يتناول وصفاً عاماً وتحليلاً عميقاً للأوضاع الثقافية في تركيا منذ إعلان حركة التنظيمات في الدولة العثمانية عام 1839م وحتى أواخر القرن العشرين الميلادي 1990م. وقد حرص المؤلف على الإحاطة الشاملة بالموضوع وتقديم صورة لما يجري في الساحة الثقافية في تركيا، حتى يصف ويحلل التوجهات الثقافية الإسلامية، وتوجهات الثقافة الوافدة، والصراع الذي نشب بينهما، والآثار التي ترتبت على ذلك. والكتاب قراءة ضرورية لفهم وتحليل الأحداث الثقافية والتحولات التي تشهدها تركيا حالياً، والتي تعد في مجملها نتيجة لذلك الطوفان الثقافي، الذي تمكن الفكر الوافد من خلال توجيه سياسات البلد مدة سبعين سنة تقريباً.
الكتاب ممتاز وشمولي والجهد المبذول فيه كبير جدا. يعرض الباحث بداية حركات التغريب والعلمنة وأسباب نشأتها في منتصف القرن الثامن عشر، والمحاولات التي بذلها بعض الأفراد والتيارات لترسيخ فكرة التفوق والتقدم الغربيين ووجوب تبني هذا النموذج، وكذلك فكرة إحياء الروح التركية القومية مقابل الإسلامية، ويدرس الآثار التي أحدثها ذلك في المجتمع التركي سواء على الصعيد العقدي او الثقافي او الاجتماعي، ويحكي قصص التيارات الإصلاحية من كلا الطرفين، وفصّل في حديثه عن العصر الحميدي وعلاقة السلطان بالحركة التحديثية والعلماء المجددين والذي كان من أهمهم جمال الدين الأفغاني، وتطرق أيضا لمدرسته وفكر تلميذه محمد عبده، ثم حكى الكتاب عن التجربة الكمالية للعلمنة المعادية للدين والتي كانت نتيجة حتمية لإصلاحات تغريبية امتدت لنحو قرن من الزمن والتي كانت في أصل نشأتها رامية لإنقاذ الامبراطورية العثمانية والنهوض بها وإلحاقها ركب التمدن والتطور.
كل ذلك ذكره بتفصيل وبتضمين اقتباسات من نصوص أصلية. ورغم أن الكتاب معني بالحالة التركية لكنه يقدم للقارئ تصورا واسعا ويعينه على فهم الحالة الإسلامية بتياراتها الإصلاحية؛ التغريبية منها والتوفيقية والمحافظة.