هناك دائمًا معضلة في الرد على كتاب بكتاب آخر (أو نقده) لأنه على عكس المقالة، إما يكون الرد على كتاب حالي بكتاب حالي آخر فيصبح ذلك كمناظرة مدارها الكتب ولا يستفيد القارئ (الحالي) منها بشيء فمن سيتابع ما يُقال كتابًا كتابًا ليفهم السياق كاملًا وسيصير الجمهور مجموعة قليلة من النخبة، أو يكون ردًا على كتاب مات كاتبه أو كان في نهاية حياته حينها فلا يُرجى منه رد ويمكن تناول أغلب أفكاره ولكن عيب ذلك أن الكاتب المردود عليه ستكون أهميته وشهرته قد صارا شيئًا من الماضي
ورغم أن هذا الكتاب ناله من تلك العيوب بعض الشيء، فأنا لا أعد نفسي مثلًا من جيل يعرف لماذا يمكن أن يُخصص كتاب أو حتى جزء من كتاب للرد على سيد القمني وخاصة أنه لا يبدو خطيبًا مفوهًا أو محدثًا نبيهًا، مما رأيته وسمعته منه، يُخشى على الشباب التأثر بأفكاره - في رأيي على الأقل - ولكن يبدو أنه كان كذلك في زمنه ولهذا أعد الثلث الأول من الكتاب مهمًا ليس فقط للنظر إلى سيد القمني كحالة منفصلة بل في النظر إلى أشباهه في كل عصر الذين يتزينون بالفكر والعقل وهم يخلون من ذلك في الحقيقة وأقربهم للتذكر إبراهيم عيسى مثلًا في زمننا هذا
الجزء الثاني من الكتاب لم يعجبني شخصيًا، ربما لأني أيضًا لا أعرف أهمية خليل عبد الكريم، وفي اعتقادي أن الكاتب لم يفِ حق الرد عليه بل عرض كلامه مقتبسًا أكثر مما نقد ذلك الكلام وإن كان غرض الكاتب من ذلك هو إظهار تناقضه إلا أني أرى أن ذلك لم يكون كافيًا لنقد أفكاره التي عرضها بإسهاب
وأخيرًا الجزء الأخير أعتقد أنه نقد فكر رفعت السعيد باختصار وبوضوح ولكنه موضوع مرتبط بزمن محدد بشكل كبير على عكس أفكار القمني وخليل عبد الكريم التي يُعاد تدويرها دائمًا وتظهر بشكل متكرر وإن اختلف الأشخاص والأزمان