من الكتاب: وجملة القول أن الإنسان عبد للعواطف لا الاستدلال والمعتقدات والعقل، ويقوم كيان الدين على الاعتقاد بالعواطف نفسها ولذلك مادامت عواطف الأمل واليأس والحب والكراهية والقنوط والعجز والمكافأة والانتقام والاحترام والتعظيم والدهشة وحب الجمال وغيرها من الأحاسيس والعواطف الإنسانية، تتمكن في أعماق قلب الإنسان وتملكها، ويتكون منها كيانه الطبيعي ومزاجه فإن الدين سيظل جزءً من الوجود الإنساني. إن العقل يعجزعن إثبات الدين كما يعجز عن إبطاله، ولا يشكل ذلك عاراً للدين أو عيباً له، وإنما هو دليل على استقراره، وميزته. لم يلحق بالدين ضرر من عداوة الحكماء والفلاسفة مثل ما لحق به بسبب أصدقاءه الجهلاء وهم المتكلمين، وهم لا شك أعداؤه الحقيقيون وإني أقول ولا أخاف في ذلك لومة لائم، أن الجزء الكبير من علم الكلام يستحق أن يُحرق كلياً وعلى الأكثر يستحق أن يكون في متحف ليكون عبرة ودرس للآخرين. فإن علم الكلام عدو مبين للدين، وإن أنصار الدين الأغبياء من المتكلمين هم أشد خطراً وعداءً من أعداء الدين الحكماء من الملحدين والماديين.
عدا عن حجمه الصغير وسلاسة لغته و وضوح طرحه ، فالكتاب أوصل الأفكار بطريقة جداً مبسطة في موضوع متشابك جداً هو العلاقة بين العلم والدين والفلسفة -العلوم العقلية- والدين ، أعجبني في المجمل إلا بمهاجمته غير المبررة لعلم الكلام والمتكلمين ، مع أنَّ الكتاب في الحقيقة لو أردنا أن نصنفه لصنفناه في خانة علم الكلام من حيث الطرح ، فهذه المواضيع هي مواضيع علم الكلام ، في النهاية أنصح الجميع بأن يقرأوه وأن ينتبهوا لما نبهت ، فالكتاب كما قال عنه أبو الحسن الندوي :- "قلعة حديدية من قلاع الإسلام" .. خاصة في رسم الحدود بين مختلف المباحث