لزمن طويل جدا ظلت أشعار حسين البرغوثي محصورة بعدد قليل جدا من القراء ، وأخيرا جاء الوقت الذي نشرت فيه أشعار هذا المبدع . يحتاج حسين البرغوثي إلى عناية واعادة اكتشاف من جديد ، وطرح بشكل أقوى على الساحة الفلسطينية .
ولد الشاعر والمفكر الراحل حسين البرغوثي في قرية كوبر شمال غرب مدينة [[رام الله]]، في الخامس من أيار عام (1954)، وقد أمضى سني طفولته بين مسقط رأسه كوبر حيث أقامت والدته، وبيروت حيث عمل والده. أثر تخرجه من الثانوية العامة التحق ببرنامج العلوم السياسية واقتصاديات الدولة في جامعة بودابست للعلوم الاقتصادية في هنغاريا. وفي العام (1979) مثّل فلسطين في أكاديمية الكتابة الإبداعية في جامعة أيوا (IWP) في الولايات المتحدة الأمريكية. وبعد عودته إلى فلسطيني تخرج من جامعة بيرزيت وحصل منها على شهادة البكالوريوس في الأدب الإنجليزي العام (1983) وقد عمل معيدا لسنة واحدة في جامعة بيرزيت قبل توجهه إلى الولايات المتحدة حيث حصل على درجتي الماجستير والدكتوراه في الأدب المقارن بين الأعوام (1985-1992) من جامعة واشنطن في سياتل. عاد إلى فلسطين ليعمل أستاذا للفلسفة والدراسات الثقافية في جامعة بيرزيت حتى العام (1997) وأستاذا للنقد الأدبي والمسرح في جامعة القدس حتى العام (2000). وأثناء هذه الفترة كان عضوا مؤسسا لبيت العشر الفلسطيني وعضوا للهيئة الإدارية لاتحاد الكتاب الفلسطينيين ورئيسا لتحرير مجلة اوغاريت ومديرا لتحرير مجلة الشعراء حتى رحيله في الأول من أيار (2002) حيث توفي في مسقط رأسه كوبر اثر مرض بالسرطان استمر عدة سنوات . وقد صدر للبرغوثي ما يزيد عن ستة عشر إصداراً توزعت بين الشعر والرواية والسيرة والنقد والكتابة الفلكلورية إضافة إلى العشرات من الأبحاث والدراسات الفكرية والنقدية والنقدية بعدة لغات وفي العديد من الكتب والمجلات والصحف. وفي سياق آخر فقد وضع البرغوثي سيناريوهات لأربعة أفلام سينمائية وكتب نحو سبعة مسرحيات لفرق محلية وعالمية إضافة إلى كتابة العديد من الأغاني لفرق موسيقية مختلفة نحو صابرين والرحالة وسنابل وفرقة إحياء بلدنا.
"روح الشاعر قلمٌ تستخدمه قوى أعلى لكتابة مذكراتها." وفي دواوين حسين الشعريّة تتلبسه أرواح وأصوات مختلفة، من عصور وبلاد متباينة، وأبطال تاريخية، وصعاليك، ونساء غجريات، وشبّان نوريّون، وشعراء مكلومون، وهكذا.. تعدد الأصوات فظيع في قصائد حسين. تتلبس حسين كذلك روحيْ محمود درويش ومظفر النواب بطريقة هائلة؛ فهو يقتبس من مفرادتهما ويعيد توليدها بطريقته الخاصة في نصه. حسين بارعٌ في إعادة الولادة.
***
::الرؤيا 1988م (18 قصيدة)::
لغة فقط، والموسيقى مستواها عالٍ. تلبس بالأصوات المختلفة فليس هذا شعرًا غنائيًا بلسان الشاعر.
//إنانا// "يفيض بنا الحبُّ قرب المروج، فيا ليتنا نمشي هناكَ، وتعبدنا حين نخطو الوحول يا إنانا، لم يبق من عمرنا إلا القليل القليل يا إلهة هذي الخضرة الخضراء، هذي الينابيع، هذا النرجس البري، هل سوف يحدث، يومًا، وتمشي إلينا الحقول؟ يا إنانا، صبرتُ، وصبري نقي وصبري عميقٌ، وصبري طويل، وصبري جميل فافتحي بوابة السور، فاتحي يا إنانا، يا ابنتي!" //النسر// //التنبؤات// "بين الله والفانين ينسدل الستار" //هي// //الرحلة إلى داخل الأرض// //التحولات// //الأسد الصغير// (صورة الصعلوك) "حملتُ جيتارًا لتفهمني البغايا." //الأميرة// "لكل نبي طريق إلى جبل الآلهة." //التوهجات// //الجريح رقم س// //المرمر// //الخرز// //الرقص// (زوربا) //الحدس// (نظرات ما بعد حداثية) //الفحول// (رؤية أبوكاليبتية) "هذا تراث تخنث فيه التجارب." "لسنا عذارى لنبكي على بوابة الدير والعتبة إذا موجةٌ أسرعت ممطوطة الرقبة من قبل ما كنّا ومن بعد ما صرنا بغايا مقدسة في المعابد أو لعبة للزمن." //توليفة أفريقية// //شمس على النهر//
***
::ليلى وتوبة 1993م::
تتلبس حسين روح القصة بطريقة فظيعة، ويدخل في تفاصيل الضوء والظل بالقصة ويخلق لها جوًا أسطوريًا بديعًا، ومليئًا بالصور الأخاذة.
"ينام الليل مثل القط في حجري وبين يدي وأحدّق في عينيه طويلاً ويحدق في عينيّ يا ليلى، أحبّك، مثل مجنون، وأفشل أن أبوح!"
"طوبى لمن يرث الكشف وتوبة طوبى لمن قبله طوبى لمن علّم القلب احتمال السكاكين، ومن طحنته التجربة كالقمح حتى صار خبزًا، وطوبى لمن كاد يكتشف الورد في المزبلة."
***
::توجد ألفاظ أوحش من هذه 1998م (9 قصائد)::
"أغيّر في الاقتباس، عادةً، في محاورة مع التراث، لذلك فهو تحويل. (...) بالمناسبة لا أشير إلى كل مصدر أخذتُ منه." فحسين بارع في إعادة التوليد!
//سفر// //النيل// "أمر على الأرض كأني لست معنيًا إذا ما مررتُ بأن أدافع عن قطعة الأرض التي أوجد فيها، أمر على الأرض التي أوجد فيها، أمر على الأرض حتى أودعها، من عليها وفيها وجئتُ غريبًا إليها، ومن كوكب آخر، جئتُ أودّع، منذهلاً بالشوارع والناس، وأذهب أيبسَ من قطعة من خشب." //كم// //من مذكرات زنجي// //عن هاجس// //من كتابات الجن فيَّ// //زمن كاترين ميشيل// //حال// //ما قالته الغجرية// (هي أبدع قصيدة كتبها حسين في حياته بكل معاني الكلمة لذلك سأوردها هنا كاملةً!)
لا تكمن براعة حسين في وضع الأمور في نصابها، أو تصميم الأفكار على نسق هندسي متراتب. حسين بارع منتهى البراعة في ربط شظايا الحقيقة، نثرها، رشها، وجعلها تضيء، ثم ربطها بخيوط رفيعة لا يمكن للرائي ملاحظتها، فتجد نفسك واقعًا داخل بحر هائل من الصور والروائح والأضواء (وأشدد على الأضواء، حسين بارع في الضوء، بارع براعةً مطلقة في اللعب بالضوء وتسليطه على الأشياء، ورصد أضواء الأشياء. عند حسين كل شيء له ضوؤه الخاص.) هذا الضياع داخل بحر حسين الضوئي، هو عين ما يحدث داخل عقل هذا الكائن العبقري. فالحقيقة عنده شظايا متناثرة هنا وهناك. لا يوجد أي سلسال منطقي للأحداث التاريخية، بل ترتيب الذاكرة هو الأجدر بالانتباه والميل إليه، ولا يوجد أي تعدد حقيقي للأدوار، بل كلمة عابرة من شخص مجهول قد يكون لها أثرًا أوطأ من خطب نسمعها يوميًا من أفواه حفظناها. هذا هو عقل حسين. أو هذا هو العقل الذي رأيته من حسين. وفي هذا النص، الذي لا أعرف هل يمكن تسميته بأنه "شعر"، كان حسينًا مضيئـًا مثل (سراج الغولة) أو حباحب الليل. شظايا الحقيقة التي تضيء في عقله، ولغته المفككة، المترابطة التي تمرر هذا برفق تارةً، وبكثافة تارةً أخرى.
***.***
::نهاية الرحلة::
بهذا الكتاب أكون قد انتهيت من كل ما كتبه حسين. ويا لها من رحلة استنفذت مني كل عقلي وروحي، إلا أنها تستحق بكل معاني الكلمة. والجميل في أعمال حسين أنها تفسر بعضها البعض، فأية نقطة كانت غامضة وغير مفهومة في كتاب، سيكون لها تفسير أو إيضاح أو زيادة في التفصيل في كتاب آخر، فهي مجموعة متماسكة، وتفسر بعضها البعض بطريقة قوية، حتى الألفاظ والاقتباسات تصدم قارئها بأنها تكون هي هي، والسياق كذلك كما هو. وإن كانت كل المجموعة عصيّة على التصنيف، إلا أنني خضتُ فيها بهذا الترتيب الذي أجعله في وجهة نظري بهذا الترتيب:
حسين ذات عاشت تبحث عن الضوء عن نور ينير طريقه عن روح تجنح للازرقاق للضوء الأزرق والقمر الأزرق وكلما وصل الدليل والادلة فاجأهم ببداية اخرى وقال :بالقلب اصل الاشياء لكي أبرأ تحت سماء لست أملكها
******************* أقتبس
كنا نحاول فهم اغنيتين الصوت كان لغيرنا والصمت نحن مللنا الاغنيات جميعاً معنى وحرفا وفي المدن الغريبة كنا نشتري سرب الحمام لنطلقه في الطريق الذي سوف نسلكه لم نجمع المال حتى نقول :اغنيتنا ولم نملك الارض او ندعي ملكها كي نقول انتمينا لأرض او بلد والحدود التي اوقفتنا عندها كانت حدوداً يحدّدها غيرنا, لا حدود لنا اوليس يعني السفر شيئاً لمن لا يستقر , نمر او نقف وكنا نعشق الحانات من ليل الى صبح ملل وقلبي طاحونة من حجر والذكريات غناء قديم وذاب التصاق القلب بالاشياء ما كان منها جميلا وما كان منها ذميم لا شيء يحدث الا اذا سميت هذا السام حدثاً يصير وقلبي مثل المغني الذي قلبه لا يفرق بين الورود وبين الحصير يقظات تشبه النوم في مدن تشبه اليقظة مطر يشبه الخصب في لحظة كالندم عندما اغفو
*******************
في لغتي سرب قلاع صامتة تبعث ضوء شموع نحوي خلف قلاع صامتة تبعث ضوء شموع نحوي يشبه اسلاكاً شائكة, داخل أسلاك شائكة, داخل أسلاك شائكة وتحيط بحرفين وقلبي سجن داخل سجن داخل سجن داخل سجن سرب سجون مغلقة بالشفقتين فلا تلفظ في المنطقة المحتلة غير اللفظات المحتلة وقيودي تحضر بالجملة فأحلق, سرباً من حجل بري تحت نجوم تتشابك لست أغني صوتاً منفرداً في أجنحتي ساغني كل جناحي, كل جناحي, كل جناحي, لست أحرر نصف فضائي ربع فضائي, ثلث فضائي, سوف احرره كله كله هل تفهمني؟كله! وأعيد عليك لتفهم: كل جناحي, كل فضائي, كله نحن أمام الروح المحتلة وهي تحلّق كالرّخ لها اللفظة في أول الموج.
****************** طوبى لمن يرث الكشف وتوبة طوبى لمن قبله طوبى لمن علم القلب احتمال السكاكين ومن طحنته التجربة كالقمح حتى صار خبزاً, وطوبى لمن كاد يكتشف الورد في المزبلة
*********************
قدر الروح ما تميل اليه فاعرف ميولك تعرف قدرك واعرف قدرك تعرف حاجاتك واعرف حاجاتك تعرف من انت اذا اتسعت حاجاتك تتسع انت فمن انت؟
أجلس تحت شجرة من غير ظل،أرقب البعيد دون أن اقترب وأتجنب القريب حتى يبتعد، أتحسس وجود قلبي بين اللحظة والأخرى،أتحاشى التفكير ما استطعت ويبدو أننا لا نفعل إلا ما نتحاشاه، أهمس لنفسي أنه لا بأس وأصر على ذلك ولكنني أعلم أنه 'حقا' بأس، إلى أن أخطو نحو حمى الحسين، فأراه كأنني لم أر يوما غيره، ويربط على قلبي ليتساوى كل شعور وضده ويتسع القلب ويتمدد إلى أن ينطفئ كل خطب. فالحزن يأتي منك أحيانا" وأحيانا من الأشياء، حزن ليس منك عليك، وحزن منك ليس عليك، إليك يجيء الذي ليس تملكه ثم يرحل عنك الذي كان وهمك أنك تملك أن تتوهمه"
فلسفة على هيئة شعر ؟ أم شعر على هيئة فلسفة ؟ إن إثارة الدهشة في نفس الإنسان هي عمل لا يقوى أيا كان على فعله! كدهشة الأطفال عند استكشافهم الأشياء لأول مرة ، الدهشة التي تحمل أثارها معك كلما راودتك ذكراها عن نفسها ..نعم هذا ما يجيده حسين، أن يبعث في نفوسنا وعقولنا وقلوبنا الدهشة مع كل سطر وفكرة ومعنى! لذلك لا يسعني إلا أن أقتبس بعضاً من الكثير الذي راق لي مما قاله: إن المسافة بين الفروع وبين الجذور تسمى: "نضوج الشجر" سمها بعدنا عن تربة الأصل، أو قربنا من غموض القمر. --- قلت جئتُ من ضفة نهر لا أميز فيه بين الأشباح التي تخرج من الماء المختمرِ من القمر، وتلك التي تخرج من الذاكرة كالضفادعِ، كيف أميز؟
قالت:
أشباح الذاكرة تأتي من عالم آخر ترحل الروح في الحلم إليه! والغجر يعرفونها:في آذانها.
خواتم من الذهب، وتحب الرقص السابق، والتسلية بكتابة حاضر من نوع آخر.
فانتفع بالذي تعرفه.
--- الأشباح تلعب بي، مرة أخرى! كيف أميز؟
قالت:
اللاوعي حاضر فيك بقوة فافهم قواك...
--- وقالت: أنت كالسم أو كالسهم في ... في ساحة أضاءت بالخوف فسالت منك القوة للخارج، والجو خطير فَطِر مثل شذا الليمون. فقلت: إلى أين؟ فقالت: حيث"يزقزق عصفور في الأفق الأزرقِ...آمنٌ...آمنٌ...آمنٌ" تلك علامة. فأقم،لا في العلامة، بل في الذي بعثَ العلامة. فالكونُ علاماتٌ. وروح الأودية تحنو عليك. أقم حيث تحنو وتحلو الإقامة.
--- فاستمع لي الآن: لا توقظنَّ القوى النائمة فيك، قبل أن تستيقظ أنت. وانتفع بالذي تعرفه. لا تتكئن على الريحِ، هناك جبالٌ تحسبها ثابتةٌ وهي تمرقُ مثل مروقِ السحاب. لا تتكئنْ، كقردٍ أبيض اللحيةِ والانحناء،على شعاع قمرْ لا تبحثنْ عن صلابة في الزبد! وعد لي واقفاً، لا عصاً في يديكَ، ولا دليلٌ خارجكْ، خالصاً مما عداكْ.
الكونُ نهرٌ وهرمْ:
إن ملتَ إلى تتبع النهر مع الموج رحتَ وإن ملت إلى جهة الأهرامات كنت مع الثباتْ.
قدرُ الروح ما تميلُ إليه.
إن ملت في العتم للنارِ كنت مع اللونِ، وإن ملت مع النار كنت مع الحركة.
إن ملت إلى رقصاتِ الغجريات كنت مع الشكلِ، وإن ملت إلى ميزانِ الذهبِ كنت مع الدقة.
إن ملتَ إلى ما كنت، كنت مع الذاكرة وإن ملت إلى ما ستكون، كنت مع المنفى.
وإن كنت مع سفينة الشفقِ البحري كنت مع الحرية، فالبحرُ مغادرةٌ دائمة للمغامرة.
فاعرف ميولك تعرف قدرك! واعرف قدرك تعرف حاجاتك.
واعرف حاجاتك تعرف من أنت. اذا اتسعت حاجاتك تتسع أنت. فمن أنت؟
فأجبتْ: أتكون كالأسطورة وتتغير دلالاتي. كيف أميزْ؟
كنت كبابٍ من ترابٍ شقني الإقحوان الربيعي. فمن أُمطر؟ تفككتُ لما يئست القبض على القمر فاكتفيتُ بالتقاط الحفر. كيف أرفعُ الهوة إلي، كما دعا من كتب عن تحول الروح من جملٍ إلى أسدٍ إلى طفلٍ، والتماسك فن؟
قالت: الغجر يعرفونه..! لا تخضعنْ أعلى ما في روحك للأدنى فيها. قلت: وما الأعلى والأدنى؟ قالت: تشبيهْ.فسألت: إن بُحْتُ، لمن؟ وبأي صوت؟ قالت: أعد تكوين أصابع البيانو من جديد تفهم بداياتِ صوتي. قلت: من علمكِ الحكمة والغناء؟ قالت: هوَ. النهرُ وترٌ.كيف أعزفُ؟ والنجوم مفاتيح ذهبٍ.فمن أغلق؟
قالت: الروح فراشةٌ؛ إن حلقت بين رحيق الغناء الخفي وبين النرجسة الأولى، من وإلى، كنت أسيرَ "من وإلى"، فالغناء ابتعادٌ واقتراب. --- أحببتك جداً، حين كنتَ مدى... وظل الصنوبر في لبنان يدعى "الفيء"، وظل الصوت يدعى "الصدى"...
قلت لها: لم أكن أبداً.
مثلما كنتُ في ذاك الغروبِ الغريب، وأنتِ مفاتيح الذهب في يدي المسافات التي تنكر الروحُ والروحَ تنكرها حزمةٌ من حطب! لم أكن أبداً. مثلما كنت في ذلك الوقت، أيام كان الحلم قصراً على سقفهِ شبك من ذهب. وأنا بين شبابيك الشِّباك وبين سقف القصر طيور سجينة. والفضاء الذي في الحلم أبعدُ مما وجب. قالت:النهرُ حنينُ المنابع نحو المصب. إن ملتَ له، للنهر، كنتَ مع "الاتجاهِ"، وإن ملتَ عنه كنتَ مع الافتراقِ. وإن كنت ناموسَ نفسكَ كنتَ "الدليل"، وإن دلك الموجُ كنتَ مع الالتحاق برؤى سواك. والطريقُ خطوطٌ. والإرادةُ خطٌ.ماذا ترسم؟ قلت: المستحيل الفصل بين اللوحة والرسامِ؛ إنهما واحد. كنتُ دُبّاً في المسالك، والآن بين يدي الوتر. كيف أعرف؟ والحيرةُ فن. قالت: الغجر يعرفونه...!
فاستمع لي الآن: كن شلالاً، وكن سمكة فالتجربة هي الطريق الوحيد للمعرفة. لم أكن أبداً مثلما كنت في ذلك الموجِ، في ذاكَ الغروبِ الغريبِ، الصخرُ قدر.
من العبث ياحسين، كل العبث، أن يقفز ذهني فيقول: قرأتك. لأن القراءة امتلاك وأنت سائل، كشعرك، تتلبسنا وتتسرب فينا ولانودّعك. أن أقرأ لك حرفًا هو أن أتغيّر للأبد، وإن هممت أن استعيدني قبلك لم أستطع..وأقرؤك كالوحي كالكتاب المقدّس أهمهم في تجليّاتك وتتمنّع عنّي أخرى أو تأتي ثالثة من نور تنتشلني من عتمة ساحقة...وأتيه في كلّ الكلام طويلًا أو قليًلا لأدرك أن ميزان إعمال التحليل فيك مستحيلُ وأني أدعك لتسحرني فقط، أقول لك مزيدٌ فتعطي ، ولولا هذا النوع من السحر، سحرك، ماكان للقلب مكان خاصّ يجري إليه ويصغي.
النرجسية ليست عشقاً للنفس. بل هي ذهن يحدَّق في نفسه و يسأل نفسه عن ماهيته ، عن كلَّه ، مهما تعدَّدت صوره ، مثل شظيَّة مرآة تسأل حوافها المكسَّرة عن الشظايا الأُخرى. نرجس يحدس مَنْ هو ، و لكنَّه لا يعرف من هو. فاعتقد أنَّه هي ؛ أنَّه حورية ماء ، أي أنَّه امرأة. الشعر حدس النرجس. ترى النرجس نفسها في الماء فتسأله : من هي ، فيقول لها الماء : إنَّها هو! .
“الشّعر عنده حُدوس، رُؤيا، حواريّة فذّة بين المُتناقضات، بحث دائم عن اللامُسمّى. أتى كنبيّ ومضى كنبيّ من عالم آخر ومن حلُمٍ مختلف، علامة بُعثت من قِوى أعلى حتى هو لم يكن واعياً بها. بيننا مرَّ، بعيداً، بعيداً جداً، كنجمٍ حزينْ، ولمحْ: كنّا نفعيين، وما كان قدّيساً، ولكنه كان يرمي وجههُ في يديه كبرتقالة في الثلوج، ويبدو، في لحظاتٍ كتلك بلا حلم، مثلنا كُلّنا”
فالمجمل جميل جدا الديوان الاخير مرايا سائلة عظيم جدا، والثاني ليلى وتوبه حلو جدا الأول والثالث تتخلله الفلسفة - كالسابقين - والسريالية والغموض فموصلنيش أوي أكيد هرجعلهم تاني بعد ماخلص باقي السيره بتاعته لأن " الضوء الأزرق " باين جدا فالتالت ورحلته الصوفية.
لا أريد أبدأك كي لا أنهيك كلما لامست قدماي جرف #إنانا شعرت بعالمٍ آخر وكأنّه عالمي الطيفي كُنْ لي زورقاً كي أنجو منك وأنا فوق ظهرك.. بعد ولادتي بستّةِ أشهر كتبت عن أُمي #إنانا وبعد موتك بأثني عشرَ سنة كتبت لكِ حوارنا الطيفي المُتجانس كم أحبّك يا حفيد قدورة وأبا آثر وأبن رام الله الغريب ألتطمتني بك عاشقة من جنين تودّ قتلي كي أرى كفّي عن كثب أحتاج أن أجتازك وأن لا اجتازك ..
عمل رائع. عرفت حسين كاتباً، وتعرفت عليه شاعراً في هذه المجموعة، مبدعٌ وجريء ومشاكس أمام صناعة اللغة والصور والجمال، إنَّ روح التصوف تحوم في القصائد، ورقة الحرف ترن في الكلمات، والذات الجريحة لها ظهور ملازم للقلب النائح. يقول: " ومشاعري شمسٌ على الغاباتِ تجمعها الصبايا أو تبعثرها الطيور وأنا أحبك، آه يا معنى الجذور"💙
"لا شاعراً كنتُ ولا شبه ذلك، بل فيلسوفاً، وذلك أسوأ، الشِّعر سحرٌ، يُفقِرُ العمر لكي يغنى الكلامُ أُدخل الشّعر في ضدّه- نثرهِ، الشّكلَ في اللاّشكلِ، أي منتهى الفوضى، ليرتبك النظامُ والذي يغضبُ يرضى، حين ينهار الكلامُ مثل فهدٍ خارج للصيد من جحره، فاجأتْهُ السهامُ" ____ مزيج غريب بين الشعر والفلسفة والنثروالجمال؛ ومشبع بالألوان والألغاز.