نبذة النيل والفرات: "معجم مقاييس اللغة" هو معجم جاءت تسميته في الصفحة الأولى من مخطوته "المقاييس في اللغة" وفي "معجم الأدباء" لياقوت (4/84)، والوافي بالوفيات "للصفدي (7/279) وغيرها من المعاجم اللغوية. ويعنى ابن فارس المصنف بكلمته "المقاييس" ما يسميه بعض اللغويين بـ"الاشتقاق الكبير" وهو: أخذ كلمة من كلمة أو أكثر مع تناسب بينهما في اللفظ والمعنى. وأهل الغة يقسمون الاشتقاق إلى أنواع: 1-الاشتقاق الأصغر، أو الصغير: وهو ينحصر في مادة واحدة تحتفظ بترتيب حروفها، كتركيب: "سلم" فإنك تأخذ منه معنى: "السلامة" في تصوفه. 2-الاشتقاق الأوسط: وهو اتفاق اللفظين في الحروف دون الترتيب، مثل: "سمي" و"سم"، 3-الاشتقاق الكبير: وهو انتزاع كلمة عن أخرى بتغيير في بعض أحرفهما، مع تشابه بينهما في المعنى واتفاق في الأحرف الثابتة، وفي مخارج الأحرف المتغيرة، وذلك نحو: "حزر" و"عزر" و"أزر" فالمادة تقتضي القوة والحاء والعين والهمزة جنسها واحد، ولكن باعتبار كونها من حروف الحلق، 4-الكبار، وهو ما سماه ابن جني الاشتقاق الكبير أو الأكبر، وهو أن تأخذ أصلاً من الأصول الثلاثة، فتعقد عليه وعلى تقاليبه الستة ومن واحداً تجتمع التراكيب الستة وما يتعرف من كل واحد عليه، 5-الكبار، بتشديد الباء: وهو المعروف عند النحويين بالنحت" وأما عن منهج ابن فارس فنجد أنه كان ينهج في كتابه "المقاييس" منهج الدقة والأمانة.
فهو أمين لمذهبه، يديره في المواد التي يرى فيها القياس واضحاً له وللمدارس معاً، وينأى عن التكلف والتأول. مثال ذلك ما جاء في مادة: "دوى" واختلاف مفرداتها المتضاربة، فإنه أغفل القياس فيها وساقها سوقاً عابراً لكنه في جمهور المواد يجد اليسر واطراد الاشتقاق. هذا وإن معظم اللغويين حين يفسرون كثيراً من الألفاظ لا ينظرون إلى تلك الأقدار المشتركة بينها من المعاني، بل يفسرون الكلمات أقرب تفسير، وأوجزه، ولا يحاولون إيجاد العلاقة بين المتماثلات إلا نادراً أو عرضاً. ولكن ابن فارس يسوق هذا المذهب في جمهور مواد اللغة مقتدراً بارعاً، فيربط بين معاني الألفاظ ويمضي في ذلك قدماً فإذا الترفيق حليفه. وهو إلى ذلك يشرك من سبقه من علماء اللغة في الفضل الذي هدي إليه.
ابن فارس وهو أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا القزويني الرازي (329-395 هـ/940-1004 م) لُغَوِيّ أي إمام لغة وأدب. قرأ عليه بديع الزمان الهمذاني والصاحب بن عباد وغيرهما من أعيان البيان. أصله من قزوين ، وأقام مدة في همذان، ثم انتقل إلى الري فتوفي فيها وإليها نسبته. من مؤلفاته معجم مقاييس اللغة.
لغوي أديب لايعرف موطنه الأول على وجه التحديد؛ إذ ينسبه بعض المؤرخين إلى مدينة الري بإقليم خراسان بإيران، وينسبه آخرون إلى همذان. رحل إلى قزوين وبغداد طلبًا للحديث، لكنه عاد إلى همذان، وحين اشتهر فيها استدعاه بنو بويه إلى الري، وهناك التقى الصاحب إسماعيل بن عباد الذي أخذ عنه اللغة والأدب. اتصل ابن فارس في بلاط البويهيين بابن العميد، وكانت له به علاقة خاصة بالمنادمة والمكاتبة. المصدر: https://www.marefa.org
انتهيت اليوم -والحمد لله- من استخلاص التراكيب (وتسمى كذلك المواد) التي لها شواهد (أمثلة/كلمات) في القرآن، وذلك من معجم مقاييس اللغة لابن فارس (بتحقيق الأستاذ الكبير عبدالسلام هارون، في ٦ مجلدات).
الذي قمتُ به هو قراءة جميع التراكيب (التي يسميها ابن فارس أبوابا)، ثم النظر: هل لها شاهد في القرآن أم لا؟ فإن كان لها شاهد (أو مثال) في القرآن؛ قمت بكتابة التركيب ووضعه في جدول، ثم تلخيص معانيه ووضعها كذلك في الجدول (وهي عندي في برنامج الوورد الآن شاملة لكل التراكيب من كتاب الألف إلى كتاب الياء).
أقصد بقولي (تلخيص معانيه) هو أنني استخرجت المعاني والأصول التي يدل عليها كل تركيب؛ مثلا: باب الراء والغين والباء (=تركيب "رغب") فيه أصلان: ١. طلب الشيء، و ٢. سعة في الشيء. فكنت أكتفي بكتابة ذلك فقط، ولا أدخل في التفصيل والشرح الذي يقوم به المؤلف بعد إجماله الأصول العامة.
ما الغرض من ذلك؟ إنما أردت أن أجمع مختصرا شخصيا لأصول كل الكلمات القرآنية، بحيث يكون كالمختصر لي؛ أرجع إليه وربما أحاول استظهارَه مع الأيام إن شاء الله.
حسنا؛ كيف كنتَ -يا طارق- تعرف أن هذا التركيب أو ذاك له شاهد في القرآن أم لا؟ هل كانت لديك منهجية معينة؟ الذي سلكته هو التالي: ١. أحيانا (بل في تراكيب كثيرة) يذكر ابن فارس شاهدا من القرآن، فالحمد لله! كان هذا يعفيني من عناء البحث. ٢. إن لم يذكر شاهدا من القرآن (وهذا هو الأغلب)؛ كنت أقف عند التركيب وأحاول استحضار أحد مشتقاته في القرآن؛ فإن وجدتُ فبها ونعمت، وإن تيقنت أنه لا يوجد له شاهد؛ انطلقت للتركيب (الباب) للذي يليه. ٣. إن لم يسعفني الاستحضار، أو كنت مترددا، أو أشكل علي؛ لجأتُ لبرنامج البحث عن ألفاظ القرآن. ولكن كنت أحاول ألا ألجأ للبرنامج إلا كحل أخير. (لكي أقوي ملكة الاستحضار للقرآن)ا
إذن؛ هل يعني ذلك أنه قد تكون فاتتك بعض التراكيب؛ بمعنى أنك أغفلتها؟ نعم؛ وارد جدا؛ ولكنني متأكد أن الذي فاتني من التراكيب ليس كثيرا إن شاء الله. ولا بأس بذلك؛ فهذا ليس للنشر، وإنما هو كالمذكرة الشخصية.
والآن أنتقل لذكر بعض أنواع التراكيب (المواد) وما تتضمنه من أصول. هناك تراكيب تتضمن أصلا واحدا (والمقصود بالأصل: المعنى العام الجامع)، ومنها ما يتضمن أصلين، ومنها ما يتضمن ثلاثة، ومنها أربعة، ومنها خمسة، ومنها ستة، وهو أقصى ما وجدت في المواد التي لها شواهد قرآنية. وكذلك نلاحظ أن هناك أصولا تجتمع كلماتها في معنى جامع، وهناك أصول لا تنقاس كلماتها كما يعبر ابن فارس (وقد يقول: باب غير موضوع على قياس)؛ أي: لا يمكن جمعها إلى شيء واحد. وتوجد كذلك أصول تدل على معان متضادة كالقسط الذي يدل على العدل (عند كسر القاف) والجور (عند فتح القاف).ا
[تنبيه: ابن فارس لا يقوم -في الغالب الأعظم- بذكر المعنى المحوري العام للتركيب الذي تنضوي تحته كل الأصول، كما الفعل الأستاذ الدكتور محمد حسن جبل].
وتوجد كذلك تراكيب ليست أصولا؛ وإنما تكون كلمة فقط (مثل: الكمه، وهو: العمى)، أو ثلاث كلمات (مثل تركيب: الكيل). وقد يوجد كذلك أصل مُخْتَلفٌ في قياسه، مثل تركيب "نسخ"؛ الذي قال قوم إن قياسه رفع شيء وإثبات شيء مكانه، وقال آخرون إن قياسه تحويل شيء إلى شيء.
وفي كثير من المواضع ينبه ابن فارس على أن معنى الأصل قد يُستعار ويتوسع فيه. وفي بعض المواضع يستخدم ابن فارس مصطلح (أصل صحيح/أصلان صحيحان) وأحيانا يكتفي بقوله (أصل/أصلان)؛ فلا أدري؛ هل هناك أصل صحيح وآخر غير صحيح؟ أم هو مجرد تعبير.
كما أن ابن فارس أحيانا يتطرق لتفسير مفردة جاءت في القرآن (كما فعل عند لفظ ناشئة)، وله تعليقات متناثرة هنا وهناك، ومن عباراته التي استوقفتني -علي سبيل المثال- قولُه عند تركيب قدس: "أصلٌ صحيح، وأظنه من الكلام الشرعي الإسلامي."
أكتفي بهذا العرض الموجز، وقبل أن أنهيَ أحب أن أذكرَ أن هذا التلخيص -الذي استغرق ثلاثة أشهر؛ إذ بدأتُ في رمضان- إنما هو كالمدخل والمُمَهّد والمقدمة لي لدراسة الكتاب النفيس "المعجم الاشتقاقي المؤصل لكلمات القرآن الكريم"، والذي سيكون هو الوجهة التالية لي -في هذا الباب- إن شاء الله.