يعتبر النقاد في المغرب هذه الرواية التي صدرت في طبعتها الأولى عن دار الرابطة بالدار البيضاء سنة 1996، رحما لرواية القوس والفراشة، التي نال بها بها المؤلف جائزة البوكر للرواية العربية سنة 2011.
ويعتمد هذا الرأي على كون عائلة الفرسيوي التي انطلقت مساراتها مع جنوب الروح هي التي عرفت تعقد هذه المسارات وإشتباكها بالزمن الراهن في أجواء القوس والفراشة الصادرة في طبعتها الأولى سنة 2011 وفي طبعتيها الثانية والثالثة سنة 2011.
لكن هذه الوشائج السلالية بين الروايتين، لا تجعل منهما عملين متسلسلين، فجنوب الروح هي أولاً وقبل كل شيء، تأمل شجي في إندثار تصور الرواية الأدبية الأولى للكاتب المغربي محمد الأشعري (جنوب الروح) حنين الشخصيات الروائية إلى جذورها وأصولها السلالية ومنبتها القرابي والحضاري. وتؤرخ لأسرة آل الفرسيوي من بني عكي قبيلة بني توزين الموجودة في بوضيرب بتمسمان التابعة لإقليم الناظور في الشمال الشرقي بالمغرب وتنتمي إلى دائرة الريف. وقد هاجر آل الفرسيوي منطقة الريف منذ القرن التاسع عشر في سنواته الأخيرة بسبب الأوبئة والمجاعات التي اجتاحت المنطقة. وهكذا غادرت هذه السلالة الريفية بوضيرب متجهة نحو زرهون المجاورة لفاس ومكناس. وهذه الرواية مجرد استذكار نثري واسترجاع لتاريخ هذه السلالة وأسباب مجيئها إلى زرهون ووضعيتها الثقافية والدينية والاجتماعية والاقتصادية في هذه المنطقة، يقوم بهذا الاسترجاع (فلاش باك) حفيد الفرسيوي الأكبر الذي يدرس بكلية الحقوق بالرباط. وهو ابن محمد الفرسيوي الذي ترك لابنه كناشا يؤرخ لهذه السلالة الريفية الأمازيغية العريقة في الفحولة والجهاد والعبادة والتبرك الصوفي والروحاني. فعبر صفحات هذا الكناش يستعيد الكاتب تاريخ آل الفرسيوي وكيفية انتقالهم إلى دوار بومندرة بزرهون. ويقوم برحلة إلى مدينة الناظور لينتقل إلى بوضيرب عبر دريوش وميضار ليبحث عن جذور هذه السلالة ويبحث عن الأقارب والأجداد والآباء والأحفاد والإخوة لإحياء صلة الرحم وإحياء تاريخ هذا العرق الفرسيوي وإعادة تاريخ منطقة الريف وأبطالها الأشاوس المجاهدين كمحمد بن عبد الكريم الخطابي وشجاعة بني توزين وأهل تمسمان. فرحلة الكاتب هي حنين إلى الأصل وجذور المنبت السلالي، واستذكار للماضي وتاريخ الريفيين إبان القرون الماضية وفترة الحماية وما بعد الاستقلال. وتطفح الرواية بشخصيات تاريخية واقعية وأسطورية ودينية ساهمت في خلق أفضية آل الفرسيوي بدوار بومندرة في ناحية زرهون حيث الزوايا وأضرحة الأولياء ومدفن مولاي إدريس الأول وتلاوة القرآن وتراتيل أوراد المشاهدة الوجدانية. وهكذا تسجل الرواية رحلة آل الفرسيوي من الشمال (منطقة الريف) نحو الجنوب (زرهون) بحثا عن الاستقرار والعيش الآمن وخصوبة الأراضي لتفليحها والأكل من ثمارها وشرب ألبان حيواناتها وشرب مياه عيونها الأطلسية المثلجة وخلق أجواء الفرح والتناسل والإكثار من الأبناء والأحفاد لتوسيع السلالة بزرهون. (جميل حمداوي)
# محمد محمد الأشعري (المغرب). # ولد عام 1951 في زرهون. # تلقى دراسته الابتدائية والثانوية بزرهون ومكناس, ثم بكلية الحقوق بالرباط وتخرج فيها عام 1975. يدير مجلة آفاق , ويشتغل صحفياً بجريدة الاتحاد الاشتراكي بالمغرب. # تحمل مسؤولية اتحاد كتاب المغرب منذ 1989. # دواوينه الشعرية: صهيل الخيل الجريحة 1978 - عينات بسعة الحلم 1981 - يومية النار والسفر 1983- سيرة المطر 1988 - مائيات1994. # أعماله الإبداعية الأخرى: يوم صعب (مجموعة قصصية) 1992.
انطلاقا من العنوان ومرورا بالبداية، وجدتني مأخوذة بكمّ التفاصيل والاتجاهات والمسميات، أسلوب ذكرني بأسلوب ايزابيل اللندي. تنقّل المشاهد بين تقسيمات الزمن جعلني أبقي تركيزي على درجة جيدة من التيقظ حتى لا أفقد بوصلتي الزمنية. ربما كان جديدا عليّ ذاك الإغراق في مشاهد التصوّف والجذب. التوصيف الحسّيّ / الجنسي لرجال ونساء بومندرة أخذ حيزا من الأحداث، بل كانت ابتسامات الفرسيوي الأب قبيل موته، نتيجة استذكاره موسم الربيع الخصب، هي استهلال الرواية الجاذب إلى حدّ. على عكس "الخبز الحافي" كانت هذه التوصيفات والترميزات أكثر اتصالا بالأرض والإنسان في مخيّلتي، منها كوصف مخلًّ زائد عن الحاجة والأدب، لا أدري لمَ!
غرقتُ في عدد من المشاهد جدا، ولازلت أتساءل أيّ روائيّ أجاد توصيف حفظ القرآن وتلك الذاكرة الخارقة للحفّاظ كما فعل الأشعريّ هنا!
انتقلت بروحي لأعيش بينهم حياتهم البسيطة المترابطة، وغير السهلة، وأعاني اندثارهم. عذوبة تصوفهم وجذبهم وانخراط بعضهم في الدنيا دون وعي؛ ومأساة محمد الفرسيوي عندما انتقل للمدينة وما تشكل من معاناة يغوص فيها معضمنا؛ هذا التعلق المذهل بالأمكنة والفناء بفنائها؛ واقعية الحوادث بالرغم من هولها، وَ مرارتها، وغموضها الخفي رُسم في رواية رائعة تخللتها تفاصيل، ونظم، وعادات ساحرة كانت نافذة لحضارة صغيرة الكم والعمر بدأتها هجرة سلالة. ما عكر حالة هيامي فيها هو الانتقال بين الأزمنة، واستخدام اللهجة المحلية بدون توضيحها بالفصحى، وبعض النهايات.