الكتاب مجموعة من المقالات تجمع بين الأنثروبولوجيا الفلسفية وفلسفة القيم، مع تركيز خاص على الأسس الأنطولوجية للمسؤولية الإنسانية. يجمع العمل بين نصوص كتبت في فترات متباعدة، مما يخلق نسيجا فكريا مترابطا يبرز التكامل بين طبيعة الإنسان ومفهوم القيم. يستهل إنجاردن الكتاب بمجموعة مقالات تحت عنوان "الكتاب الصغير عن الإنسان"، والتي تناقش تميز الإنسان عن الطبيعة من خلال قدرته على خلق واقع ثقافي يتجاوز عالم الطبيعة المادي. يؤكد المؤلف أن الإنسان لا يسيطر على الطبيعة فحسب، بل يخلق عالما جديدا من القيم الثقافية والأخلاقية والجمالية. هذا العالم البشري، رغم كونه قائما على أساس مادي، فإنه يتجاوزه من حيث الجوهر، مكونا ما يسميه إنجاردن "الطبقة المتعالية" التي تضفي معنى على الوجود الإنساني. في مقال "الإنسان والزمن"، يتعمق إنجاردن في تجربة الإنسان للزمن ويقدم تحليلا ظاهريا لأنماط الوعي الزمني. يفرق بين تجربتين أساسيتين: الأولى يشعر فيها الإنسان بالثبات والتعالي على تدفق الزمن، بينما في الثانية يظهر الزمن كقوة مدمرة تهدد هوية الإنسان. ينتهي إنجاردن إلى أن الإنسان يستطيع مقاومة تأثير الزمن المدمر من خلال الأفعال الحرة والمسؤولة التي تعبر عن جوهره المتعالي. المقال المحوري في الكتاب، "في المسؤولية: أسسها الأنطولوجية"، يقدم تحليلا منهجيا شاملا لمفهوم المسؤولية. يميز إنجاردن بين أربع حالات للمسؤولية: تحمل المسؤولية، وتحمل المسؤولية عن فعل ما، والمحاسبة، والفعل المسؤول. يربط إنجاردن إمكانية المسؤولية بشروط أنطولوجية أساسية، أهمها وجود القيم الموضوعية، وهوية الذات البشرية المستمرة عبر الزمن، ووجود قدر من الحرية الإنسانية. يؤكد إنجاردن أن القيم – وخاصة الأخلاقية والجمالية – تشكل الأساس الأنطولوجي للمسؤولية. فبدون وجود قيم موضوعية، تفقد المسؤولية معناها. كما يربط إمكانية المسؤولية باستمرارية هوية الفاعل عبر الزمن، مما يسمح بتحمله تبعات أفعاله حتى بعد زمن حدوثها. في مناقشته للحرية، يرفض إنجاردن التفسير التقليدي للحرية على أنها انعدام السببية، ويقدم بدلا من ذلك مفهوم "الفعل الذاتي" الذي ينبع من مركز الشخصية. يدعم هذا المفهوم بتحليل بنيوي للإنسان كنظام معزول نسبيا، قادر على ممارسة فعل مستقل ضمن شبكة العلاقات السببية في العالم. يختتم إنجاردن الكتاب بمجموعة مقالات عن القيم، حيث يحلل طبيعتها وموضوعيتها ونسبيتها. يميز بين أنواع مختلفة من القيم، ويرفض النظريات الذاتية والنسبية المتطرفة التي تنكر وجود القيم الموضوعية. يتميز العمل ككل بالجمع بين التحليل الظاهري الدقيق والرؤية الفلسفية الشاملة، مقدما تأملات عميقة في conditions إمكانية الوجود الأخلاقي للإنسان. يظهر الكتاب كيف أن المسؤولية والأفعال الحرة وإدراك القيم تشكل معا الأبعاد الجوهرية للإنسانية التي تميز الإنسان عن العالم الطبيعي المحض.