تلقى تعليمه الأولى في الكتاتيب القرآنية كما تلقى عن أبيه أصول اللغة العربية ومبادئ العلوم وفي عام 1921 توجه إلى تونس العاصمة حيث التحق بالكلية الزيتونية ليتخرج منها عام 1927 ومن هناك إلى كلية الحقوق . وخاض الشابي معارك الشباب في هذه المرحلة لإصلاح مناهج التعليم وساعد في تأسيس جمعية الشبان المسلمين والنادي الأدبي في تونس . وفي عام 1929 توفي والده ليثير ذلك صدمة عنيفة في نفسية الشابي قلبت حياته وقصائده إلى يأس وألم جارفين إلى أن اغتاله الموت شاباً بدائي القلب والصدر وهو على أعتاب عامه الخامس والعشرين . كان من الشعراء الذين تغنوا بالمستقبل وآمنوا بالتجديد ورفضوا الجمود والتقليد وسكبوا ذاتهم في واقعهم الاجتماعي فهو يتغنى بالحياة والفن والوطن والطبيعة والثورة وتزخر قصائده " صلوات في هيكل الحب " ونشيد الجبار" و" أغاني الرعاة " و " تحت الغصون " وغيرها من القصائد بنزعة تأملية تجعله يعود مراراً إلى نفسه ومعنى ذلك أن الشابي حينما بعود إلى نفسه لابد وأن يتأمل واقعه الاجتماعي وقد تستبد به حالات اليأس والغربة غير انه سرعان ما يعود إلى هذا الواقع من خلال تجاربه الذاتية وتبعاً لذلك تكون رومانسيته داعية إلى التغيير
كتلة من الكآبة و الحقد على الحياة و الموت و الظلم و القهر و الجبن، مع بصيص من الأمل و الحب و الشموخ
لا أنصح بقراءة الديوان بصورة متتابعة لأنه يبعث على التشاؤم بصورة هائلة و يؤثر في النفس تأثيرًا عميقًا.. كما لا أنصح المتشائمين طبيعة بقراءته فهو سيزيد حالهم سوءًا
قدم هذا الشاعر في الخمسة و العشرين عامًا التي عاشها أكثر مما قدم الكثير من الأدباء كبار مجتمعين.. رائع بكل معنى الكلمة
الفترة الزمنية التي لم تتجاوز (25) عامًا كانت كافية أن تجعل اسمه في أول الذكر عن الحديث عن التجربة الشعرية في الشمال الإفريقي ولا أقول دول المغرب العربي فقط أو تونس ما بعد ديوان أغاني الذي أعتنى بإخراجه بعض أفراد أسرته سنة (1955) ثم كانت طبعة دار العودة وبها إضافات عنما سبقها وقد أحسنت دار العودة بإخراجه بذلك الشكل المتكامل وهى الدار التي كانت تولي إهتمامًا خاصًا با لشعر والإصدارات المتميزة
فيما بعد بدأت الإصدارات تتوالى علي طبع ديوانه وهو مثال حي لتجربة مدرسة أبو اللو التي قادها أحمد زكي أبو شادي ولم يكتب لها المضي قدمًا غير ثلاث سنوات كان الشابي أحد أبرز وأخطر شعرائها
استطاع الشابي أن يجعل من شعره مدرسة شعرية تجذب الكثير من الشعراء الذين فتنوا بشعره واسلوبه الجميل في نهوض الشعب والأمة ومقاومة الظلم خصوصًا ذلك الذي نصنعه بأنفسنا كطواغيت نجملهم بصنعة خوفنا
- أيها الساري لقد طالَ السرى ..حتامَ ترقبُ في الظلام نجوما أتخالُ في الوادي البعيد المُرتجى .. هيهات لن تلقى هناك مروما - أراكِ فأخلقُ خلقا جديدا .. كأني لم أبلُ حرب الوجود ويفتِنني فيكِ فيضُ الحياة .. وذاك الشباب الوديع الثمل
عزف رائع على إيقاع أحزان الحياة ومشقات مُجاراتها ومواصلة الطريق، لكني لا أعتقد أنه لايناسب من يُعاني الحزن أو الإكتئاب لأني أؤمن أن هناك عزاء كبير نشعر به حين نسمع من يعبر عن عواطفنا التي كانت أضخم من أن نُعبر عنها ويصوغ ما عجزنا نحن عن صياغته، ربما هذا هو جوهر إرتباطنا كبشر بالأدب والفن عموما، أن شخصا في زمان ما ومكان ما حكى عن حزنه وكان ما حكاه مشابه لحزن شخص اخر في مكان مختلف وزمان مختلف تماما .. هو ذات العزاء والألفة التي يشعر بها جندي أصيبَ في معركة وفقد القدرة على النطق لكن صديقه تمكن من سرد ماحدث وأطلق الآه المحبوسة في فم صاحبه، كتبتُ هذا لأن معظم المراجعات عن الكتاب تتحدث عن كآبته كعيب فيه مثلا!! ماذا نفعل إذا كان الحزن والألم جزء أصيل من تجربة الوجود الإنساني ..
وجدتُ في أبياته حزن صادق ممزوج بطموح وكرامة لا تُكسر وتفكُر هادىْ حقائق الوجود وروح جميلة عذبتها صروف الدهر وأثقلتها المعرفه الغير محتملة للموت ورحيل الأحباب .. وبالكاد تصدق أن قلبه شاخ إلى هذا الحد خلال 25 عام فقط، أحببتُ كلماته و ددت لو تمكنت من سماعها بإلقائه فالشعر يكتسب روح جديده بالسماع.
آه من أبي القاسم آه من شعوره الفيّاض ! مدهش في قدرته على كتابة قصائد حزينة تطعن روحك و أخرى مبهجة كأنه لم يحزن قطّ. و أخرى توّد لو تزندقه و غيرها تحلف أنه أشد أهل الأرض إيمانا ! أحبببببه رهيب عجيب متناقض بشكل ساحر هو لا يكتب شعراً هو يسكب قلبه على الورق!
أبو القاسم الشابي شاعر النهوض بالهمم، وشاعر الرومانسية الرقيقة السامية، وشاعر الفصول الأربعة. عندما تقرأ شعر أبي القاسم الشابي فأنت تقرأ الوجدان والنسائم الآتية من رياض الرياحين. أنت تقرأ العنفوان والتطلع إلى المجد. أنت تقرأ الابتسام النابع من الأحزان
اكثر الشعراء الكبار ماتوا في سن مبكره السياب مات وعمره ٤٢ سنة وامل دنقل مات وعمره ٣٨ اما شاعرنا هذا مات في سن ٢٥ سنة من يصدق ان هذا الشاعر مات في سن صغير ورغم ان وفاته قبل اكثر من٨٠ سنة ولكن شعره الخالد لن ينساه محبي الشعر العربي اجمع
حياة قصيرة حقاً عاشها الشاعر التونسي أبو القاسم الشابي لم تتحاوز الخمسَ وعشرين ربيعا ولذلك لا عجب أن تحس أغلب قصائد الديوان نظم بحت وخالية من الابداع فيما عدا قصائد قليلة ومنها قصيدة ارادة الحياة ونشيد الجبار. لم تمنح الحياة شاعرنا فرصة ليثبت موهبته ويطورها ويصقلها ومع ذلك سيبقى أحد اهم شعراء القرن العشرين وحسبه ان قال
إذا الشعب يوماً اراد الحياة فلا بدّ أن يستحيب القدر !
يبدو كذلك ان مرض الشاعر وكذلك وفاة ابيه جعلت كثير من شعره قاتم وملئ باليأس كقصيدته هذه:
سَئِمْتُ الحياة وما في الحياةِ وما أن تجاوزتُ فجرَ الشَّبابْ
سَئِمتُ اللَّيالي وَأَوجَاعَها وما شَعْشَعتْ مَنْ رَحيقِ بصابْ
من الدواوين التي قرأتها في وقت مبكر.. نعاني في الدواوين العربية من تكرار الأفكار مع تغير المعاني والألفاظ..ولم يسلم صاحبنا من ذلك.. أبو القاسم ذكر مسيرته العاطفية والعقلية في هذا الديوان ورحل عن هذه الدنيا في وقت مبكر، وقد لا يبعد عن الصواب من يقول بأن حزنه كان أحد أحد أقوى أسباب وفاته، كان الكئيب البليغ، أشجانا، وكأنه كان يقطف من عمره ليوثق مسيرة العشق الأليم..