بعد وفاة "علاّ" (الاسم المختصر لعبد الله عند بعض القبائل في الجبال المغربية)، القائد العجوز، المتواضع الحكيم، لإيالة "حصن السوق" خلفه ابنه الوحيد "همّو" (اختصار اسم محمد لدى قبائل جنوب المغرب)، الطموح، والجشع، المتعطش إلى المال والسلطة، وإلى حياة البذخ والثروة والقصور. وأخذ يبني سلطته وقيادته، ولو على جماجم أبناء قبيلته والقبائل المجاورة، ساعياً إلى اكتساب رضى السلطان ووزرائه وحاشيته، وأداء ما يترتب على إيالته من فرائض وضرائب للسلطان، وإلى إحاطة نفسه بكافة مظاهر القيادة من قصور ومنازل وسجن وحاشية، وحرّاس وعسكر. وفي بنائه لسلطته يرتقي "همو" مدارج سجن داخلي ذاتي، تضيق سراديبه إلى حد الاختناق، يساعده في إقراره وفرضه لسلطته وهيبته على قبيلته والقبائل المجاورة صديق أبيه وخادمه "ابن الزارة"، وهو في الأصل نخاس سمسار في أسواق الواحات، يتاجر بالإماء والعبيد من الرجال والنساء، وصديق والده الصائغ اليهودي "باروخ"، الذي يلبي كافة مطالب "همو" ورغباته ويسلفه الأموال ويعينه في تأمين الموارد، وفي النهاية يخدعه ويسلبه أموال كنزه الذهبي. أوحى ابن الزارة للقائد همو بضرورة الزواج من بنات الأعيان والقادة والمشايخ، وزوجه من فتاة جميلة عربية أبية النفس اسمها "السالمة"، ابنة ولد الشهباء، قائد ولاية السهل المجاورة. ولما لم ترضخ لسلطته ولم يجد فيها ضالته المنشودة ومحبوبته المطيعة، زوجه من "كيما" ابنة الشيخ أحماد نايت ابرايم الأبي المعتد بكرامته وقبيلته، وهو شيخ قبيلة بربرية تقيم في منطقة جبلية من ولايته، بعد أن أقنعه بذلك قائلاً: "تتزوجها وتضرب عصفورين بحجر: تثير بها غيرة زوجتك بنت ولد الشهباء وتكون عنك بمثابة رهينة تضمن طاعة والدها الشيخ أحماد"...
كان القائد همو شوكا ورمزا للاستبداد والإقطاع المخزني (المخزن مصطلح مغربي يطلق على الدولة) همه الوحيد إرضاء رؤسائه وقهر مرؤوسيه وتجميع وسائل الجاه والمتعة والتملك ضدا في شيوخ (أهل النصف والفج الاعلا والفج الأسفل وممر الريح والقعدات واعلى الوادي وسفح الضباب وشعاب الملح وشعاب البساتين ووادي الزيتون واهل المعزى والمنازل والقدامى وأيت أبرييم).
Ahmed Taoufiq/Ahmed Toufiq أحمد التوفيق مؤرخ وروائي مغربي، يشغل منصب وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية منذ 2002.
ولد سنة 1943، بإيماريغن (الأطلس الكبير الغربي) - حاصل على إجازة في التاريخ سنة 1968، ودبلوم الدراسات العليا، سنة 1970. عمل أستاذا بكلية الآداب من 1970 إلى 1989، ومديرا لمعهد الدراسات الإفريقية من 1989 إلى 1995، ثم محافظا للخزانة العامة للكتب والوثائق (بالرباط) من 1995 إلى اليوم. عضو اللجنة الاستشارية لبرامج «ذاكرة العالم». يحرر إلى جانب محمد حجي «معلمة المغرب».
لا وقت لي ولا جهد لكتابة مراجعة مفصلة، وإن كانت الرواية جديرة بذلك حقا، وروايات التوفيق دائما تمسني لأنها تتحدث عن تاريخ اجتماعي وسياسي ورثت بعضه ككثير من المغاربة.. وههنا لُمع: اسم همُّو ليس ترخيما لاسم محمد، بل هو اسم أمازيغي مستقل كـ هنّو للإناث، وكـ عبّو و شطّو وعدجّو.. أدركت ناسا كثيرين في قبيلتنا بهذه الأسماء..
سيرة الشيخ حماد ايت برايم تذكرني بجزء كبير من حياة جدي لوالدي رحمه الله، وكان شيخ قبيلة ضيق عليه زمن القايد/الباشا الگلاوي، وتنازل عن المشيخة اختيارا لما دخل الفرنسيس، وولى الݣلاوي والفرنسيس لصا قاطع طريق شيخا على القبيلة..
حياة كيما وصفاتها ومعاناتها في دار متسلط مهووس بالسلطة والعظمة ذكرتني بإحدى عماتي حفظها الله لما زفت لبيت وجيه أرى فيه كثيرا من همّو..
العلاقة المستغربة جدا بين الضرتين كيما والسالمة : تذكرني بشكل مريع بأواخر علاقة والدتي حفظها الله الأمازيغية المنشأ الجبلية المحتد، بزوجة والدي السابقة رحمها الله العربية الأصل العبدية المنشأ الهلالية المحتد، والتي ولدت ونشأت غير بعيد عن دار القايد السي عيسى العبدي ذي السيرة المشهورة..
أزعجني قليلا الإكثار والإطناب في وصف طقوس الاحتفالات والأعراس والأواني والحلي والألبسة، استحليته في أول الأمر، لكن مع تكراره وكثرته والإطناب المفرط فيه صار مع منتصف الرواية حشوا صرفا.. لكنه يغفر في بحر الحبكة والقصة كلها..
مرة أخرى يحكي التوفيق عن واقع ليس خيالا.. بل نشأت في بقاياه وموروثاته.. وهذا شيئ بديع..
من اطلع على التاريخ الاجتماعي والسياسي للمغرب في القرن 18 و 19م الذي تحكي الرواية شيئا منه : سيفهم حقيقة لماذا سقطنا في الاحتلال.. لم نُظلم والله، بل ظلمنا أنفسنا، ولم تكن لذلك الظلم والفساد واستشرائه واستمرائه أية نتيجة منطقية أخرى غير سقوطنا تحت الاحتلال والاستعباد..
والمهم أن لا نعيد نفس الحكاية، أن لا نستمرئ القهر والظلم والفساد ولا نطبّع معه حتى نسقط في هاوية أشد.. وهو بعض ما ألومه وأنتقده على شخص الوزير أحمد التوفيق نفسه وأما من سبقونا فتلك أمة قد خلت، لها ما كسبت، ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون..
ومن جهة أخرى فقد اتفق أن قرأت كتاب السياسة لأرسطو قبيل أن أقرأ هذا الرواية، وليس أول كتاب أقرأه في العلوم السياسية، لكنه أو الأمهات التي فيها تأصيل منهجي بديع لسؤال "لماذا السياسية".. وهذه الرواية فيها من التمثيل ودراسة الحالات لنظريات الدساتير والأعراف وأشكال السلطة والأنظمة ما لو فصلته لكان جديرا أن يفرد بمؤلف.. وهذا شيى بديع جدا أيضا..
منذ توليه للقيادة، لم يعرف همو طعم الراحة ولو ليوم واحد؛ فمع تعثره في أمور حكمه وقلة تجربته وزوجتيه اللتين لم تسعفاه أو لم تبذلا أدنى جهد في تقويم أفعاله، أصبح يتخبط بين ويلات أخطائه المتكررة والتي أودت به إلى الهلاك والنهاية المأساوية. أسلوب الكاتب جميل، ويتمتع بملكة لغوية أخاذة، استغرب لتوقفه عن كتابة الروايات, خمس نجوم منحتها لسحر ريشته والتي تتسم بالطابع التاريخي وكذلك للقصة التي لا مجال فيها للملل واتي قربتني كثيرا من ثقافتنا المغربية خصوصا أنني لم قرأ حولها سابقا. عموما اتسمت رحلتي مع هذا الكاتب بخليط من المشاعر المتباينة بين فرح وتأثر وضحك في كثير من المقاطع, كما أن التنوع في الشخصيات أضاف لمسة أيجابية للقصة, فعلا لم أصادف أية نقطة سلبية تنقص من القيمة الأدبية لهذا العمل.
لقد وقفت أمام هذا مشدوهة ببراعة السرد و الحكي مع أستاذ التاريخ الذي صنع من شيء من تاريخ المغرب حكاية خيالية .. و لقد طار عقلي حقا مع فصل وصف الحلي لكن لا أعرف لماذا كان هناك شيء ما .. مكوِّن ما .. تلك الرشة الاخيرة .. ناقصة في العمل .. كي تجعله مشوّقا و مترابطا عنوان الكاتب غير دقيق .. فالزوجتان لم تكونا بطلتين و ليسا زبدة الحكاية هي رواية غير مكتملة بالنسبة لي رغم براعة سردها.
حين زارت (السَّالِمَة) أهل (كِيمَا) بجبال الأطلس ببلاد المغرب الأقصى، حكت لها النقاشة (بَاشَا) أسطورة، مفادها أن شجرة الحناء كانت في القديم كبيرة، تمتد عروقها في الأرض، وتعلو عروشها وأغصانها في السماء، وتتسع أوراقها لتبلغ راحة اليد، أو لتتجاوزها. وكانت النقاشات ينقشن رسمها على اليد اليسرى اتقاء للعين، وأنواع الشرور الأخرى. بعد ذلك، عظم الشر، وغدا نقش شجرة الحناء غير كاف وحده لدرء البلاء، فأشار الصالحون برسم القمر وسط الراحة، لأن له غيرة على كل جميل، وبرسم الشجرة في مرتفع اليد جهة البنصر، وجعل فروعها ممتدة حتى نهايته. رأت الشجرة أنها مضايقة من لدن القمر، ومتهمة من لدن الصالحين بفقدان تأثيرها، فانكمشت، وتقزم حجمها إلى ما هو عليه اليوم. وبهذا، أصبحت في حاجة ماسة إلى القمر لكي ترد الشر والأذى عن الجميلاتهيل.
كما أنه لما مرضت (كيما)، قامت امرأة اسمها (جَامُّو) بعملية إنزال القمر لإشفائها. وهي امرأة في الأربعين من عمرها أو تزيد، ضخمة الجثة، وكثيفة الحاجبين. تجر أكياسًا لا يدري غيرها ما فيها. أخبرت المرأةُ السالمةَ ـبعد أن أقامت عندها في بيت منعزلة ثلاثة أيام، وأحرقت البخور في اليوم الرابعـ بأن برج كيما المريضة هو القمر. واشترطت صحن دار عار لا يقربه أحد، وخادمات ستة عازبات، وماء اغتسلت به كيما، وأجرا مقدما، حتى يتأتى لها إنزال القمر ليلة تمامه. وفرت السالمة الشروط كاملة، ووضع الماء في قصعة. حين بلغ القمر كبد السماء، ولمع نوره، وبدا وكأنه لا ينظر إلا إلى صحن الدار، جعلت القصعة وسط المكان المحدد (الصحن)، ووقفت جامو على مرفع في رواق مقابل، وعلى يمينها ثلاث خادمات، وعلى يسارها الثلاث الأخريات، وأخذت تردد أزجالا توسلت فيها إلى القمر لكي ينزل، ويشرب من ذلك الماء، والفتيات ترددن كلامها