الكتاب يحاول تفسير مفهوم المقدس عند العرب عن طريق البنية الاجتماعية التي أنتجته
وبمحاولته هذه فإنه يقتحم جدرانا حمراء طالما خشي الباحثون التطرق إليها لحساسيتها الدينية.. لكن الكاتب بموضوعية طرحه يمر خفيفا بين هذه الجدران دونما ضجة. أعني: استرخي فالكتاب لن يثير حنقك😀 طرح الكتاب في فصله التمهيدي تساؤلات مهمة منها: هل الإسلام دين مدني؟ هل تأثرت تصورات الإسلام بالحياة البدوية؟ هل حد الإسلام من البداوة بفرضه المنظومة الفقهية؟ ثم ينتقل في الفصول متحدثا عن المدنس والمقدس ولعل أكثر ما جذبني عموما هو حديثه عن القدسي المجهول (الجن والملائكة والأبالسة) والعودة إلى تصورات العرب القديمة عن هذه الطواطم وربطها بخطاب القرآن بعد ذلك. الفصل الذي حاز على إعجابي -ربما بسبب شغفي السابق بموضوعه- هو الفصل الذي يتحدث عن بنى الفكر الأسطوري.. وهل عزز الإسلام من الأسطورة؟ بما أننا نعرف أن الأسطورة تعليلية.. واللافت أنه غير لي فكرة نمطية سبق وكررت علينا في الكتب فيما يخص تعريف الأسطورة ووظيفتها وحاول الكاتب التجاسر ووضع حد تجنيسي بين الأسطورة والحكاية والخرافة وأرى أنه كان موفقا!
وليس من نافلة القول أن أقول أن الكتاب يحتوي على بعض الأفكار المغلوطة كفكرة أن لحم الخنزير والقرد محرمان بسبب أصولهما البشرية مما يذكرنا بنظرية داروين ويستشهد بقصة شهدها شخصيا أن عاملة مسلمة في منزل مسيحي قدم لها لحم خنزير فرفضت فقالوا لها لا تخافي إنه ليس لحم جدك! 😐😐😐😐😐
الكتاب يقومُ على فكرة مركزيّة : إنّ الإسلام استرجع المعتقدات والتّصورات العربيّة القديمة وكيّفها مع مبدأ التّوحيد ، وقد يجد المنقّب بعمق إخلاصًا إسلاميًا خفيًّا لتلك التّصورات مع أنه في الظّاهر عمل على تحطيمها ومخالفتها . يعيب الكتاب بعض التّكرار خاصّة في جرئية الحدود الفاصلة بين النّفس والرّوح .
أعتقد أنه من أفضل من قرأت لهذه السنة إن لم يكن مذ مدة طويلة الكتاب رائع وقيم ونفيس ومتماسك المعنى والهدف ومنهجي الطرح
أرشح الكتاب لإسباب عدة منها مثلاً لا حصراً أن المكتبة العربية - على حد علمي- لم يسبق لها أن تناولت هذا الموضوع بهذا القدر من الشمول والدقة وأن الكاتب متخصص ناهيكم عن تناوله لقضية حساسة جداً وهي ماهية المقدس والمدنس لدى العرب قبل الإسلام وبعده وهذه الثنائية الكونية وقس على ذلك في المأكل والمشرب والمخلوقات والحيوانات والأماكن وما إلى ذلك *المؤلف دقيق الملاحظة كتاب رائع بحق