بين (العقل) و بين (الشرع) جاعلة منهما نورا علي نور و جاعلة منهما-لا من واحد منهما دون الآخر-أداتي التحسين و التقبيح. فالنموذج الاسلامي لم يقف عند العقل وحده كحال النموذج الوضعي المادي و كذلك لم يقف عند الوجدان وحده كحال النموذج الباطني الذي ساد في فلسفة الغنوص و الإشراق ثامنا مكانة المرأه من الرجل: ان النموذج الثقافي الاسلامي نجده قد ساوي مساواة تامة و كامله (بين الرجل و المرأة)في الخلق و التكريم و التكليف و الحساب و الجزاء...و هذه المساواة ليست مساواة (الند المماثل) كما هو الحال في النموذج الثقافي الغربي و انما هي مساواة (الشقين المتكاملين)...مساواة في الخلق و التكريم و التكاليف و الحساب و الجزاء مع مراعاة الفطرة التي ميزت بين الأنوثة و الذكورة ليكونا شقين متكاملين يحقق تكاملهما سعادة النوع الانساني و لا يكونا ندين متماثلين فتكون المساواة تناحرا يشقى به الفريقان و تمسخ به الفطرة التي فطرهما عليها الخالق سبحانه و تعالى تاسعا الذات و الآخر: اذا كانت التعدديه -كما سبق الحديث- هي سنة من سنن الله التي لا تبديل لها ولا تحويل ...فان وجود (الآخر) المتميز عن (الذات) و القبول له و التعايش معه هو القانون و لهذه الحكمة يرفض النموذج الثقافي الاسلامي منهاج (الصراع) سبيلا لحل التناقضات بين الذات و الآخر لأن الصراع يعني أن يصرع طرف الطرف الآخر و ينفرد بالميدان فتزول التعددية بين الفرقاء المتمايزين ...و بدلا من الصراع الذي لا مكان معه للتعددية و التعايش بين الذات و الخر يزكّي النموذج الثقافي الاسلامي لحل التناقضات بين الفرقاء منهاج (التدافع) الذي هو حراك يعدل المواقف و المواقع مع المحافظة علي بقاء التمايز و التعددية دائما و ابدا, و كما جعل النموذج الثقافي الاسلامي من وجود الآخر السبيل لتميز الذات و دعا الي تعددية التعايش بين الفرقاء المتمايزين ...فقد رسم ايضا معايير (الولاء) و (البراء) بين (الذات المسلمة) و بين (الآخر غير المسلم) فبيننا و بين الآخرين علاقات بر و قسط دائما و ابدا اللهم إلا إذا قاتلونا في ديننا أو أخرجونا من ديارنا أو ظاهروا علي هذا الإخراج لنا من الديار الأسلامية و عند ذلك فقط لا بر ولا قسط مع هؤلاء و إنما هو الجهاد لهم علي إمتداد و تنوع صنوف الجهاد. و اذا كان االسلام عقيدة صبغت حضارة و ميزت ثقافة و تاريخا ووحدت امة...فإن جوامعه الحضارية و الثقافية و التاريخية قد ادخلت غير المسلمين من الذين أظلتهم دولته في(الذات المسلمة حضاريا) فقامت وحدة في الأمة مع تعددية في المل و الشرائع داخل الأمة الواحدة عاشرا التجديد و الاجتهاد: بين غلوي الافراط و التفرسط في علاقة الحاضر بالماضي و الجديد بالقديم يأتي النموذج الثقافي الاسلامي بوسطيته المتوازنه فيعتمد التجديد الذي هو تطور من داخل النسق يميز بين الثوابت و المتغيرات في الموروث فيفتح الباب للتطور مع االحتفاظ بالمعالم و السمات التي أعطت و تعطي النسق الحضاري خصوصيته المميزة له عن الانساق الحضارية الأخرى فيواكب كل المستجدات دون أن تتبدل هويته أو يفقد بصمته التي تمثل مبادءه و مناهجه و حكمه و مقاصده و يعتمد الاجتهاد الذي يستنبط أحكام الفروع من المبادئ و الأصول فيمد الأغصان الجديدة لتظل المساحات المستجدة في ارت��اط بالأصول التي تسري روحها و تشيع ضوابطها و تحقق مقاصدها في كل اجتهاد جديد فيتم به النمو الدائم مع االحتفاظ بالشخصية التي يمثلها هذا النسق الفكري و الحضاري و في النهاية ينبهنا د محمد عمارة الي أهمية ��لايمان بوجود خصوصية للنموذج الثقافي الاسلاميه تميزه عن الآخر و بدون الإيمان بهذه الخصوصية فان الكسل العقلي سيغرقنا في مستنقع التقليد ..تقليد الماضي و الجمود علي تجارب أهله أو تقليد الآخر و الجمود علي نماذجه و القطيعة المعرفية مع نموذجنا الثقافي العربي الاسلامي و ماله من خصوصيات
كما تميز البصمة الإنسان عن بني جنسه مع اشتراكه معهم في جنس الإنسان، كذلك تتميز الذات الثقافية للأمة عن الذوات الثقافية الأخرى بتميز النماذج التي يجمع كل منها معالم المغايرة والسمات الفارقة لنموذج ثقافي عن سواه، وذلك دون إنكار أو إغفال لميادين الاشتراك الإنساني في كثير من حقائق وقوانين الكثير من التجارب والخبرات والعلوم والفنون؛ وبما أن واقع أمتنا العربية الإسلامية الحديث والمعاصر -كما يقول الدكتور محمد عمارة-هو واقع الاحتكاك والتدافع الثقافي والحضاري مع النموذج الغربي تحديدًا، ودون أي "آخر" سواه... فإن الحديث عن "الذات" أو "الآخر" ثقافيًا لابد وأن يقود إلى تحديد المعالم المميزة للنموذج الثقافي الإسلامي عن النموذج الغربي –دون أن يعني ذلك إنكار ميادين المشترك الإنساني العام في العديد من العلوم والمعارف التي لا تدخل حقائقها وقوانينها وثمرات معارفها وتجاربها في "المميز للذات الثقافية" وإنما تدخل في "الجامع" الذي تتفاعل فيه وتتشارك "الذوات الثقافية" للإنسانية جمعاء.
ومن هنا يبدأ الدكتور محمد عمارة بالحديث عن النموذج الثقافي المثالي الإسلامي الذي يجب أن يتحلى به المثقفون، مع ذكره وتأكيده على أهم مميزات النموذج الثقافي الإسلامي لأنه نابع من الحقائق والقوانين الشرعية والعقيدة الإسلامية التي لا تناقض فيها، فالإسلام هو المكون لذاتيتنا الثقافية والمحدد لمعالم نموذجنا الثقافي، وكما يقول الدكتور محمد عمارة إن تميزنا عن "الآخر" الغربي قائم فقط حيث يكون التميز والافتراق... الأمر الذي يجعل علاقة نموذجنا الثقافي -الذات الثقافية-بالآخر هي علاقة التميز والتفاعل، التي هي وسط عدل متوازن بين غلوّين: غلو الإفراط الذي يرى هذه العلاقة علاقة قطيعة وتضاد وغلو التفريط الذي يراها علاقة مماثلة ومحاكاة، وهذه هي حقيقة من حقائق علاقة "الذات الثقافية" بــ "الآخر الثقافي" وهي علاقة التميز والتفاعل لا القطيعة والتضاد ولا المماثلة والمحاكاة وقد غدت هذه الحقيقة عبر التاريخ قانونًا لحكم التقاء واحتكاك وتدافع الثقافات في سياق تدافع الحضارات.
على المستوى الإنساني وفي مختلف الميادين ينهض النموذج بدور محوري في تحديد الأسوة والقدوة التي تنهض بدور البوصلة المحددة والمرشحة لتوجهات الإنسان في مختلف ميادين الحياة؛ ففي الأسرة نموذج الأب... وفي الأمة نموذج البطل... وفي التاريخ نماذج الانتصارات... وفي العقائد والأيديولوجيات نموذج الدين... إلى آخر النماذج التي تأسر الإنسان على توجه بعينه وطريق بذاته عند مفترق الطرق وتعدد الخيارات، وفي اللحظة التي يتم فيها اختيار النموذج يحدث الإفصاح والإعلان عن انتماء الذات ومن ثم تميزها عن الآخر الذي عدلت عن اختياره نموذجًا في هذا الميدان من ميادين الاختيار.
وبما أن اختيار الميدان الثقافي ليس فقط مجرد واحد من هذه الميادين التي يتم فيها اختيار الإنسان نموذجًا دون الآخر... بل إن النموذج الثقافي يكاد أن يكون بعد اختياره والانتماء إليه والولاء له المعيار الذي يحدد ويرجح النماذج التي يختارها الإنسان في العديد من المجالات والكثير من الميادين... فالثقافة التي صنعت هوية الإنسان هي الموجِّه لاختياراته لنماذج الأسوة ومناهج القدوة والمثل والمعالم التي تجعله يوالي هذا ويعادي ذلك، وينشط لهذا المقصد ويعدل عن سواه، ويضحي في هذا السبيل ولا يلتفت إلى ما عداه، والنموذج الثقافي هو المحدد لنموذج المستقبل الذي يسعى الإنسان لصنعه وتحقيقه في الواقع الاجتماعي الذي يعيش فيه، وإذا كان الله سبحانه وتعالى قد خلق الناس جميعًا من نفس واحدة؛ فلقد اقتضت حكمته أن تتوزع البشرية إلى تعدديه في الشعوب والقبائل والأمم والألسن والألوان والمناهج والشرائع ومن ثم القوميات والثقافات حتى يتم استباق الناس على طرق استعمار الأرض وتنافسهم في تحصيل المنافع وتدافعهم لحيازة الخيرات المادية والمعنوية، ومن هنا اختلفت النماذج الثقافية وتعددت فروعها ومواصفاتها وطرقها في التفكير والحياة، وفي هذا الكتاب الرائع يحدد لنا الدكتور محمد عمارة مميزات النموذج الثقافي الإسلامي عن النموذج الثقافي الغربي كما يعرض العديد من المقارنات بينهما بعقلية إسلامية متفتحة ومفكرة ومطَّلعة على مختلف الحضارات والأديان، كما يحدد أيضًا خصائص النموذج الثقافي الإسلامي ومواصفاته ومنهجه في التفكير والنقد والمطالعة، وهذا الكتاب يعتبر من أروع ما قرأت وأنصح الكثيرين بقراءته، والتقييم: 8 من 10.
* ملاحظة: في هذه المراجعة بعض المقاطع نُقلت من تمهيد الدكتور محمد عمارة للكتاب ولكني كتبتها بعد أن اختصرتها وبسطت بعض معانيها ورتبت أفكرها لتناسب المراجعة وتتفق مع النص الذي كتبته.
على المستوى الانساني ينهض النموذج لتحديد الأسوة و القدوة المحددة لتوجهات الأنسان في ميادين الحياة. فعندما يتم أختيار النموذج, يتم بعدها التميز بينها و بين الآخر
و من اهم هذه النماذج هو النموذج الثقافي, فهو يحدد اغلب الميادين التي سيتوجه لها الانسان بعد ذلك. هنا يأتي اهمية العنوان بالنسبة لي
يتكلم د. عمارة عن ان المفترض في حقائق العلاقة في الذات الثقافية ان تكون علاقة "تميز..تفاعل" و ليست قطيعة و تضاد او مماثلة و محاكاة.فحضارات العالم انفتحت على الحضارات الأخرى, فالأغريق انفتحوا على الحضارة المصرية لكنه توقفوا فقط عند العقل فلم يتجاوزوا ذلك الى الروح و الوجدان. و المسلمين ايضا انفتحوا على الفرس و اخذوا منههم التراتيب الإدارية و على الرومان و اخذوا منهم تدوين الدواون و من الهنود اخذوا علم الفلك و علم الحساب و رفضوا الأخذ بالامور الأخرى.
و الآن نرى ان الغرب أخذوا ابن رشد كشارح لأرسطو و لم يأخذوا فلسفة ابن رشد "الرشدية الإسلامية", فهم يرون ان بضاعتهم ردت اليهم مع زيادة في الشرح تناسب العصر في ذلك الوقت. و نحن كمسلمين منذ القرن الحادي عشر تقوقعنا حول انفسنا و لم نأخذ من الاوروبيين مانحتاج و هي العلوم التجريبية.
ذكر المؤلف خصائص النموذج الثقافي الإسلامي
التوحيد: فمنهج التوحيد مختص بالاسلام, فهو إله واحد يعبده جميع الموحدين و لا يعبدون غيره
الاستخلاف و الخلافة في الأرض: فالإسلام بعيد عن التصور المادي و انه سيد هذا الوجود, فهكذا يتميز التصور الإسلامي في علاقة الدين بالعمران على نحو جدلي ارتفاقي
التعددية: و التي منبعها التنوع في اطار الوحدة
دوائر الانتماء:تكلم عن نقطة ان الإسلام لا يعترف بالجنسيات بين الدول المسلمةو أن المسلم يعامل كأخيه المسلم حتى لو كانوا من دول مختلفة..المشكلة ان الواقع الآن عكس ذلك تماما!!!ه
سبل المعرفة : العقل و النقل و التجربة و الوجدان و ان العلاقة بينها هي التجاور مع استقلال كل واحد عن الآخر
العقلانية المؤمنة: و هو ان العقل مع الشرع..و لم يتحدث ايضا في حال العارض من الذي سيرجح؟ه
......
الكتاب مثالي جدا..ينفع ان يكون كتابا للتربية الإسلامية و ليس كتابا من سلسلة التنوير
كتاب ينفع للنشء لتنبيههم بضرورة وجود نموذج ثقافي خاص بالإسلام مع الانفتاح على الحضارات الأخرى