كتاب الدوحة رقم 8, يوزع مع عدد يناير 2012 من مجلة الدوحة
يحتوى على كتابين من تأليف أبى القاسم الشابي بالإضافة لمقدمة د. محمد لطفي اليوسفي
الكتاب الأول : مختارات شعرية
الكتاب الثاني : الخيال الشعري عند العرب - الخيال - الخيال الشعرى والأساطير العربية - الخيال الشعري والطبيعة فى رأى الأدب العربي - الخيال الشعري والمرأة فى رأى الأدب العربي - الخيال الشعري والقصة فى رأى الأدب العربي - فكرة عامة عن الأدب العربي - الروح العربية
تلقى تعليمه الأولى في الكتاتيب القرآنية كما تلقى عن أبيه أصول اللغة العربية ومبادئ العلوم وفي عام 1921 توجه إلى تونس العاصمة حيث التحق بالكلية الزيتونية ليتخرج منها عام 1927 ومن هناك إلى كلية الحقوق . وخاض الشابي معارك الشباب في هذه المرحلة لإصلاح مناهج التعليم وساعد في تأسيس جمعية الشبان المسلمين والنادي الأدبي في تونس . وفي عام 1929 توفي والده ليثير ذلك صدمة عنيفة في نفسية الشابي قلبت حياته وقصائده إلى يأس وألم جارفين إلى أن اغتاله الموت شاباً بدائي القلب والصدر وهو على أعتاب عامه الخامس والعشرين . كان من الشعراء الذين تغنوا بالمستقبل وآمنوا بالتجديد ورفضوا الجمود والتقليد وسكبوا ذاتهم في واقعهم الاجتماعي فهو يتغنى بالحياة والفن والوطن والطبيعة والثورة وتزخر قصائده " صلوات في هيكل الحب " ونشيد الجبار" و" أغاني الرعاة " و " تحت الغصون " وغيرها من القصائد بنزعة تأملية تجعله يعود مراراً إلى نفسه ومعنى ذلك أن الشابي حينما بعود إلى نفسه لابد وأن يتأمل واقعه الاجتماعي وقد تستبد به حالات اليأس والغربة غير انه سرعان ما يعود إلى هذا الواقع من خلال تجاربه الذاتية وتبعاً لذلك تكون رومانسيته داعية إلى التغيير
نداء الحياة للشاعر التونسى ابو القاسم الشابى اللى خلاني افكر اشترى و اقرأ الكتاب ده هى اغنيه “إذا الـشعبُ يـوماً أرادَ الحياةَ فـلا بدَّ أن يستجيبَ القدرْ ولابــدَّ لـلّيلِ أن يـنجلي ولا بـدَّ لـلقيدِ أن يـنكسرْ ومَـن لـم يعانقهُ شوقُ الحياة تـبخّرَ فـي جـوِّها وانـدثر” لارتباطها بالثورات العربيه و هذه الابيات كتبها الشاعر فى سن الثالثه و العشرين سنة 1930 !! يعتبر شعر ابو القاسم الشابى ثوره على الكتابه فى وقته فهو حول قلمه الى شعر يحاول ان يكسر قيود الامة
شعر لا يمجد الحاكم ايا كان و لكن شعر يدعو الى الثوره على الظالم و المستبد “الى طغاة العالم. الا ايها الظالم المســــتبد حبيب الظــــلام عدو الحياة سخرت بانات شـعب ضعيف وكـــفك مخضوبة من دماه وسرت تشوه ســـحر الوجود وتبذر شوك الاســـى في رباه رويدك لايخدعــــنك الربيع و صحو الفــضاء وضوء الصباح ففي الافق الرحب هول الظلام وقصف الرعود وعصف الرياح حذار فتحت الرماد الـــلهيب ومن يبذر الشوك يجني الجراح تامل هنـــاك اني حصدت رؤس الــورى وزهور الامل وروّيت بالدم قـــلب التراب واشربته الدمــــع حتى ثمل سيجرفك الســــيل سيل الدماء وياكلك العاصـــف المشتعل.”
شعر يدعو الى السمو و التحرر من القيود “اتخشي نشيد السماء الجميل..اترهب نور الفضاء في ضحاه الا انهض وسر في سبيل الحياة..فمن نام لم تنتظره الحياة” يدعو الى الحريه “خلقت طليقا كطيف النسيم ..وحرا كنور الضحي في سماه تغرد كالطير اين اندفعت ..وتشدو بما شاء وحي الاله”
نداء الحياه يحتوى على كتابين الكتاب الاول: مختارات شعريه و هو عباره عن بعض قصائده
الكتاب الثانى: الخيال الشعرى عند العرب و فى الكتاب ده بيحلل أبو القاسم الشابى تاريخ الروايه و الشعر عند العرب و بيتناول مواضيع مثل الخيال عند العرب و يقارنهم بالغرب فى بعض الافكار و الكلمات عجبتني فى الكتاب ده.
ينقسم إلى قسمين، الأول: مختارات من شعر أبي القاسم الشابي. والثاني: الخيال الشعري عند العرب (في رؤية أبي القاسم الشابي كذلك). وقبل هذين القسمين توجد مقدمة بقلم محمد لطفي اليوسفي قد اختار لها عنوانًا هو: " أبو القاسم الشابي: نداء الثورة .. نداء الحياة " وهو بالفعل محقّ في اختياره لهذا العنوان الذي يتطابق مع شعر الشابي وروحه.
قام اليوسفي في هذه المقدمة بالتركيز على نقد الشابي في الشعر وبيان أسلوبه وطريقته وأفكاره ومنهجه واتجاهه، ولقد كانت هذه المقدمة مذهلة وخصبة بالنسبة لي، وكانت مغرية للقراءة بحماسٍ، إذ إنها - فضلًا عن ما هو موجود من تعريف وإسهاب ونقد - كانت بأسلوبٍ أدبي ناعم ورصين وفخم وواضح ومشوق.
وبما أن القسم الأول كان عبارةً عن مختارات من هذا المقدّم؛ فإنّ اليوسفي أوضح في مقدمته - في نهايتها تحديدًا - أنه قسّم المختارات على ثلاثة - وهو يعني أنه اختارها على أساس هذه التقسيمات لكنه لم يقسمها بأقسام مصرّح بها في فصل المختارات - " نجد القسم الأول النصوص التي يعلن فيها الشاعر عن مفهومه للشعر ووظيفته" (راجع المقدمة). وفي القسم الثاني اختار نصوصًا كسر فيها الشابي الغرضيّة وبدأ بتصريف الكلام على طريقةٍ تُغاير القديم في حين نلاحظ على نصوص القسم الثالث تسلّط الماضي على الحاضر وبروز التراث في شعر الشابي على الرغم من رؤاه التي تحرص على تخطّيه، ونجد فيها " أن صوت الشابي يضيع أو يكاد في أصوات شعراء أسلاف من أمثال عمر بن أبي ربيعة وأبي العتاهية والمتنبي" (راجع المقدمة).
لقد استمتعت كثيرًا في قراءة المختارات الشعرية ووجدت في كثيرٍ منها لذّةً وحلاوةً وجمال. سبق أن عرفت أن علماء النفس قد تحدثوا عن حالة تسمى (تدفّق المشاعر) بحيث إنك تقوم بأداء عملٍ ما وتشعر أنك تميل إليه بشغف وبالكاد تلتفت إلى من هم حولك فتندمج تمامًا مع العمل وتشعر فيه بالراحة والاسترخاء والسكون. وفي الواقع هناك عددٌ من الكتب التي قرأتها ولكن دون الوصول إلى مثل هذه الحالة، وما إن أصل إليها أدرك أن ما أقرؤه بين يدي يتوافق مع مشاعري، وأثناء قراءتي لشعر الشابي، لا أعلم ولكني شعرتُ حقًا بأنني لا أرغب في ترك مثل هذه القصائد الجميلة، شعر الشابي بحق كما قال اليوسفي في عنوان الكتاب (نداء الحياة).
إن شعر الشابي هو شعر الروح، شعر الحياة، شعر الجمال، شعر الأساطير، شعر الخيال، شعر الحقيقة، شعر الطبيعة، شعر الفن، وأكثر من ذلك بكثير. أبو القاسم له حسٌّ عالٍ رفيع يجذبك ويأخذك إلى عالمٍ سماويٍّ بهيّ، يُصعدكَ إلى الأعلى لترى الأرض بمظاهر جمالها وبما تحتويه كما لو أن الملائكةَ تراها، وعندما ينزلُ هابطًا إلى الأسفل فإنه يتحدّث بواقعيةٍ وخيالٍ معًا، سيخبركَ بالحقيقة، سيواجه الشرّ علنًا، سيعرّفك بحنينه وآلامه وأحزانه، لكنه لن ينسى أن يُشعركَ بالأمل، بالحياة، بالحب، بالدفء، بالسحر، بالجمال...إلخ وهو في ذلك يغرد كطائر يطير بجناحيه، تارةً يغني عن شعره وأهازيجه، وتارةً عن حياته، وتارةً عن الوطن، تارةً عن مبادئه وأفكاره، وما أكثر الجمال في ذلك كله في ذلك النسيج المذهل الذي تنساق الروح إليه، إني أحسبُ أن من يقرأ للشابي لا بدّ أن يطير ويحلّق معه.
أما عندما نتحدث عن الكتاب الثاني أو القسم الثاني وهو (الخيال الشعري عند العرب) فإنه يعكس نظرةً نقديةً جميلة عن الخيال الشعري. يبدأ الشابي كتابه بنشأة الخيال في الفكر البشري، وهنا يعيده إلى جذور قديمة جدًا ساحقة في القدم، ولذا يطرح ما كان يُفهَم عن الخيال عند الإنسان الأول، ثمّ يشرع في تعديد انقسامات الخيال، ويحدد الخيال الشعري من أي قسمٍ وأي نوع. يقول الشابي: " إنما أريد أن أبحث في الخيال من ذلك الجانب الذي يتكشف عن نهر الإنسانية الجميل الذي أوله لا نهاية الإنسان، وهي الروح، وآخره لا نهاية الحياة، وهي الله. أريد أن أبحث في الخيال عند العرب من ذلك الجانب الذي تتدفق فيه أمواج الزمن بعزم وشدة، وتتهزم فيه رياح الوجود المتناوحة مجلجلة داوية جامحة، وتتعاقب عليه ظلمات الكون وأضواؤه، وأصباح الحياة وأمساؤها. ذلك الجانب الذي يستلهم ويستوحي، ويحيا ويشعر، ويتدبر ويفكّر، أو بكلمة مختصرة إنني أريد أن أبحث عند العرب عما سميته خيالًا شعريًّا أو خيالًا فنيا" (راجع فصل الخيال من القسم الثاني).
ثم تعبر سفينة الشابي وتقف عند محطاتٍ متعددة فيها يكشف عن أي مقدار كان الخيال الشعري عند العربيّ في الأساطير، وفي رؤية الطبيعة، وفي وجهة نظرة للمرأة، وفي سرد القصّة، ويتوقف ليقارن بين العرب والغرب (أوروبا، اليونان، الهند، الفرس...) ويصل إلى نتيجةٍ فحواها القلّة في كل ذلك، ويرى أن خيال العربي محدود جدًا، يميل إلى الماديّة والصنعة والوصف، قليلًا ما نراه ينطلق لسبر أغوار الحياة واكتشافها، جامدًا ليس فيه تلك اللذة الذي توجد لدى غيره.
بعد هذا يسلط الضوء على فكرة عامة عن الأدب العربي، يكرر قليلًا فيها نتائجه السابقة ونستطيع عدها كخلاصة للبحث السابق، وفي هذه الجزئية بالذات وجدت شيئًا من النبرة الحانقة على العرب القدماء، تلك النبرة التي تصرخ في وجه القديم من الشعر ومن الأدب الجامد والذي يَعتبرونه أصيلًا ويودون التمسّك به كأنموذجٍ مثالي، وهذه النبرة تعكس تمامًا تلك الدعوة التي دعت إليه جماعة (أبولو) التي ينتمي إليها الشابي والتي كان فيها أصحابها يشيدون بتحريك الشعر وغوصه في الأعماق والارتقاء عن السطحية واللجوء إلى الأحاسيس الصادقة والجميلة والرجوع إلى عالم الأساطير.
أخيرًا نجد أن الشابي في الجزء الأخير يقدم عن (الروح العربية: طبيعتها الخاصة والعوامل التي كونت فيها ذلك الطبع والمؤثرات التي عملت على إبقائه في مختلف العصور). وهنا أختصر القول إن الروح العربية وجد فيها الشابي نزعتين: الخطابة والمادية، وهذا حقيقيٌّ بالفعل ولعله يمتدّ إلى يومنا هذا. وجدتنُي كلما قرأت في هذا الفصل أؤيد الشابي.