تفرض مُعطيات "سيّد قطب" التاريخية نفسها على الباحث المُعاصر ليس لغِناها وتنوّعها وكثافتها فحسب، وليس لإنطلاقها من زاوية رؤية إسلامية خالصة وتصوّر أصيل، وإمتلاكها شخصيتها المتميّزة فحسب، وإنما لكونها - فوق هذا وذاك - تمتدّ إلى شُعَب الفكر التاريخي الثلاث وتقول كلمتها في جوانب منها: منهجاً وتفسيراً وعَرْضاً.
إن الرجل يطرح منهجاً في التاريخ الإسلامي، ويمنح قارئه رؤية واضحة لتفسير إسلامي للتاريخ، فضلاً عن أنه يعرض لفترات من التاريخ الإسلامي ويحلّل جانباً من مُعطياتها؛ لقد عالج "سيّد قطب" في بحثٍ مُوجزٍ له بعنوان (في التاريخ: فكرة ومنهاج) كان قد نشره في عددين من مجلة "المسلمون"، ثم نُشِرَ مستقلاًّ مع عددٍ من المقالات المتفرّقة في كُتَيّب يحمل العنوان نفسه مسألة منهج البحث في التاريخ الإسلامي، وقدّم في عمله الكبير (الظلال) قطعاً طيّبة عن التفسير الإسلامي للتاريخ، وعرض في (الظلال) نفسه، وفي (العدالة الإجتماعية) في الإسلام و(معالم في الطريق)، وعبر عددٍ من كتبه الأخرى، لمساحات واسعة من تاريخنا الإسلامي، تمركزت بخاصة في عصريْ الرسالة والراشدين، فضلاً عن العصر الجاهلي.
ولأهمية هذا الموضوع اهتم الكاتب بدراسة هذا الجانب التاريخي من فكر "سيّد قطب" ومُعطياته من أجل أن تستكمل الدراسات عن الرجل أسبابها، سيّما وأن معظم البحوث القيّمة التي كُتِبَت عنه، أُطروحات علمية أو دراسات مستقلّة، لم تَفِ هذا الجانب من فكر سيّد حقه من البحث والتحليل.
عماد الدين خليل (ولد 1358 هـ - 1939 م) هو مؤرخ ومفكر، من أهل الموصل.
ولد عماد الدين خليل الطالب في الموصل سنة 1358 هـ - 1939 م (وقيل سنة 1941 م). حصل على البكالوريوس (الليسانس) في الآداب بدرجة الشرف من قسم التاريخ بكلية التربية ، من جامعة بغداد، سنة 1382 هـ - 1962م. ثم على الماجستير في التاريخ الإسلامي، من جامعة بغداد أيضا، سنة 1385هـ - 1965م. وثم درجة الدكتوراه في التاريخ الإسلامي، من جامعة عين شمس، سنة 1388 هـ - 1968م.
عمل مشرفاً على المكتبة المركزية لجامعة الموصل عام 1968 - وعمل معيدا فمدرساً فأستاذا مساعدا في كلية آداب جامعة الموصل للأعوام 1967-1977 عمل باحثا علميا ومديرا لقسم التراث ومديرا لمكتبة المتحف الحضاري في المؤسسة العامة للآثار والتراث/ المديرية العامة لآثار ومتاحف المنطقة الشمالية في الموصل للأعوام 1977- 1987 حصل على الأستاذية عام 1989 وعمل أستاذا للتاريخ الإسلامي ومناهج البحث وفلسفة التاريخ في كلية آداب جامعة صلاح الدين في أربيل للأعوام 1987- 1992 ثم في كلية تربية جامعة الموصل 1992-2000م فكلية الدراسات الإسلامية والعربية في دبي بالإمارات العربية المتحدة 2000-2002م فجامعة الزرقاء الأهلية/ الأردن عام 2003 م فكلية آداب جامعة الموصل 2003-2005م التي أعارت خدماته لكلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة اليرموك/ الأردن؛ حيث لا يزال يعمل هناك.
- شارك في عدد من المؤتمرات والندوات الدولية العلمية والثقافية من بينها : المؤتمر الأوَّل للتعليم الجامعي بغداد العراق 1971م - والمؤتمر العالمي الثالث للسيرة والسنة النبوية الدوحة قطر 1979م - والمؤتمر الدولي الثالث لتاريخ بلاد الشام (فلسطين) عمان الأردن 1980م.
- وشارك في إنجاز عدد من الأعمال العلمية لبعض المؤسسات ومنها: المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم/ تونس - ومركز الدراسات الإسلامية/ أكسفورد - والمعهد العالمي للفكر الإسلامي/ فيرجينيا - والندوة العالمية للشباب الإسلامي/ الرِّياض.
يتناول هذا الكتاب المعطيات التاريخية في كتابات سيد قطب، التي يرى الكاتب أنها تمتد إللى شعب الفكر التاريخي الثلاث: المنهج والتفسير والعرض.
أما في المنهج، فيركز الكاتب على كتاب سيد "في التاريخ: فكرة ومنهاج"، فينقل عنه اقتباسات طويلة يُبرز من خلالها ملامح منهج البحث التاريخي الذي نادى به سيد، فالتاريخ بنظر سيد (ليس هو الحوادث، وإنما هو تفسير لهذه الحوادث واهتداء إلى الروابط الظاهرة والخفية التي تجمع بين شتاتها وتجعل منها وحدة متماسكة الحلقات، متفاعلة الجزئيات، ممتدة مع الزمن والبيئة امتداد الكائن الحي في الزمان والمكان) وبهذا التعريف، يتميز منهج البحث الإسلامي الذي يدعو له سيد عن مناهج الماديين والمثاليين التي تعطل جانب الروح أو الفكر أو الحس حين تتعامل مع وقائع التاريخ.
أما في التفسير، فيرى سيد أن القرآن يركز في عرضه للوقائع التي حصلت ايام الرسول صلى الله عليه وسلم على الإرتباط المحتوم بين المقدمات والنتائج في مجرى الوقائع التاريخية، وأن حركة التاريخ لا تمضي عبثا وعلى غير هدى، وإنما تحكمها سنن ونواميس وقوانين ترتب المصائر على اجتماع حشد من الوقائع والأحداث وتجعل من توجه الفعل التاريخي بهذا الإتجاه أو ذاك أمرا محتوما. ثم يركز الكاتب على تفسير سيد لسورة الأنفال، حيث يستنتج منه بعضا من هذه السنن والنواميس والقوانين: - أن الأسباب وحدها لا تنشئ النتائج، بل هناك ما يفوقها فاعلية ويمنحها القدرة على العمل: أنه قدر الله. - أن النتائج التاريخية لا تأتي بالتمني، وإنما بالجهد والجهاد والمعاناة - أن من سنن الحياة انتصار العصبة المؤمنة على أعدائها - أن الإنسان هو عنصر إيجابي في صياغة التاريخ، وهو الذي يملك زمام التغيير، وليس مجرد أداة لـ"الحتميات التاريخية" تفعل به ما تشاء - أن الغاية لا تبرر الوسيلة، فالنفس الإنسانية وحدة لا تتجزأ، فلا يمكن أن تصل لغاية شريفة باستحلال وسيلة خسيسة، إذ لا انفصال في تكوين النفس البشرية وعالمها بين الوسائل والغايات وهكذا يعدد الكاتب عشرين قانونا يستنبطها من تفسير سيد لسورة الأنفال، آخرها: - أن الحتمية الوحيدة في التاريخ البشري هي حتمية الموت، الذي يمنحه الإسلام بعدا جديدا ويحوله من أداة انكماش واستلاب إلى نقلة لعالم الخلود
أما في العرض أو البحث، فقد غطى سيد من خلال كتاباته مساحة زمنية كبيرة من التاريخ الإسلامي، تمتد من العصر الجاهلي إلى عصر الرسالة، فالعصر الراشدي وبدايات العصر الأموي. كما تناول سيد في تفسيره "في ظلال القرآن" قصص الأنبياء والأشخاص والقرى والوقائع التي تحدث عنها كتاب الله. ويخلص سيد إلى بطلان محاكمة المعطيات التاريخية القرآنية على البحث التاريخي، لأن التاريخ مولود حديث العهد فاتته أحداث لا تحصى في تاريخ البشرية، أما القرآن فهو يروي بعض هذه الأحداث التي ليس لدى التاريخ علما عنها. ثم يعرض الكاتب لنماذج من الأحداث التاريخية التي تناولها سيد وطريقة تناوله لها: كقصة ذي القرنين، ومعركة بدر وغزوة الأحزاب وغزوة تبوك والمجتمع الجاهلي... لكن بدل أن يكون هذا الفصل أطول فصول الكتاب، إذا به أقصر فصوله، وكأن الكاتب كان متعجلا لإنهاء الكتاب... لذا كان تقييمي ثلاث نجمات بدل الأربعة التي يستحقها الكتاب بجدارة