منصور عبد الحكيم محمد عبد الجليل حاصل علي ليسانس الحقوق عام 1978 جامعة عين شمس. من مواليد القاهرة 1955 متزوج له خمسة اولاد يعمل بالمحاماة والكتابة في الصحف والمجلات العربية و الإسلامية وله العديد من الإصدارات والمقالات والأبحاث في الصحف والمجلات العربية والإسلامية واللقاءات على الفضائيات العربية وترجمت بعض كتبه للغة الانجليزية والفارسية. وعدد الكتب التى صدرت له حتى عام 2011عدد 130 كتاب متنوعة اثرت المكتبة العربية والاسلامية.
صورة سينمائية عن عصر هارون الرشيد بكل أحداثه وشخصياته العظيمة ورجال بلاطه ومقدمة موجزة عن الدولة العباسية بنهضتها،، ثم ذكر جوانب شخصية هارون الرشيد وكثير من قصصه وقصص رجال دولته البرامكة ثم النهاية الغامضة والدرامية للبرامكة المشهورة بنكبة البرامكة،، وتحليل لأسبابها من وجهة نظر المؤلف،، سيرة ممتعة مليئة بالاثارة التاريخية لفترة كانت مثيرة حقًا وغنية بالشخصيات العظيمة وممتعة بتفاصيلها في تلك الحقبة من شعراء وفقهاء وقادة حول الرشيد في بلاطه.
في هذا الكتاب تقرأ عن خامس الخلفاء العباسيين هارون الرشيد الذي تولى الحكم و الخلافة الإسلامية على مدى ثلاثة وعشريين عاما فاتسعت رقعة الدولة الاسلامية في عهده اتساعا كبيرا وكثر خراجها وامتلأت الخزائن بالأموال، واستطاع بفضل حنكته القضاء على الثورات و حركات التمرد التي كانت تنخر الأمة الإسلامية آنذاك،و بفضل شجاعته حارب الروم وأظهر براعة في قيادة الجيش فحقق انتصارات عظمى حتى أنه اتخذ قلنسوة مكتوبا عليها غاز وحاج لأنه كان يحج عاما ويغزو عاما، وقد سيطر على الملاحة في البحر المتوسط وأقام مصنعا لصناعة السفن، واستطاع الأسطول الاسلامي الذي أعاد له الرشيد مجده وقوته فتح جزيرة رودس والاغارة على جزيرة قبرص سنة 190ه مما جعل الروم تطلب الصلح من الرشيد وتدفع الجزية، كما فكر في حفر قناة تربط بين البحر الأحمر و البحر المتوسط ولما ذاع صيت الرشيد في الآفاق أرسلت بلاد الهند تطلب وده وصداقته كما فعل شارلمان ملك الفرنجة وقد أحاط هارون الرشيد نفسه بكبار العلماء من أهل الفقه و الطب و الشعراء فامتلأت كتب المؤرخين المنصفين بمواقف عديدة للرشيد مع هؤلاء العلماء ،فمجلسه كان مجلس علم وليس مجلس لهو ومجون كما اشاع عنه اعداؤه واوهمونا أن مجلسه كان مجلس أنس وغناء وطرب ولهو وخمر وجواري هكذا صوره الأصفهاني في كتابه الأغاني ومنه نقل الكثيرون الحكايات حول مجلس الرشيد وسهراته الحمراء، ومن الكتب أيضا التي أساءت للرشيد كتاب ألف ليلة وليلة وكتاب أعلام الناس بما وقع للبرامكة مع بني العباس للاتليدي وكذلك كتاب ضحى الإسلام لأحمد أمين وكتاب العقد الفريد لابن عبد ربه و قد نجحت تلك المؤامرة في تشويه صورة الرشيد ذلك الخليفة الذي قيل عن عصره أنه عصر ازدهار الحضارة الإسلامية قال إبن طباطبا : "وكانت دولة الرشيد من أحسن الدول وأكثرها وقارا ورونقا وخيرا و اوسعها رقعة مملكة ولم يجتمع على باب خليفة من العلماء و الشعراء و الفقهاء و القراء و القضاة و الكتاب ما اجتمع على باب الرشيد وكان يصل ليوم واحدا منهم اجزل وصلة ويرفعه إلى أعلى درجة وكان فاضلا رواية للأخبار و الآثار و الأشعار صحيح الذوق و التمييز مهيبا عند الخاصة و العامة " فالرشيد كان محبا للعلم منذ صباه فقد تعلم على يد العالم علي بن حمزة بن عبد الله الاسدي الكوفي عالم النحو الشهير بالكسائي وقد تولى تربية الرشيد وتعليمه ، كما حفظ الرشيد الكثير من الشعر و الحكم و الأدب و الخطب وأيام العرب وامثالها ،وعندما تولى الخلافة أحاط نفسه بالعلماء كالفقيه أبو يوسف و العلامة الأصمعي و الفضيل بن عياض، كما كان الرشيد كثير التردد على حلقات الإمام أنس بن مالك رحمه الله، أما الشعراء الذين أحاط هم به : الشاعر مروان بن أبي حفصة، وأبو العتاهية وكان الرشيد كتير العطايا و الجوائز للشعراء و العامة من الشعب الذين يأتون إليه في مجلسه العامر.
وكان للمرأة دور مهم وبارز في حياة الرشيد غير أن الكثيرون اتهموه بازدواج الشخصية وعشقه للنساء لدرجة الهوس وذلك لتعدد الجواري ملك اليمين في قصره ،يقول إبن كثير رحمه الله في ذلك:" أما الحظايا من الجواري فكثير جدا حتى خال بعضهم أنه كان في داره أربعة آلاف جارية سرارى حسان " وكثرة الجواري و الحظايا كان أمرا معروفا في هذا الزمان وخاصة عند الملوك و الأمراء وكبار القوم وقد كان يطرب لسماع غنائهن وهو أمر واقع في عصره وفي العصور السابقة له فالجواري اما اماء مملوكات اشتراهن بماله أو أسرى من بلاد الروم، و الأمة حلال لسيدها وله حق التمتع بها وبصوتها ورقصها، والغناء في عصره كان غناء القصائد وليس الطرب وقتها مثل الطرب و الغناء الحالي المثير للغرائز كما أن الطرب آنذاك كان يعتمد على الدف المحلل شرعيا أما باقي المعازف فهي بالتأكيد محرمة وقد كان الرشيد يحاط بكوكبة من العلماء و الفقهاء وكان بعضهم يحرم الموسيقى و الغناء متل القاضي أبي يوسف الذي ذهب إلى تحريم الغناء ،وكان الرشيد يرجع إليه وياخد منه الفتوى فلوكان الغناء الذي كان يسمعه الرشيد مثلا حراما لنهاه عنه أبو يوسف، أما الإمام مالك بن أنس فقد حرم الغناء على إطلاقه في أي وقت واجازه في أوقات الأفراح قال إبراهيم بن سعد الزهري للرشيد حين سأله عن تحريم مالك للغناء قال :" يا أمير المؤمنيين أو لمالك أن يحرم ويحلل ، و الله ماكان ذلك لابن عمك محمد إلا بوحي من ربه فمن جعل هذا لمالك فشهادتي على أبي أنه سمع مالكا في عرس ابن خنظلة غسيل الملائكة يتغنى سلمي ازمعت بينا فأين بوصلها اينا وأضاف ولو سمعت مالكا يحرمه ويدي تناله لاحسنت أدبه فتبسم الرشيد. " وقول إبراهيم بن سعد الزهري يدل على أن الرشيد كان لا يرى بالغناء حرمة وأما سماع الرشيد للغناء من الموصل وغيره فهو أمر هين بالنسبة لما يحدث الآن من المغنيين، كما صور البعض من أعداء الرشيد على أنه ملك ألف ليلة وليلة، مجلسه لا يخلو من الخمور وأنه كان يحتسي الخمر حتى الثمالة لكن المطلع على سيرة الرشيد في كتب الثقات من التاريخ وليس كتب الأدب التي ذكرنا مثل الأغاني و ألف ليلة وليلة يجد أن الرشيد لم يشرب الخمر وإنما شرب النبيذ غير المسكر و الذي يرفض بشربه فقهاء العراق أصحاب المذاهب ذكر الشيخ محمد الخضري في محاضرات تاريخ الأمم الإسلامية :"أن الرشيد كان يشرب النبيذ الذي يرفض أهل العراق في شربه وهذا ما اشتهر به الرشيد " وهناك فرق بين النبيذ الذي أباحه الأصناف و النبيذ المسكر الخمر؛ فالخمور مصنوعة من سوائل يتم تخميرها من الحبوب و الفاكهة و النبيذ فهو الذي يؤخد من ماء الزبيب أو التمر إذا طبخ ويحل شربه مادام حلوا أما اذا غلا واشتد وقذف بالزبد يحل شربه ما دون السكر عن أبي حنيفة وأبي يوسف وجاء في كتاب بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع للإمام علاء الدين الكاساني الملقب بملك العلماء "وما يتخذ من الزبيب شيئان نقيع ونبيذ، فالنقيع أن ينقع الزبيب في الماء أياما حتى تخرج حلاوته إلى الماء ثم يطبخ أدنى طبخ فمادام حلوا يحل شربه واذا غلا واشتد وقذف بالزبد يحرم أي تخمر " فيحل شربه مادون السكر عند أبي حنيفة وأبي يوسف وعند محمد و الشافعي لا يحل شربه كما يحل عند أبي حنيفة وصاحبه أبى يوسف شرب نبيذ التمر مادام حلوا ويحرم اذا اسكر، وكذلك الشراب المتخذ من حل العسل بالماء دون تخمر، وكذلك الأشربة المتخذة من الشعير و الدخن و الذرة و التين و السكر وقد خالف فقهاء العراق جمهور العلماء في تحليل النبيذ ولهم ادلتهم وحججهم المبسوطة في كتب الفقه ومن هؤلاء العلماء الذين لا يرون بأسا بشربه :ابراهيم النخعي وسفيان الثور وابن أبي ليلى وشريك وابن شبرمة وسائر فقهاء الكوفيين وأكثر علماء البصريين وأبي حنيفة فإنهم قالوا بتحريم القليل و الكتير من الخمر التي هي من عصير العنب أما ما كان من الانبذة من غير العنب فإنه يحرم الكثير منه أما القليل الذي لا يسكر فإنه حلال ولهذا فإن الرشيد كان يشرب نبيذ التمر على مذهب أهل العراق وفتاواهم فيه معروفة وأما الخمر الصرف فلا سبيل إلى اتهامه فقد شرب الرشيد النبيذ بعرف زمانهم لا نبيذ هذا الزمان ولو وجد خمر مسكر في حياة الرشيد لنبه للذلك الفضيل أو أبو يوسف أو الإمام مالك أو الكسائي أو أبو معاوية الضرير، فهؤلاء العلماء الاتقياء لم ينبهوا الرشيد ولو مرة واحدة إلى ارتكابه الحرام كشرب الخمر مثلا لقد كانت نصائحهم كلها عامة لقاء الله الخشية من الله ذكر الموت و الدار الآخرة الزهد في الملك..الخ ولقد تنبه لذلك العلامة ابن خلدون فقال:" لم يعاقر الرشيد الخمر لأنه كان يصحب العلماء و الأولياء ويحافظ على الصلوات و العبادات ويصلي الصبح في وقته ويغزو عاما ويحج عاما " و يقول أيضا إبن خلدون:" وأما ما توه به الحكاية من معاقرة الرشيد الخمر واقتران سكره بسكر الندمان فحاشا الله ما علمنا عليه من سوء واين هذا من حال الرشيد وقيامه بما يجب لمنصب الخلافة من الدين، وماكان عليه من صحابة العلماء و الأولياء ومحاوراته للفضيل بن عياض وابن السماك و العمري وبكائه من مواعظهم ودعائه بمكة في طوافه ؛ وماكان عليه من العبادة و المحافظة على أوقات الصلوات وشهود الصبح لأول وقتها" وقد نفى الجاحظ إتهام الرشيد بشرب الخمر فقال:" من أخبرك أنه رآه قط يشرب إلا الماء فكذبه وكان لا يحضر شربه إلا خاص جواريه" وقال إبن حزم عن الرشيد :"اراه كان يشرب النبيذ المختلف فيه لا الخمر المتفق على حرمتها " هذه أهم النقاط التي تطرق لها الكاتب فيما يخص الاتهامات الموجه للرشيد و التي حاول المؤلف في كتابه هذا ضحدها عنه، لكن هذا لا ينكر أنه في عصر الرشيد لم تكن فيه مساوئ حتى وإن كان أزهى العصور الإسلامية.
كل ماكنت احتاج معرفته عنه وجدته هنا .. لم يبالغ في مدحه ولا في قدحه أظهر الكاتب كل الآراء من منجزات وأخطاء فقد أتي بذكره من الكتب القيمة من مؤرخين ومحدثين ثقات وكل ماهو للعقل قابل لتصديقه .. والاهم أنه لم يؤلف فيه شيئا من خياله.