العابرون سريعاً جميلون. لا يتركون ثقل ظل. ربما غباراً قليلاً، سرعان ما يختفي. الأكثر جمالاً بيننا، المتخلي عن حضوره. التارك فسحة نظيفة بشغور مقعده. جمالاً في الهواء بغياب صوته. صفاء في التراب بمساحته غير المزروعة. الأكثر جمالاً بيننا: الغائب. http://wadihsaadeh.awardspace.us/Coll...
ولد العام 1948 في قرية شبطين شمال لبنان وعمل في الصحافة العربية في بيروت ولندن وباريس قبل هجرته الى استراليا في أواخر عام 1988 وما زال يعمل في مجال الصحافة في استراليا كما أنه يكتب لعدد من الصحف في الدول العربية‚
صدر لوديع سعادة تسعة دواوين: ليس للمساء أخوة - 1981 المياه المياه - 1983 رجل في هواء مستعمل يقعد ويفكر في الحيوانات - 1985 مقعد راكب غادر الباص - 1987 بسبب غيمة على الأرجح - 1992 محاولة وصل ضفتين بصوت - 1997 نص الغياب - 1999 غبار - 2001 رتق الهواء - 2005
هل يجب تهشيم الروح و الجسد في الممرات نحو الرغبات المستحيلة أم الجلوس و التمتع بمشاهدة الطريق؟ أيجب طلب غائب أم الفرح بعدم حضوره؟ و إن كان لن يأتي أو لن نصل إليه. هل نعيش غياب انتظاره أو نعيش حضورنا في غيابه؟ ⭐️⭐️⭐️⭐️ هل نطمئن إذ نعرف أم نزداد قلقا؟ أفي المعرفة أمل أم يأس؟ هل هي طريق خلاص أم طريق هلاك؟ ⭐️⭐️⭐️⭐️ كل معرفة جهل. كل جهل يقين. كل معرفة قلق. كل جهل اطمئنان. ما يلغي فروقهما. ما يوحدهما. هو الهلاك. غير أن العارف يهلك في قلق معرفته. أما الجاهل فيهلك في اطمئنان الجهل. ⭐️⭐️⭐️⭐️ من يرغب يصير ضحية رغبته. و من يطلب استحضار رغبة يصير ضحيتين. ضحية الرغبة و ضحية ذكراها. الذين بلا رغبات هم الأحياء حقا. لا شيء يقتلهم و لا يتركون ضحايا. ⭐️⭐️⭐️⭐️ أم الشقاءات فكرة الوصول. إذ لا وصول. لا نقطة. لا مقعد. على الطريق. ليس المشي ما يتعب بل فكرة الهدف. أن تؤخذ بها. يفوتك الزهر على الدرب و شدو الطير و جمال رنات خطواتك. الهدف يسرق منك النزهة و لا يمنحك ذاته. كلما اقتربت منه ابتعد. كلما أطلت عليه غاب. امح ذاكرة الوصول و تمتع بالمشي. بل انس. انس الهدف و انس الدرب.
لا تتذكّرْ غزالةً اختفت في الأدغال، ذلك لن يجعلك غير فاقد غزالات أخرى تعبر الآن أمامك ولا تطارد الذي غاب، ذلك يجعلك ذا شقاءين: شقاء الغياب وشقاء المطاردة اقعدْ في الغابة، بلا سلاح، ولا تفكير في غنيمة. حينذاك ستأتي الغزلان وتأكل من يدك وإن لم تأت، تكون على الأقل ربحتَ هناءك **** أن تتجاوز الرغبة، أليس هذا هو العبور العظيم؟ الرغبات تفسد النزهات. لا يعود أصحابها يرون جمالات الطريق. تصير عيونهم في مكان آخر. في مكان الرغبة، التي لا تستقر في مكان. الرغبة اللامكان لها. يصيرون في الغائب، المستلَب، غير الموجود. يصيرون في اللامكان. الراغبون يقيمون في الملغيّ. هل يمكن بناء بيت في غياب، وضع كرسي في عدم؟ الرغبات تصنع حفرًا في الروح، تصنع جروحًا. هل يجوز وضع مقعد في جرح؟ إذا كانت الجروح التي حفرَتْها الرغبات على مدى التاريخ، وتسيل منا دمًا الآن، لم تبلغ مستواها بعد ولا هدفها، أيكون مطلوبًا إذن صنع طوفان جديد من جروحنا أم دَمْل الجروح؟ هل يجب تهشيم الروح والجسد في الممرات نحو الرغبات المستحيلة، أم الجلوس والتمتّع بمشاهد الطريق؟ أيجب طلب غائب أم الفرح بعدم حضوره؟ وإن كان لن يأتي، ولن نصل إليه، هل نعيش غياب انتظاره أو نعيش حضورنا في غيابه؟
"كل معرفة جديدة شك جديد ويأس جديد. حتى لكأنّ التفاؤل ليس سوى الجهل."
"الآخرون ليسوا جحيمنا فحسب. الآخرون هم عَدَمنا. الموت هو الآخر. الضحايا صنيع الجماعات. أما الحياة النحيلة فتكمن في العتمة العميقة لأرواح المنعزلين. كان ثمّة جمال، ينبثق من الشرود."
"كان جميلًا لو للغائب خصوصية غيابه."
"نحن لسنا ذاتنا. نحن التاريخ محشوًا فينا. نتاج أفكار السلف، تعاليمه، قواعده، قيوده، زنزانته. التاريخ سجَّاننا وجلاَّدنا. وإن كان لهذا الجلاد حفلٌ فرح، فنحن فيه الدمى المتحركة. إن كان هذا الملك يلعب الشطرنج، فنحن بيادقه. نحن لسنا نحن. نحن هم متلبّسيننا. من مات لم يمت. إنه حيٌّ فينا ونحن موتى فيه. فإن أردت أن ترى التاريخ انظرْ في وجهك. ترَ ذاكرته و كينونته، وترَ عدمك. اخلعه عنك، إن أردت أن تكون."
لا يعقل!! فوق الخيال.. وكل قصيدة أروع من التي تسبقها، ورغم عدمية كثير من الأفكار إلا أن جمال القصائد فاتن! لا يمكن إلا أن أنبهر وأصالح وديع سعادة من جديد وأقتبس الديوان كله بأسره، الكامل، المكتمل، البديع، الآسر، والثائر على الشعر والحرية والموت والحياة! درر شعرية تفرض حضورها و تُخلد!
"نحن لسنا ذاتنا. نحن التاريخ محشوًا فينا. نتاج أفكار السلف، تعاليمه، قواعده، قيوده، زنزانته. التاريخ سجَّاننا وجلاَّدنا. وإن كان لهذا الجلاد حفلٌ فرح، فنحن فيه الدمى المتحركة. إن كان هذا الملك يلعب الشطرنج، فنحن بيادقه. نحن لسنا نحن. نحن هم متلبّسيننا. من مات لم يمت. إنه حيٌّ فينا ونحن موتى فيه. فإن أردت أن ترى التاريخ انظرْ في وجهك. ترَ ذاكرته و كينونته، وترَ عدمك. اخلعه عنك، إن أردت أن تكون."
*** "هل نطمئن إذ نعرف أم نزداد قلقًا؟ أفي المعرفة أمل أم يأس؟ هل هي طريق خلاص أم طريق هلاك؟ ولكن أولاً، هل نمتلك يقينًا أم شكًّا؟ حقيقةً أم افتراضًا؟ وسواء كان هذا أو ذاك، هل يقود إلى الخلاص؟ إنما.... أي خلاص؟ كلما ازددنا معرفة ازددنا شكًّا، فكل معرفة شك. ومن يعرف أكثر يقلق أكثر، وييأس أكثر، ويهلك أكثر. كل معرفة جديدة شك جديد ويأس جديد. حتى لكأنّ التفاؤل ليس سوى الجهل. حتى لكأنّ الجهل هو الخلاص! المعرفة ليست ضوء النفق. شعاعٌ ما أن يكشف عتمةً حتى تتبدّى عتمات، مجاهل. والذين يدخلون نفق معرفتهم ليس أمامهم غيرُ العتمات، والموتُ في عتمة. الجاهل لا يدخل الأنفاق ولا يحتاج إلى ضوء. يبرئه جهله، فيموت على مدخل النفق، في الضوء. هل الجهل هو الضوء، والمعرفة العتمة؟ وهل بسبب المعرفة ينتحر المنتحرون ويَقتل القتلة ويموت الذين لا يجرؤون على الإنتحار أو القتل في الزاوية الصامتة من وحدتهم؟ وحدتهم التي جعلوا فيها زاوية للكلام، وزاوية لوداع الكلام؟"
***
"الإنسان كائنٌ عاقل؟ صفة ناقصة. ما عادت دقيقة. الإنسان كائنٌ منفيّ. بات صعبًا تحديد موطن للناس. المنفى اتسع. الأرض كلها صارت منفى. ما عاد هناك وطن. هذه تسمية أضحت من التراث. من الذاكرة الآفلة. البشر يقيمون في منفى لا في وطن . لم تبق في الخارج أية إشارة إلى أن هذا المكان، أو ذاك، هو مكاننا. ولا في الداخل إشارة إلى أن الذات لا تزال تخصُّنا. صار صعبًا، بل مستحيلاً على المرء تحديد ذاته، فكيف تحديد مكانه؟ إذا الذات نفسها منفيَّة، هل يمكن التحدُّث عن مكان؟"
***
"إن أمكن تعريف التاريخ يمكن القول: إنه تاريخ الألم. ألم الفرد وألم الجماعة. ألم الارتباط وألم الانشطار. ألم الذات من الآخر وألمها من ذاتها. ألم الناس وألم الأرض. فالأرض، مثلما تتألم المخلوقات منها، تتألم هي من المخلوقات.. وعلى هذه الجروح المتبادلة تُرصف عمارة التاريخ. منذ الفجر الأول كان الألم. قامت الأرض على صرخته. تكوَّنت ونمَت على هذا الصوت. كأنها من دونه لم تكن. كأن الأرض تكوَّنت من فاجعة، من خطأ. كأن ما يلد، وما ينمي، وما يفرض الاستمرار، هو الخطأ. وكأن الأرض لو كانت فرحة، لتبددت!"
***
"لو يصمت العالم الضاجُّ، قليلاً.. ماذا يحدث لو صمت العالم؟ لو اختفى ضجيج البشر لحظة؟ أما كانت الأرض تستعيد بعض فتوَّتها، بعض صحتها؟.. هذه الأصوات تنشر الأمراض. إذا كان هناك من يريد فعلاً أن ينقذ البشرية فليأمرها بالصمت. الأرض لا تفتقد غيرَ مخلِّصٍ واحد، يخلّصها من الضجيج."
***
"سعادة اللحظة التي لا تستقبل من السابق ما يخدّشها، ولا ترسل ما يخدّش اللاحق. الماقبل ثقلٌ على الآن، والمابعد ثقل. الماقبل والمابعد، إذ يحلاّن في الآن، يميتانه. ما كان هو الآن موت، وما سيأتي. الحياة هي: الآن."
العابرون سريعًا جميلون. لا يتركون ثقلَ ظلّ. ربما غبارًا قليلاً، سرعان ما يختفي. العابرون سريعًا جميلون. لا يقيمون في مكان كي يتركوا فيه بشاعة. لا يبقون وقتًا يكفي لترك بقعة في ذاكرة المقيمين. عابرون سريعًا . . بخفَّةِ خفقة الطير وانفتاح النسمة للجناح لهم من العصفور صوت، من الغصن نظرة، من الزهرة شميمٌ خاطف. وزهورهم العبق الشارد خارج الإناء. . . . الرغبات تصنع حفرًا في الروح، تصنع جروحًا . . الساكنون يسمعون وحدهم الأغنية. الضاجّون طرشى ضجيجهم. . . لا تتذكّرْ غزالةً اختفت في الأدغال، ذلك لن يجعلك غير فاقد غزالات أخرى تعبر الآن أمامك. ولا تطارد الذي غاب، ذلك يجعلك ذا شقاءين: شقاء الغياب وشقاء المطاردة. اقعدْ في الغابة، بلا سلاح، ولا تفكير في غنيمة. حينذاك ستأتي الغزلان وتأكل من يدك. وإن لم تأت، تكون على الأقل ربحتَ هناءك. . .. لو يصمت العالم الضاجُّ، قليلاً. ماذا يحدث لو صمت العالم؟ لو اختفى ضجيج البشر لحظة؟ أما كانت الأرض تستعيد بعض فتوَّتها، بعض صحتها؟ . .
باذخُ الجمال , و موجعٌ بأناقة أحببت الديوان و أوجعني ..
بعض المقتطفات التي أصابتني بالألم حدّ الصدمة :
الذاكرة تعيق الراغبين في الموت. وتجعل الراغبين في الحياة موتى. فلندفنها إذن. لندفن الذاكرة ونحن نغنّي. إنها حفلة سخيفة في إية حال، ولكن بما أننا وصلنا، فلنغنِّ ونرقص. ثوانٍ، قد نكون فيها جميلين. لكن أجملنا سيبقى: الغائب. ~•~•~•~•~
أجملنا الراحلون. أجملنا المنتحرون. الذين لم يريدوا شيئًا ولم يستأثر بهم شيء. الذين خطوا خطوةً واحدة في النهر كانت كافية لاكتشاف المياه. أجملنا الذين ليسوا بيننا. الذين غادرونا خفيفين، تاركين، بتواضع، مقاعدهم لناس قد يأتون الآن، إلى هذه الحفلة. ~•~•~•~•~
هل يمكن بناء بيت في غياب، وضع كرسي في عدم؟ الرغبات تصنع حفرًا في الروح، تصنع جروحًا. هل يجوز وضع مقعد في جرح؟ إذا كانت الجروح التي حفرَتْها الرغبات على مدى التاريخ، وتسيل منا دمًا الآن، لم تبلغ مستواها بعد ولا هدفها، أيكون مطلوبًا إذن صنع طوفان جديد من جروحنا أم دَمْل الجروح؟ هل يجب تهشيم الروح والجسد في الممرات نحو الرغبات المستحيلة، أم الجلوس والتمتّع بمشاهد الطريق؟ أيجب طلب غائب أم الفرح بعدم حضوره؟ وإن كان لن يأتي، ولن نصل إليه، هل نعيش غياب انتظاره أو نعيش حضورنا في غيابه؟ ثمّة رقص على الدرب لا يراه الراكضون. رقص يعرفه الجالسون. ثمة رقص خفيّ في الجلوس. ~•~•~•~•~
هل نطمئن إذ نعرف أم نزداد قلقًا؟ أفي المعرفة أمل أم يأس؟ هل هي طريق خلاص أم طريق هلاك؟ ولكن أولاً، هل نمتلك يقينًا أم شكًّا؟ حقيقة أم افتراضًا؟ وسواء كان هذا أو ذاك، هل يقود إلى الخلاص؟ إنما.... أي خلاص؟ كلما ازددنا معرفة ازددنا شكًّا، فكل معرفة شك. ومن يعرف أكثر يقلق أكثر، وييأس أكثر، ويهلك أكثر. كل معرفة جديدة شك جديد ويأس جديد. حتى لكأنّ التفاؤل ليس سوى الجهل. حتى لكأنّ الجهل هو الخلاص! المعرفة ليست ضوء النفق. شعاعٌ ما أن يكشف عتمةً حتى تتبدّى عتمات، مجاهل. والذين يدخلون نفق معرفتهم ليس أمامهم غيرُ العتمات، والموتُ في عتمة. الجاهل لا يدخل الأنفاق ولا يحتاج إلى ضوء. يبرئه جهله، فيموت على مدخل النفق، في الضوء. هل الجهل هو الضوء، والمعرفة العتمة؟ وهل بسبب المعرفة ينتحر المنتحرون ويَقتل القتلة ويموت الذين لا يجرؤون على الإنتحار أو القتل في الزاوية الصامتة من وحدتهم؟ وحدتهم التي جعلوا فيها زاوية للكلام، وزاوية لوداع الكلام؟ ~•~•~•~•~
الآخرون ليسوا جحيمنا فحسب. الآخرون هم عَدَمنا. الموت هو الآخر. الضحايا صنيع الجماعات. أما الحياة النحيلة فتكمن في العتمة العميقة لأرواح المنعزلين. ~•~•~•~•~
الإنسان كائنٌ عاقل؟ صفة ناقصة. ما عادت دقيقة. الإنسان كائن منفيّ. بات صعبًا تحديد موطن للناس. المنفى اتسع. الأرض كلها صارت منفى. ما عاد هناك وطن. هذه تسمية أضحت من التراث. من الذاكرة الآفلة. البشر يقيمون في منفى لا في وطن . لم تبق في الخارج أية إشارة إلى أن هذا المكان، أو ذاك، هو مكاننا. ولا في الداخل إشارة إلى أن الذات لا تزال تخصُّنا. صار صعبًا، بل مستحيلاً على المرء تحديد ذاته، فكيف تحديد مكانه؟ إذا الذات نفسها منفيَّة، هل يمكن التحدُّث عن مكان؟ ~•~•~•~•~
منفيٌّ في المكان ومنفيٌّ في الناس. منفيٌّ في الخارج ومنفيّ في الداخل. مثلّث المنفى: منفى المكان ومنفى الآخر ومنفى الذات. هل تجد ذاتك وطنًا لك؟ قُلْ. هل ذاتك مسكن؟ هل بينكما لغة؟ أأنتما متفاهمان؟ أليفان؟ تنامان على سرير واحد؟ تترافقان على الطريق؟ إني لا أرى غير عداء وخيانة. الذات لا تخلص لصاحبها، الذات تخون. لا ترافقه، تهجره، لا تنقذه، ترديه. لا أرى غير بُعد وغياب. لا أرى رفاقًا سوى الآفلين. لا رفاق إلا الموتى. ~•~•~•~•~
إن أمكن تعريف التاريخ يمكن القول: إنه تاريخ الألم. ألم الفرد وألم الجماعة. ألم الارتباط وألم الانشطار. ألم الذات من الآخر وألمها من ذاتها. ألم الناس وألم الأرض. فالأرض، مثلما تتألم المخلوقات منها، تتألم هي من المخلوقات... وعلى هذه الجروح المتبادلة تُرصف عمارة التاريخ. ~•~•~•~•~
ما سيصل أخيرًا ليس الجسد النظيف ولا الروح الصافية. ما سيصل هو الوشم. بقعة كبيرة من الآلام والآثام، تُحمل وتوضع في حفرة. وكان جميلاً حقًا لو سمح الخطأ بصواب واحد: أن تلقي نظرة أخيرة على بقعتك السوداء، وتضحك. ~•~•~•~•~
فإن أردت أن ترى التاريخ انظرْ في وجهك. ترَ ذاكرته و كينونته، وترَ عدمك. اخلعه عنك، إن أردت أن تكون. ~•~•~•~•~
الصامتون منتحرون أيضًا. صحيح. لكنهم يتوحدون مع ذواتهم على خشبة الانتحار. لو يصمت العالم الضاجُّ، قليلاً. ماذا يحدث لو صمت العالم؟ لو اختفى ضجيج البشر لحظة؟ أما كانت الأرض تستعيد بعض فتوَّتها، بعض صحتها؟ هذه الأصوات تنشر الأمراض. إذا كان هناك من يريد فعلاً أن ينقذ البشرية فليأمرها بالصمت. الأرض لا تفتقد غيرَ مخلِّصٍ واحد، يخلّصها من الضجيج. ~•~•~•~•~
مقتحمو الحواجز والمخاوف والمحرمات، فاتحو عتمة النفق ببرق عبورهم، المنتحرون، قديسونا. الذين لم تسعهم الحياة، ففتحوا فسحة في الموت. لم يملكوا حياة، فملكوا موتًا. تعالَوا عن هبة، عن ضيافة حدثت بالصدفة، عن مائدة كانوا هم طبقها، وصفقوا الباب وراءهم و غادروا. تركوا المقاعد و ثرثرات الوعود، وذهبوا إلى صمتهم. أذابوا ملح الروح ودفعوه إلى الشلال، رموا خبز الخلاص للأسماك، أسكتوا الحفيف الشرس للدماغ، وسكنوا.
العابرون سريعًا جميلون. لا يتركون ثقلَ ظلّ. ربما غبارًا قليلاً، سرعان ما يختفي.
الأكثر جمالاً بيننا، المتخلّي عن حضوره. التارك فسحةً نظيفة بشغور مقعده. جمالاً في الهواء بغياب صوته. صفاءً في التراب بمساحته غير المزروعة. الأكثر جمالاً بيننا: الغائب. .......... _إنهم يتساقطون، الواحد تلو الآخر، المتشبثون بالإقامة. يتساقطون بأوطانهم التي صارت وهمًا. بانتماءاتهم التي صارت كذبًا. بأبوَّتهم التي صارت عبئًا. بايماناتهم التي تقتلنا، وتقتلهم، وتقتل الحياة... ........ _أليس الوصول هو التخلّي عن رغبة الوصول؟ أن تصير بلا رغبة في شيء، فقط المقعد الصغير الذي تجلس عليه ربما، أو الشجرة أمامك، أو الفراغ الذي بلا مقعد و لا شجر؟
أليس الوصول أن تبقى حيث أنت؟ أن يكون هدفك مكانك بالضبط، حيث أنت هنا و الآن؟
أن تتجاوز الرغبة، أليس هذا هو العبور العظيم؟ ................. _هل نطمئن إذ نعرف أم نزداد قلقًا؟
أفي المعرفة أمل أم يأس؟
هل هي طريق خلاص أم طريق هلاك؟
ولكن أولاً، هل نمتلك يقينًا أم شكًّا؟ حقيقة أم افتراضًا؟ وسواء كان هذا أو ذاك، هل يقود إلى الخلاص؟
إنما.... أي خلاص؟
كلما ازددنا معرفة ازددنا شكًّا، فكل معرفة شك.
ومن يعرف أكثر يقلق أكثر، وييأس أكثر، ويهلك أكثر.
............. _إن أمكن تعريف التاريخ يمكن القول: إنه تاريخ الألم.
ألم الفرد وألم الجماعة. ألم الارتباط وألم الانشطار. ألم الذات من الآخر وألمها من ذاتها. ألم الناس وألم الأرض. فالأرض، مثلما تتألم المخلوقات منها، تتألم هي من المخلوقات... وعلى هذه الجروح المتبادلة تُرصف عمارة التاريخ ............
كتاب رائع حالة من التأمل تأخذك الى عالم أخر لولا اعتراضى على وجه نظره فى الانتحار والمنتحرين والتى اختلف معه فيها لكان التقييم 5 نجمات بدون تردد لكنى استمتعت بالكتاب
العابرون سريعًا جميلون. لا يتركون ثقل ظلّ. ربما غبارًا قليلًا، سرعان ما يختفي. .. الأكثر جمالًا بيننا، المتخلّي عن حضوره. التارك فسحةً نظيفة بشغور مقعده. جمالًا في الهواء بغياب صوته. صفاءً في التراب بمساحته غير المزروعة. الأكثر جمالًا بيننا: الغائب. .. أليس الوصول هو التخلّي عن رغبة الوصول؟ .. أيجب طلب غائب أم الفرح بعدم حضوره؟ وإن كان لن يأتي، ولن نصل إليه، هل نعيش غياب انتظاره أو نعيش حضورنا في غيابه؟ .. كل معرفة جهل، كل جهل يقين. كل معرفة قلق، كل جهل اطمئنان. ما يلغي فروقهما، ما يوحّدهما، هو الهلاك. غير أن العارف يهلك في قلق معرفته، أما الجاهل فيهلك في اطمئنان الجهل. .. على جلدة الروح بقع آلام من الناس الذين التصقوا، ومن الناس الذين انسلخوا، ومن الأشياء والأفكار والرغبات والانهزامات والانتصارات. .. لو يصمت العالم الضاجُّ، قليلاً.. ماذا يحدث لو صمت العالم؟ لو اختفى ضجيج البشر لحظة؟ أما كانت الأرض تستعيد بعض فتوَّتها، بعض صحتها؟.. هذه الأصوات تنشر الأمراض. إذا كان هناك من يريد فعلاً أن ينقذ البشرية فليأمرها بالصمت. الأرض لا تفتقد غيرَ مخلِّصٍ واحد، يخلّصها من الضجيج. .. سعادة اللحظة التي لا تستقبل من السابق ما يخدّشها، ولا ترسل ما يخدّش اللاحق. الماقبل ثقلٌ على الآن، والمابعد ثقل. الماقبل والمابعد، إذ يحلاّن في الآن، يميتانه. ما كان هو الآن موت، وما سيأتي. الحياة هي: الآن. .. لا تتذكّر غزالةً اختفت في الأدغال، ذلك لن يجعلك غير فاقد غزالات أخرى تعبر الآن أمامك. ولا تطارد الذي غاب، ذلك يجعلك ذا شقاءين: شقاء الغياب وشقاء المطاردة. اقعد في الغابة، بلا سلاح، ولا تفكير في غنيمة. حينذاك ستأتي الغزلان وتأكل من يدك. وإن لم تأت، تكون على الأقل ربحتَ هناءك.
العابرون سريعًا جميلون. لا يتركون ثقلَ ظلّ. ربما غبارًا قليلاً، سرعان ما يختفي. الأكثر جمالاً بيننا، المتخلّي عن حضوره. التارك فسحةً نظيفة بشغور مقعده. جمالاً في الهواء بغياب صوته. صفاءً في التراب بمساحته غير المزروعة. الأكثر جمالاً بيننا: الغائب. قاطعُ المكان وقاطع الوقت بخفَّةٍ لا تترك للمكان أن يسبيه ولا للوقت ان يذرّيه. مُذَرٍّ نفسه في الهبوب السريع غير تارك تبنًا لبيدره ولا قمحًا لحقل سواه. المنسحب من شرط المشي للوصول. المنسحب من الوصول. العابر سريعًا كملاكٍ مهاجر. غير تارك إقامة قد تكون مكانًا لخطيئة. غير مقترف خطيئة، غير مقترف إقامة. سريعًا تحت شمس لا تمسُّه، تحت مطر لا يبلّله، فوق تراب لا يبقى منه أثر عليه. سريعًا بلا أثر ولا إرث ولا ميراث. لم يُقم كفايةً كي يتعلَّم لغة. لم يُقم كي يتشرَّب عادات. لا لغة له ولا عادات ولا معلمين ولا تلاميذ. عابرٌ فوق اللغة، فوق العادات، فوق المراتب والأسماء والاقتداء. بلا اسم، فوق النداء والمناداة. وفوق الإيماءات، إلا إيماءة العبور. وبلا صوت، لأن الصوت ثقلٌ في الهواء. لأن الصوت قد يرتطم بآخر. قد يسحق صوتًا آخر في الفضاء. قد يزعج النسمات. وبلا رغبة. لأن الرغبة إقامة، ثبات. العابرون سريعًا جميلون. لا يقيمون في مكان كي يتركوا فيه بشاعة. لا يبقون وقتًا يكفي لترك بقعة في ذاكرة المقيمين. الذين أقاموا طويلاً معنا تركوا بقعًا على قماش ذاكرتنا لا نعرف كيف نمحوها. بقعٌ مؤلمة، أينما كان على المقاعد، بحيث لم يعد يمكننا الجلوس. المقيمون طويلاً يسلبون مقاعدنا. يحوّلون أثاث بيوتنا إلى قِطعٍ منهم. بحيث نجلس، إذا جلسنا، على ضلوعهم، على عظامهم. يسحق المقيمون المقيمين. أما العابرون فلا يسحقون أحدًا ولا أحد يسحقهم. لا يطأون على كائنات ولا يُثقلون خطوًا على أرض. حتى الهواء لا يلمحهم غير لحظة. بلا قلق ولا ندم ولا آلهة ولا أتباع. إيمانٌ واحد لهم: العبور. المتخلّون عن الأمكنة والأوطان والآباء والبنين. كاسرو القيد. مخرّبو المشنقة المصنوعة من حديد المكان والزمان والانتماء. إنهم يتساقطون، الواحد تلو الآخر، المتشبثون بالإقامة. يتساقطون بأوطانهم التي صارت وهمًا. بانتماءاتهم التي صارت كذبًا. بأبوَّتهم التي صارت عبئًا. بايماناتهم التي تقتلنا، وتقتلهم، وتقتل الحياة. العابرون لا ضحايا لهم. هل لذلك بات علينا، كي نمجّد الحياة، أن نمجّد عبورها بسرعة، أن نمجّد الانتحار؟ بخفَّةِ خفقة الطير وانفتاح النسمة للجناح. بخفة انفتاح هواء العبور واندمال هواء الانطلاق. عابرون سريعًا، كلحظة انقصاف. لهم من العصفور صوت، من الغصن نظرة، من الزهرة شميمٌ خاطف. عصافيرهم للغناء والرحيل، لا للسجن في أقفاص أو تأبيدها محنَّطةً في واجهات. طيورهم الروح المسافرة، لا الريش المقيم. وزهورهم العبق الشارد خارج الإناء. سوى المرتحلين، واللامبالين، والعابثين بالإقامة، والممسوسين، والموتى، مَن كان سيكتشف جمال العبور؟ وأيّةُ لحظة تكتشف الحياةَ أكثر من لحظة الغياب عنها؟ هل لذلك تجب مصادقةُ الرحيل أكثر من مصادقة الإقامة؟ وهل، لذلك، على حياتنا أن تكون، فقط، تمرينًا على جمال الرحيل؟ أجملنا الراحلون. أجملنا المنتحرون. الذين لم يريدوا شيئًا ولم يستأثر بهم شيء. الذين خطوا خطوةً واحدة في النهر كانت كافية لاكتشاف المياه. أجملنا الذين ليسوا بيننا. الذين غادرونا خفيفين، تاركين، بتواضع، مقاعدهم لناس قد يأتون الآن، إلى هذه الحفلة. حفلةٌ سخيفة، ورغم ذلك لا يترك المتشبثون بالإقامة مقعدًا! لكن لِمَ المقاعد، ما دام المحتفلون يبدأون ضيوفًا وينتهون أعداء؟ لنمضِ إذن، بخفَّة، قبل أن تلتهمنا الخناجر، قبل أن نصير طبَقَ الوليمة. لحظةُ الوصول إلى الاحتفال هي كلُّ جمال الاحتفال. وبعدها، سريعًا، يصير الجمالُ هو المغادَرة. الخطوة المغادِرة، هي الأجمل دائمًا. الراحلون يمتزجون بالنسيم. وإذ نقف نحن، لتشييعهم، فلنشيّعْ معهم ذكراهم أيضًا. لأن الذكرى تعيق رحيلهم، تعيدهم إلى مكانهم، تجعلهم جمادًا. الذاكرة تعيق الراغبين في الموت. وتجعل الراغبين في الحياة موتى. فلندفنها إذن. لندفن الذاكرة ونحن نغنّي. إنها حفلة سخيفة في إية حال، ولكن بما أننا وصلنا، فلنغنِّ ونرقص. ثوانٍ، قد نكون فيها جميلين. لكن أجملنا سيبقى: الغائب.
ليس ممكنًا، بعد، أن تكون حاضرًا مع آخرين، لا بينهم ولا فيهم. لم يعد لديك كلام لهم ولم يعد لديهم كلام لك. إذا تكلّمتَ لا تتكلم إلا مع ذاتك ولو ظننتهم يصغون. وإن تكلّموا لا تسمع إلا صوتك ولو اعتقدوا أنك تصغي. لا تكون إلا فيك ولو كنت في جمهرة. ولا يكونون معك ولو كنت بينهم... لستَ إلا منفيًا وليسوا إلا منفيين.
احنا مُنساقين ف الحياة بشكل غير واعي و شبه ماشيين على سيناريو مكتوبلنا من غير ما نعرف بدايته او نهايته برغم كل محاولاتنا للتعديل فيه و فرض احداثنا الخاصة لكننا مازلنا داخل النص بشكل او بآخر، و من هنا بييجي حبي للشعر و النثر و الشذرات و ما شابه كل دول و خصوصاً الكتب الصغيرة منهم، و ده لانها شبه استراحة بسيطة ف وسط الطريق بتخليك تشوف الحياة كلها من نظرة بعيدة تماماً عن السيناريو بتاعك و بتستمع بكلام و وجهة نظر الكاتب لساعة او اتنين بالكتير و بعدها تكمل طريقك تاني، الكتب الصغيرة ف الشعر و النثر هي حلم جميل بنتمنى نعيشة كل يوم من غير قيود و التزامات بكبر حجم الكتاب اللي بيحتاج منك وقت و مجهود علشان تخلصه.
عجبني بس مش كله...في أجزاء ما أقتنعت بيها, وفي رأيي مش أحسن كتابات وديع سعاده لسه ديوان "محاولة وصل ضفتين بصوت" هو المفضل عندي
--------- إقتباسات عجبتني ----------
ذاكرة الوصول: أمُّ الشقاءات، فكرة الوصول. إذ لا وصول، لا نقطة، لا مقعد، على الطريق. ليس المشي ما يُتعب، بل فكرة الهدف. آن تؤخذ بها، يفوتك الزهر على الدرب وشدو الطير وجمال رنّات خطواتك. الهدف يسرق منك النزهة ولا يمنحك ذاته. كلما اقتربت منه ابتعد، كلما أطللت عليه غاب. امحُ ذاكرة الوصول وتمتَّعْ بالمشي. بل انسَ. انسَ الهدف وانسَ الدرب.
ذاكرة المكان: وهل تكون هنا وأنت تتذكر هناك؟ المكان الذي جئتَ منه مضى، الذي تذهب إليه لم يأت. المكان هو، فقط، هنا. لكنك ماشٍ. وما هو هنا يصير هناك. إذن طريق بلا مكان. إذن المكان: نسيان الأمكنة. إنْ صدف أن نسيتَ المكان، هل تبقى في منفى؟
شقاء ذاكرة السعادة: لا تتذكّرْ غزالةً اختفت في الأدغال، ذلك لن يجعلك غير فاقد غزالات أخرى تعبر الآن أمامك. ولا تطارد الذي غاب، ذلك يجعلك ذا شقاءين: شقاء الغياب وشقاء المطاردة. اقعدْ في الغابة، بلا سلاح، ولا تفكير في غنيمة. حينذاك ستأتي الغزلان وتأكل من يدك. وإن لم تأت، تكون على الأقل ربحتَ هناءك
سعادة اللحظة التي لا تستقبل من السابق ما يخدّشها، ولا ترسل ما يخدّش اللاحق. الماقبل ثقلٌ على الآن، والمابعد ثقل. الماقبل والمابعد، إذ يحلاّن في الآن، يميتانه. ما كان هو الآن موت، وما سيأتي. الحياة هي: الآن.
لو يصمت العالم الضاجُّ، قليلاً. ماذا يحدث لو صمت العالم؟ لو اختفى ضجيج البشر لحظة؟ أما كانت الأرض تستعيد بعض فتوَّتها، بعض صحتها؟