هذا الكتاب عبارة عن مخطوطة سريانية من تأليف ابن العبري هي "تاريخ الأزمنة"، وفيها يتناول التاريخ منذ بدء الخليقة حتى وفاته عام 1286 ميلادية. إن التأريخ الزمني أو تاريخ الأزمنة لابن العبري يعتبر موسوعة زمنية وتاريخية يوجد بها حشد ضخم من المعلومات المتنوعة، فهو يتعامل مع التاريخ والدين واللغة وعادات الشعوب وتقاليدها علاوة على قصة العلماء والمحاربين الكبار، وهو يصف المعارك وحصار المدن من المغول والتتار وظهور المذنبات الفلكية والظواهر غير الطبيعية في السماء والزلازل والمجاعات وسقوط الثلج، وهو كذلك يحكي فضائح البلاط كما يحكي بعض القصص الهزلية. ولقد رأيت -كمحاولة لاستكمال تاريخ الأمة العربية من وجهة نظر المؤرخين السريان- أن أقوم بترجمة مخطوطة "ابن العبري" سنة 1197 ميلادية، وهو تاريخ وفاة صلاح لادين الأيوبي إلى سنة 1286 ميلادية تاريخ وفاة ابن العبري. ويشتمل هذا الكتاب على الفترة التي عاشها بنفسه، ولذا فهي فترة لها أهميتها من حيث إنها لم تكتب نقلاً، وإنما كتبت عن رؤية ومشاهدة، فجاءت كتابته صورة حية لأحداث عصره.
ما جذبني إلى ذلك الكتاب كان غلافه في البداية ، أحب الأغلفة المتقنة وأحب الزخرفة ، من ثم حينما رأيت أنه وجهة تاريخية سريانية وجدتها فرصة جيدة للاطلاع على رواية أخرى مختلفة للتاريخ.
التاريخ ليس مجرد سرد للأحداث فقط ؛ فسرد الأحداث عموما يختلف حسب توجه الراوي وفكره ، فتارة يعتبر المغير فاتحا ، وتارة يعتبره معتديا حينما يقارنه بغيره .الأحداث واحدة في التاريخ كله ؛ حروب وانتصارات وأماكن تبنى ومدن تخرب ، لكن يختلف الوصف باختلاف وقوفك على جانبي الحدث أكنت فاعلا أم مفعولا به؟
السريان عموما مصدر لا يستهان به في الحضارة العربية بداية بترجمتهم أمهات العلوم من اليونانية واللغات الأخرى للعربية مع احتفاظهم بهويتهم وديانتهم فشاركوا في الحضارة الناشئة مع احتفاظهم بخصوصيتهم الثقافية وها هنا تأريخ أيضا لهم .
الكتاب ليس الترجمة الكاملة للمخطوطة بل هو ترجمة للجزء الذي عاصره ابن العبري فقط مع اغفال الاجزاء السابقة علي حياته التي اعتمد فيها الكاتب على كتب سابقة له _تمت ترجمتها سابقا- فلم تجد المترجمة داعيا لترجمة تلك الأجزاء مع احالتك إليها في مصادرها الأصلية ، وفي ذات الوقت هو ـاريخ لمنطقة جغرافية محددة تشمل بلاد الشام والجنوب التركي أي منطقة التواجد السرياني مع تاريخ للمغول وبعض أحداث دولة السلاجقة ودولة المماليك في مصر .
من ناحية الكتاب يعد أحد المصادر القيمة في تأريخ المغول بالاهتمام بخصويتهم الثقافية وعاداتهم وصول النشأة بعيدا عن الأساطير والحكايات وهي ما كانت قليلة عموما في أغلب الكتاب فكان الكتاب نموذجا رائعا في التاريخ بعيدا عن الاساطير وبعيدا عن الروايات الكثيرة فهو يروى أيامه .
طريقة العرض تبدو قريبة الشبه كثيرا بأغلب كتب عصره التاريخية العربية كما كتاب البداية والنهاية مثلا لابن كثير فهو يذكر السنة ثم يذكر أحداثها وأحيانا ترجمة لشخصية بارزة توفيت في ذلك العام .
الترجمة والتحقيق رائعان جدا مع الاعتماد على ترجمة اخرى للمخطوطة ومصدرين مختلفين لها والاعتماد على كتب معاصرة لتوضيح بعض الأحداث او ترجمة بعض الشخصيات ولكن كان سيكون من الرائع لو تم ادراج خريطة بالأماكن التي تم إيرادها هنا خصوصا مع كثرة الأماكن ها هنا.
تحيز المؤلف للمغول -خصوصا المعتني منهم بالمسيحيين - واضح جدا ولا يكاد يذكر اسم واحد منهم الا بكل تبجيل واحترام كما أن بعض المصطلحات تبدو غريبة خاصة أنها لا تكاد تذكر في كتب معاصريه فمثلا هو لا يذكر المصريين إلا بصفتهم " المصريين " أو "الفراعنة " ويذكر "العرب" بدلا من "المسلمين" كما أنه أغفل الكثير من الأحداث فمثلا ذكر خبر تيمورلنك جاء مفاجئا ولم يذكر كاملا .
الكتاب كمجمل جيدا جدا خصوصا لكل مهتم بالتاريخ بعيدا عن تحيز ما.