اعترضت تاريخنا العربي / الإسلامي العديد من المعوقات التي أجهضت تقدمه وازدهاره، لعل أبرزها "الاستبداد" الذي ضرب بسهامه جسد أمتنا فأنهكها وحاد بها عن وجهتها فتراجع دورها على مدار عقود طويلة، تم التكريس فيها لأنتماط من العسف والتسلط. ويقدم هذا الكتاب رؤية علمية رصينة تبحث في هذه الإشكالية وتنقب عن جذورها وتقدم استشرافاً لمستقبل خالٍ من الاستبداد ومن صناعه وممن يألفون العيش في ظلاله.
الكتاب ممتع واهم ما يميزه انه كان رسالة دكتوراة في الاصل اعتقد اني سمعت عنها قبل ما تتعمل اصلا -- الدكتور اللي ليه الاهداء كان دكتوري بيدرس لي في الجامعة و كل تلامذته ما شاء الله نجباء --- مشي الكتاب في بابين كاملين بوصف تاريخي لدولة السلطان من اول الخلفاء الراشدين
الكتاب فيه افادة كبيرة لغير دارسي التاريخ هيعرفوها و يحسوا بيها لما يقروه
بحث محترم في جذور الاستبداد السياسي في تاريخ الإسلام أو تاريخ الخلافة الإسلامية كما هو شائع. البحث مكون من فصلين: الأول يتعرض للخلفية السوسيو تاريخية لتاريخ الدولة السياسي، وفيه مسح سريع واع من نهايات العهد النبوي والخلافة الراشدة مرورا بالعهد الأموي وحتى العباسي. يشير الباحث إلى ما قبل العهد النبوي من حال العرب كافة وانتظامها في السلك القبلي وقوانينه المميزة بالعصبيات كصفة أساسية في التكوين النفسي والجمعي للفرد العربي داخل القبيلة، ثم ينتقل إلى أثر الإسلام كدين توحيدي على تثبيت قيم العدالة والحرية والمساواة التي أتي بها الرسول -صلى الله عليه وسلم- واستطاع بها توحيد العرب على مبدأ الأمة الواحدة، فتراجعت العصبيات بشكل ملحوظ كنتيجة لغلبة الجانب المبدأي (الروحي الديني) في نفوس الأفراد، ثم يستمر في مسحه لمسار النظام السياسي في فترة الخلافة الراشدة مدققا أو مشيرا بشيء من التفصيل - في وجهة نظري - في ثلاث محطات هامة وحساسة، الأولى: وهي اجتماع الصحابة في سقيفة بني ساعدة للتشاور في أمر الخلافة، وهو الأمر الذي كان دائما ما يُصوّر لنا على أنه كان أمرا منتهيا ومقطوعا به ببساطة بعدما قدم النبي -صلى الله عليه وسلم- الصديق ليخلفه في إمامة المسلمين في الصلاة، وأوضح أن العصبيات أيضا بين المهاجرين والأنصار كان لها دورها الذي برز في تلك اللحظة التاريخية الحساسة. الثانية: هي سياسة الفاروق المنفتحة على الأقطار الجديدة ولا سيما الدور الفارسي الذي كانت بدايته في عهد الفاروق تمهيدا - إذ كانت مظاهره تتضح في استعماله لنظام الدواوين الفارسي حتى بلغته الأم لتسيير شئون الدولة الآخذة في التوسع - للدور البارز الذي ستعلبه في تأسيس الدولة العباسية والتأسيس للآداب السلطانية، وهي التي تحدث الكاتب عنها تفصيلا بنصوصها في الفصل الثاني من البحث. الثالثة: هي فترة تولي عثمان بن عفان الخلافة ولا سيما المتأخر منها الذي برزت فيه العصبية مرة أخرى وبصورة أعنف - لبعد العهد بالوحي والعهد النبوي وبداية تغلب السياسي الواقعي الحركي البراجماتي على الروحي المبدأي الديني - وكان لذلك أسبابه الواضحة في بروز بني أمية في الدوائر الحاكمة وفي مقدمتهم مروان بن الحكم كاتب سيدنا عثمان ومعاوية بن أبي سفيان حاكم الشام.
الفصل الثاني : يعرض لكثير من نصوص كتابات الآداب السلطانية مثل كتابات الماوردي (نصيحة الملوك - الأحكام السلطانية - أحكام الوزارة) والغزالي (التبر المسبوك في نصيحة الملوك) وابن قتيبة (عيون الأخبار) وابن المقفع (الأدب الكبير) وكتابات الجاحظ والسبكي والطرطوشي، ورسائل عبد الحميد بن يحيى الكاتب وغيرها من الكتابات الممثلة للآداب السلطانية وفلسفتها المتضمنة، ويخلص الكاتب بعد تفصيل جيد جدا في أقسام هذه الكتابات حول صفات الملك وما يجب أن يكون عليه وعلاقته بالرعية من خلال علاقته بالوزير، والكاتب، والحاجب، والشرطة، والجند، وعمال/حكام الولايات، والجواسيس، والقضاة، والعلماء، كل هؤلاء في بناء هرمي قاعدته الرعية من أبناء الأمة، ويستمر في الصعود إلى الملك /السلطان الذي يعد -ضمنا لا تصريحا- ظل الله في الأرض وخليفته الذي لا تستقيم الحياة ولا أحوال الناس بدونه، ويخلص الكاتب إلى أن الدولة الدينية - الثيوقراطية - إن لم توجد على المستوى النظري في نصوص الدين الإسلامي، إلا أنها كانت متمثلة في الواقع العملي، وباستخدام تأويلات وتطويعات من القرآن والسنة. أيضا يؤكد الكاتب على أن العدل - كقيمة مبدأية مركزية أرساها الدين الإسلامي - لم يجد منفذا عمليا في كتابات الآداب السلطانية، وظل في صورة نظرية أخلاقية، أما في الواقع فقد كانت الآداب السلطانية تدفع الرعية إلى الصبر أمام الحاكم البر والفاجر، إذ لا سبيل لتحقيق هذا العدل سوى الإرادة الخيرة للحاكم، فتهون كل مساويء وجرائم الاستبداد في مقابل الفتنة والاقتتال وعدم انتظام أمور الرعية!
وأخيرا أقتبس من خاتمة البحث: "وما الحاضر إلا امتداد للماضي من وجوه كثيرة، ومن ثم فعلينا بنقد الماضي الذي يشكل الذاكرة الجماعية للمجتمع ككل حتى نحرر آفات الحاضر من أسر الماضي وقيوده وتصوراته.
ما زلنا حتى اليوم نعيش في طي مفردات الآداب السلطانية في تصورها عن الرعية والعوام والدهماء، ولم ننجح حتى اليوم في تأصيل المفاهيم الحديثة للدولة والحديث عن الشعب ، والمواطنة، والمساواة، فما زالت المفاهيم الأساسية للأدب السلطاني تشكل الوعي الجمعي الحديث، وما زلنا عاجزين عن تأسيس الدولة العصرية الحديثة رغم أن معرفتنا بمفاهيم الدولة الحديثة قد اقترب من قرنين من الزمن.
إن أهم آفة رسختها الآداب السلطانية هو شخصنة الدولة في كيان الملك، فالملك هو الدولة، والدولة هي الملك، ولا تمييز بينهما، ولا فرق، ولهذا كانت حاشية الملك هم أجزاء في جسد الملك السياسي، وليسوا وظائف في نظام الدولة، وهم خدام الملك، أكثر من كونهم خدام الدولة، ومن ثم كانت الآداب السلطانية تكرس لسلطة الفرد المطلقة في الحكم، وتنظر إليه على أنه الذي يحدد طبيعة أي زمن من الأزمان، وأصبح لكل خليفة زمنه، فثمة زمان لمعاوية، وآخر لهارون الرشيد وهكذا أصبح الخليفة أو الملك قادر على تحديد معالم الزمن، لأنه وحده القادر على تحريك دفة التاريخ، ولا قيم للرعايا أو العوام إلا بكونهم محمولين على الملك وتبع له.
تبدو قدرة الماضي حاضرة بقوة في علاقة الملك بالجند، حيث تنصح الآداب السلطانية الملك أن يجزل على الجند من العطاء، ولا يؤخر عليهم أرزاقهم، فهم وحدهم الذين يقدرون على قتل الملك والوزير معا، وهنا نجد معظم النظم الاستبدادية في حياتنا الراهنة تغدق على الجند أو العسكر شراء لولائهم، وطاعة لهم، وخاصة الرتب الكبيرة منهم، والتي يدفع لها البعض بدل الولاء للحاكم، فما أشبه اليوم بالأمس!، وما كان يتم في عصر السلف هو نفسه ما يمارسه الخلف اليوم."
مرة أخري، بحث محترم ودراسة جديرة بالاطلاع.
...... ملحوظة: نسخة وزارة الثقافة - الاصدارات الخاصة - من أسوأ النسخ في التنسيق والإملاء فلا تكاد تخلو صفحة من خطأ طباعي تنسيقي أو إملائي، أخطاء مزعجة جدا وكثيرة للأسف.