المجموعة الشعرية الأولى للشاعر البحريني جعفر العلوي، صدرت ضمن مجموعة من الإصدارات التي يصدرها مشروع "تاء الشباب" في موسمه الثالث الذي تقيمه وزارة الثقافة. يأتي الكتاب في 140 صفحة من القطع المتوسط, ويضم مجموعة من اللافتات الشعرية، يحمل فيها جعفر العلوي وجوهه العديدة. في باب "الفتى الذي هناك" كمسافرٍ تائه، يستدلّ فيها على نفسه. يحكي فيها مونولوجاته، ويفضح انكساراته وتناقضاته. في محاولة للتقرب من ذاته والأشياء التي يجرّب نسيانها في الشعر.
وفي باب "الضحية التي أنا" يحاول العلوي تفحص وجوه المارّة الذين يعبرون من أمامه, ويرصدهم بلغة حسّاسة وواقعيّة كما يكتب في أحد نصوصه المجموعة "كمترو / أحفظ وجوه المسافرين جيداً /ولكني لا أملك اختيار محطتي المقبلة".
وفي باب "المسكينة التي هي", يقرأ العلوي أنثى واحدة بأصوات مختلفة تتداخل فيها لغة الخوف والانكسار والهزيمة والخيانة, قبل أن يغلق الباب الأخير في كتابه بنص "للتوضيح فقط" كمن يسدل على شعره ستاراً شفافاً لا يستر شيئاً.
من نصوص الكتاب :
من نص "مكياج"
مليءٌ بالأُحجياتِ والخدَع بالحيَل التي أمارسها فتُضحك الأطفال عليَّ بالمهرجين الذين يتقافزونَ داخلي بالحبال التي أتدلى منها ورأسي للأسفل بالغمّاضات التي تشد عينيّ إلى خلف رأسي
معلَّق بين كومة هدايا رخيصة يتفنّن المارّة قذفي بالكُرَات من يُسقطني أصيرُ مُلكه
كل يوم أجرِّب اللُعَب الساذجةَ ذاتها أدحرجُ أفكاري بتوازن على كرةٍ مطاطية كبيرة وخيطٍ شفافٍ دقيق فلا أصلُ .. ولا أسقط".
من نص "زبون دائم"
ثلاثة أيام على الكرسي ذاته لم تكن أكثر أهميّة من عمرٍ كامل تنقّلتُ فيهِ على كراسٍ عدّة بمؤخّرة واحدة من كرسي المدرسة إلى كرسي مدينة الملاهي إلى كرسي التحقيق إلى كرسي الحلاّق مروراً بكرسي الطبيب النفسي وحتى كرسي المقهى الذي أحدّثكِ الآن منه على كل الكراسي التصقتُ بالمؤخّرة ذاتها وفتحتُ الفمَ ذاته, من الغفلة أحياناً وأحياناً من الاندهاش أو الخوف أو الألم وغالباً لأفتِّش عن أثرٍ لعمري الذي يمضي سريعاً في كل مرّة أفتح فيها فمي".
الغريب أني قرأت سبعة و عشرين عاماً من حياة جعفر العلوي في ظرف أقل من ساعة و الأغرب أني لست قرأت حياته وحسب .. بل مرت حياتي أنا أمامي موقفاً موقفاً في كل صفحة صفحة كنت أقلبها من أتون الكتاب قال صديق لي ، حين أسريت له أني بصدد قراءة "للتوضيح فقط" أن الجميل في جعفر العلوي أنه واقعي ! ولكن جعفر ليس واقعي ولاهم يحزنون - انما كتب حياته بتفاصيلها في وريقات أو بالأحرى حياته الفاعل كتبته هو بين طيات كتاب للأمانة لا أستسيغ شعر هذا الزمان وخصوصا ما يسمى بالحداثي منه اذ لا تعرف ما تقرأ و أساساً لا يدري الكاتب ما كتب و الذي أقصى ما فعله أن صف حقلاً معجمياً غير مترابطا ليثير دهشة الآخرين ولكن الأمر مختلف عند جعفر .. ما كتبه "توضيح" لحياة شاب - وربما جل شباب هذا الوطن
لعلّ أسلوب العلوي من أوضح الأساليب التي تكتب قصيدة النثر التي تفصل بخيط واضح وموارب بينها وبين ق. ق. ج؛ فهي تستخدم شتّى الأدوات ولكنّها تحتفظ بقصيدة النثر، كما خلقها هو لذاته.
النصوص اليومية هنا متقدمة، ليست رتيبة أو مبتذلة؛ لعلّ صدقه أو صدق لغته ما يجعلهما كذلك.
المشهدية البسيطة تنقل هذا الكم الهائل من حيّز العلوي إلى حيّز شريحة كبيرة من المتلقين، أظنّ.
من ترك لي أطرافًا لا تحتمل ثقلي ؟ / في الصف الطويل أنا الرجل الذي أمامك الآن أول الصف الرجل الذي لا يتذكر سببًا واحدًا لوجوده هنا وانتظاره أن يصل إليك كل هذه المدة . / مميز أن يكون الديوان الأول للشاعر بكل هذا الجمال
لا أدري كيف اصطمدتُ بهذا الكتاب دون نكئٍ مُسبق لخواطر شعريّة أو دواوين، ولا أدري كيف أنهيته بهذه السرعة رغم أن القصائد فيه تتطلب وقوفًا طويلًا عندها لما تحمله من ثقلٍ لا قدرةَ لك، في كثيرٍ من الأحيان، على استيعاب ما خلفها دفعةً واحدة.
الكاتب عشريني، وما كنت لأعرف ذلك لولا أنني بحثتُ فليلًا عنه قبل أن أقرأ كتابه، فكتب النصوص والشعر تحمل من الكاتب نفسه أكثر مما تطيق الرواية أو القصة أن تفعل، أكثر بكثير. ولإنّ جعفرَ العلوي من أكثر من تنطبق عليه المقولة "الجسد شاب، لكن الروح أوغلت في شيخوختها".
الأشعار تكتنز جمالًا مؤلم، وأحداث طفوليّة أخذت اكُلها في الكبَر، واعترافات مبطنّة وبوحٌ صارخ والكثير الكثير من البؤس... لكنه نوعٌ فريد، لا تستطيع الخلاص منه أو الابتعاد.
كيف لجعفر أن يعلم بما أخفيه في الدرج الأقصى بعداً عني،!!
هو يتحدث عنه في سبع وعشرين، وعن البحر والطرقات المؤدية لكل مكان عن نظارته التي يكثر من ارتدائها عن الوعاء الذي لو يحركه ربما يعطي الأشياء الأخرى فرصة التمدد عن الحالة التي ربما صادفتك يوماً..
هو أوجزها في ثلاثة: *عن الفتى الذي هناك في عدة أماكن وعدة أمور *عن الضحية التي أنا "هو" ومزاجه المار في الطريق السربع الذي كتب نفسه والآخرين على جدار كمساحة واسعة *عن المسكينة التي هي كل شيء لقلبه الذي يريد إغواءها وفي كل مرة هي ذاتها التي لا تشبه أحداً
جعفر ، شابٌ واعد ، ومبدع ! اوحتْ لي هذة " الرائعة " بأن طفولته كانت قاسية ، كتاب شفاف من كل النواحي ، لاأدري لما .. بعضٌ مما فيه ذكرني بطفولتي ايضاً .. خمس نجوم .. للغة ، لروعة التعبير ، ولِ انكسار الطفولة .. ولك ياجعفر :)
"دعوني أتقاسم معكم هذا الحب على شكل ألواح شوكولاته قطعة فرح لي وقطعة فرح لكم قطعة ابتسامة لي وقطعة ابتسامة لكم قطعة نسيانٍ لي وقطعة نسيان لكم ولأنني الأكبر سناً سأغافلكم وأتناول قطعتَي الأمل وحدي."
قرأته والأغنية التي ترافقه young and beautiful بنسخة الرائع Eli lieb. مرة واثنتان وثلاث، قرأت أغلب القصائد عشرات المرّات.. بعشرينيّاته لكنّ عمره محسوب بالخيبات.
"لستُ أقل إجرامًا منكِ كلانا داس قلبي من أجل نفسه".
بكل هذه اللأفكار المرنة التي تقفز من فراش لفراش كان جعفر كطفل يجرب مساحة آخرى للجسد الذي يفكر والملامح التي كأسئلة, للوقت الذي كموعد.. وحتى للحياة بأكملها كأنها علاقة عابرة .
بلغة لطيفة كانت تنقصها بعض الجزالة التي أفتقد لها حتى نقول في كل نص أن هذا جعفر كانت هذه النصوص أقرب للقلب من العقل .